بعد إطفاء شعلة كأس العالم, تستعد البرازيل لاستضافة حدث اقتصادي مهم. فخلال يومي15 و16يوليو الجاري يجتمع قادة مجموعة بريكس لوضع اللمسات الاخيرة لمشروع صندوق وبنك للتنمية والذي يأتي في اطار جهود الصين لاعادة رسم خريطة العالم المالية بما يعكس تنامي نفوذها ويحمي مصالحها. شهد الاقتصاد الدولي تغييرات هيكلية خلال السنوات العشر الاخيرة, مع تنامي الثقل الاقتصادي للدول النامية والناشئة في الناتج المحلي الاجمالي العالمي, لاسيما بالنسبة للنمو الاقتصادي. بل ان تلك الدول كانت صاحبة الفضل في معظم النمو الاقتصادي العالمي منذ الازمة المالية العالمية في2007 2008. وبعض من الاقتصادات النامية تراكمت لديها اصول ضخمة من النقد الاجنبي التي تستثمر جزءا كبيرا منها في دول متقدمة نظير عوائد متدنية. وفي الوقت نفسه تعاني الدول النامية والناشئة من عجز في احتياجات تمويلية ضخمة خاصة في مجال البنية التحتية والتنمية المستدامة بوجه عام حيث يقدر عجز الاستثمارات بحوالي تريليون دولار سنويا, بحسب تقرير حديث للاونكتاد. ومن ثم كانت الفكرة لانشاء بنك جديد للتنمية يسهم في تمويل مشروعات البنية التحتية التي تحتاجها الدول النامية. وأهمية البنك الجديد لا تقتصر علي ذلك فحسب وانما في دوره ايضا في توفير الخبرات التقنية والتنظيمية لتنفيذ مشروعات ضخمة. وتسارع الصين لتأسيس البنك الجديد المسمي ب بنك استثمارات البنية التحتية الاسيوي الذي تحشد له الدعم من دول اسيوية وغير اسيوية من اجل منافسة البنك الدولي وبنك التنمية الاسيوي اللذين يخضعان لهيمنة الولاياتالمتحدة وحلفائها. فخلال الشهور الماضية, اجتمع مسئولون صينيون بالعديد من نظرائهم الاسيويين وتمت دعوة كوريا الجنوبية و ماليزيا وهونج كونج وحتي اليابان للمشاركة في المشروع الذي اقترح فكرته الرئيس الصيني في عام2013 برأسمال تأسيسي يقدر بنحو50 مليار دولار. اي باشتراك متساو من الدول الاعضاء, البرازيل, روسيا, الهندوالصين. وبحسب ما كشفت عنه الفاينانشال تايمز مؤخرا, تسعي الصين الي زيادة رأسمال البنك إلي100 مليار دولار. وقد أبدت22 دولة اهتمامها بمشروع البنك حتي الآن بما في ذلك دول شرق اوسطية والولاياتالمتحدةوالهند ودول اوروبية, بل واليابان. وبنك استثمارات البنية التحتية الاسيوي() سوف يوسع النفوذ المالي للصين ويعزز تنافسيتها امام اليابان التي تهيمن علي بنك التنمية الاسيوي. البنك الدولي يخضع لهيمنة امريكا, في حين تسيطر اوروبا علي صندوق النقد الدولي . فحتي الآن اعتادت الدول الاسيوية اللجوء الي اليابانيين, سواء مباشرة اوعن طريق بنك التنمية الاسيوي للاقتراض. وبالفعل يقدم البنك حوالي12 مليار دولار سنويا قروضا يتركز معظمها علي خفض الفقر في تلك الدول. لكن بنك بريكس سوف يركز علي مواجهة تحديات تخلف البنية التحتية في الدول النامية. وبدون شروط سياسية او التدخل في الشئون الداخلية مثلما يفعل صندوق النقد والبنك الدوليين. وكل ما تطلبه الصين التي ستهيمن علي البنك الجديد هو الصداقة والتكتل ضد منافسيها سواء كانوا في اليابان, تايوان او التبت. وبالنسبة للدول الاسيوية والنامية, يبدو هذا النظام صفقة مربحة لكنها قد تكون مكسبا قصير الاجل بالنظر الي تجربة افريقيا مع الدبلوماسية المالية الصينية التي تستوجب الحذر عند التعامل مع الصينين في رأي محللين غربيين. وبالاضافة الي الاستحواذ علي المواد الخام والثروات الطبيعية لتلك الدول, فإن الصين ليس لديها اي مانع لمساندة نظم قمعية مثلما فعلت مع السودان.فعلي مدار السنوات العشر الماضية بسطت الصين نفوذها المالي في افريقيا من خلال بنك التنمية الذي قدم قروضا اكبر مما قدمه كل من بنك التنمية الاسيوي والبنك الدولي معا. لكن سياسة بكين لا أري او اسمع شرا دعم حكومات قمعية في السودان, زيمبابوي واماكن اخري في القارة السمراء. حيث استخدمت الصين اسلحتها الناعمة لبناء اقتصادات تنافسية تعتمد علي مصادر متنوعه للنمو في اطار نموذج استعماري جديد تستولي الصين من خلاله علي الثرورات الطبيعية. وبحسب مصادر مطلعة, اول مشروع سيموله البنك سيكون استنساخا لطريق الحرير القديم وذلك من خلال شبكة ضخمة من الطرق التجارية بين الصين وجيرانها الاقليمية. وهناك مشروع آخر لشبكة سكك حديدية تمتد من بكين الي بغداد. المخاوف بشأن الحوكمة, رأس المال والعلاقات الدولية, يلقي الضوء علي قدرة الصين, او عدمها علي ادارة البنك وليس تأسيسه فحسب. وبالرغم من النوايا الحسنة, ستتعرض الصين لانتقادات حادة اذا لم تتخذ الاجراءات اللازمة لتطهير سمعتها بانتهاك المعايير الدولية للعمالة, البيئة واجراءات السلامة في القطاعات الاقتصادية المختلفة. يذكر انه باعتبارها عضوة في البنك الدولي, لاتتمتع الصين بقوة تصويتيه عالية كالولاياتالمتحدةوبريطانيا نظرا لانها ضد الكتلة التصويتية من الفئة الثانية وتملك بكين حصة نسبتها5.5% في بنك التنمية الاسيوي مقابل15.7% للولايات المتحدة15.6% لليابان. وفي صندوق النقد الدولي تدفع الصين حصة نسبتها4% في حين تدفع الويالات المتحدة حصة نسبتها18% مما يعطي الاخيرة نفوذا اكبر داخل المؤسسة بما يشمل تحديد الجهات المتلقية للقروض. وتعمل واشنطن علي منع اعادة رسملة صندوق النقد الدولي( المقدر حاليا بنحو369 مليار دولار) حتي لاتفقد نفوذها. ويري مراقبون ان دور بنك بريكس يمكن ان يكون مكملا وليس بديلا للمؤسسات المالية الدولية. وانه سيعزز صوت الاقتصاديات النامية والناشئة في منظومة التمويل الدولي لاغراض التنمية. اما بالنسبة لصندوق الاحتياطي النقدي لمجموعة بريكس فالغرض منه مواجهة اي مشاكل مالية, وتقليل تذبذب اسواق العملة في الدولة النامية التي عانت من انخفاض خطير قبل عدة اشهر عندما انخفض الريال البرازيلي والروبل الروسي الي اقل مستوي في اربع سنوات مقابل الدولار وكذلك الروبية الهندية التي سجلت مستويات منخفضة تاريخيا.