3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    الدولار ب50.56 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 16-6-2025    خلال عودته من الديوان العام للاستراحة.. المحافظ يتجول بدراجة هوائية بشوارع قنا    ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين بعد انتشال جثتين من موقع سقوط صاروخ إيراني بمدينة بات يام    الأمن الإيراني يطارد سيارة تابعة للموساد الإسرائيلي وسط إطلاق نار| فيديو    الآن.. ارتفاع عدد القتلى في إسرائيل بعد الهجوم الإيراني الجديد    بعد نهاية الجولة الأولى| ترتيب مجموعة الأهلي بكأس العالم للأندية    مفاجآت في تشكيل السعودية ضد هايتي بكأس كونكاكاف الذهبية 2025    لحظة انتشال الضحايا من أسفل مدخنة مصنع طوب بالصف (فيديو)    ننشر حالة الطقس اليوم الاثنين ودرجات الحرارة المتوقعة بالمحافظات    مراجعة اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوي 2025 الجزء الثاني «PDF»    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    مجموعة الأهلي - بورتو وبالميراس يتعادلان في مباراة رائعة    "بعد لقطة إنتر ميامي".. هل يلقى حسين الشحات نفس مصير محمد شريف مع الأهلي؟    كأس العالم للأندية.. الأهلي يحافظ على الصدارة بعد تعادل بورتو أمام بالميراس    أحمد سعد يشعل حفل الجامعة الأمريكية، ويحيي الأوائل    ترامب: سنواصل دعم إسرائيل للدفاع عن نفسها    زيادة جديدة ب 400 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    الأكل بايت من الفرح.. إصابة سيدة وأبنائها الثلاثة بتسمم غذائي في قنا    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    إيران.. الدفاعات الجوية تسقط مسيرات إسرائيلية في مناطق مختلفة من البلاد    نشوة البداية وخيبة النهاية.. لواء إسرائيلي يكشف عن شلل ستعاني منه تل أبيب إذا نفذت إيران خطتها    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة القاهرة.. فور ظهورها    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    ملخص وأهداف مباراة بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد فى كأس العالم للأندية    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    علاقة مهمة ستنشئ قريبًا.. توقعات برج العقرب اليوم 16 يونيو    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    رياضة ½ الليل| الأهلي يفسخ عقد لاعبه.. غرامة تريزيجيه.. عودة إمام عاشور.. والاستعانة بخبير أجنبي    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عثمان محمد عثمان يكتب:مستويات المعيشة.. وسياسات إعادة توزيع الدخل وتقليل الفقر (2-2)
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 10 - 2010

هل يتسم توزيع الدخل فى مصر بعدم المساواة (التكافؤ) أو العدالة؟
وهل يتجه إلى زيادة درجة سوء التوزيع؟
وهل صحيح أن الطبقة المتوسطة تلاشت؟ أو انحسرت؟.... إلخ.
تعرضنا بالفعل لنمط الحراك الاجتماعى، وديناميكية مستويات المعيشة للفئات المختلفة، فى ظل معدلات أداء اقتصادى متباين من فترة لأخرى، دعنا نلقى المزيد من الضوء على مسألة عدالة التوزيع ونحاول الإجابة عن الأسئلة المثارة؟
هناك مقاييس ومؤشرات نمطية (بعيدا عن نسبة الفقر)، مثل أنصبة الفئات المختلفة فى الدخل، ومعامل عدم المساواة (التكافؤ)، وقد يضيف البعض مؤشرات لما يعرف بالتوزيع الوظيفى (نسبة الأجور، وعوائد التملك)، وربما يشير البعض الآخر إلى توزيع الثروة وليس الدخل وحده.
لم تشهد حصة الأجور فى الناتج المحلى الصافى تراجعا ملموسا على النحو الذى يشير إليه البعض للدلالة على سوء توزيع الدخل، تراوحت نسبة الأجور وتعويضات العامين حول 28 30٪ من الناتج المحلى خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، ولا يخفى أن هذه النسبة المستقرة ليست بذات دلالة وضحة على نمط توزيع الدخل، ولكنها تعكس ارتفاع نسبة المشتغلين فى الجهاز الحكومى (حوالى ربع العاملين)، كما أن تغييرها قد يعود إلى الكثافة النسبية لكل من رأس المال والعمل فى النشاط الانتاجى والخدمى، وفضلا عن ذلك فإن هيكل سوق العمل وتنظيم النشاط الاقتصادى يعكس وجود نسبة غير ضئيلة من المشروعات والمنشآت الصغيرة، بل والعاملين خارج المنشآت، فيما تقيسه الحسابات القومية تحت بند «الدخل المختلط» الذى يمثل حوالى خُمس قيمة الناتج المحلى الصافى، وربما لا يمثل «عائد الملكية» نسبة ملموسة من هذا الدخل، مما يشير إلى أن عائد العمل يستحوذ على حوالى نصف قيمة الدخل القومى الصافى (أو ما لا يقل عن 45٪ فى أدنى الأحوال).
تمحيص مؤشرات توزيع الدخل فى مصر بالمقارنة مع عدد من الدول فى مستويات مختلفة للدخل والتنمية، يكشف عن أن مصدر تتسم بتوزيع متكافئ للدخل المتوسط (كما أشرنا)، ويدعم هذا الاستنتاج ما نؤكده باستمرار: أن التنمية الاقتصادية هى الحل وعلينا أن نضمن مشاركة الجميع فى الانتفاع بعوائدها، أكثر مما يجب بإعادة توزيع الدخل المحدود.
يستند هذا الاستخلاص إلى دراسة متأنية لمؤشرات نمط توزيع الدخل فى عدد من البلدان المختلفة، إذا لاحظنا أن كل الدول الواردة فى القائمة المشار إليها هنا، يرتفع فيها متوسط دخل الفرد عن مثيله فى مصر، ومع ذلك فإن معامل (جينى) الذى يقيس درجة التكافؤ (أو المساواة) فى توزيع الدخل ينخفض فى مصر عن مثيله فى البلدان المذكورة (المعروف أنه كلما ارتفعت قيمة المعامل كلما زادت درجة سوء توزيع الدخل «اللا مساواة»).
لا تعنى الاشارة إلى انخفاض درجة سوء توزيع الدخل فى مصر أن كل مصرى يحصل فعليا على نصيبه المتساوى فى الدخل القومى (أى متوسط الدخل الذى يبلغ حوالى 15 ألف جنيه سنويا) ولكن يعنى أن نسبة التفاوت بين مستويات الدخل للفئات المختلفة ليست كبيرة بالمقارنة مع بلدان أخرى متقدمة أو نامية، فكما تشير البيانات فى الجدول السابق، يحصل أفقر 10٪ من المصريين على أقل من 4٪ من الدخل (الإنفاق الاستهلاكى الاجمالى)، بينما يحصل أغنى 10٪ من السكان على أكثر من 7 أضعاف هذه النسبة، قد لا يبدو التفاوت محدودا أو بسيطا، ولكن فى فرنسا ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 9 أضعاف، تزيد إلى حوالى 16 ضعفا فى الولايات المتحدة، وماذا عن البرازيل حيث تحصل أغنى فئة على أكثر من 40 ضعفا ما تحصل عليه أدنى فئة؟!
لا تتغير الصورة أبدا حتى لو وسعنا خريطة التوزيع، فنصيب الفقراء (20٪ من السكان) فى الدخل (الإنفاق) يبلغ حوالى 9٪ فى مصر، بينما تنخفض حصتهم إلى حوالى 7٪ فى فرنسا وفى إندونيسيا ولا تزيد على 6.5٪ فى إيطاليا و5.3٪ فى تركيا.
لن يرتاح لهذه الصورة من يهوون الحديث عن بعض المليونيرات ونمط إنفاقهم الباذخ، أو بعض مظاهر الفقر المدقع أو الحرمان الشديد.. إلخ، ولكن تبقى هذه الخريطة الرقمية المدققة مفتاحا لفهم تطور أوضاع الفئات الاجتماعية المختلفة، وتقييم أثر السياسات والإجراءات المتبعة للتعامل مع هذه الأوضاع والتطورات.
أحوال الطبقة المتوسطة
أكدت كما أوضحنا من قبل بحوث الدخل والإنفاق على العلاقة الطردية بين ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى وانخفاض نسبة الفقراء فى مصر، وفضلا عن ذلك، يشير آخر هذه الإحصاءات إلى تراجع الفجوة (نسبيا) بين الفقراء والأغنياء، من ناحية، وإلى اتساع شريحة الفئات الوسطى على خريطة توزيع الدخل من ناحية ثانية.
وفقا لهذه الإحصاءات انخفضت نسبة الأفراد الذين ينفقون أقل من ألف جنيه سنويا (وهم الأشد فقرا) من 4.8٪ إلى 3.9٪ من المصريين، كما أن الشريحة الدنيا من الأسر (التى تنفق أقل من 4 آلاف جنيه سنويا) انكمشت من 10.2٪ إلى 6.5٪ من إجمالى الأسر، وفى المقابل تحسن نمط توزيع الدخل فيما بين 04/2005 و08/2009، إذ ارتفع نصيب أقل 20٪ من السكان (أى الفقراء) من 8.8٪ إلى 9.3٪ وزاد نصيب الشريحة الثانية (الخمس الثانى من السكان) من 12.7٪ إلى 13.1٪، ولاشك أن هاتين الشريحتين من السكان ) أى 40٪ هم الأولى بالرعاية والمساندة، وهم وحدهم من يستحقون الدعم العينى أو النقدى أيا كانت صوته، خلال نفس الفترة انخفض نصيب أغنى فئة من 41.6٪ إلى 40.2٪ من جملة الدخل (الإنفاق).
ولاشك أن المغزى الكامن وراء تراجع نسبة الأفراد (والأسر) فى أدنى سلم توزيع الدخل من اجمالى عدد السكان، وفى نفس الوقت تراجع نصيب الفئة الأغنى من اجمالى الإنفاق (الدخل)، هو النفى التام لفرضية تضاؤل حجم وتدهور أحوال الطبقة المتوسطة، صحيح أن مفهوم الطبقات الاجتماعية غامض، وأكثر تعقيدا من أن نحصره فى فئات الدخل (الإنفاق) الواقعة فى وسط جدول توزيع الدخل، ولكن ربما يمكن الاعتماد على المقابلة بين شرائح الدخل التى يتضمنها بحث ميزانية الأسرة من ناحية، والخصائص الوظيفية، والتعليمية، والمهنية لأرباب الأسر من ناحية ثانية، فى تجديد موقع هذه الطبقة (التى تضم إلى جانب الفئات العليا فى الجهاز الإدارى للحكومة، المهنيين، الشرائح العليا من العمال، المزارعين... إلخ).
من واقع نتائج بحوث الدخل والإنفاق التى يجريها دوريا الجهاز المركزى للإحصاء، تشمل الفئات الوسطى الأسر التى يتراوح إنفاقها السنوى بين 8 آلاف جنيه حتى 20 ألف جنيه، زادت نسبة أسر الطبقة المتوسطة وفقا لهذا المقياس من حوالى 55٪ فى سنة 2005 إلى أكثر من 62٪ من إجمالى عدد الأسر فى 2009، وإذا ركزنا على الشريحة الأعلى من الطبقة المتوسطة (upper middle class) أى الفئة التى يتراوح إنفاقها السنوى من 11 ألف جنيه إلى 20 ألف جنيه، فقد أصبحت تشمل حوالى ثُلث عدد الأسرة المصرية حاليا بعد أن كان ينتمى إليها حوالى ربع عدد الأسر فقط قبل أربع سنوات.
نعتمد هنا فى هذا التحليل على البيانات الفعلية عن حجم الإنفاق وبنوده المختلفة، كما أدلى بها الناس، وهى أقل مما تعكسه الإحصاءات الاقتصادية الاجمالية، ولكنها تعبر عن النمط الواقعى لهيكل الإنفاق على السلع والخدمات التى ترصد مستوى المعيشة وتغيراته.
هذه الحقائق الرقمية عن واقع إنفاق الأسر المصرية وأحوالها المعيشية، وخاصة الطبقة المتوسطة، تدعم المؤشرات الجزئية حول زيادة الإنفاق الاستهلاكى على السلع والخدمات التى تقبل عليها عائلات هذه الفئات من المصريين، مثل الأجهزة المنزلية المتقدمة، السيارات، الشقق السكنية فى الإسكان فوق المتوسط.. إلخ، ولكنها فى نفس الوقت لا تتعارض مع بعض الشكاوى التى ترتفع إما نتيجة لحالة الغلاء وارتفاع الأسعار مثلما حدث فى 2008، وقبلها فى 2003، التى تؤثر سلبا على الأوضاع النسبية لبعض الفئات، كما أوضحنا من قبل، أو انعكاسا للقلق المشروع حول المكانة الاجتماعية لهذه الفئات المهددة بارتفاع عبء وتكلفة تعليم أبنائها، أو توفير سكن ملائم لهم فى المستقبل، أو تزايد تكلفة الخدمات والرعاية الصحية، لقد زاد متوسط إنفاق الأسرة على المسكن ومستلزماته فى الحضر بنسبة 64٪ خلال السنوات الأربع الأخيرة، كما ارتفع متوسط إنفاق الأسرة فى الحضر على الخدمات الصحية والعلاج بنسبة 96٪ خلال نفس الفترة، هذه المتوسطات لا تبين أن هذا العبء أكبر كثيرا بالنسبة للطبقة المتوسطة والعليا، مما يدعو البعض للتصور بتدهور وانحسار هذه الطبقة، على غير ما توضحه المؤشرات الفعلية الشاملة لأوضاع الفئات الاجتماعية فى مصر.
هل يمكن إصلاح نظام الدعم والسياسة الاجتماعية؟
يتعرض أنصار سياسة النمو الاقتصادى كمحرك أساسى لعملية مكافحة الفقر وتحسين مستوى المعيشة للانتقاد، والتشكيك فيما يطلق عليه مبدأ تساقط عائد النمو، والواقع أن المواجهة الفاعلة لمشكلة الفقر تتطلب إلى جانب حفر النمو الاقتصادى المحابى للفقراء (من خلال زيادة فرص العمل ورفع إنتاجية الفقراء) برنامجا شاملا للسياسة الاجتماعية واستهداف الفقراء، ولكن ما ينبغى تأكيده أن شبكة جيدة للضمان الاجتماعى ليست بديلا عن النمو، وإنما عنصرا مكملا لمكافحة الفقر.
لو لم تكن هذه الحقائق معروفة لكان على الحكومة أن تسعى للدراسة والبحث والتدقيق للمؤشرات اللازمة لتحديد وقياس هذه الأوضاع الاجتماعية المهمة، ولعل هذا هو ما تم بالفعل ولو لم توجه الحكومة سياساتها وتخصص من مواردها نيابة عن المجتمع ما يكفى لتحسن هذه الأوضاع لكان من الضرورى أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتضع من البرامج ما يلزم لرفع مستوى المعيشة ومساندة الفقر أو ذوى الدخل المحدود، وهذا ما نسعى لتحقيقه.
لسنا فى حاجة إلى التأكيد على أن الحكومة أبدت دائما اهتمامها بالأبعاد الاجتماعية والاستقرار السياسى، وفى السنوات الأخيرة ارتفع الإنفاق الاجتماعى (على الدعم والمزايا الاجتماعية) من حوالى 8٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2000 إلى ما يقرب من 12٪ فى 2008/ 2009، وعلى الرغم من ذلك، لم يمنع هذا من زيادة نسبة الفقر وتفاوت توزيع الدخل، وبعبارة أدق، لم تنجح زيادة الإنفاق الاجتماعى فى دعم أثر النمو الاقتصادى، ولا تعويض تراجعه، لتخفيض نسبة الفقر، وتحسين نمط توزيع الدخل، وسيبدو الأمر أكثر صعوبة عندما ندرك القدرة المحدودة على زيادة الإنفاق الاجتماعى فى ظل العجز المتزايد فى الموازنة العامة (ارتفع من 5.7٪ فى 2004 إلى حوالى 7٪ فى 09/2010)، وتضخم نسبة الدين العام والحكومى، ومن هنا تثور أهمية مراجعة نظام الدعم والضمان الاجتماعى لضمان كفاءته وفاعليته واستهداف الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل.
هناك أربعة أسباب لضرورة إصلاح نظام الدعم وشبكة الضمان الاجتماعى، كما ظهر من تقارير المتابعة لتقييم هذا النظام.
يمكن تبرير الإنفاق الكبير على الضمان الاجتماعى والدعم فقط عندما لا يكون هناك استخدام أفضل لهذه الموارد (10 12٪ من الناتج، 40 50٪ من الإنفاق العام)، تزايد هذا الإنفاق بدرجة كبيرة، ولم يظهر أن العائد والفائدة من وراء هذا الإنفاق كبيرة، والأكثر من هذا أن الإنفاق على مكونات النظام غير متوازن، فالتحويلات النقدية لا تمثل سوى 0.12 0.15٪ من الناتج، ونسبة مماثلة من الصندوق الاجتماعى، بينما حوالى 2٪ من الناتج تخصص للدعم السلعى (العينى) وترتفع نسبة بشدة لدعم الطاقة (8٪ من الناتج).
رغم ارتفاع الإنفاق على الدعم، لم يكن له أثر كبير فى تقليل نسبة الفقر وتحسين أحوال المعيشة، هناك الكثير من الأسر التى لا يشملها النظام، وحتى الأسر التى تستفيد منه، فإن ما تحصل عليه غير كاف لإخراجها من براثن الفقر، دعم الغذاء يؤدى إلى انخفاض الفقر بنسبة 5٪، دعم الطاقة بنسبة 5.7٪ (العيش البلدى خفض الفقر بنسبة 2.7٪، البوتاجاز بنسبة 4.4٪، الكيروسين بنسبة 1.1٪، التحويلات بنسبة 0.6٪).
أسلوب الاستهداف غير كفء ومنخفض الفعالية، ذلك أن نظام الدعم غير ناجح فى استهداف الفقراء، نتيجة لذهاب نسبة غير قليلة من موارده لغير الفقراء، البيانات المتاحة تشير إلى أن الفقراء يحصلون على 16٪ فقط من مخصصات نظام الدعم والمساعدات، بينما تحصل أغنى شريحة من السكان على 28٪ (هى دى المشكلة) وبعبارة أخرى فإن نصيب الشخص الغنى من مخصصات الدعم يبلغ ضعف ما يصل إلى الشخص الفقير، لاحظ أن المفروض هو أن يصل الدعم أيا كان النظام المتبع إلى الفقراء ومحدودى الدخل وحدهم، لا أن نبحث عن التوزيع المتكافئ لهذه المخصصات!!!
المبرر الرابع لضرورة مراجعة نظام الدعم ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل هو ما يخلقه الدعم وخاصة دعم الطاقة من تشوهات فى الأسعار، تؤدى إلى عدم الكفاءة فى استخدام الموارد.
نحو سياسة اجتماعية شاملة
لعل الفائدة المرجوة تتحقق من متابعة تدقيق بيانات ومؤشرات وانعكاسات التطورات الاقتصادية على أحوال الناس، بما يستوجب عدم التعميم، واستهداف من يستحقون المساندة بالفعل من الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، والمعروف أنه فى ظل موجة الغلاء فى الآونة الأخيرة عملت الحكومة على توسيع نطاق تغطية بطاقات التموين، لتصل إلى أكثر من 80٪ من المصريين. فهل تم نتيجة لذلك حصول 11٪ من الفقراء ممن لم يكن لديهم بطقات تموين على هذه البطاقات؟ ألا تعنى زيادة نسبة غير الفقراء الحائزين على بطاقة تموين من 59٪ إلى 67٪، توسع التغطية بأكثر مما يلزم؟.
وقناعتى مؤكدة بأن أولى خطوات الاصلاح الاجتماعى هى اقناع الرأى العام، وفى المقدمة ميسورى الحال والمقتدرين، بأن الغرض من «الدعم» هو مساندة الفئات الفقيرة، وذوى الدخل المنخفض، وليس تعميم توزيع الموارد العامة على الجميع باعتبارها حقا مكتسبا، والهدف من وراء هذه الدراسات والأبحاث الميدانية هو تحديد هؤلاء المستحقين بدقة. يلى ذلك وربما يتوازى معه إدراك أن نظام «المساعدات النقدية» المشروطة فى المستقبل أفضل كثيرا وأكثر كفاءة فى تحقيق الهدف، خاصة مع استكمال إصدار بطاقات الأسرة، وصدور قانون الضمان الاجتماعى. وليكن مفهوما أن تحسين نظام الدعم، لا ينطوى بالضرورة على تخفيض مخصصاته فى الموازنة العامة، وإنما يضمن حصول المستحق على حصة تكفيه للقفز فوق خط الفقر، ومعاونته على اللحاق بقطار التنمية، من خلال تعليم جيد وصحة أفضل، وفرصة مضمونة للكسب (من العمل)، (فهل من اللائق أن يبقى الفقير على فقره، بينما يكتفى المجتمع بيد نصف ممدوح؟).
وعلى العكس من ذلك يحقق إصلاح أسلوب دعم الطاقة الهدفين معا: ضمان مساندة المستحقين، وتقليل الأثر المالى والاقتصادى، على قطاع الطاقة والاقتصاد القومى بأكمله، وكانت الحكومة قد بدأت فى تنفيذ خطة ثلاثية لتخفيض دعم الطاقة (بإلغائه على الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة) وتوقف بعد انفجار الأزمة العالمية. ويتطلب حسن إدارة مواردنا المحدودة، والقابلة للنفاذ، أن تتحرك الأسعار تدريجيا فى اتجاه تكلفة استخراجها وانتاجها، ويتم تصحيح الأسعار النسبية للمنتجات التى تستخدم الطاقة كمدخلات، وتعوض الفئات المتضررة على نحو مناسب.
إن رؤية شاملة مطلوبة لمزج متطلبات النماء الاقتصادى، وزيادة فرص التشغيل، وتحسين مستوى المعيشة وتقليل نسبة الفقر. والمدخل لصياغة هذه الرؤية هو تحقيق توافق مجتمعى حول السياسات والبرامج الضرورية لتنفيذها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.