عائد أنا للتو من اليابان، أكتب، بحزن وبأسى وبمرارة، بعد قضاء نهار يوم عيد الأضحى المبارك، السبت الماضى، مع أهلى، فى قرية كفور الرمل، مركز قويسنا، محافظة المنوفية، وقد رأيت - بنفسى وبعينى - كيف زحفت على سكان القرية، البائسة، تلال القمامة والقاذورات، وأكوام المهملات، المليئة بالأمراض، وبمخلفات وبقايا الطيور والحيوانات الميتة. رأيت كيف أصيبت قريتى المنحوسة، فى مقتل، وكيف تحول، هواؤها الصافى العليل، وبساط أرضها الساحر الأخضر، إلى مقبرة للمقيمين من أهلها، العزل، وللزائرين، المصدومين، بانبعاث روائح وأدخنة كريهة وسامة، على مدى الأربع والعشرين ساعة، وبالذات، بعد إقامة مصنع خاص للقمامة - غير مطابق للمواصفات وفى غيبة من القانون والرقابة والضمير - فى قلب الأراضى الزراعية، شمال القرية. أكتب بحزن وبأسى وبمرارة، وقد رأيت، بنفسى وبعينى، التى سيأكلهما الدود، كيف جرى، ويجرى، تبوير الأرض الزراعية، جهارا نهارا، أمام بيتى، الكائن فى القرية، المنحوسة، بحجة إقامة مبنى لمدرسة، فى تحد صارخ لقانون المساس بالأرض الزراعية، وفى غيراحترام ولا مبالاة للإدارة المحلية ولمجلس المدينة، ولا لسلطة المحافظة، التى قد تقع فى الخطأ، ويرتكب محافظها الخطيئة، بإصدار تصريح لبناء مدرسة، فوق أرض زراعية خصبة، جرى تبويرها، خصيصا، ومع سبق الإصرار والترصد، لهذا الغرض، غير النبيل، ولتمتد يد التبوير والبناء إلى ما شاء الله، فوق الأرض الصالحة للزراعة، ولتبتلع ما بقى للمصريين من أرض خصبة. أكتب، بحزن وبأسى وبمرارة، عن ظاهرة البيئة الريفية المصرية، القذرة، الملوثة، عكس ما كان وما هو راسخ فى مخيلة المصريين، طوال الأيام والسنين، تلك البيئة الريفية البكر، التى كانت مصدرا للاستشفاء وللاسترخاء وللاستجمام، وكانت بعيدة، كل البعد، وحتى وقت قريب، عن أى مظهر من مظاهر التلوث والإزعاج والضوضاء. أتساءل، بحزن وبأسى وبمرارة، عما حدث لسلوكيات فلاحى مصر ولمزارعيها، من تخلف، ومن تدن فى تعاملهم مع مخلفاتهم ومع قمامتهم، تلك العدوى القذرة التى ربما أصابتهم وجاءتهم من أهل المدينة، ومن العشوائيات، أو العكس، المهم، أن حال القرية المصرية لم يعد هو المعهود والمعروف بحالها، البسيط النظيف الوادع الآمن، الذى كانت عليه. كنت كتبت مقالا ونشر بالأهرام، فى منتصف شهر أغسطس الماضى، تحت عنوان: حلم السيسى بجمهورية نظيفة، نوهت فيه إلى طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى من الناس ب "أن تنزل وتنظف أمام وحوالين بيوتها". المطلوب عمله من المصريين، تلبية لطلب الرئيس السيسى، يقوم به اليابانيون طواعية، ليس - فقط - أمام وحوالين بيوتهم، ولكن - أيضا - فى الأماكن والحدائق والمرافق العامة، وقد رأيت، بنفسى، فى خلال زيارتى الآخيرة لليابان، مواطنين يابانيين وهم ينظفون "هيبييا كوين" أهم حديقة فى قلب العاصمة، طوكيو. يقول الدكتور منصور حسن عبدالرحمن، أستاذ بجامعة دوشيشا اليابانية: أخرج من مسكنى الساعة السابعة صباحا، يوميا، وعلى مدى 20 دقيقة، مشيا، إلى محطة القطار، أجد الشوارع لامعة، حيث يستيقظ، تطوعا، مع ساعات الصباح المبكرة، اليابانيون، المتقاعدون، العواجيز، والشيوخ، نساء ورجالا، ويستمتعون بقيامهم بتلميع شوارعهم، حيث النظافة عبادة وثقافة يابانية أصيلة. فتلاميذ المدارس فى اليابان هم الذين يقومون بتنظيف مدارسهم، يوميا، ولما كانت النظافة من الإيمان، وفقا لديننا الإسلامى الحنيف، وأسوة باليابانيين، لماذا لا يقوم المصلون، في بلادنا، عقب صلاة الفجر فى المساجد بتنظيف المناطق المحيطة بها، على أقل تقدير؟ أليست هذه هى العبادة الحقيقية قولا وفعلا؟! فى الوقت نفسه، ذكرنى الدكتور عبدالرحمن بما قام به أخيرا، ناريندار مودى رئيس وزراء الهند، حيث أطلق الشرارة، مشاركا ملايين الهنود، مع تلاميذ المدارس والجامعات والمسئولين، وكل فئات الشعب، حاملين المكانس والجواريف، يوم الخميس، الثانى من اكتوبر الجارى، فى حملة لتنظيف الحدائق والمبانى والشوارع العامة. بدأ رئيس الوزراء الهندى الحملة بتنظيف شارع فى حى فقير بنيودلهى، وفى اللحظة نفسها، إنطلقت الحملة فى جميع أنحاء الهند، بمشاركة اعضاء البرلمان ومديرى المدارس وعمال المصانع، وملايين الهنود، لتطهير الهند من القمامة، وتنظيف الحدائق العامة، كجزء من الحملة. لقد اختار رئيس السلطة التنفيذية الهندى ذكرى ميلاد المهاتما غاندى لإطلاق حملته، التى سوف تستمر لمدة خمس سنوات، حت يتم تنظيف البلاد، وفى محاولة جادة من جانبه لتحسين صورة الهند أمام العالم. يختتم الدكتور منصور حسن عبدالرحمن تعليقه، مناشدا الرئيس السيسى بإطلاق شرارة تنظيف مصر، أسوة بالهند، وقائلا: لقد لعبت منظمة الشباب فى مصر فى ستينيات القرن الماضى دورا وطنيا تطوعيا مهما فى مجالات العمل العام، وكانت خط دفاع منيع ضد التطرف بكل أشكاله وألوانه.