طالبت ثورة 25 يناير 2011 بالعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية ، ولكن الحكومات المتتالية لم تفعل إلا القليل لإصلاح الفوارق بين الأجور والأسعار بسبب عدم توافر المال للاستجابة إلي المطالب الفئوية التي تفجرت . المعضلة التي تواجه الحكومة هي التوفيق بين الاستجابة إلي المطالب الفئوية مما يؤدي إلي زيادة المصروفات والحاجة الملحة إلي تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة. المطالب: في المجتمعات الرأسمالية ذات الاقتصاد الحر الأجور والأسعار في تزايد مستمر ، تتزايد الأسعار فتلاحقها الأجور . وفي البلاد ذات الاقتصاد المقيد فإن الأجور والأسعار ثابتة لا تتغير الا في أضيق الحدود بما تمليه الضرورة . أما في مصر فالأمر عجب بعض الأسعار ثابتة وبعضها متزايد فكيف يكون إيجار غرفة في العشوائيات أضعاف إيجار شقة فاخرة في الزمالك أو قصر النيل . وفي مصر الأجور متفاوتة ، مثال ذلك أن أجر عامل البناء في الشركات أضعاف أجر الطبيب والمدرس في الوزارات. توفر الهيئات الأجنبية والبنوك وبعض الشركات للعاملين أجورا كافية لحياة كريمة . ولكن في الحكومة والقطاع العام فإن مرتبات وبدلات وتعويضات كبار العاملين تبلغ ملايين الجنيهات في حين أن أجور العاملين من أطباء ومهندسين ومدرسين ومحاسبين وضباط وقضاة وفنيين وعمال وهم عماد المجتمع ، لا تكفي لتوفير الضروريات مما أدي إلي ضعف الأداء. المطلوب من الحكومة مضاعفة الأجور عدة مرات علي خطوات خلال ثلاث إلي خمس سنوات حتي تلاحق الأسعار لخفض الفوارق بينها والتي اتسعت علي مدى السنوات العديدة الماضية فضلا عن تغطية زيادة الأسعار المتوقعة نتيجة إلي زيادة الأجور. الامكانيات: تقتضي الموازنة بين الإيرادات والمصروفات سياسات مالية ونقدية رشيدة أما زيادة المصروفات عن الإيرادات فإنه يسبب عجز الموازنة . فان الاسراف والاستدانة علي مدي سنوات طويلة قد تسبب في التزايد المستمر لعجز الموازنة وفي تراكم الديون حتي بلغ عجز الموازنة العامة للدولة مائة وثلاثين مليار جنيه سنويا وتراكمت الديون حتي بلغ الدين العام المحلي ما يزيد عن ألف مليار جنيه مصري، وبلغ الدين الخارجي 34مليار دولار. هذا وتبلغ خدمة الدين الفوائد الواجبة السداد سنويا ما يزيد عن مائة مليار جنيه . وهذا المبلغ يمثل ربع الموازنة والربع الثاني يذهب إلي الدعم والثالث إلي الأجور والمرتبات ولا يبقى الاربع الميزانية للاستثمار والدفاع والأمن والتعليم والنقل والرعاية الصحية ليس هناك فائض من المال لزيادة الأجور . والاقتراض لزيادة الأجور كارثة ، الاقتراض يزيد عجز الموازنة والديون المتراكمة الامر الذي يعرض مصر لأزمات مالية طاحنة. إن ما تسعي اليه الحكومة هو زيادة الإيرادات وتخفيض الإنفاق بما يحقق التوازن بين الإيرادات والمصروفات مع إعادة توزيع الإيرادات بما يحقق العدالة الاجتماعية. ا لاصلاح: قامت الحكومة مؤخرا بوضع حد أقصي للأجور وهي عازمة علي تطبيق الضرائب العقارية، كما قامت بزيادة العلاوة الاجتماعية والمعاشات وقامت باعطاء الفلاح سعرا عادلا للمحاصيل وهي قطرات تسبق الغيث ولكن الحكومة تخشي من إلغاء الدعم وزيادة أسعار الكهرباء والمياه والغاز والنقل ولم تفعل شيئا للحد من الانفاق. لقد جاوز عجز الموازنة حد الخطر . والأمر في حاجة إلي خطة تقشف وإصلاح والبديل هو العجز عن السداد والأفلاس . ولنا في أيرلندا واليونان والبرتغال وأسبانيا عبرة . فإنه بالرغم من أن هذه الدول في وضع اقتصادي أفضل من مصر ، إلا أنها رضخت للضغط الأوروبي والدولي وهي قائمة بزيادة الضرائب وتخفيض الانفاق بما في ذلك الاجور لتقليص عجز الموازنة والدين العام . ولكن أجور صغار العاملين في الحكومة والقطاع العام في مصر متدنية وفي حاجة إلي زيادة. المطلوب من الحكومة وضع خطة للاصلاح المالي تنفذ علي خطوات خلال ثلاث إلي خمس سنوات وذلك لخفض عجز الموازنة مع زيادة الأجور والمرتبات . وليس هناك ما يدعو لانتظار موافقة مجلس الشعب ، فإنه يمكن تعديل خطة الاصلاح أثناء التنفيذ . الاصلاح شاق وطويل ومؤلم والاصلاح يتطلب : التنمية وزيادة الدخل القومي إلغاء دعم السلع والخدمات رفع الكفاءة وترشيد الانفاق. أولا: التنمية وزيادة الدخل القوميالتنمية الاقتصادية تتطلب أموالا طائلة ولاجتذاب المستثمر الجاد يلزم توافر عوامل كثيرة أهمها: عدالة ناجزة : قضاء عادل قادر على البت السريع وحكومة قوية قادرة علي السيطرة وتنفيذ الأحكام. الأمن والاستقرار: الحروب والصراعات والقلاقل وقطع الطرق طاردة للاستثمار. التخطيط والشفافية: وضوح الرؤية يقلل من المخاطر ويشجع علي الاستثمار. الضرائب والرسوم: التزايد في الضرائب والرسوم يقتل الاستثمار. الإجراءات : تبسيط الاجراءات وسرعة الانجاز. البنية التحتية: كفاءة الطرق والاتصالات والكهرباء. العمالة : توفر العمالة المدربة الملتزمة. الاقتصاد : إقامة نظام السوق الحر مع وجود حكومة تسمح بالتنافس وتمنع الاحتكار والغش والسرقة والتهريب والاحتيال. الدخل القومي هو إجمالي العائد من الثروات الطبيعية : بترول وخامات ، ومن الأنشطة الانتاجية : زراعة و صناعة وإنشاءات ، ومن الخدمات : تعليم وعلاج وتجارة وسياحة وملاحة ونقل . والتنمية هي الزيادة في الدخل . وفي مصر يحقق الدخل القومي ما يقرب من ثلاثة آلاف دولار لكل شخص سنويا . وهذا رقم متواضع بالمقارنة بالدول الغنية حيث يتراوح دخل الفرد السنوي بين ثلاثين وخمسين ألف دولار. وفي مصر كانت الزيادة السنوية في الدخل القومي تقارب سبعة في المائة قبل الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2008 . ثم انخفضت الزيادة في الدخل إلي أربعة في المائة خلال الأعوام 2010/2009 وبعد ثورة 25 يناير انخفضت الزيادة إلي واحد في المائة في عام 2012/2011 وتراجع الاحتياطي النقدي من 36 إلي 15 مليار دولار بسبب هروب الأموال إلي الخارج وليس إلي انخفاض الدخل القومي. فان ما حدث هو تراجع إيرادات بعض القطاعات في قطاعات أخري. التنمية وزيادة الدخل القومي أمر شاق ، فإنه رغم الجهود الحثيثة ، فإن الزيادة السنوية المتوقعة في خلال السنوات القليلة القادمة في حدود 34 % ، وهو رقم جيد في ظل التراجع العالمي . زيادة الدخل القومي تساعد خطة الاصلاح ، ولكنها تكفي للاصلاح المالي ولزيادة الأجور خلال سنوات قليلة. ثانيا: إلغاء دعم السلع والخدماتتتحدث الحكومة عن الكوبونات والكروت الذكية وتنسي الدعم المالي . فان نظام الكوبونان والكروت الذكية يزيد من تضخم الجهاز الحكومي . كما أن وجود سعر مدعم وآخر غير مدعم يغري بالفساد ويحتاج إلي رقابة ، هذا ورخص الأسعار هو دعوة للاسراف وسوء الاستخدام . لذلك فإن الأفضل هوالدعم المالي بزيادة الاجور والمعاشات والعلاوات الاجتماعية واعانة البطالة والعجز ، مع الغاء دعم السلع والخدمات علي خطوات حتي تصل أسعار السلع الي الاسعار العالمية ويتوقف التهريب . فيما يلي أهم مجالات الاصلاح: المخبوزات: ليس كل من يتحصل علي الخبز المدعوم في حاجة إلي دعم . كما أن دعم الخبز هو سلب لرزق المزارع والفلاح . فان رفع الدعم عن سعر توريد القمح سوف يزيد من دخل المزارع والفلاح وهم من الفقراء الأمر الذي يشجع علي زراعة القمح . ومما لاشك فيف ، فان دعم المخبوزات هو إهدار للمال العام . فإن الخبز المدعوم يستخدم كعلف للدواجن والاسماك والماشية . المحروقات: السيارات تتزاحم ولا تكاد تتحرك لساعات طويلة علي الطرق وهي قائمة بحرق الوقود بلا فائدة ، وهذا إهدار للدخل القومي . أضف إلي ذلك أنه ليس كل منتفع بدعم الوقود من الفقراء والمحتاجين أن يذهب الكثير من الدعم إلي الاثرياء أصحاب السيارات الفارهة وشركات السياحة والاستثمار وهي ليست في حاجة إلي دعم . إلغاء الدعم عن المحروقات من بنزين وغاز وسولار ، يوفر آلاف الملايين من الجنيهات. النقل: سوف تنعكس زيادة اسعار الوقود علي تكلفة النقل والمواصلات وعلي أسعار السلع والخدمات ولا بأس من ذلك فان أسعار النقل لاتكفي لصيانة القطارات وسيارات النقل الجماعي والمترو والطرق والكباري، مع زيادة أسعار النقل والمواصلات يمكن زيادة أجور العاملين في هذه المرافق ورفع مستوي الاداء ومن الأمثلة الصارخة دعم الدرجة الاولي. الخدمات الطبية: لرفع كفاءة الخدمات الطبية فإنه يقترح أن تكون الرعاية الطبية بالمجان للحوادث والاوبئة اما علاج الحالات غير العاجلة فانه يفضل مشاركة المريض في جزء من ثمن مايقدم له من خدمات ودواء وألا يشمل التأمين الصحي الخدمات الترفيهية مثل التجميل ولا يلجأ الي العلاج في الخارج الا للضرورة أضف الي ذلك الابتعاد عن المركزية وان تكون هناك فرصة أمام المريض للاختيار بين اكثر من طبيب. التعليم: في ظل الدروس الخصوصية فانه ليس هناك مجانية للتعليم وليس هناك تعليم وللارتقاء بمستوى التعليم فانه يقترح الحد من مجانية التعليم فلا يجوز دعم الاغنياء حيث إن مجانية التعليم هي حق للمتفوق غير القادر ماديا ويقترح ان يكون لكل مدرسة او معهد مجلس أمناء يقوم بمراقبة الاداء وتوفير ما يلزم من كتب ومعدات وغذاء ولا بأس من جمع التبرعات لدعم التعليم. في العصور السابقة كان الموسرون يتبرعون لبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وفي أيامنا هذه أصبحت المدارس والمستشفيات مؤسسات استثمارية لتحقيق أرباح طائلة. الصناعة: الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الاسمنت والحديد والالومنيوم هي صناعات ملوثة للبيئة قام الغرب بالتخلص منها وقام العالم الثالث بفتح الابواب لها ودعمها علي أسا س انها استثمارات لذلك فيرجي من وزارات البيئة والصناعة والطاقة الحد من انشاء هذه المصانع والاكتفاء بما هو لازم للاستهلاك المحلي مع رفع الدعم عن الطاقة والنظر في فرض ضرائب او غرامات علي التلوث وتحصيل رسوم تصدير. ثالثا: رفع الكفاءة وترشيد الانفاق: تضخم الجهاز الحكومي والعمالة الزائدة في القطاع العام تحول دون رفع كفاءة الانتاج وتخفيض الانفاق فإن رفع كفاءة الانتاج تتطلب التخلص من العمالة الزائدة ولن يمكن تحقيق ذلك إلا في وجود إعانة بطالة وهذا كان أمرا شائكا ومكلفا ولايحظي بالقبول الا إنه ممكن تحقيقه في ظل خطة الاصلاح وعلي ان تتحمل التأمينات اعانة البطالة فهي جزء من الضمان الاجتماعي شأنها في ذلك شأن المعاشات ولترشيد الانفاق فإن هناك قطاعات كثيرة في حاجة الي اعادة هيكلة يذكر منها الآتي: الاعلام: تكلفة الاعلام المرئى والمسموع والمقروء تعدت كل الحدود وقد تم مؤخرا خفض عدد القنوات الا أن هناك إسرافا في المنوعات والمسلسلات ونحن في حاجة الي عدد محدود من المحطات ذات الموضوعية والكفاءة العالية، اما خسائر الصحف والمجلات القومية فهي تقدر بمئات الملايين من الجنيهات لكل صحيفة في الوقت الذي تدر فيه الصحافة في انحاء العالم أرباحا والحل يكمن في وجود إدارة مالية سليمة توازن بين الايرادات والمصروفات بما يحقق الارباح. مجلس الشعب: لكل دائرة ممثلان في مجلس الشعب وهذا إسراف لا حاجة له ولعله يكتفي بممثل واحد من العمال والفلاحين يتم انتخابهم بالقائمة النسبية، ويلزم في هذه الحالة أن يتسع تعريف العامل والفلاح ليشمل كل من يكتسب بالعمل من اصحاب المهن والحرف والمشروعات الصغيرة وعلي أن يكون مجلس الشورى الشيوخ من المفكرين والعلماء واصحاب الاعمال الناجحة والقائمين بالادارة العليا ورجال الدين يكون انتخابهم بالنظام الفردى. المحافظات والوزارات: المحافظات حجمها صغير وعددها كبير وقد يتسبب ذلك في تضخم الجهاز الاداري للدولة وقد يكون من الأوقع ضم محافظات وسط الدلتا في محافظة واحدة وضم محافظات شرق الدلتا مع محافظات القناة والامر لا يختلف بالنسبة للوزارات والمطلوب هو خفض عدد الوزارات مع نقل بعض الوزارات الي المدن الجديدة واعطاء المحافظات سلطات أوسع.