حول "المشهد الفلسطيني في الأدب العربي"، أقيمت حلقة نقاش بالصالون الثقافي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخمسين، أمس الأحد، شارك في المناقشة؛ الأديب ناجي الناجي، المسئول الثقافي بالسفارة الفلسطينيةبالقاهرة، والشاعرة ابتسام أبوسعدة، والكاتبة زينات أبو شايش، والكاتبة بيسان عدوان، وأدارت الجلسة؛ القاصة سامية أبو زيد. تحدث ناجي الناجي عن المشهد الثقافي الفلسطيني قبل اتفاقية أوسلو، وقال، إن الأعمال السردية والشعرية الفلسطينية تحولت بصورة كبيرة عام 1936، حيث انتبه الأدباء إلى أهمية تناول قضايا الأرض الوطن. وتناول خلال حديثه المراحل التي ساهمت في تحولات المشهد الفلسطيني، منها دور النكبة في إيقاظ الوعي والحماسة، وتوجيه قطاع كبير من الأدباء باتجاه الحماسة وشعر المقاومة، في حين سمح البعض بدخول تحديثات على الأشكال الفنية لكن المضمون يعتبر واحدًا. وأكد أن الاتجاه الأدبي بعد اتفاقية أوسلو أخذ شكلًا إنسانيًا، معتبرًا أن قصائد الكثير من الفلسطينيين آنذاك لا تعبر عن الموجودين في المنفى، مشددًا أنه يجب علينا أن نوثق نكبتنا لأن الذاكرة وحفظها هي جرحنا الكبير. وقال "قبل مطلع القرن كان من الصعب تحديد مناطق جغرافية معينة ثقافيا، فكانت الثقافة في بلاد الشام، وفي مصر، وبلاد النهرين كتلة واحدة، ولم يكن هناك تخصيص ثقافة كل بلد على حدة، وكنا في فلسطين، فرائس للاحتلال، ولم تكن إسرائيل ظهرت كفكرة ولكن كانت كمشروع، وفي قياس الحضارات والدول، عندما نذهب الآن ونقول المشهد الثقافي في فلسطين، يطرق إلي ذهني في الأدب المعاصر خليل بيدس، الذي كتب أول رواية فلسطينية وأنشأ واحدة من أهم المجلات الثقافية وهي النفائس عام 1920، وكان خليل من أوائل من ترجموا من الروسية الي العربية". وظهر أيضًا في المشهد الأدبي الفلسطيني إبراهيم طوقان، كان شاعرًا فلسطينيًا، وكان شاعرًا من الشعراء الذين تغنوا بالأرض والمقاومة، وهناك نماذج أخرى مر عليها التاريخ سريعا لكنها كانت ولازالت موثرة أدبية بكتاباتها الباقية حتى الآن. ورأى "الناجي" أنه في آخر 10 سنوات، كان لفلسطين حضورًا كبيرًا في المشهد، وحقق فلسطينيون نجاحات كبيرة، وكانوا متحققين أدبيًا، وفازوا بجوائز كبرى مهمة ولم يكن فوزهم هذا تعاطفًا مع قضيتنا، ولكن لأنهم بالفعل متحققون. وقال "لم نعد أو ننتظر التعاطف من أي أحد، وأصبحت أراهن على نص الكاتب الفلسطيني، فمثلًا لدينا ابراهيم نصر الله، الذي طبعت أعماله آلاف الطبعات، لديه مشروع الملهاة الفلسطينية وكثير من الفلسطينين لديهم مشروع أدبي يعملون عليه". وأضاف "علينا أن نكون أنفسنا، وأدباؤنا قادرون علي التعبير عن أنفسهم". وفي كلمتها، قالت الشاعرة ابتسام أبوسعدة، "لست أدري هل يجوز لي أن أحدث الوطن عن الشتات، وعن وصمة اللاجئ التي طالما التصقت بكل من هُجر من أرضه، وبيته، وعرضه، هل يجوز أن أغني له من هنا، وأنا الراحلة بين الأوطان أرتجل الحياة، وأتيه بين بلاد وبلاد، وبين اللهجات التي شكلت لكنتي الهجينة، لست أدري هل يحق للاجئ ما يحق لغيره، أم أنه ارتضى الشتات بديلا، حيث لا هوية تدعوه للتمسك بالحجارة، ورغم هذا، كان متمسكًا جدا بوطنه، متماسكًا في غربته، يقاوم دائما قاهرًا اغترابه الذي لا يتوقف، فأخذ يمارس فعل الانتماء بالكتابة، وصنع موروثًا أدبيًّا هائلا ساهم في تشكيل ملامح المشهد الفلسطيني، والأدب الفلسطيني، فقبل ال 48 و67، لم يكن الإنتاج الأدبي الفلسطيني ظاهرًا في المشهد العربي الثقافي كما هو في المشهد الفلسطيني، غير أن قضية الاحتلال والتهجير شكلتا أهم ملمحين في النتاج الأدبي". وأضافت "أبوسعدة"، "كان الوطن واضحًا جدا لدى كتاب الشتات، وهي السمة الأبرز في الأدب الفلسطيني، ولا تزال، حتى وإن كان غصن زيتون يتشبث بأرضه على أسطر يخطها الكاتب، فقد احتل المشهد الفلسطيني الأدب العربي واعتلى منصة المنادين بالثورات ومقاومة الاحتلال، إلا أنه يختص بالأساس بميزات زمناكية، وتطورات بنائية تخص تطور الوضع السياسي للبلاد. وتبقى مشكلة الهوية هي الأساس، فكيف يبقى الكاتب اللاجئ منفيا في أوطان أخرى تحدد مصيره، وتلزمه بقوانينها، وتقمع مقاومته من المنفى؛ أو أنه يبقى منفيا في وطنه تحت راية الاحتلال الصهيوني مواطنًا من الدرجة الثانية". ورأت "أبوسعدة"، أن الكثير من الكتاب العرب، اختاروا أن يعيشوا في المنفى بسبب قمعهم في أوطانهم، ولكن هناك أعداد أكبر بكثير من هؤلاء ممن يعيشون - على عكس الفلسطينيين- في بلادهم المتمتّعة بالسيادة الكاملة، فنجد أن الحالة الفلسطينية أو التجربة الفلسطينية كانت صعبة جدًا، فلا يمكن لأي كاتب أن يتجاهل هويته، وقضيته، وأرضه المغتصبة، سواء كان من الأراضي المحتلة، الشتات، غزة أو الضفة الغربية، ربما الاختلاف الذي نجده هنا هو انغماس بعضهم في البعد السياسي للقضية، وآخرون منغمسون في رؤية الحانب الإنساني أكثر، ويعبرون إلى العالم من هذا المنطلق. وأعتبرت أنه ليس هناك مهرب أبدًا من تجاهل الوطن والقضية والاحتلال والتغريب، فالكاتب الذي يفكّر في التوجه توجّها منفصلاً كاتب يتنكّر للواقع والتجربة، والانغماس في تجربة الحياة اليومية العادية ليس معناه خيانة للذات والوطن. لكن الكتّاب الفلسطينيين ليس لديهم مجال للهروب، لأن أحداث التاريخ المعاصر تجرفهم في تيارها حتى قبل أن يولدوا. وهم محرومون من نعمة اختيار ما أحبوا من ماضيهم، ومن انتقاء ذكرياتهم، ومن إعادة ترتيب العلاقات التي تتجاوز الأحداث والظروف الخارجية. لقد أضحوا منفيين دائماً: أضحوا ذلك النمط من الغرباء الأبديين، الذين يكافحون ضدّ عقبات من كل نوع وحجم. ولكن أعظم نضال خاضهُ الكتّاب الفلسطينيون وأعظم انتصار حقّقوه، هو رفضهم أن يكونوا ضحايا الإنسانية الخانعين في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع أنهم لم يتوقّفوا أبداً عن الإحساس بالمعضلة التي يحياها شعبهم، فإنهم يبدون من قوة التحمّل ما يعلو على المأساة ويتجاوز الضرورة. وهذا ما لوّن الأدب الفلسطيني المعاصر وحدّد وجهته ولهجته. وقالت "عندما نتحدّث عن الأدب الفلسطيني المعاصر – كما تضيف أبوسعدة - فإننا، في واقع الحال، نُجابه بأدبين: أحدهما أنتجه كتّاب يعيشون على أرض فلسطين التاريخية، والثاني أنتجه كتّاب يعيشون في الشتات. ففي سنة 1948، انشطرت الثقافة الفلسطينية ذات الجذور الراسخة، وظلّت الصلات المباشرة. بين الكتّاب العرب الذين يكتبون في (الأرض المحتلة) والكتّاب الذين يكتبون في المنفى. شبه معدومة لما يقرب من عشرين سنة. واختلفت الحياة، تحت الاحتلال في الداخل الفلسطيني. اختلافاً كبيراً في بعض النواحي عنها في الأردن (الذي ضم الضفة الغربية وكانت تعيش فيه أغلبية فلسطينية) أو في الشتات في بقية البلاد العربية، حيث كانت تعيش أعداد كبيرة من الفلسطينيين المنفيين بصفة لاجئين. وقد كان معظم الدول العربية يعمد إلى وسائل القمع في معاملة الفلسطينيين رغم انشغال تلك الدول سياسياً وعاطفياً بالقضية الفلسطينية، وهو وضع خلق مشكلات كثيرة للفلسطينيين لم يسبق لها مثيل. لكن جناحي الثقافة الفلسطينية في أرض فلسطين نفسها عادا إلى الاتحاد بعد أن فتحت الحدود بين الداخل والضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب سنة 1967، وتفهّم كلّ منهما تجربة الآخر تفهّماً كاملاً، وتمثّلها كما لو كانت تجربته الخاصة، ويبقى الكاتب في المنفى تائها بين الوطن والشتات". ورأت الدكتورة زينات بو شايش، أن الوضع الأدبي الفلسطيني يعاني من حالة من التشظي بسبب الشتات، والتغييرات السياسية التي حدثت منذ الانتفاضة حتي الآن تركت آثارا في غاية السوء، وقد تجلت هذه المشاهد في صور كثيرة، وتساءلت إلى أي مدى استطاع الأدب العربي أن يعبر عن القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن القضية الفلسطينية لم تأخذ حقها في الأدب بشكل عام. وتحدثت الكاتبة بيسان عدوان عن المشهد الأدبي الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو، وقالت "نحن نؤنسن فلسطين حتي تبقي، لسنا وحدنا نسنطيع أن ندافع هذه الأمة، بقاؤنا ومسيرات العودة التي لا تتبع أحدًا، هذه انتفاضة شعب، شباب مقموع أو م الخارج، هو يعبر عن مرحلة جديدة لدى الفلسطينين". . . .