خسائر غير مسبوقة تعرضت لها العملة الإيرانية بلغت ذروتها يوم الإثنين الماضى، حيث قفز سعر الدولار فى أسواق الصرافة بطهران إلى 55 ألف ريال مقابل السعر الرسمى البالغ 37 ألف ريال، ووسط حالة من الهلع والتهافت على التخلص من العملة الإيرانية عقد مجلس الوزراء اجتماعا طارئا قرر خلاله خفض السعر الرسمى للعملة الإيرانية إلى 42 ألف ريال لكل دولار، واعتبر كل تعامل يتم بالمخالفة لهذا السعر فعلا مجرما يعاقب مرتكبه بالحبس ومصادرة الأموال، وفى الوقت نفسه قامت السلطات بالقبض على عدد من الصيارفة بعد أن اتهمتهم بالمضاربة على سعر الريال الإيرانى، على الرغم من الانطباع السائد فى البلاد بأن جهاز الحرس الثورى فى إيران هو الذى يدير أسواق الصرف السوداء بالبلاد. التدهور الأخير فى قيمة العملة الإيرانية ليس الأول، حيث فقد الريال نحو 30% من قيمته خلال العام الماضى لا سيما بعد تهديدات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووى الذى أبرمته إيران مع الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا فى يوليو من عام 2015. ومع تصاعد حدة الصراع السياسى نتيجة التدخل الإيرانى فى سوريا تصاعدت أيضا وتيرة هبوط العملة الإيرانية فى الأسواق إلى أن بلغت مستواها التاريخى فى اليوم التالى للعدوان الإسرائيلى على قاعدة طيفور الجوية فى سوريا والتى تحتلها مليشيات عسكرية إيرانية، وراح ضحية الهجوم سبعة إيرانيين بينهم عقيد فى الحرس الثورى. التدهور الأخير فى العملة الإيرانية يعكس مباشرة تخوف الإيرانيين من تحول الصراع السياسى الذى تنخرط فيه طهران إلى نزاع مسلح خاصة بعد تعهد أمريكا ودول غربية أخرى بالاقتصاص لضحايا العدوان الذى شنه الجيش السورى بالأسلحة الكيمائية فى الغوطة الشرقية بداية الأسبوع الماضى، وهو الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى انخراط إيران فى حرب مع الولاياتالمتحدة ودول أخرى مع ما يعنيه ذلك من انهيار اقتصادى فضلا عن خسائره البشرية والعسكرية. عدة آلاف من العراقيين وكذلك مواطنى دول الخليج اندفعوا نحو طهران لاسترداد ودائعهم بالريال الإيرانى بعد أن أغراهم فى وقت سابق ارتفاع الفائدة على العملة الإيرانية إلى 20% لإيداع أموالهم المحولة من الدولار فى البنوك الإيرانية، وهو ما أسهم كذلك فى زيادة الطلب على الدولار فى أسواق طهران. القلق السياسى والخوف من حرب محتملة يمثلان السبب الأساسى وراء أزمة العملة الإيرانية الحالية، ولكنه ليس السبب الوحيد، فهناك أسباب اقتصادية وإدارية أيضا فى فقدان الإيرانيين الثقة بعملتهم، فعلى وقع الانفراجة السياسية مع الغرب التى تلت توقيع الاتفاق النووى زادت تطلعات الإيرانيين فى تحسن الأداء الاقتصادى خاصة بعد البدء فى رفع العقوبات وظهور بوادر من الشركات الغربية بالاهتمام بالأسواق الإيرانية، وتعهد الرئيس «الإصلاحى» حسن روحانى بتحسين مستويات المعيشة للمواطنين عبر تحديث التشريعات والأنظمة الإدارية وتهيئة المناخ لاستقبال الاستثمارات الخارجية والمحلية. غير أن صعوبات روتينية جمة فضلا عن التعقيدات المصرفية وصعوبة الحصول على العملات الأجنبية أجهضت كثيرا من خطط التحديث الاقتصادى وفقا لصندوق النقد الدولى فى 2017 والذى حذر الجميع بمن فيهم المستثمرون الأجانب من خطورة الوضع الاقتصادى فى إيران فيما لو خرجت الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووى مع إيران. سوء إدارة الملف الاقتصادى بالإضافة إلى اندفاع وتهور الحكام فى إيران وراء أحلام السيطرة الإقليمية يدفع ثمنها الآن الريال الإيرانى الذى قرر البنك المركزى إلغاءه اعتبارا من يوليو المقبل واستبداله بعملة التومان الحالية التى تساوى 10 ريالات لكل تومان. بالطبع لا أحد يتمنى للشعب الإيرانى الطيب أن يعانى جراء حرب إقليمية طاحنة بما تخلفه من مآس وأهوال، ولكن حتى إذا نجت إيران والمنطقة من أهوال الحروب، فسيظل سوء الأداء يلاحق الإيرانيين فى همومهم الاقتصادية والاجتماعية، ففى بلد استطاع أن يحقق معدل نمو 7% عامين متتاليين ويمتلك احتياطيات نقدية تبلغ 94 مليار دولار وشعبا نشطا وموارد طبيعية هائلة، فإن شعبه يستحق أفضل كثيرا مما هو فيه.