تبددت مؤخرا آمال كثيرين ب»خروج ناعم» لبريطانيا من الاتحاد الاوروبى، وزادت احتمالات «الخروج الصعب» لا سيما بعد هبوط الجنيه الاسترلينى إلى أقل مستوى فى 31 عاما، ما أثار تكهنات حول مدى تراجع العملة البريطانية وتأثيره على الاقتصاد. فى حين يريد البعض فى الحكومة البريطانية «بريكست قوي» يتضمن قطعا كليا للعلاقات مع الاتحاد الاوروبى. هناك ايضا انصار «الخروج الناعم» التدريجى من الاتحاد الاوروبى بما يحافظ على دخول البلاد السوق المشتركة. وحذر وزراء بالحكومة من أن ما وصفوه «بخروج صعب» للبلاد من الاتحاد الأوروبى سيكلف خزانة الدولة نحو 66 مليار استرلينى سنويا. ويطلق عادة على الخروج الصعب من الاتحاد الأوروبي، حرمان البلاد من الوصول للسوق الموحدة مقابل إيقاف بريطانيا لحرية الحركة وعدم السماح لمواطنى دول الاتحاد بدخول البلاد. وطبقا لبيانات حكومية مسربة حصلت صحيفة «التايمز» على نسخة منها، فإن الخروج من السوق الموحدة والتحول إلى قواعد منظمة التجارة العالمية قد تسبب فى تراجع الناتج المحلى الإجمالى بنسبة تصل إلى 9.5٪ مقارنة مع إذا بقيت البلاد فى الاتحاد الأوروبى. والتأثير الصافى على مدخولات القطاع العام -مع افتراض عدم وجود مساهمات فى ميزانية الاتحاد الأوروبى- سيكون خسارة من بين 38 مليارا و66 مليار جنيه سنويا بعد 15 عاما، مدفوعا بصغر حجم الاقتصاد. كان الجنيه الاسترلينى هبط إلى مستويات غير مسبوقة فى 31 عاما مع استمرار معاناة العملة البريطانية وسط مخاوف من التداعيات الاقتصادية السلبية للخروج البريطانى المزمع من عضوية الاتحاد الأوروبى. ووصل الجنيه الإسترلينى إلى 1,2 فى مقابل الدولار، ما يعد أدنى مستوى له منذ عام 1985. وشهدت العملة البريطانية أيضا أدنى مستوى لها منذ أكثر من ثلاث سنوات فى مقابل العملة الأوروبية حيث بلغت 87,76 بنس فى مقابل اليورو الواحد. وقد حذر الاقتصادى محمد العريان من ان «بريكست قوى» سيدفع العملة البريطانية إلى مزيد من الهبوط، وقال ان التكلفة ستشمل ارتفاع التضخم وربما ينزلق الاقتصاد إلى الركود. وقال ان تعويم الاسترلينى سيضع الاقتصادات الاوروبية الاخرى فى مآزق وهى التى تجد صعوبة فى التأقلم مع التحديات الاقتصادية والمالية. وانخفض سعر الجنيه الاسترلينى إلى أدنى مستوياته بعدما أعلنت رئيسة الوزراء تيريزا ماى أن بلادها ستبدأ مفاوضات الخروج من الاتحاد الاوروبى (بريكست) بنهاية مارس وتفضيلها «خروج قوى»، فيما حذر وزير المال فيليب هاموند من «اضطرابات». وقال وزير المال ان على البريطانيين ان يتوقعوا بعض الاضطرابات اثناء عملية التفاوض على بريكست، مضيفا ان ثقة المستهلكين ورجال الأعمال يمكن ان ترتفع وتنخفض «مثل الارجوحة». وجاءت تصريحاته غداة كشف ماى أن بريطانيا ستبدأ عملية بريكست التى تستمر عامين، ما يضعها على طريق الخروج مطلع 2019 ويفتح الطريق امام مفاوضات مؤلمة بين لندن وشركائها فى الاتحاد الاوروبى. ويعتبر هاموند من أنصار «الخروج الناعم»، وكان قد أعلن اختلافه مع هدف سلفه جورج اوزبورن بالقضاء على العجز فى الميزانية البريطانية بحلول 9102-0202، الا انه لم يحدد موعدا جديدا. وبدلا من ذلك تعهد بضخ مزيد من الاستثمارات لدعم الاقتصاد البريطانى بما فى ذلك اطلاق صندوق بقيمة ثلاثة مليارات جنيه استرلينى (3,4 مليارات يورو، 3,9 مليارات دولار) لبناء اكثر من 200 الف منزل جديد. وقد اشارت ماى، التى تولت السلطة فى يوليو خلفا لديفيد كاميرون الذى استقال فى اعقاب التصويت على الخروج من الاتحاد الاوروبى، إلى استعداد البلاد للخروج من الاتحاد لضمان ضبط دخول المهاجرين إلى أراضيها من دول الكتلة الاوروبية. وقالت انا ثاكر خبيرة الاسواق فى مؤسسة «فيليب كابيتال» البريطانية انه فى حين رحبت الاسواق بكشف ماى تفاصيل بريكست فإن هناك درجة كبيرة من عدم اليقين تحيط بما ستتضمنه المفاوضات. وجاء فى تحليل لمؤسسة «رابوبانك» لابحاث الاسواق المالية انه كلما ازداد اصرار ماى على ضبط الهجرة، اصبح اكثر ترجيحا ان يغلق الاتحاد الاوروبى دخول (بريطانيا) إلى السوق الموحدة. واعتبر ان انخفاض قيمة الجنيه الاسترلينى يعكس قلق المستثمرين. من ناحية اخرى يعتقد البعض ان هبوط الاسترلينى سيفيد صادرات البلاد. وفى تعليق له قال الخبير محمد العريان ان التعويم الحر للجنيه الاسترلينى كان رد فعل منطقيا لضبابية مستقبل العلاقات التجارية لبريطانيا التى تعانى بالفعل من عجز حسابها الجارى. وأضاف أن هناك آمالا أن يعمل خفض قيمة العملة على تخفيف تأثير صدمة «بريكست» على بريطانيا عن طريق تشجيع الصادرات وزيادة حصيلة إيرادات السياحة وكذلك قيمة التدفقات الرأسمالية الواردة. وبالفعل جاء أداء الاقتصاد البريطانى عقب نتائج استفتاء يونيو المفاجئ على الخروج من الاتحاد الاوروبى أقوى من توقعات بعض المحللين. وفى مؤشر رئيسى على قوة قطاع التصنيع، ارتفعت مؤشرات «ماركت» لمديرى المشتريات إلى اعلى مستوى منذ منتصف 2014، طبقا لأرقام رسمية. والأرقام التى أظهرت أن قطاع التصنيع استفاد من انخفاض الجنيه ساعدت على استقرار الجنيه، بعد موجة الهبوط. الا ان العديد من الشركات الكبرى لا تزال مترددة بسبب بريكست فى اتخاذ قرارات استثمارية طويلة المدى. وقد ارجع تقرير لفاينانشال تايمز بعضا من هبوط الاسترلينى مؤخرا إلى اخبار عن نية بنك فى. تى. بى الروسى لنقل مقره الأوروبى إلى فرانكفورت أو باريس أو فيينا، ما أدى إلى زيادة المخاوف من تراجع القطاع المالى فى لندن جراء الانفصال البريطانى. - القطاع المالى .. أكبر الخاسرين وبحسب تقرير صادر عن شركة أوليفر وايمان للاستشارات فإن القطاع المالى البريطانى قد يخسر إيرادات تصل إلى 38 مليار جنيه إسترلينى (48.34 مليار دولار) إذا حدث ما يوصف ب»الخروج القوى» الذى سيقيد حرية دخول شركات القطاع إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبى. ففى حال خسارة الشركات المالية الحق فى بيع خدماتها بحرية فى شتى أنحاء أوروبا فإن 75 ألف فرصة عمل قد تختفى كما ستخسر الحكومة ما يصل إلى عشرة مليارات جنيه إسترلينى فى شكل إيرادات ضريبية. والدراسة هى واحدة من أولى الدراسات التى تحدد تأثير تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبى على قطاع الخدمات المالية. وهناك تكهنات متزايدة بأن القطاع المالى الذى يشمل بنوك التجزئة ومديرى الأصول وشركات التأمين وبنوك الاستثمار سيخسر حق الدخول إلى السوق الموحدة حين تتفاوض الحكومة البريطانية على خروجها من الاتحاد الأوروبى. وسيكون مستقبل لندن كمركز مالى لأوروبا نقطة تفاوضية رئيسية فى تلك المفاوضات لأن القطاع المالى هو أكبر قطاع تصديرى فى بريطانيا وأكبر مصدر للإيرادات الضريبية. وقال التقرير إن قطاع الخدمات المالية البريطانى يحقق إيرادات تتراوح بين 190 مليارا و205 مليارات جنيه إسترلينى سنويا ويوظف نحو 1.1 مليون شخص. وتسدد الصناعة نحو 60 إلى 67 مليار جنيه إسترلينى فى شكل ضرائب. ولخص التقرير تأثير سيناريوهين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. وقال التقرير إنه حسب أسوأ السيناريوهات الموضوعة الذى أُطلق عليه اسم «الانفصال الصعب» فإن البنوك العالمية العاملة فى بريطانيا ستفقد بالكامل قدرتها على دخول السوق الموحدة ما قد يؤدى لانخفاض الإيرادات بين 32 و83 مليار جنيه إسترلينى ويضع 65 ألفا إلى 75 ألف وظيفة فى خطر. أما إذا استطاعت بريطانيا الاحتفاظ بقدرتها على الدخول إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية بشروط مماثلة لما يوجد حاليا فإن 4000 وظيفة فقط قد تختفى وستخسر بريطانيا إيرادات بنحو مليارى جنيه إسترلينى. وقال ريتشارد تايس، المستثمر بالعقارات ورئيس مجموعة ضغط جديدة تدفع الحكومة لقطيعة كاملة مع الاتحاد الأوروبى، إن التقرير مبالغ فيه وإن العواصم الأوروبية الأخرى تفتقر إلى البنية التحتية أو المهارات اللازمة لكى تستقطب أنشطة الخدمات المالية من بريطانيا. سجلت بورصة لندن ارتفاعا جديدا تاريخيا الثلاثاء بسبب ضعف قيمة الجنيه الاسترلينى، ما يعكس المخاوف من مفاوضات حادة حول خروج البلاد من الاتحاد الاوروبى لكنه يعزز أرباح الشركات البريطانية المتعددة الجنسيات فى الخارج. وبلغ سعر أبرز مؤشر فى سوق المال البريطانية «فوتسى-100» 7128,34 نقطة بارتفاع قيمته 34.0% عند الساعة 00.11 ت غ، محطما بذلك الرقم القياسى السابق الذى يعود إلى 72 ابريل 5102.