أنا واحد من ملايين المغتربين الذين يعملون خارج مصر من سنوات طويلة، وكنت أخطط كل عام لأجازتى السنوية حتى يظل أولادى على اتصال دائم بالوطن الأم وزيارة الأهل والأقارب والاستمتاع بالجو والمعالم السياحية فى مصر. هذا العام لم تكن إجازتى ككل عام، لأننى وجدت مصر اليوم ليست هى مصر قبل الثورة، وكان من المفروض أن نرى مصر بعد الثوره أفضل كثيرًا، ولكن ما شاهدت فى مصر هذا العام أدهشنى وأصابنى بحاله شديدة من الإحباط لمستقبل مصر. لقد رأيت أغلب الشباب المصرى لا يعرف للأخلاق معنى ولا يعرف للحياء مكان، ورأيت الفتيات تدخن – وعندما سألت أحد الأصدقاء عن سبب ذلك فقال ( هى دى مصر النهاردة) وعليك أن تتعايش مع الواقع الجديد فى مصر. كيف تسمح إدارة المرور للسيارات التى يقودها الشباب أن تسير بين المناطق السكنية، وهى تفتح مكبرات الصوت داخل السياره الساعة الثالثة والرابعة صباحًا بصورة قبيحة تظهر مدى الفوضى الأخلاقيه التى تعيشها مصر ودون أى عقاب لمرتكبيها، أين الأمن الذى يتحدث عنه وزير الداخلية وأين القانون الذى يحاسب المخالفين وأين العقوبة التى تردع هؤلاء الذين لا يبالون بقانون أو أخلاق. مازالت الرشوه هى الحل لكثير من العوائق التى يضعها موظفون الحكومة أمام المواطنين لإنهاء معاملتهم اليومية. لقد رأيت أكوام القمامة فى كل مكان ورأيت بقرة ميتة تعوم على سطح النيل، وسألت نفسى أين جهاز البيئة وأين شرطة المسطحات المائية. لقد رأيت أصحاب المحلات التجاريه فى بورسعيد يسرقون شوارع وأرصفه الدولة واحتلوها ببضائعهم، ولم يتركوا للمشاة مكانًا يسيرون فيه وسألت نفسى أين رئيس المجلس المحلى وشرطة المرافق بالمدينة. لقد رأيت التوك توك فى كل مكان ولم يعد سيره مقتصرًا على الحوارى والقرى الصغيرة ولم يعد غريبًا أن ترى "التوك توك" يسير على كوبرى 6 أكتوبر أو شارع مصطفى النحاس وسألت نفسى من المسئول عن استيراد هذه المركبة التى لم أكن أراها الا فى الهند أو باكستان أو أفغانستان ولماذا وافقت لهم الجهات المعنية باستيراده؟. لقد رأيت فوضى مرورية فى شوارع القاهرة وبورسعيد لم أراها من قبل ورأيت أن الأزمة تتفاقم ولم يعد لها حل إلا أن تقوم حرب عالمية ثالثة تمتص هذه الكثافة السكانية وسياراتهم التى زادت عن الحد المسموح به فى كل بلد. لقد رأيت فئة جديدة من الأغنياء فى مصر أصبحوا يمتلكون الملايين بل المليارات وكانوا معدمين، ورغم الملايين التى يملكونها إلا أنها لم تمحوا تاريخهم أو أصولهم وعندما استفسرت عن سبب الملايين التى حصدوها السنوات الماضية، فوجدت أنهم اشتركوا فى منبع واحد وهو الحرام بأنواعه. لقد رأيت عسكرى المرور بملابسه الجديده التى تشبه ملابس المسجون وتذكرت شكل ملابس رجل المرور فى الأربعينات والخمسينات، وقلت فى نفسى لماذا تبخل وزارة الداخلية على رجالها بملابس تليق بهم وبالدولة المصرية الجديدة وهى أهم من السلاح الذى يحمله. لقد رأيت من يهاجم الجيش المصرى ويهاجم الفريق عبد الفتاح السيسى بصورة خاصة بالكتابة على الحوائط فى كل ميادين مصر وشوارعها وهو أمر لم نراه فى أى بلد فى العالم، أن يتطاول أحد على جيشه وقائده ولم أشاهد من يقوم بتنظيف هذه الحوائط التى تشوه الصوره الجمالية للعديد من شوارع وميادين مصر. لقد رأيت أننا مازلنا دولة بلا قانون وبلا شرطة تحمى مواطنيها من العابثين والمستهترين بأمنها، لقد رأيت دولة فيها معالم سياحية ليست موجودة فى أى بلد ولكنها للأسف بلا سياحة، لقد رأيت مدارس وجامعات مصرية فى كل مدن مصر، ولكنى لم أجد تعليم جيد، لقد وجدت دولة ذات تاريخ 7000 آلاف سنة، ولكنى لم أجد مستقبلا لهذا البلد، لقد وجدت خطط استثمارية ولكنى لم أجد مستثمرين جدد يرغبون فى الاستثمار فى مصر، فهل مازال هناك أمل فى المستقبل؟