أوضاع القطاع المصرفي المصري أصبحت بمثابة متاهة لايعرف لها أحد أول من آخر، فرغم توقعات الخبراء بأزمة تعثر بالبنوك وتحذيراتهم من استمرار تراجع الاحتياطي النقدي بملايين الدولارات شهريًا، وتراجع معدل نمو الودائع، يؤكد مسئولو البنك "المركزي" أن القطاع المصرفي "آمن"، وأنهم بمنأي عن كل ما يثار ضدهم من اتهامات أو انتقادات. "بوابة الأهرام" أجرت الحوار التالي مع أحمد قورة، رئيس البنك الوطني المصري السابق وأحد الخبرات المصرفية المعروفة، في محاولة لرصد صورة حقيقية لأوضاع القطاع المصرفي الذي يعتبر العمود الفقري لأي اقتصاد.. - ما تقييمك لأداء البنك "المركزي" في مرحلة ما بعد الثورة؟ وهل استطاع أن يجنب البنوك العديد من المشكلات التي كان من الممكن أن تواجهها؟ ** لا توجد مشكلات عانى منها القطاع المصرفي بعد الثورة، وبالتالي لم يتدخل "المركزي"، ولم يحدث ضعط شديد على سحب الأموال بالقطاع باستثناء خروج الأجانب من البورصة، والتي لم تصادف مشكلة، حيث كان البنك المركزي قد اتخذ قرارًا يضمن للمستثمر الأجنبي الذي دخل السوق بالدولار بالخروج بذات العملة وفقا لقواعد وضعها، لذا عندما أراد مستثمرو البورصة الخروج بالأموال التي دخلوا بها بعد ثورة 25 يناير، طلبوا من البنوك التي وفت تلك الطلبات من "المركزي"، ولم تحدث أية مشكلة على الإطلاق، وبالتالي لا توجد أضرار على الجهاز المصرفي نتيجة الثورة كما أن "المركزي" نصب نفسه رقيبًا عل استخدامات العملية الأجنبية حتى لا تهرب الودائع للخارج، والراغبون في تحويل مبالغ معينة أو الاستيراد حينها كانوا يخطرون "المركزي"، ولم نر لهذا انعكاسًا سلبيًا على الحياة الاقتصادية. - البعض يتوقع أزمة ديون متعثرة بالبنوك بعد الثورة بعد توقف الكثير من العملاء عن السداد..ما تعليقك على ذلك؟ ** بعد الثورة، تأثر الاقتصاد بصفة عامة نتيجة الإضرابات الكثيرة التي شهدناها وتوقف للأحوال الاقتصادية بالبلاد، فلا يوجد تصدير أو إنتاج ذات قيمة، وتلك الأمور لابد أن تنعكس على المستثمرين أو المقترضين من البنوك، مما يعني تأخرهم في سداد مستحقات البنوك، وهذا التأخير قد يؤدي بعد فترة لتعثر، وبالتالي عودة الديون الرديئة التي انتهينا منها في الفترة الماضية، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي ليست نتيجة مباشرة للثورة ولكن لأداء الحكومة الرديء بعدها، فالثوار بميدان التحرير لم يطالبوا بتوقف المصانع وحركة الاستيراد والتصدير، لكن أداء الحكومة الرديء كمدير للنشاط الاقتصادي ليس على المستوى المطلوب الذي يحل المشكلات التي تواجه الاقتصاد.. وبصفة عامة كل من استحق عليه دين وتأثر نشاطه الاقتصادي بالثورة فتلقائيًا سيتأخر في سداد مستحقات الديون. ما رأيك في تعديل قانون البنك المركزي الذي تم الإعلان عنه مؤخراً؟ وهل ترى أنه تأخر كثيرًا؟ ** في رأيي.. أن التعديل ليس جوهريًا في ظل الظروف التي نعيشها حاليًا، فتعديل تشكيل مجلس الإدارة بدخول أناس وخروج آخرين ليس له أثر فعال، وإن كان التعديل أخرج بعض رؤساء البنوك من عضوية المركزي وهذا "سليم"، فلا يصح أن يكون رئيس مجلس إدارة بنك تجاري مراقب ورقيب بذات الوقت كحازم حسن مراقب الحاسبات، الذي كان يراقب حسابات البنوك وبذات الوقت يشغل عضوية "المركزي"، أما فيما يتعلق باختيار ممثلين من الجهات والوزارات فهذا يمثل نقطة بيروقراطية إيفاءً للشكل ولاقيمة منها، لأنهم قد لايملكون لديهم الخبرة المصرفية التي تضاف لمجلس الإدارة وإنما يجب اختبار كفاءات بعينها بصرف النظر عن انتمائها الوظيفي في تقديري أن بعض أعضاء مجلس إدارة "المركزي" يجب أن يكونوا من البنك ذاته أما الباقي فيكونوا خبرات مشهود لها بالكفاءة حتى يستطيع المجلس القيام بدوره، وهناك نقطة أخرى أخرى تتمثل في أن البعض من مجلس إدارة "المركزي" أعضاء مجالس إدارة بنوك أخرى كبنكي "المصرف العربي الدولي" و"العربي الإفريقي"، وهذا لايجوز، فالمركزي دوره رقيب، ويجب ألا يكون عضوًا تنفيذيًا في جهات أخرى. - التعديلات الأخيرة بمجالس إدارة البنوك العامة أثارت الكثير من الجدل.. فما رأيك فيها؟ ** التعديلات الأخيرة "صورية" وتحمل كثيرًا من المجاملة، ولا تعتمد على اختيار الكفاءات. البعض يطالب أن يكون اختيار رؤساء البنوك في صورة مسابقة مفتوحة للراغبين من الخبرات المصرفية للتقدم لها ويتم الاختيار بينها.. هل تؤيد ذلك؟ ** هذا لايحدث، فبالنسبة للبنوك الخاصة فقرار الاختيار بيد الجمعية العمومية للبنك، والمركزي من حقه الاعتراض على الترشيح، لكنه لا يرشح ولايختار، وبالنسبة للبنوك الحكومية يتم تعيينهم بترشيحات من مجلس إدارة "المركزي"، ثم يوافق عليها رئيس الوزراء. ما رأيك فيما يتعلق بوضع حد أعلى للمرتبات بالبنوك العامة؟..وفي رأيك لماذا اعترض عليها البنك المركزي؟ ** بالنسبة للبنوك العامة، هذا النظام سيفشل حال تطبيقه، فمنذ بداية القطاع العام قالوا إن الحد الأقصى 5000 جنيه سنويًا، وتحايلت البنوك عليه ووضعت عشرات البنود كبدل للتمثيل والانتقال والضيافة، ونفس الوضع سيحدث تحايل، والبنك المركزي رفض لأن الخبرات المصرفية ستترك البنوك العامة وتتوجه للعمل بالقطاع الخاص، مما سيفرع القطاع من الخبرات، والمرتبات الخيالية بالبنوك لم تحدث إلا في ظل محافظ البنك المركزي الحالي؛ لأنه وجد أن كل الخبرات توجهت للبنوك التجارية وظل ب"المركزي" والبنوك العامة الأقل كفاءة، فاضطر لوضع مرتبات وحوافز إضافية خارج الميزانية. - البنوك المصرية رفعت أرصدتها بالخارج بصورة كبيرة؟ ترى ما أسباب تلك الزيادة؟ وهل لها علاقة بتخوفها من الأوضاع بمصر؟ ** الوضع الطبيعي للعملات الأجنبية أن توضع بالخارج بعد تنفيذ القواعد التي وضعها "المركزي"، فبعدما يحصل الأخير على 10% من العملات الأجنبية بجانب وضع 10% لمقابلة المسحوبات، علاوة على 20 أو 30% للاستثمارات بالعملة الأجنبية، وبعدها يتم وضع الباقي في الخارج لمقابلة التحويلات الخارجية وسداد قيمة الاعتمادات المستندية وبعض الديون والأقساط، وخلاصة القول إن الإيداعات بالخارج ترتبط بعلاقة طردية مع ودائع العملاء بالعملة الأجنبية. - وهل تزايدت الودائع بالعملة الأجنبية لأن البنوك وسيلة آمنة لحفظ الأموال في ظل الظروف الحالية التي تشهدها مصر؟ ** لا ترتبط بأمان البنوك، ولكن لأن الاستثمار رديء والمناخ الاقتصادي سييء، فالعمال يطالبون بزيادة مرتبات في ظل عدم وجود إنتاج ولابيع ولاتسويق، مما يضطر المستثمر لإغلاق المشروع. - في اعتقادك.. هل تجاوز الدين الداخلي لمصر الحدود الآمنة؟ ** لاشك أنه تجاوز الحدود الآمنة وأصبح خطيراً، لأن الدين يحتاج لتسديد أقساط بجانب فوائد خدمة الدين، وهنا يدور سؤال كيف سيتم التسديد ومصر لاتمتلك إيرادات حاليًا ولديها عجز بالموازنة، وكل وزير أو مسئول لاينظر لذلك السؤال يريد أن يلبي احتياجات وبنود أكثر، في أسلوب فاشل يشبه لاعب قمار الذي "يقترض" لكي يجلس على "الترابيزة" ويلعب، والمفروض أن نلجأ للدين في أضيق الحدود وأن تكون لدينا المقدرة على السداد، كالتعامل مع عملاء البنوك فقبل منحه التسهيل ندرس معه كيفية السداد. - لماذا يوجد تضارب فيما يتعلق بأرقام الدين الداخلي لمصر؟ ** الإحصائيات التي تنشر عن الدخل القومي التي ننسب إليها الدين غير دقيقة، فقد تكون الأرقام الحقيقية أكثر من ذلك بدليل أن مصر مديونة منذ عشرات السنوات والأمور تمضي بدون مشكلات، كما أن جزءا كبيرا من الاقتصاد المصري سري غير معلن ولاتوجد احصائيات حقيقية عنه، فالعديد من الفئات لا تعرف دخولها كالحرفيين والمهنيين بأشكالهم المختلفة رغم أنهم يمثلون جزءًا كبيرًا من اقتصاد الوطن، ولن نتمكن من معرفته لأننا تعودنا على الإخفاء وعدم قول الحقيقة لمأموري الضرائب، وبالنسبة للإحصائيات الموجودة فهي محسوبة وفقًا لما استطعنا الحصول عليه من بيانات، والأمر يتطلب عدم زيادة الديون وإيجاد إدارة ناجحة. - هل البنوك المصرية قادرة على تطبيق مقررات لجنة بازل 2؟ ** لا لن تستطيع الوفاء بمقررات بازل في الوقت الحالي، وتلك المقررات ليست إلزامية ويسترشد بها، ولن تكتسب الإلزامية إلا عندما يطالب "المركزي" البنوك بتطبيق البعض منها، بمنعي أن الإلزام من "المركزي" وليس من مقررات بازل. - ما تقييمك لمستقبل مصر الاقتصادي في ضوء الأوضاع الصعبة التي نعيشها حاليًا؟ ** في ظل الوضع الحالي.. الاقتصاد المصري سيكون رديئًا، إلا إذا أحسنت إدارة الاقتصاد وحينها سنحقق ازدهارًا لم يحدث من قبل، والنجاح أو الفشل يتوقف على كفاءة الإدارة.