مرة أخري.. نحو إحياء الطبقة المتوسطة! د. شوقي السيد يؤكد لنا علماء الاجتماع والتاريخ السياسي والاقتصاد, في كل مناسبة, ان الطبقة المتوسطة هي صاحبة الفضل في تحديث مصر وتحقيق التوازن الاجتماعي علي مر السنين, ولهذا فإن ما اصاب شرائحها المختلفة من تدهور, سواء كانت الشريحة العليا فيها أو المتوسطة أو الدنيا, فان ذلك يستوجب إعادة النظر في كل شرائحها, وفي منظومة القيم المتباينة والعمل علي إحيائها من جديد لان وجودها يمثل صمام امان للمجتمع كله, ولجميع افراده قاطبة, وبما يتحقق معه اصلاح حقيقي في جميع مجالات المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية علي حد سواء. وكنت قد كتبت من قبل في هذا المكان.. منذ أيام.. مؤكدا ان هذه الطبقة المتوسطة دائما تصنع التاريخ تلقيت بعدها عددا كبيرا من الرسائل تأييدا وتعقيبا, ومن الرسائل ما طالبت الكتاب والباحثين والعلماء بمواصلة الحديث عن تلك الطبقة الاصيلة, لانارة الطريق وحتي يمكن الوصول إلي احيائها من جديد وبيان السبل الباحثة عنها والهادية إليها, وإذا كانت الابحاث والدراسات والكتابات ليست وحدها كافية, لكنها في كل الاحوال لازمة في البداية ولتداول المعرفة. بل حتمية لاختيار البرامج والحلول والمفاضلة بينها لتحقيق ذات الهدف وهو الوصول إلي الطبقة الوسطي بقصد إعادة إحيائها من جديد, ولعل في ذلك دعوة إلي كل من يهمهم الأمر لتحقيق امن المجتمع وسلامته للمشاركة والبحث خاصة اننا في اشد الأوقات وانسبها وصارت ضرورة ملحة بمناسبة الاعلان عن قضية العدالة الاجتماعية ووضعها علي قمة مراتب الاولويات فكانت اول تكليفات الرئيس إلي الحكومة, بعد ان حظيت بمرتبة عالية في قلب البرنامج الانتخابي الذي وافق عليه الشعب وصار التزاما علي الحكومة بتحقيق نتيجة, وحقا للشعب كله في ذات الوقت. واذ بادر الباحثون والكتاب, بعد أن صار الأمر واقعا اجتماعيا, وعبرت كتاباتهم وصراخهم بما يكشف عن انحسار الطبقة المتوسطة حتي صار ذلك محل إجماع, بل كادت هذه الطبقة تختفي, حتي لو كانت قلة منها قد صعدت أو قفزت إلي الطبقة العليا في ظلام ليل أو غفلة من الزمن, أو مفرداته التي ادت إلي انتهازية واضحة, لكن الغالبية الساحقة من الطبقة الوسطي, سقطت إلي الطبقة الدنيا حتي قال لنا البعض ان نسبتها تصل إلي43% فضلا عن نسبة أخري هبطت دونها تحت مرتبة الفقر, فضمت اعدادا جديدة حتي خلقت هذه الحالة وسط دائرة من الحريات نوعا من التذمر والضيق وربما العصيان احيانا, مثلما شهدته الساحة في الاعتصامات الأخيرة والإضرابات والمسيرات والوقوف امام مجلس الوزراء أو البرلمان! بل ان ماحدث من تزايد الهجرة غير الشرعية لبعض الشباب.. ومنهم من جاوز هذه السن والإصرار عليها برغم عودة البعض منهم مرحلين جبرا, أو جثثا مستشهدة أو ضائعة في البحار أو الحكم عليهم بالحبس, وما نقرؤه علنا عن عروض لبيع اعضاء من جسم الانسان.. كل ذلك يجري شاهد عيان ثم تأتي الدولة لتحدثنا عن قضايا الدعم وما يكبده الحكومة من مليارات, وتتصاعد التصريحات وت تناقض, حتي زادت من حالة التوتر والقلق والإحباط وكادت تباعد بين الأمل نحو البحث عن الطرق المؤدية لإحياء الطبقة الوسطي من جديد.. وتضميد جراحها ورد اعتبارها حالا وفي اسرع وقت وقبل فوات الأوان! فمن الكتاب من كتبوا عن رغيف الخبز معبرا عن انها ازمة خطيرة, وطالبوا بهجر المصطلحات عن محدودي الدخل والفقراء, وان تتحول القضية إلي بند واحد رغيف الخبز!! ومنهم من قالوا لنا ان هذه القضية هي انطلاقة إلي الغد!! ومنهم من اشاروا إلي تجارب بعض الدول التي استطاعت ان تحقق تقدما في الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية في ذات الوقت, مثل المكسيك والبرازيل وغيرهما من دول شرق آسيا وامريكا اللاتينية التي تمكنت من تحقيق طفرة في ميزان العدالة الاجتماعية المصحوبة بالديمقراطية السياسية خلال عشر سنوات من1996 وحتي2005, ومنهم من قالوا لنا انه حتي يشعر المواطن العادي بتحسن الأوضاع الاقتصادية بما يتفق مع درجة النمو المعلنة مع ارتفاع نسبة التضخم, الذي يؤثر علي القدرة التنافسية والطبقات الاجتماعية محدودة الدخل, خاصة ان الفقر عميق, لهذا قالوا لنا عن مسئولية الاغنياء عن زيادة مجالات التصنيع والاستثمار والتنمية ومحاصرة دائرة الفقر والتدريب والتأهيل واعتبار كل ذلك مسئولية حتمية وواجبا وطنيا.. علي أن يكون ذلك بشكل مؤسسي, كما ان منهم من أشار إلي ما كشفت عنه بعثة صندوق النقد الدولي منذ شهرين ودراسات البنك الدولي, عن ان معدل النمو غير مولد لفرص عمل جديدة, وانه مصحوب بزيادة كبيرة في الفوراق بين الطبقات وهو مايؤدي إلي زيادة نسبة الفقر, وان بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية تنحاز إلي الاغنياء برغم ما يؤكده رئيس الدولة دوما ويؤمن به وينحاز إليه نحو محدودي الدخل, وينبه علي الحكومة في كل مناسبة ان تتجه بسياستها نحو تحقيق هذا الهدف والانحياز إلي غالبية ابناء الشعب من محدودي الدخل. وقال لنا علماء الاقتصاد إن الحكومة مسئولة عن التوزيع العادل لعوائد الإصلاح وهو ما يتحقق عند نشر كيفية توزيع معدل النمو علي القطاعات المختلفة, لان مجرد الزيادة في الدخل القومي لايعتبر تحسنا في حالة الفقراء ومحدودي الدخل في المجتمع, فقد تكون ارباح رجال الأعمال والطبقات العليا في المجتمع هي التي استحوذت علي نصيب الاسد منها, وبما يؤدي إلي تدهور الطبقة المتوسطة, اذا تضاعفت ثروات بعض رجال الاعمال والمستثمرين إلي700% خلال ثلاث سنوات فقط!! ويطالبون بتصور مدروس عن الاستثمار في القطاعات المختلفة ورفع انتاجية القطاعات المتعددة والجهاز الحكومي حتي يكون للفقراء ومحدودي الدخل أمل في تحسن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية, كما قالوا لنا ايضا ان توزيع عائد النمو لا يتم بشكل عادل حتي ذهب معظمه إلي رجال الأعمال وكبار المستثمرين بل بدت هذه الفوارق في دخول بعض العاملين, فلقد نشرت احدي الصحف القومية باستهجان عن دخول تصل إلي300 الف جنيه مصري, شهريا تدخل جيوب بعض رؤساء شركات قطاع أعمال عام!! ولهذا قال علماء الاقتصاد السياسي انه يجب ان يسبق النمو عدالة التوزيع أو في اقل القليل يتساويان في الرتبة فلا يسبق احدهما الآخر, فلا يشعر محدودو الدخل ولا الفقراء بأي تحسن ملحوظ نتيجة معدلات النمو اذا ما اقتصرت علي بعض القطاعات كالسياحة والاتصالات التي ليست لها صلة مباشرة أو حتي غير مباشرة بالفقراء أو محدودي الدخل الذين يتطلعون إلي الانتقال إلي الطبقة المتوسطة! وطالب علماء الاقتصاد بوقفة وبتدخل الحكومة ضد موجة ارتفاع الأسعار, وألا تظل الحكومة علي موقفها المحايد بدعوي ان السعر يحدده العرض والطلب لان العرض والطلب في علوم الاقتصاد تلزم في تحديده أمور كثيرة أهمها تدخل الدولة في حالة الاستغلال والجشع والاحتكار, وهي كلها ظواهر موجودة وآخذة في التكاثر... وعليها التدخل لتحقيق الاستقرار في الاسواق الذي يصب في النهاية في مصلحة محدودي الدخل والفقراء, ويتحقق جانب من العائد المعقول بعيدا عن الجشع والاحتكار والاستغلال! ومن قبل قالت لنا جمعية رجال الأعمال والمستثمرين عن بعض صور الرأسمالية المتوحشة.. وطالبت بان تكشف الحكومة عن انيايها ومخالبها بعد أن توحشت في بعض صورها, كما وصف البعض الآخر ان الحكومة بليدة في جذب الاستثمارات المنتجة التي يصاحبها زيادة الإنتاج مصاحبا لتحقيق البرامج الاجتماعية جنبا إلي جنب, وهي تصريحات من بعض رجال الأعمال والمستثمرين في ورشة عمل جرت بمركز الدراسات بالأهرام منذ أيام, فشهد شاهد من أهلها, فلماذا تنتظر الحكومة بعد هذا الذي شاهدته, وسمعته, وصار واضحا عبرت عنه الاقلام والعلماء والباحثون وبعض رجال الأعمال والمستثمرين انفسهم! هذا الواقع, الحادث يعبر عن انقلاب وتغيير في طبقات المجتمع وفي الخريطة الاجتماعية ولم تعد آثاره مقصورة علي ما اصاب الطبقة الوسطي من انحسار, بل تسببت في حلول القيم المادية محل القيم المعنوية والاخلاق, وهي خسارة كبيرة, وهي ذاتها ادت إلي غياب المشاركة السياسية, وضعف الوعي والعزوف عن المشاركة في الحياة الحزبية وتزايد حالة الفساد والإحباط واليأس, وهي كلها معوقات في طريق التقدم والنمو, ولهذا كانت قضية العدالة الاجتماعية علي قمة القضايا المجتمعية ومفتاح الأمن في المجتمع والتنمية الاقتصادية, حتي لاتظل مصر باقية عند ترتيبها ال111 في مجال التنمية البشرية, ولتحتل مركزا متقدما بين الدول في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وحتي تزول حالة القلق والتوتر والخوف وحتي لاتضيع الفرصة السانحة, علي حد تعبير رئيس البنك الدولي في مفاوضات الدوحة, محذرا من عواقب تضييع الفرصة والاستفادة من الدعم في برامج التنمية المقدمة من الدول المتقدمة والتي تحتل مصر المرتبة السادسة بين الدول العربية المستفيدة من الدعم بنحو450 مليون دولار. ثم ماذا ننتظر ايها السادة أو من ننتظره, ليحقق لنا نقلة نوعية عاجلة لاحياء الطبقة المتوسطة وإنقاذها من السقوط الذي آلت إليه إلا ان يكون ذلك علي ايدي ابناء مصر وخبرائها وعلمائها والمسئولين فيها والاغنياء بها, وها هو مجلس الشيوخ بالولايات المتحدةالأمريكية يخضع لنفوذ اللوبي الصهيوني, فيضع شروطا جائرة تمس السيادة المصرية مقابل منحة لاتتجاوز مائة مليون دولار, ولم يعد امامنا إلا ان يضع ابناء مصر انفسهم وتضع الحكومة معهم, فيقدموا لنا برامج وخطوات فعالة, نحو سياسة اقتصادية رشيدة, تحقق النمو المصاحب لإيجاد فرص العمل, وتحقيق زيادة في الإنتاج مع زيادة الدخول, وتحقيق وفرة في الانتاج بما يؤدي إلي السيطرة علي الاسعار والاحتكار والاستغلال, وعدالة التوزيع نحو الطبقات المختلفة التي تمس حاجات الناس, والإعلان عن كيفية التوزيع بما يضمن الرقابة الشعبية, وتحقيق طفرة في التنمية البشرية, وقوامها التعليم, ويشجع الاستثمارات الصغيرة أو المتناهية, وعلينا ان ندرس من سبقونا في تحقيق العدالة الاجتماعية المصاحبة للديمقراطية, وعندئذ نمسك بأيدينا نتائج النمو والأمان والعدالة الاجتماعية.. والتي لن تتحقق إلا بعودة الطبقة المتوسطة إلي الحياة من جديد لانها صاحبة الفضل في تحديث مصر.. وتحقيق التوازن الاجتماعي علي مر السنين. عن صحيفة الاهرام المصرية 3/1/2008