مع عقد جامعة الدول العربية لقمتها في بغداد, تتردد تساؤلات هامة عن مدي التغيرات المتوقعة والمنتظرة من الجامعة, بعد سلسلة من الثورات التي اجتاحت العالم العربي, وبعد أكثر من ستة عقود لم تكن فيها الجامعة سوي صالون فخم يضم زعماء العالم العربي, وهم يتجادلون جدال عقيم وعميق حول عدم فعل أي شيء. يناقش خبير السياسية الخارجية خالد الجندي، والزميل الزائر لمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينجز, آفاق جامعة عربية جديدة, تستجيب أخيرا لتطلعات شعوبها, في تقرير له عن دور الجامعة الجديد بعد الثورات العربية يكتب: "كانت جامعة الدول العربية، كما وصفها أحد الخبراء "جماعة تعشق الجدل"، وذلك للتعبير عن عدم فعاليتها، وتقاعسها عن العمل، أو عدم كفاءتها (وفي بعض الحالات كانت هي الثلاث حالات مجتمعة), لكن منذ أن بدأت الانتفاضات العربية، يبدو أن جامعة الدول العربية قد عززت من مصداقيتها في الشارع ومكانتها الدبلوماسية بفضل عدد من الإجراءات الجريئة التي لم يكن واردا قبل سنوات قليلة مضت أن تتخذها. كان من أبرز هذه الإجراءات تعليق عضوية دولتين هما ليبيا، وسوريا، في حين دعت قادة الدولتين لتقديم استقالتهما، إضافة إلي إجازة التدخل العسكري الدولي ضد ليبيا، وفرض عقوبات واسعة النطاق على سوريا. وهنا يلح التساؤل هل هذه التطورات دليل على تغيرات عميقة في طريقة عمل الجامعة العربية, بما يتناسب مع ثورات "الربيع العربي"؟ أم أنها مجرد استجابات استثنائية لظروف استثنائية (وبالتالي مؤقتة) ؟ يري الجندي أن هناك أهمية خاصة للمحرمات التي تحطمت في الجامعة العربية، وهي المؤسسة التي كانت مهمتها الرئيسية الحفاظ على سيادة أعضائها، مسترشدة بقانون صارم من عدم التدخل في شئونهم الداخلية, في الواقع، هذه التطورات دفعت لدعوات جديدة لإصلاح الجامعة العربية وتعديل ميثاقها الذي بلغ عامه ال 67 ، وذلك لإضفاء طابع رسمي على أولويات جديدة مثل حقوق الإنسان وضرورة حماية المدنيين، وكذلك إبراز مبادئ توجيهية أكثر وضوحا فيما يخص إمكانية التدخل في شئون الدول العربية ومبررات هذا التدخل. ويقول الجندي إن بالإمكان أن تصبح الجامعة العربية - بعد إصلاحها- لاعبا أكثر فاعلية دبلوماسيا على جبهات أخرى كذلك، بما في ذلك عملية السلام المتوقفة منذ فترة طويلة بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن جامعة عربية أكثر قوة وديناميكية, يمكنها أن تمهد الطريق أيضا لتعاون بناء وفعلي بين الدول العربية في مجالات التجارة والتبادل الثقافي والعلمي، والأمن الإقليمي, وجميعها, حاليا جزء من واجباتها الرسمية، لكنها لم تسعي أبدا بشكل جدي لتحقيقها. من ناحية أخرى، وفقا للتقرير، فإن الدعوات من أجل الإصلاح من داخل المنظمة ظلت مبهمة, فهي غير واضحة بحيث تستعد الدول الأعضاء لمواجهة نقص الإجماع الأكثر خطورة، وذلك لعدم وجود آلية للتنفيذ, ويستلزم تصحيح هذه الفجوة, مصادرة قدر من سيادة الدول العربية ورغبتها في عدم التدخل في شئونها. و على الرغم من ثورات عام 2011، لا تزال جامعة الدول العربية عبارة عن مجموعة من الأنظمة الاستبدادية في الغالب, يسيطر عليها عدد قليل من الأعضاء الأقوياء (هم تاريخيا مصر ولسعودية، وربما قطر الآن ) ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن (قدر الإمكان حاليا). يري الجندي انه من السابق لأوانه القول, ما إذا كان سيتم في نهاية المطاف تحول جامعة الدول العربية إلى قوة تغيير إيجابي أو منتدى حقيقي للتعاون إقليمي, إلا أن التغيرات في سلوك أعضائها وأولوياتهم حتى الآن جديرة بالملاحظة، وان كانت غير ثورية حتى الآن. لكن في حين أن "ربيع جامعة الدول العربية" لا يلوح حتى الآن في الأفق، إلا أن التغيرات الهائلة التي تتكشف بين كثير من الدول الأعضاء سوف تستمر في تحويل الهيئة القومية العربية إلي طرق ومسارات جديدة ومثيرة للاهتمام, تماما مثل الكثير من دول العالم العربي، ولذلك، تظل جامعة الدول العربية في حالة حراك من اجل التقدم. علقت أيضا تمارا كوفمان ويتس، مديرة مركز سابان, بان ما يميز القمة العربية لهذا العام أنها تنعقد في دولة دستورية ديمقراطية ، هي العراق، وأنها تضم الناشط التونسي السابق في مجال حقوق الإنسان، منصف المرزوقي، ليكون من بين رؤساء الدول. وتري ويتس أن مثل هذه التغيرات, قد أصبحت حقائق ملحوظة تعكس مدي الاستيعاب السريع للمعايير الديمقراطية في الجامعة وبين الدول الأعضاء خلال عام واحد. تتذكر ويتس انه في مارس 2004، كان تم إلغاء القمة العربية التي كان مقرر عقدها في تونس في اللحظة الأخيرة , بعد خلافات حادة نشبت بين الحكومات العربية بشأن كيفية التعامل مع قضية الإصلاح الديمقراطي. وصدر إعلان في الاجتماع المعاد بعد شهرين يلزم القادة العرب"بالسعي لتحقيق الإصلاح والتحديث في بلداننا، ومواكبة التغيرات العالمية السريعة، من خلال تعزيز الممارسة الديمقراطية." وتري أنها المرة الأولي التي كان يتم فيها استخدام كلمة "ديمقراطية" في إعلان لجامعة الدول العربية. وتضيف انه ظهر تحول هائل في مارس من العام الماضي, فيما يخص نهج الجامعة العربية الجديد, في مواجهة تهديدات القذافي باستخدام العنف ضد مواطنيه الثائرين, وذلك عندما طالب وزراء الخارجية العرب بمنطقة حظر لطيران وأكدوا علي ضرورة "ضمان حق الشعب الليبي في الوفاء بمطالبه وبناء مستقبله ومؤسساته في إطار ديمقراطي". وهنا تلاحظ ويتس ان ذلك كان استخدام ثاني هام من قبل الجامعة لمصطلح "ديمقراطية ",منذ ذلك الحين، اعترفت جامعة الدول بالديمقراطية وقواعد حقوق الإنسان إلى أبعد من ذلك، بفرض عقوبات جماعية ضد سوريا، احد أعضائها المؤسسين، للاحتجاج على قمع النظام السوري الوحشي ضد مواطنيه. وقال رئيس الوزراء القطري حامد بن جاسم في الإعلان عن عقوبات في نوفمبر الماضي، "السلطة لا تعني شيئا إذا كنت عدوا لشعبك". تتوقع ويتس أنه خلال اجتماع القمة العام القادم، سوف يكون هناك ما لا يقل عن خمسة رؤساء وزراء جاءوا من خلال انتخابات ديمقراطية, وتري أنه بالتأكيد سيكون هناك توسع ملحوظ في الممارسة الديمقراطية بين أعضاء الجامعة، وأخيرا سوف تتبني الجامعة سيادة الشعب كأساس للشرعية.