ثمة تسوية ما عكستها تطورات الأحداث الأخيرة في العاصمة اليمنية صنعاء، فلا يمكن قراءة المشهد اليمني الحالي بعد سيطرة قوات الرئيس المخلوع على عبدالله صالح على مفاصل العاصمة صنعاء باعتبارها صدفة، ولكن بالرجوع إلى مسارات الأحداث في الفترة الأخيرة، كون الصدام بين الحليفين "صالح والحوثيين" تكرر أكثر من مرة ووصل إلى حد استهداف قيادات قريبة من صالح نفسه، يمكن القفز على النتائج الحالية ويصبح الحديث عن تسوية أمرا منطقيا، خصوصا مع دخول الإخوان المسلمين باليمن ضمن قطار التسوية، ولكن مع الجانب الحوثي-حسب تقارير إعلامية-، ماحدا بصالح إلى ضرورة تأمين موقعه. ولم يشهد تحالف الحوثيين وصالح أية بوادر لنجاحه، فالطرفان خاضا معا حروبا عدة، بالإضافة إلى البعد الإيديولوجي في المسألة من حيث دخول إيران في الأزمة اليمنية كطرف رئيسي داعم، وتوظيف المسألة في سياق الصراع مع السعودية ما أضفي للأزمة طابعا طائفيا "سني شيعي"، ولكن الطرفان اضطرا إلى التعاون والتنسيق معا، حيث جمعتهما المصلحة في مرحلة ما إلى مواجهة الطرف الآخر وهو التحالف العربي بقيادة السعودية . ويبدو أن الرئيس المخلوع على عبدالله صالح قد فقد كل محاولات الترميم مع جماعة الحوثي التي سيطرت على القرار اليمني وبدا الرئيس المخلوع تابعا خاضعا لقرار الحوثيين، ما دفعه إلى إعادة ترتيب أوراقه مرة أخرى، ساعده في ذلك انفتاح الرياض على القوى الإقليمية من أجل حسم الأزمة اليمنية تماشيا مع استراتيجيتها الجديدة الموجهة في الأساس ضد إيران وأذرعها . ودعا الرئيس اليمني المخلوع على عبدالله صالح، إلى فتح صفحة جديدة للحوار مع الدول العربية والتحالف العربي بقيادة السعودية، ما يؤكد فكرة الصفقة حول التسوية . تقول ميساء شجاع الدين - باحثة يمنية- إن الأحداث الأخيرة تؤكد أن الرئيس على عبدالله صالح كان يرتب لهذا الحدث منذ فترة طويلة، ساعده على ذلك أن معظم القبائل اليمنية في جنوبصنعاء مؤيدة له، بالإضافة إلى التحالفات البراجماتية التي تشكلت في صنعاء والتي تحولت إلى تأييد الرئيس المخلوع، -لاسيما- أن صالح رغم ما بدا من ضعفه في الفترة الأخيرة إلا أنه يضمن ولاء المؤسسات اليمنية على عكس جماعة الحوثي التي لم تكن على ثقة تامة من ولاء مؤسسات الدولة لها، وهو ما كان يبعدها دوما عن أية حلول. الباحثة اليمنية ترى أن التسوية القادمة لا يمكن أن تتجاوز الحوثيين باعتبار أن الأزمة الآن تدور في صعدة على الحدود مع السعودية، وتخشى الرياض من تصرفات غير منضبطة من جماعة الحوثي، كما أن اليمن لم تعد كما كانت في السابق من حيث أنها أصبحت شبه مفككة، ولا يمكن لصالح أن يحكم اليمن كما كانت عليه في السابق والأمر يحتاج إلى شراكة وطنية من جميع الأطراف . الأمر برمته ليس معزولا عما يجرى بالمنطقة العربية من تسويات في ملفات عدة ، فالطرفان السعودي والإيراني يتصارعان على مسرح آخر وهو سوريا، وهو ما يعطى لفكرة المساومات قبولا منطقيا، لا سيما مع دخول رعاة إقليميين على خط الأزمات ، كما أن مبدأ المساومة ليس طرحا غريبا على مفاوضات من هذا النوع. د. محمد عباس ناجي رئيس مجلة مختارات إيرانية، يرى أن الأولوية في الفترة المقبلة هى للتسوية في سوريا، معتبرا أنه من الخطأ الربط بين ما يحدث في اليمن وسوريا . "ناجي" عزا السبب في تفجر الأوضاع باليمن إلى هشاشىة التحالف بين الطرفين "الحوثيين وصالح" واعتباره تحالفا مؤقتا من البداية ، بالإضافة إلى طبيعة الرئيس اليمني المخلوع من حيث قدرته التكتيكية، وهو ما جعل فكرة الثقة التامة بين الطرفين أمرا مستبعدا ، مشيرا إلى قرار مجلس الأمن الخاص بضرورة سحب الميليشيات من اليمن وتسليم السلاح، وهو الأساس الذي يمكن الحديث بعده عن تسويات . و أكدت قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، اليوم السبت، ثقتها في أن استعادة أبناء حزب المؤتمر الشعبي زمام المبادرة، وانحيازهم لشعبهم اليمني، وانتفاضته المباركة ستخلص اليمن من شرور الميليشيات الإيرانية الطائفية الإرهابية، وستعيد "يمن الحكمة" إلى محيطه الطبيعي العربي الخالص، مؤكدة وقوف التحالف بكل قدراته في جميع المجالات مع مصالح الشعب اليمني، للحفاظ على أرضه وهويته ووحدته ونسيجه الاجتماعي، في إطار الأمن العربي والإقليمي والدولي.