مصطفى السعيد تقييم مواقف أي نظام سياسي يأتي من خلال ثلاثة محاور أساسية، وهي القضية الوطنية، والحريات العامة والخاصة، والسياسة الاقتصادية المرتبطة بالانحياز الاجتماعي، وفي مصر نجد أن القضية الوطنية تجلت تدفئة العلاقات مع إسرائيل، والتناغم مع السياسات السعودية التى نتج عنها دعم في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، وتورطنا في الكثير من مواقفها، سواء بالمشاركة في التحالف المعتدي على اليمن، أم التحالف الأمريكي المعادي لسوريا، وما استتبعه من عدم تبادل السفراء مع سوريا، واستمرار مقاطعة إيران، وعودة الفتور للعلاقة مع روسيا، ووقف بث قناة المنار، والموافقة على القرار السعودي باعتبار حزب الله منظمة إرهابية.. كما استمر الخطاب الرسمي يعتبر العلاقات مع أمريكا بأنها صداقة إستراتيجية .. وكانت قضية جزيرتي تيران وصنافير سابقة خطيرة حول سيادة مصر على جزء من أراضيها. - أما في مجال الحريات فهي تواجه أسوأ موجات التضييق والقبض الواسع والعشوائي على مواطنين بمختلف الحجج، واستعمال سلاح الحبس الاحتياطي الطويل الذي يشبه الاعتقال، وشن حملات إعلامية على كل من يختلف في الرأي مع السلطة، وصلت إلى حد التخوين، وشملت الحملات شخصيات من معظم الاتجاهات، عدا التيار السلفي والمواطنين الشرفاء، الذين لهم حق التظاهر والاعتداء على المعارضين في أي وقت وأي مكان، وكان الاعتداء على مقر نقابة الصحفيين ومحاكمة نقيبها واثنين من مجلس النقابة أحد علامات التضييق على حرية التعبير، في رسالة واضحة إلى كل الصحفيين والإعلاميين وغيرهم، كما جاء تصاعد الهجمات ضد الأقباط دون تحرك جدي من أجهزة الدولة لحمايتهم ومعاقبة المجرمين، وكأنه تشجيع على استمرار الانتهاكات وتغييب القانون، وإضعاف للدولة مقابل الجلسات العرفية، التي تجرنا إلى مجتمع ما قبل دولة المواطنة. - أما السياسة الاقتصادية فتخدم فئة صغيرة من رجال الأعمال ومافيا الفساد، التي راكمت ثروات ضخمة خلال الأزمات التي تعاني منها الطبقات الوسطى والفقيرة، ونلاحظ هذا الانحياز من التصالح مع الفاسدين الذين تم كشفهم، بدفع جزء مما نهبوه، ومنحهم شهادة حسن سير وسلوك، بينما يجري إلهاب ظهور الفقراء بموجات ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه، الذي يعني خفض رواتبهم الحقيقية، وإصدار قوانين تمنع الطعن في بيع الحكومة للأصول المملوكة للدولة بأقل من قيمتها، ومنح تسهيلات ودعم لرجال الأعمال، وعدم تحميلهم الضرائب المناسبة بدعوى تشجيعهم، وتسهيل الاستيلاء على أراضي الدولة وشركات القطاع العام وغيرها من الأصول، ويتواصل رفع أسعار السلع الأساسية، ويزداد الفقراء فقرا، وتزيد عشوائياتهم، ويزداد الأغنياء غنى وتزيد قصورهم وشاليهاتهم ومنتجعاتهم وسياراتهم الفارهة. مجمل هذه السياسات تؤدي إلى نفق مسدود، وتزيد من الاحتقان الاجتماعي المتصاعد، وتغلق الباب أمام التطور والتحديث على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فرجال الأعمال ضيقو الأفق لا يهتمون سوى بمراكمة الأرباح، دون النظر إلى ما سيلحق بمصر، والنتيجة هي تدهور اقتصادي ناجم عن الرغبة في الاحتكار، والعبث بأملاك وأصول الدولية من خلال سياسة الخصخصة، والجري وراء المشروعات التي تحقق الربح السريع، وليس إقامة اقتصاد وطني منتج وقوي وبأيادي المصريين، ليظل اقتصادنا هشا، ونلجأ إلى الاقتراض أو طلب الإعانة، على حساب قرارنا السياسي، فترتبك أولويات أمننا القومي، وتضعف المناعة ضد اختراق عقل مصر واقتصادها، ومع اتساع المضارين من هذه السياسات، وتصاعد الاحتجاجات ضد الغلاء وغياب العدالة، يجري معالجتها بتشديد القبضة الأمنية، ما يزيد من شدة الاحتقان، ويعيد إنتاج الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وهو ما يتطلب وضع روشتة علاج وطنية لأزماتنا، تضع المصلحة الوطنية وتحسين حالات الطبقات الشعبية في المقدمة، وأن نوسع الشراكة السياسية، والحريات العامة، خصوصا حرية الرأي وإقامة دولة المواطنة والمؤسسات، واحترام القانون والدستور، وأن تكون أولى مشروعاتنا الوطنية هي تطوير التعليم والرعاية الصحية، لتكون قاطرة التطوير والتحديث نحو مصر التي نحلم بها.