عندما تصل الي مطار فيندل في لوكمسبرج يمكنك ملاحظة مبني جديدا سيكون قريبا موطنا لمليارات الدولارات ومخزنا لاعمال فنية راقية وكنوز اخري, معظمها سيتم شحنها بطائرات خاصة حيث سيتم تخزينها في المنطقة الحرة او الشكل الجديد للملاذات الضريبية. استخدام المناطق الحرة كملاذ ضريبي ظاهرة رصدتها مجلة الايكونوميست في تقرير لها مؤخرا حيث اشارت الي اتجاه اغنياء العالم الي الاستثمار في المقتنيات الثمينة والمناطق الحرة مثل المنطقة الحرة لمطارفيندل بلوكمسبرج الذي تحول الي مستودع للثروة. اسباب هذا الاتجاه مشابهة لعوامل الجذب التي تتميز بها المراكز المالية الاوف شور او الجنات الضريبية وهي السرية, الخصوصية, اقل مستوي من التدقيق والرقابة, امكانية اخفاء المالك الحقيقي ومجموعة من المزايا الضريبية وكل هذا بفضل طبيعة المناطق الحرة, فالبضائع فيها تعتبر في منطقة عبور, لكن في الواقع هذه الموانيء تستخدم وعلي نحو متزايد كموطن دائم للثروات وإذا كان هناك من يعرف هذه اللعبة وقواعدهاجيدا فهم الاغنياء ومستشاروهم. بسبب السرية التي تحيط بها فان قيمة البضائع المخبأة في المناطق الحرة غير معلومة لكن من المعتقد أنها بمئات المليارات من الدولارات وبالرغم من شرعية هذه العملية الا ان الحماية التي توفرها بعيدا عن المتطفلين تؤكد انها خيار الاغنياء المتهربين من الضرائب. حقيقة الامر أن المناطق الحرة كانت ممن استفادوا كثيرا من هروب الثروات غير المعلنة من حسابات بنوك الاوف شور علي اثر ملاحقة السلطات وهجماتها علي التهرب الضريبي من امريكا واوروبا. والفكرة ليست جديدة تماما ففي بداية الامر كان الغرض من المناطق الحرة تخزين سلع لفترة مؤقتة اثناء عبورها من بلد الي اخري وخلال الخمسين عاما الماضية زاد الاقبال علي الاستثمار في الاعمال الفنية والمقتنيات الثمينة وكان هناك العديد من العوامل التي عززت موجة الشراء هذه, ابرزها تنامي عدم الثقة من الاصول المالية في ظل تفوق اداء المقتنيات الثمينة علي الاسهم خلال العشر سنوات الماضية. ووفقا لتقديرات يو بي اس للخدمات المالية ارتفع عدد الاغنياء الذين لديهم اصول بقيمة30 مليون دولار او اكثر الي199.235 وهو رقم قياسي وبزيادة نسبتها6% عن عام2012 والسلع التي يلجأون الي تخزينها او اخفائها في المناطق الحرة عن السلطات الضريبية في بلادهم تتراوح بين لوحات فنية وخمور الي معادن ثمينة واحيانا سيارات فاخرة وتتضمن قائمة عملاء المناطق الحرة متاحف, جاليريهات, صناديق استثمار متخصصة في الاستثمار في الاعمال الفنية, وافراد من هواة جمع التحف والمقتنيات الثمينة. بالطبع تختلف رسوم التخزين من ميناء الي آخر لكنها في حدود1000 دولار سنويا لتخزين لوحة متوسطة الحجم ومن5000 الي12000 دولار لتخزين ما يملأ حجرة صغيرة. يذكر ان سويسرا هي اول من اقام المناطق الحرة ولديها ستة منها ابرزها منطقة جنيف وزيورخ, والمنطقة الحرة في جنيف التي كانت مخزنا للحبوب في القرن التاسع عشر, يتم تخزين السلع الفاخرة فيها الآن في مساحة شاسعة. ولوكسمبورج ليست وحدها التي تسعي الي محاكاة هذا النجاح فهناك منطقة حرة جديدة افتتحتها سنغافورة في مطار شانغن في عام2010 والآن هي مليئة بالكامل تقريبا كما تخطط بكين الي اقامة منطقة حرة من الثقافة الصينية لتكون اكبر منشأة في العالم لتخزين الاعمال الفنية. في الوقت نفسه ومع زيادة الاقبال عليها شهدت المناطق الحرة تطويرا مذهلا واصبحت بمثابة متاحف بما في ذلك اجهزة التحكم في درجة الحرارة والرطوبة وما الي ذلك للحفاظ علي اللوحات الفنية مع تجهيزات خاصة ايضا لعرضها علي المشترين المحتملين. وعلي سبيل المثال لجأت قاعة مزادات كريستي الشهيرة الي تأجير مساحة في المنطقة الحرة لسنغافورة. وهكذا يتجه الاغنياء وعلي نحو متزايد الي استخدام المناطق الحرة كسوق لبيع وتبادل مقتنياتهم الثمينة دون ان تخرج منها حيث تقتصر العملية علي نقل السلعة من حجرة التخزين الخاصة بوكيل البائع الي حجرة وكيل المشتري. وكما هو الحال في البنوك تهتم المناطق الحرة بجانب الحماية من السرقة فتستخدم احدث كاميرات المراقبة واجهزة الانذار. ومن السلع الفاخرة المعتاد تخزينها في المناطق الحرة, الذهب, دويتشة بنك. علي سبيل المثال, يستأجر مساحات لعملاء لتخزين كميات تصل الي200 طن من الذهب في المنطقة الحرة في سنغافورة التي تحرص علي تخزين الذهب كجزء من استراتيجية سنغافورة لتصبح سويسرا الشرق, وتأمل في زيادة حصتها من البيزنس العالمي لتخزين الذهب الي10-15% في غضون عشر سنوات, من2% العام الماضي, ولذلك ايضا ألغت ضريبة مبيعات7% علي المعادن الثمينة, لكن تظل سويسرا هي أكبر مستودع للذهب في العالم بصافي واردات13 الف طن من الذهب بقيمة تقديرية650 مليار دولار بأسعار اليوم.. من ناحية أخري الثروات الموجودة في المناطق الحرة تثير قلقا شديدا لشركات التأمين. فالمبني الرئيسي للمنطقة الحرة في جنيف يحتوي علي اعمال فنية قد تصل قيمتها الي مائة مليار دولار. وبعض عملائها ينقلون مقتنياتهم الثمينة دون إخطار شركة التأمين نظرا لأن التأمين علي الاعمال الفنية عالمي, بمعني أنه يغطي أي مكان كانت فيه, ومع تزايد احتمال تعرض المطارات لإخطار حوادث عديدة يتزايد قلق شركات التأمين. وفي محاولة منها لتهدئة مخاوف شركات التأمين لجأت الشركة الخاصة التي تشغل المنطقة الحرة لجنيف تبني مستودعا جديدا علي مقربة من منشآتها الحالية ومعظم اللوحات الفنية يتم الاحتفاظ بها حاليا في خزائن تحت الارض وهي التي تم بناؤها في السبعينات كطريقة لتهرب البنوك من دفع الضرائب علي الذهب الموجود في خزائنها الخاصة, ولكن عندما تم إلغاؤها استرجعت البنوك ذهبها وبعد فترة قليلة كانت اللوحات الفنية والمقتنيات الثمينة مكان الذهب. والمنطقة الحرة الجديدة في كولسمبرح والتي من المقرر افتتاحها في الصيف المقبل تم تجهيزها علي أعلي مستوي من الحماية والتأمين سواء ضد الحرائق او السرقة. جدير بالذكر ان المناطق الحرة, كان الغرض منها في بداية الامر الاحتفاظ بالسلع لفترة مؤقتة اثناء عبورها من بلد الي آخر ولذلك تم اعفاؤها من الضرائب والجمارك, لكن واقع الأمر انها تحولت الي مخزن دائم للثروة فيمكن ان يتم شحن لوحات من دولة الي أخري وبقاؤها في منطقتها الحرة لعشرات السنين دون دفع اي ضرائب عليها حتي اذا تم بيعها عدة مرات. بل ان بعض الدول قامت بتعديل قوانيها من اجل تقنين التحايل الضريبي مثل لوكمسبرج التي أجرت تعديلات قانونية في عام2011 بجذب المزيد من العملاء ومنافسة لندن وامستردام, حيث تعتبر الحكومة المنطقة الحرة ضمن آليات تعزيز صورتها كمركز مالي عالمي وجنة ضريبية. من ناحية أخري, هناك شكوك حول جدوي المناطق الحرة من الناحية الاقتصادية نظرا لضعف ايراداتها من الرسوم والضرائب وعدد فرص العمل الذي توفره( من50 الي100 في حالة لوكمسبرج) لكن البعض يراها بديل للبنوك التي تتعرض حاليا لهجمات متتالية من السلطات الرقابية لمكافحة التهرب الضريبي, الأمر الذي دفع بنوك سويسرية لتوصية عملائها بنقل ثرواتهم تلك الخزائن في شكل لوحات فنية ومقتنيات ثمينة, وفي اشارة الي تزايد تلك الممارسات رصدت شركة سويسرية للأبحاث زيادة الطلب علي البنكنوت فئة الف فرنك سويسري(1.100 دولار) وهي الأكبر علي الاطلاق وتمثل60% من البنكنوت الذي يتم طبعه في سويسرا. ووفقا لبعض التقارير تعاني بعض بنوك سويسرا من عجز في خزائن حفظ الودائع حتي انها تشترط الآن ألا تقل الوديعة عن ثلاثة ملايين دولار. ولذلك يضطر العملاء الي تأجير خزائن في فنادق او في مناطق حرة, وبالفعل رصد أحد العاملين في المنطقة الحرة لجنيف اقبالا علي نقل اموال من بنوك الي المنطقة الحرة, حيث يتم تأجير مساحة10 أمتار مربعة مقابل22 الف فرنك سويسري سنويا. علي الصعيد الرسمي, بدأت الدول الغربية في تضييق الخناق علي أولئك الذين يسعون الي استخدام المناطق الحرة لاخفاء ثروات غير معلن عنها, امريكا اتخذت المبادرة وفي اطار اتفاقية مشتركة مع البنوك السويسرية سوف تحصل علي معلومات عن تحويلات الارصدة من حسابات البنوك بما في ذلك عمليات السحب النقدي, ونظرا لاهتمام السلطات الضريبية بمحتوي خزائن المناطق الحرة تطالب المواطنين بالافصاح عن ممتلكاتهم من اللوحات الثمينة. غير ان سوق الفن يتيح عمليات غسيل الاموال, حيث مايتم عادة تسجيل المشترين والبائعين ك عميل خاص ومعظم الصفقات تتم نقديا ولذلك تم استخدام هذه السوق, منذ الثمانينات في غسيل الاموال وعلي نطاق واسع, الأمر الذي يضع من المناطق الحرة علي خريطة غسل الاموال. وقد حذر تقرير لجنة العمل المالي الدوليةFinancialActionTaskForca لعام2010 من دور المناطق الحرة بما تمثله من تهديد بتمويل الارهاب وغسيل الاموال وذلك بسبب افتقارها الي اجراءات ادارية مهمة. ومن جانبها تدافع المناطق الحرة عن عملائها وتقول ان الغرض من استخدامها هو الحصول علي الأمان والخصوصية وليس لإخفاء الثروات بطريقة غير شرعية. ونتيجة للضغوط الشديدة سيخضع مطار كولسمبرج لقوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة بمكافحة غسيل الاموال. أما سويسرا فقد شددت قوانين غسيل الاموال وتحويل الملكية الثقافية وتم تفعيل قانون يرجع الي عام2009 والذي يجعل من مواني ومطارات البلاد ضمن المقاطعات الجمركية لأول مرة في تاريخها. بالرغم مما سبق, يستطيع العملاء في سويسرا, عمليا التمتع بدرجة عالية من السرية, بل ان سنغافورة توفر قدرا أكبر من السرية, والمنافسة مستمرة.