سيطر توتر ملحوظ في العلاقات بين جامعة الدول العربية وسوريا اثر إعلان الأولى لبيانها الذي حاولت من خلاله ممارسة ضغوط على النظام السوري من أجل وضع حد للأوضاع الإنسانية في البلاد، اثر الاستخدام المفرط للقوة من جانب نظام الأسد ضد المحتجين منذ بدء الثورة في مارس الماضي. دمشق تتحفظ رد الفعل السوري إزاء البيان لم يكن مختلفا عما كان عليه إزاء المواقف الدولية الأخرى كموقف الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وحتى تركيا. فقد تحفظت دمشق رسميا ، على بيان الجامعة العربية الذي دعا إلى "وقف إراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان" وأكدت أنها تعتبره "كأن لم يصدر" . وأفاد البيان أن الوزراء العرب " طلبوا من الأمين العام القيام بمهمة عاجلة إلى دمشق ونقل المبادرة العربية لحل الأزمة إلى القيادة السورية ". ولم يحدد البيان مضمون هذه المبادرة كما لم يحدد موعد مغادرة العربي إلى العاصمة السورية. وأكدت مندوبية سوريا لدى الجامعة العربية في مذكرة أرسلتها إلى الأمانة العامة للجامعة ووزعتها على سفارات الدول العربية في القاهرة أنها "سجلت رسميا تحفظها المطلق" على البيان الصادر عن الجامعة العربية و"تعتبره كأن لم يصدر خصوصا أنه تضمن في فقراته التمهيدية لغة غير مقبولة وتتعارض مع التوجه العام الذي ساد الاجتماع"، وفق دبلوماسيين عرب. واستغرب السفير السوري يوسف احمد، مندوب سورية الدائم لدى جامعة الدول العربية ورئيس وفدها إلى الاجتماع أن يأتي هذا البيان من الجامعة بالتزامن مع إشتداد الضغط الدولي والأمريكي على سورية وبين لجوء أطراف عربية وإقليمية إلى إصدار تصريحات وخطابات تتضمن نصائح للقيادة السورية في مجالات الديمقراطية والإصلاح وحقوق الإنسان وتلبية المطالب الجماهيرية . معتبرا أن سورية كانت ستقبل التعامل مع نصائح وخبرات تأتيها من دول شقيقة أو صديقة تحرص فعلا على أمن واستقرار سورية وتملك في ذات الوقت تجربة عملية ودستورية وقانونية عريقة في مجال الحريات العامة والأساسية والإعلامية وفي مجال الممارسة الانتخابية الشفافة والنزيهة والحياة البرلمانية الفاعلة. لافتا الى أن ما جرى كان مجرد محاولات من دول لا يملك بعضها دستورا إلى الآن وبعضها اصدر فتاوى شرعية بتحريم التظاهر والاحتجاج لاستغلال الحالة السورية في خدمة أهداف ومصالح بعيدة كل البعد عن غاية دعم أمن واستقرار وحرية سورية وشعبها. مبادرة الجامعة العربية صرح العربي للصحفيين، ردا على سؤال حول موعد زيارته إلى سوريا، أنه "على استعداد لزيارة سوريا اليوم قبل الغد من أجل حمل المبادرة العربية لحل الأزمة السورية"، مضيفا أنه "في انتظار رد الحكومة السورية" على طلب الزيارة ". وبحسب مصادر في الجامعة فإن أمينها العام سيجرى اتصالات عربية مكثفة، تمهيدا للقاء قريب مع الأسد، وسيتشاور حول عدة نقاط أهمها، وفقا للمصادر: وقف نزيف الدم السورى فورا، وانسحاب الجيش من المدن والعودة إلى ثكناته فورا، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإعلان مبادئ الإصلاحات السياسية، وإجراء انتخابات رئاسية في 2014 بعد انتهاء مدة رئاسة الأسد الحالية، وفصل الجيش عن الحياة السياسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها شخصية توافقية. ومن جانبه يعلق المحلل السياسي السوري الدكتور نجيب غضبان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اركنسا في الولاياتالمتحدة - وهو ناشط معارض – على دور الجامعة العربية في الأزمة السورية قائلا في حديث لدويتشه فيله : لا شك أن هناك ترحيبا بهذا النقلة بموقف الجامعة العربية والتي عادة تكون مواقفها دون الحد المتوقع، مشيرا إلى أن رد فعل الجامعة جاء متأخراً جداً في الاستجابة لمطالب الشعب السوري ووصلت إلى درجة أنه لم يعد بالإمكان أن تتأخر أكثر من ذلك. ويضيف غضبان أن الجامعة العربية لا تستطيع أن تقوم بأي دور فعال لأنها ضعيفة جدا، ونقطة الضعف فيها يتمثل في الفقرة الخاصة في ميثاقها التي تعطي لقضية السيادة الوطنية دورا كبيرا. فالخطوة هذه تصب فقط في عزل النظام السوري دبلوماسيا وإدانته، وهو أمر يعطي للمواقف الدولية زخما جديا في ممارسة الضغط على النظام السوري، والحقيقة، أن هذا هو سقف مبادرة الجامعة العربية والذي يصب في حماية المدنيين في سوريا. وتابع غضبان قائلا : إن الجامعة لا تستطيع حماية المدنيين، لكنها تستطيع إرسال بعثة وزارية إلى سوريا لمراقبة الأحداث وتوثيق الوقائع، أو يمكن أن ترسل مراقبين إلى البلاد. فشل الحل الأمني بيد إنه على نظام الأسد التوقف عن استعداء أطراف جديدة وخاصة الأطراف العربية مثلما نجحت في استعداء تركيا ومعظم الدول الغربية. فالمبادرة العربية تلك لم تحمل في طياتها مطالبات بالتدخل الأجنبي أو سحب الصفة الشرعية من نظام الأسد كما فعلت الولاياتالمتحدة . وإذا اُخذ في الاعتبار أن الحلول الأمنية التي لجأت إليها السلطات السورية ، لم تنجح في وقف هذه الانتفاضة الشعبية، بل زادتها اشتعالاً، فالانتفاضة مستمرة لأكثر من ستة أشهر متواصلة، سقط خلالها الآلاف من الضحايا. كما أن البيان الذي صدر عن وزير خارجية إيران على اكبر صالحي ، والذي طالب خلاله الرئيس السوري " باحترام المطالب المشروعة لشعبه " يعتبر رسالة على درجة كبيرة من الأهمية من حيث معانيه وتوقيته، خاصة أن هذا البيان عبر " عن القلق من تدخل حلف الناتو في سورية "على غرار ما حدث في ليبيا. مما يعني أن على النظام السوري المضي قدما على خط التهدئة والبحث عن مخرج سياسي للازمة لوقف نزيف الدم في البلاد وعدم استفزاز الأطراف العربية والدولية .