د.سعيد اللاوندي في العلاقات الدولية لا يوجد أصدقاء، وإنما يوجد مصالح.. والقاعدة الذهبية التي ننساها دائمًا هي: لا توجد صداقات دائمة، وإنما مصالح دائمة.. وقد تكون صديقي اليوم، لكن غدًا لا يمنع من أن تكون عدوي، والكل يعلم كيف أصبحت أمريكا أكبر دولة في العالم.. ليس لأنها اجتهدت؛ وإنما لأنها ابتعدت عن آلات الحرب العالمية الثانية.. فقد استغلت أنها بعيدة وتركت دول المحور تتصارع مع الدول الأخرى، وابتعدت عن الحرب في البلقان وأوروبا، وعندما وضعت الحرب أوزارها كانت أمريكا بحكم البعد الجغرافي أقل الدول التي خسرت في الحرب، وخرجت علينا قوية وفتية وفرضت سطوتها على العالم.. وانهار الاتحاد السوفيتي السابق، وأصبحت أمريكا وحدها الحاكم الآمر الناهي في العالم كله!! لكن إحقاقًا للحق ماذا فعلت أمريكا من خير في العالم.. لا شيء، تبحث فقط عن مصالحها.. فعندما اشتعلت المظاهرات في دولة مثل "ليبيريا" لم تحرك أمريكا ساكنًا؛ لأن ليبيريا فقيرة تخلو أرضها من الثروات، فلا نفط ولا ذهب ولا منجنيز.. وتركت أمريكاليبيريا لعدة سنوات كالنار تأكل بعضها.. والشيء نفسه حدث في الصومال حتى أصبح فعل "الصوملة" قدر على العالم.. فما دامت هذه البلدان خالية من كل الثروات فلا تحرك أمريكا ساكنًا.. لكن دولة مثل العراق فيها نفط، وقريبة من ربيبتها إسرائيل.. فكان لابد أن تتحكم فيها أمريكا ولا تزال حتى اليوم وزارتا النفط والمالية العراقيتان تسيطر أمريكا عليهما! إنه استعمار جديد يجب أن نفطن إليه.. وقديمًا لخص أحد المفكرين العرب موقف أمريكا عندما تخلت عن الشاهنشاه، وعدد من رؤساء العالم العرب بقوله: "المتغطي بأمريكا عريان"! وهذه حقيقة يجب أن تظل أمام أعيننا. لقد حاربها قادة العرب المخلصون، ووقفوا ضد قواعدها العسكرية، وضد إسرائيل التي زرعتها في "خاصرة" الأمة العربية.. لكن عادت قواعدها في كل مكان.. وجاء زمن ترهبنا فيه بعض الدول؛ لأن في أرضها قاعدة عسكرية أمريكية؛ مثل دولة قطر التي تفاخر العالمين؛ لأن فيها قاعدة "العديد" الأمريكية، ثم جلبت الخزي والعار عندما سمحت بإنشاء قاعدة تركية وأخرى إيرانية، جنبًا إلى جنب مع القاعدة الأمريكية.. ولن ننسى أن أمريكا ذاتها وافقت على إنشاء هذه القواعد.. وأصبحت قطر مدججة بالسلاح، وهذا هو سبب خروجها عن الإجماع العربي وتعنتها وتصعيدها للخلاف مع الرباعي العربي، وجاء إلى أرضها وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا وانضموا جميعًا لوجهة النظر القطرية، وتعمق الخلاف مع الرباعي العربي؛ والسبب في ذلك أمريكا التي تعطينا من طرف لسان ترامب حلاوة عندما كان يقول: لابد من معاقبة قطر.. ثم يأتي "ريكس تيلرسون" وزير خارجيته ليقول.. إن قطر على حق فيما ذهبت إليه، واختفى ترامب بعد أن قسم أدواره السيئة مع وزير خارجيته!! وإذا كانت المنطقة العربية مزدحمة بالأزمات.. فهناك الأزمة السورية التي كانوا يقولون إنها لن تستمر أكثر من شهرين، فإذا بنا ندخل العام السادس وربما السابع، ثم الأزمة اليمنية التي كان الأمريكان يقولون عنها لن تستمر أكثر من أسبوعين، فإذا بنا ندخل العام الثاني، ثم الأزمة الليبية والعراقية التي لا تزال تدمي، وأمريكا تتحدث هنا عن الحوار وتماطل!!.. أين العدو الكلاسيكي للأزمة العربية؟! ..أين إسرائيل.. وكأن ما يحدث في المنطقة العربية لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد .. لقد تحولت أمريكا بعد إضافة الأزمة القطرية إلى أزمات العرب لتكون بردًا وسلامًا علينا.. والسبب في ذلك أمريكا! الغريب والعجيب أن الدول العربية لا تزال تضع فيها كل الثقة، وكأنها قادرة على الحل.. فدورها في كل هذه الأزمات واضح.. وتصريحات مسئوليها لا تسمن ولا تغني من جوع! أمريكا يا قوم هي مستودع الشر لنا.. ولا تريد للمنطقة العربية أي رقي أو تنمية أو نهضة هي تريد أن نظل في عراك دائم.. يأتي أوباما ويختار في دورته الثانية هيلاري كلينتون التي كانت تكره العرب تحت الجلد، وتمر سنوات حكمهم.. ولا يفعلون شيئًا.. وهل ننسى الجمعيات الحقوقية التي هربت تحت جنح الليل وكانت وجهتها أمريكا؟! أمريكا يا قوم هي عدو المنطقة العربية.. وقد قالت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة: إن إسرائيل وحدها هي الصديق الإستراتيجي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط! إن أمريكا من خلال العولمة تفرض هيمنتها علينا، وتحكم سيطرتها؛ بحيث لا نستطيع منها فكاكًا، هذا هو دور أمريكا أن تخلق منا عبيدا، وتظل هي الرجل الأبيض صاحب النفوذ والصولجان! مأساتنا أننا نتعمد أن نرى في أمريكا ما ليس فيها، ومن قال إنها تدافع عن حقوق الإنسان؟! أرجو أن نعلم مؤخرًا أنها "سيست" حقوق الإنسان؛ بحيث إنها لا تدافع إلا عن مصالحها فقط لا غير! الغريب أننا لا نلتفت إلى ما يفعله الاستعمار الأمريكي الجديد، وقد قال ذلك قبل سنوات المفكر الجزائري مالك بن علي، وصاغ عبارته البليغة في نظرية "القابلية للاستعمار".. أمريكا يا قوم هي مستودع الشر لنا وللعالم.. فمتى نفيق من غفوتنا.. أرجو أن يكون ذلك قبل فوات الأوان! كاتب المقال: خبير العلاقات السياسية والدولية بالأهرام.