حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عثمان محمد عثمان يكتب:مستويات المعيشة.. وسياسات إعادة توزيع الدخل وتقليل الفقر (2-2)
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 10 - 2010

هل يتسم توزيع الدخل فى مصر بعدم المساواة (التكافؤ) أو العدالة؟
وهل يتجه إلى زيادة درجة سوء التوزيع؟
وهل صحيح أن الطبقة المتوسطة تلاشت؟ أو انحسرت؟.... إلخ.
تعرضنا بالفعل لنمط الحراك الاجتماعى، وديناميكية مستويات المعيشة للفئات المختلفة، فى ظل معدلات أداء اقتصادى متباين من فترة لأخرى، دعنا نلقى المزيد من الضوء على مسألة عدالة التوزيع ونحاول الإجابة عن الأسئلة المثارة؟
هناك مقاييس ومؤشرات نمطية (بعيدا عن نسبة الفقر)، مثل أنصبة الفئات المختلفة فى الدخل، ومعامل عدم المساواة (التكافؤ)، وقد يضيف البعض مؤشرات لما يعرف بالتوزيع الوظيفى (نسبة الأجور، وعوائد التملك)، وربما يشير البعض الآخر إلى توزيع الثروة وليس الدخل وحده.
لم تشهد حصة الأجور فى الناتج المحلى الصافى تراجعا ملموسا على النحو الذى يشير إليه البعض للدلالة على سوء توزيع الدخل، تراوحت نسبة الأجور وتعويضات العامين حول 28 30٪ من الناتج المحلى خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، ولا يخفى أن هذه النسبة المستقرة ليست بذات دلالة وضحة على نمط توزيع الدخل، ولكنها تعكس ارتفاع نسبة المشتغلين فى الجهاز الحكومى (حوالى ربع العاملين)، كما أن تغييرها قد يعود إلى الكثافة النسبية لكل من رأس المال والعمل فى النشاط الانتاجى والخدمى، وفضلا عن ذلك فإن هيكل سوق العمل وتنظيم النشاط الاقتصادى يعكس وجود نسبة غير ضئيلة من المشروعات والمنشآت الصغيرة، بل والعاملين خارج المنشآت، فيما تقيسه الحسابات القومية تحت بند «الدخل المختلط» الذى يمثل حوالى خُمس قيمة الناتج المحلى الصافى، وربما لا يمثل «عائد الملكية» نسبة ملموسة من هذا الدخل، مما يشير إلى أن عائد العمل يستحوذ على حوالى نصف قيمة الدخل القومى الصافى (أو ما لا يقل عن 45٪ فى أدنى الأحوال).
تمحيص مؤشرات توزيع الدخل فى مصر بالمقارنة مع عدد من الدول فى مستويات مختلفة للدخل والتنمية، يكشف عن أن مصدر تتسم بتوزيع متكافئ للدخل المتوسط (كما أشرنا)، ويدعم هذا الاستنتاج ما نؤكده باستمرار: أن التنمية الاقتصادية هى الحل وعلينا أن نضمن مشاركة الجميع فى الانتفاع بعوائدها، أكثر مما يجب بإعادة توزيع الدخل المحدود.
يستند هذا الاستخلاص إلى دراسة متأنية لمؤشرات نمط توزيع الدخل فى عدد من البلدان المختلفة، إذا لاحظنا أن كل الدول الواردة فى القائمة المشار إليها هنا، يرتفع فيها متوسط دخل الفرد عن مثيله فى مصر، ومع ذلك فإن معامل (جينى) الذى يقيس درجة التكافؤ (أو المساواة) فى توزيع الدخل ينخفض فى مصر عن مثيله فى البلدان المذكورة (المعروف أنه كلما ارتفعت قيمة المعامل كلما زادت درجة سوء توزيع الدخل «اللا مساواة»).
لا تعنى الاشارة إلى انخفاض درجة سوء توزيع الدخل فى مصر أن كل مصرى يحصل فعليا على نصيبه المتساوى فى الدخل القومى (أى متوسط الدخل الذى يبلغ حوالى 15 ألف جنيه سنويا) ولكن يعنى أن نسبة التفاوت بين مستويات الدخل للفئات المختلفة ليست كبيرة بالمقارنة مع بلدان أخرى متقدمة أو نامية، فكما تشير البيانات فى الجدول السابق، يحصل أفقر 10٪ من المصريين على أقل من 4٪ من الدخل (الإنفاق الاستهلاكى الاجمالى)، بينما يحصل أغنى 10٪ من السكان على أكثر من 7 أضعاف هذه النسبة، قد لا يبدو التفاوت محدودا أو بسيطا، ولكن فى فرنسا ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 9 أضعاف، تزيد إلى حوالى 16 ضعفا فى الولايات المتحدة، وماذا عن البرازيل حيث تحصل أغنى فئة على أكثر من 40 ضعفا ما تحصل عليه أدنى فئة؟!
لا تتغير الصورة أبدا حتى لو وسعنا خريطة التوزيع، فنصيب الفقراء (20٪ من السكان) فى الدخل (الإنفاق) يبلغ حوالى 9٪ فى مصر، بينما تنخفض حصتهم إلى حوالى 7٪ فى فرنسا وفى إندونيسيا ولا تزيد على 6.5٪ فى إيطاليا و5.3٪ فى تركيا.
لن يرتاح لهذه الصورة من يهوون الحديث عن بعض المليونيرات ونمط إنفاقهم الباذخ، أو بعض مظاهر الفقر المدقع أو الحرمان الشديد.. إلخ، ولكن تبقى هذه الخريطة الرقمية المدققة مفتاحا لفهم تطور أوضاع الفئات الاجتماعية المختلفة، وتقييم أثر السياسات والإجراءات المتبعة للتعامل مع هذه الأوضاع والتطورات.
أحوال الطبقة المتوسطة
أكدت كما أوضحنا من قبل بحوث الدخل والإنفاق على العلاقة الطردية بين ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى وانخفاض نسبة الفقراء فى مصر، وفضلا عن ذلك، يشير آخر هذه الإحصاءات إلى تراجع الفجوة (نسبيا) بين الفقراء والأغنياء، من ناحية، وإلى اتساع شريحة الفئات الوسطى على خريطة توزيع الدخل من ناحية ثانية.
وفقا لهذه الإحصاءات انخفضت نسبة الأفراد الذين ينفقون أقل من ألف جنيه سنويا (وهم الأشد فقرا) من 4.8٪ إلى 3.9٪ من المصريين، كما أن الشريحة الدنيا من الأسر (التى تنفق أقل من 4 آلاف جنيه سنويا) انكمشت من 10.2٪ إلى 6.5٪ من إجمالى الأسر، وفى المقابل تحسن نمط توزيع الدخل فيما بين 04/2005 و08/2009، إذ ارتفع نصيب أقل 20٪ من السكان (أى الفقراء) من 8.8٪ إلى 9.3٪ وزاد نصيب الشريحة الثانية (الخمس الثانى من السكان) من 12.7٪ إلى 13.1٪، ولاشك أن هاتين الشريحتين من السكان ) أى 40٪ هم الأولى بالرعاية والمساندة، وهم وحدهم من يستحقون الدعم العينى أو النقدى أيا كانت صوته، خلال نفس الفترة انخفض نصيب أغنى فئة من 41.6٪ إلى 40.2٪ من جملة الدخل (الإنفاق).
ولاشك أن المغزى الكامن وراء تراجع نسبة الأفراد (والأسر) فى أدنى سلم توزيع الدخل من اجمالى عدد السكان، وفى نفس الوقت تراجع نصيب الفئة الأغنى من اجمالى الإنفاق (الدخل)، هو النفى التام لفرضية تضاؤل حجم وتدهور أحوال الطبقة المتوسطة، صحيح أن مفهوم الطبقات الاجتماعية غامض، وأكثر تعقيدا من أن نحصره فى فئات الدخل (الإنفاق) الواقعة فى وسط جدول توزيع الدخل، ولكن ربما يمكن الاعتماد على المقابلة بين شرائح الدخل التى يتضمنها بحث ميزانية الأسرة من ناحية، والخصائص الوظيفية، والتعليمية، والمهنية لأرباب الأسر من ناحية ثانية، فى تجديد موقع هذه الطبقة (التى تضم إلى جانب الفئات العليا فى الجهاز الإدارى للحكومة، المهنيين، الشرائح العليا من العمال، المزارعين... إلخ).
من واقع نتائج بحوث الدخل والإنفاق التى يجريها دوريا الجهاز المركزى للإحصاء، تشمل الفئات الوسطى الأسر التى يتراوح إنفاقها السنوى بين 8 آلاف جنيه حتى 20 ألف جنيه، زادت نسبة أسر الطبقة المتوسطة وفقا لهذا المقياس من حوالى 55٪ فى سنة 2005 إلى أكثر من 62٪ من إجمالى عدد الأسر فى 2009، وإذا ركزنا على الشريحة الأعلى من الطبقة المتوسطة (upper middle class) أى الفئة التى يتراوح إنفاقها السنوى من 11 ألف جنيه إلى 20 ألف جنيه، فقد أصبحت تشمل حوالى ثُلث عدد الأسرة المصرية حاليا بعد أن كان ينتمى إليها حوالى ربع عدد الأسر فقط قبل أربع سنوات.
نعتمد هنا فى هذا التحليل على البيانات الفعلية عن حجم الإنفاق وبنوده المختلفة، كما أدلى بها الناس، وهى أقل مما تعكسه الإحصاءات الاقتصادية الاجمالية، ولكنها تعبر عن النمط الواقعى لهيكل الإنفاق على السلع والخدمات التى ترصد مستوى المعيشة وتغيراته.
هذه الحقائق الرقمية عن واقع إنفاق الأسر المصرية وأحوالها المعيشية، وخاصة الطبقة المتوسطة، تدعم المؤشرات الجزئية حول زيادة الإنفاق الاستهلاكى على السلع والخدمات التى تقبل عليها عائلات هذه الفئات من المصريين، مثل الأجهزة المنزلية المتقدمة، السيارات، الشقق السكنية فى الإسكان فوق المتوسط.. إلخ، ولكنها فى نفس الوقت لا تتعارض مع بعض الشكاوى التى ترتفع إما نتيجة لحالة الغلاء وارتفاع الأسعار مثلما حدث فى 2008، وقبلها فى 2003، التى تؤثر سلبا على الأوضاع النسبية لبعض الفئات، كما أوضحنا من قبل، أو انعكاسا للقلق المشروع حول المكانة الاجتماعية لهذه الفئات المهددة بارتفاع عبء وتكلفة تعليم أبنائها، أو توفير سكن ملائم لهم فى المستقبل، أو تزايد تكلفة الخدمات والرعاية الصحية، لقد زاد متوسط إنفاق الأسرة على المسكن ومستلزماته فى الحضر بنسبة 64٪ خلال السنوات الأربع الأخيرة، كما ارتفع متوسط إنفاق الأسرة فى الحضر على الخدمات الصحية والعلاج بنسبة 96٪ خلال نفس الفترة، هذه المتوسطات لا تبين أن هذا العبء أكبر كثيرا بالنسبة للطبقة المتوسطة والعليا، مما يدعو البعض للتصور بتدهور وانحسار هذه الطبقة، على غير ما توضحه المؤشرات الفعلية الشاملة لأوضاع الفئات الاجتماعية فى مصر.
هل يمكن إصلاح نظام الدعم والسياسة الاجتماعية؟
يتعرض أنصار سياسة النمو الاقتصادى كمحرك أساسى لعملية مكافحة الفقر وتحسين مستوى المعيشة للانتقاد، والتشكيك فيما يطلق عليه مبدأ تساقط عائد النمو، والواقع أن المواجهة الفاعلة لمشكلة الفقر تتطلب إلى جانب حفر النمو الاقتصادى المحابى للفقراء (من خلال زيادة فرص العمل ورفع إنتاجية الفقراء) برنامجا شاملا للسياسة الاجتماعية واستهداف الفقراء، ولكن ما ينبغى تأكيده أن شبكة جيدة للضمان الاجتماعى ليست بديلا عن النمو، وإنما عنصرا مكملا لمكافحة الفقر.
لو لم تكن هذه الحقائق معروفة لكان على الحكومة أن تسعى للدراسة والبحث والتدقيق للمؤشرات اللازمة لتحديد وقياس هذه الأوضاع الاجتماعية المهمة، ولعل هذا هو ما تم بالفعل ولو لم توجه الحكومة سياساتها وتخصص من مواردها نيابة عن المجتمع ما يكفى لتحسن هذه الأوضاع لكان من الضرورى أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتضع من البرامج ما يلزم لرفع مستوى المعيشة ومساندة الفقر أو ذوى الدخل المحدود، وهذا ما نسعى لتحقيقه.
لسنا فى حاجة إلى التأكيد على أن الحكومة أبدت دائما اهتمامها بالأبعاد الاجتماعية والاستقرار السياسى، وفى السنوات الأخيرة ارتفع الإنفاق الاجتماعى (على الدعم والمزايا الاجتماعية) من حوالى 8٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2000 إلى ما يقرب من 12٪ فى 2008/ 2009، وعلى الرغم من ذلك، لم يمنع هذا من زيادة نسبة الفقر وتفاوت توزيع الدخل، وبعبارة أدق، لم تنجح زيادة الإنفاق الاجتماعى فى دعم أثر النمو الاقتصادى، ولا تعويض تراجعه، لتخفيض نسبة الفقر، وتحسين نمط توزيع الدخل، وسيبدو الأمر أكثر صعوبة عندما ندرك القدرة المحدودة على زيادة الإنفاق الاجتماعى فى ظل العجز المتزايد فى الموازنة العامة (ارتفع من 5.7٪ فى 2004 إلى حوالى 7٪ فى 09/2010)، وتضخم نسبة الدين العام والحكومى، ومن هنا تثور أهمية مراجعة نظام الدعم والضمان الاجتماعى لضمان كفاءته وفاعليته واستهداف الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل.
هناك أربعة أسباب لضرورة إصلاح نظام الدعم وشبكة الضمان الاجتماعى، كما ظهر من تقارير المتابعة لتقييم هذا النظام.
يمكن تبرير الإنفاق الكبير على الضمان الاجتماعى والدعم فقط عندما لا يكون هناك استخدام أفضل لهذه الموارد (10 12٪ من الناتج، 40 50٪ من الإنفاق العام)، تزايد هذا الإنفاق بدرجة كبيرة، ولم يظهر أن العائد والفائدة من وراء هذا الإنفاق كبيرة، والأكثر من هذا أن الإنفاق على مكونات النظام غير متوازن، فالتحويلات النقدية لا تمثل سوى 0.12 0.15٪ من الناتج، ونسبة مماثلة من الصندوق الاجتماعى، بينما حوالى 2٪ من الناتج تخصص للدعم السلعى (العينى) وترتفع نسبة بشدة لدعم الطاقة (8٪ من الناتج).
رغم ارتفاع الإنفاق على الدعم، لم يكن له أثر كبير فى تقليل نسبة الفقر وتحسين أحوال المعيشة، هناك الكثير من الأسر التى لا يشملها النظام، وحتى الأسر التى تستفيد منه، فإن ما تحصل عليه غير كاف لإخراجها من براثن الفقر، دعم الغذاء يؤدى إلى انخفاض الفقر بنسبة 5٪، دعم الطاقة بنسبة 5.7٪ (العيش البلدى خفض الفقر بنسبة 2.7٪، البوتاجاز بنسبة 4.4٪، الكيروسين بنسبة 1.1٪، التحويلات بنسبة 0.6٪).
أسلوب الاستهداف غير كفء ومنخفض الفعالية، ذلك أن نظام الدعم غير ناجح فى استهداف الفقراء، نتيجة لذهاب نسبة غير قليلة من موارده لغير الفقراء، البيانات المتاحة تشير إلى أن الفقراء يحصلون على 16٪ فقط من مخصصات نظام الدعم والمساعدات، بينما تحصل أغنى شريحة من السكان على 28٪ (هى دى المشكلة) وبعبارة أخرى فإن نصيب الشخص الغنى من مخصصات الدعم يبلغ ضعف ما يصل إلى الشخص الفقير، لاحظ أن المفروض هو أن يصل الدعم أيا كان النظام المتبع إلى الفقراء ومحدودى الدخل وحدهم، لا أن نبحث عن التوزيع المتكافئ لهذه المخصصات!!!
المبرر الرابع لضرورة مراجعة نظام الدعم ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل هو ما يخلقه الدعم وخاصة دعم الطاقة من تشوهات فى الأسعار، تؤدى إلى عدم الكفاءة فى استخدام الموارد.
نحو سياسة اجتماعية شاملة
لعل الفائدة المرجوة تتحقق من متابعة تدقيق بيانات ومؤشرات وانعكاسات التطورات الاقتصادية على أحوال الناس، بما يستوجب عدم التعميم، واستهداف من يستحقون المساندة بالفعل من الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، والمعروف أنه فى ظل موجة الغلاء فى الآونة الأخيرة عملت الحكومة على توسيع نطاق تغطية بطاقات التموين، لتصل إلى أكثر من 80٪ من المصريين. فهل تم نتيجة لذلك حصول 11٪ من الفقراء ممن لم يكن لديهم بطقات تموين على هذه البطاقات؟ ألا تعنى زيادة نسبة غير الفقراء الحائزين على بطاقة تموين من 59٪ إلى 67٪، توسع التغطية بأكثر مما يلزم؟.
وقناعتى مؤكدة بأن أولى خطوات الاصلاح الاجتماعى هى اقناع الرأى العام، وفى المقدمة ميسورى الحال والمقتدرين، بأن الغرض من «الدعم» هو مساندة الفئات الفقيرة، وذوى الدخل المنخفض، وليس تعميم توزيع الموارد العامة على الجميع باعتبارها حقا مكتسبا، والهدف من وراء هذه الدراسات والأبحاث الميدانية هو تحديد هؤلاء المستحقين بدقة. يلى ذلك وربما يتوازى معه إدراك أن نظام «المساعدات النقدية» المشروطة فى المستقبل أفضل كثيرا وأكثر كفاءة فى تحقيق الهدف، خاصة مع استكمال إصدار بطاقات الأسرة، وصدور قانون الضمان الاجتماعى. وليكن مفهوما أن تحسين نظام الدعم، لا ينطوى بالضرورة على تخفيض مخصصاته فى الموازنة العامة، وإنما يضمن حصول المستحق على حصة تكفيه للقفز فوق خط الفقر، ومعاونته على اللحاق بقطار التنمية، من خلال تعليم جيد وصحة أفضل، وفرصة مضمونة للكسب (من العمل)، (فهل من اللائق أن يبقى الفقير على فقره، بينما يكتفى المجتمع بيد نصف ممدوح؟).
وعلى العكس من ذلك يحقق إصلاح أسلوب دعم الطاقة الهدفين معا: ضمان مساندة المستحقين، وتقليل الأثر المالى والاقتصادى، على قطاع الطاقة والاقتصاد القومى بأكمله، وكانت الحكومة قد بدأت فى تنفيذ خطة ثلاثية لتخفيض دعم الطاقة (بإلغائه على الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة) وتوقف بعد انفجار الأزمة العالمية. ويتطلب حسن إدارة مواردنا المحدودة، والقابلة للنفاذ، أن تتحرك الأسعار تدريجيا فى اتجاه تكلفة استخراجها وانتاجها، ويتم تصحيح الأسعار النسبية للمنتجات التى تستخدم الطاقة كمدخلات، وتعوض الفئات المتضررة على نحو مناسب.
إن رؤية شاملة مطلوبة لمزج متطلبات النماء الاقتصادى، وزيادة فرص التشغيل، وتحسين مستوى المعيشة وتقليل نسبة الفقر. والمدخل لصياغة هذه الرؤية هو تحقيق توافق مجتمعى حول السياسات والبرامج الضرورية لتنفيذها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.