في مقال سابق قلت إن حكومة محلب إيديها ثقيلة بمعني أنها غير مرتعشة ولا تخضع لضغوط أصحاب المصالح, وليس معني ذلك أنها لا تراعي الآثار المترتبة علي قراراتها الثقيلة علي المستويين الاقتصادي والاجتماعي. علي العكس, فان إزالة المباني المخالفة والعمارات التي تكلفت عشرات وربما مئات الملايين رسالة واضحة للمخالفين وللملتزمين أيضا, بأن الذين تجاوزوا حدود القانون وتعدوا علي حقوق الدولة والشعب لن يستفيدوا من تعدياتهم. في الماضي كان يظهر من أعضاء الحكومة من يقول خسارة أن نهدم المباني المخالفة لأنها في النهاية أموال وثروات مصرية, ويكفي أن نوقع غرامات علي المخالفين ونتصالح معهم, وكان كل مخالف يضع في اعتباره أنه سيدفع مبلغا إضافيا مقابل التصالح, وأن الدولة لن تجرؤ علي تنفيذ القوانين بعد أن ارتفعت الأبراج لتناطح السحاب وبعد أن تم بيعها لأفراد من أبناء الشعب الذين وضعوا تحويشة عمرهم لشراء تلك الشقق. ولكن حكومة إبراهيم محلب أعطت درسا قاسيا للمخالفين وأيضا للفاسدين في بعض الوحدات المحلية ولأفراد الشعب الذين تعاملوا مع وحدات سكنية نشأت دون تراخيص. لا أقول إن حكومة محلب وزارة من الملائكة ولكن الظروف الاستثنائية التي نعيش فيها تحتاج إلي قرارات أيضا استثنائية لإعادة الأشياء إلي وضعها الطبيعي, وتأجيل اتخاذ القرار ليتحمله من سيأتي من بعدنا سيكون وصمة في جبين هذا الجيل, وسيكون من العار أن تفشل حكومة أقدم دولة في التاريخ في علاج عجز الموازنة الذي يتزايد عاما بعد عام. علاج عجز الموازنة سهل جدا من الناحية النظرية وهو إما خفض المصروفات لتتساوي مع الإيرادات التي تحققها الدولة, أو زيادة الإيرادات بنفس قدر النفقات. ولكن من الناحية العملية فإن العيوب الهيكلية في الاقتصاد المصري جعلت من الصعب جدا إصلاح ما أفسده السياسيون علي مدار عقود طويلة بحجة إرضاء فئات الشعب الفقيرة وزيادة الدعم وتشغيل الخريجين في وظائف لا تحتاجها الدولة, فوجدنا خريجي الزراعة يعملون في الصناعة والتدريس ووزارة العدل, وخريجي العلوم يعملون في السجل المدني وهكذا حتي أصبحت العمالة غير منتجة لأنها لا تعمل في تخصصها لأن الهدف كان التشغيل وليس الإنتاج. نحن بلا شك مقبلون علي عهد جديد, وأيا كانت الملاحظات علي كلا المرشحين لمنصب الرئيس فإن المؤكد أن النتيجة لن تكون99% لصالح أحد المرشحين, والمطلوب الآن أن نحكم العقل في اختيار الأفضل للمرحلة الحالية خاصة أن كلا المرشحين مشهود له بالوطنية, وتبقي عناصر الخبرة والكفاءة وسابقة الأعمال والبرنامج وكيفية تحقيق الوعود حتي لا تتحول إلي أحلام غير قابلة للتحقيق. عودة إلي حكومة محلب التي قادها حظها العاثر إلي عجز يتجاوز340 مليار جنيه في الموازنة الجديدة, ولم يعد أمامها في هذا الوقت الضيق سوي البحث عن وسائل لخفض الإنفاق ولو قليلا, وفي تلك الحال لن يكون أمامها سوي خفض جزئي للدعم الهائل الذي يذهب إلي الأغنياء دون أن يطلبوه أو إلي السماسرة والمهربين, أو أن تبحث الحكومة عن زيادة مواردها المحدودة دون أعباء جديدة علي الفقراء أو حتي الطبقة المتوسطة التي بدأت تتآكل في مصر وتتجه نحو خط الفقر, وكان قرار الحكومة بفرض5% علي أصحاب الدخول التي تتجاوز المليون جنيه, وتطبيق الضريبة العقارية أحد تلك الحلول الوقتية بالرغم من أن الإيرادات المتوقعة من الضريبتين ربما لا تصل إلي6 مليارات جنيه لن تؤثر كثيرا في حجم العجز الذي يتجاوز340 مليار جنيه, ولكنها كما يقول المثل المصري نواية تسند الزير. النواية الأخري التي ربما تساعد أيضا من الحد من النفقات هي تطبيق التوقيت الصيفي لإجبار الناس علي الاستيقاظ مبكرا ساعة لنستفيد من ضوء النهار والحد من استهلاك الكهرباء. وإن كنت أري أن الحل الذي تتجه حكومة محلب لتنفيذه هو اتخاذ قرار بإغلاق المحال بجميع أنواعها في العاشرة مساء والاكتفاء بصيدلية في كل شارع وعدد من المطاعم السياحية, وفتح الحدائق والكافيهات حتي منتصف الليل للقضاء علي حجة أن الجو الحار يدفع الناس إلي السهر في الشوارع خاصة أن تكلفة أجهزة التكييف أصبحت باهظة مع ارتفاع أسعار الكهرباء المنزلية. تغيير سلوك المواطنين أيضا جزء من مهمة الحكومة الجريئة, وعلينا أن نعتاد أن يبدأ اليوم من السادسة صباحا وينتهي العاشرة مساء ليتحول المجتمع من الاستهلاك إلي الإنتاج ومع حلول إجازات الصيف لطلاب المدارس والجامعات يجب أن تضع الحكومة برامج تستهدف توعية وبناء جيل جديد جسمانيا من خلال برامج رياضية رخيصة بعد أصبحت ممارسة الرياضة في الأندية عبئا علي الأسرة المصرية, وأن تضع الحكومة برامج ثقافية تعيد لقصور الثقافة أهميتها التي كانت موجودة في الستينيات, وأن تستفيد من طاقة14 مليون شاب من أبناء المدارس والجامعات. [email protected]