أ ش أ مجتمع ثري متفاعل..الكل يتلاحم معه، يفهم كل ما تود أن تعبر عنه هو المجتمع السوداني بكل مشاربه، وبيئاته..لغتهم العامة مفعمة بالحيوية..لغة تفاعلية مطاوعة. إن كل الذين يعيشون في العاصمة أو يتوافدون عليها قادرون على التجاوب مع البيئة اللغوية التي أفرزت عامية واحدة تمثلها (عربية الخرطوم) القريبة جدا من الفصحى..تتكلم على سجيتك وهم يفهمون.. يقول "ااي" فتفهم أنت كمصري أنها (أيوه)/ نعم، حلوة شديد أو حار شديد فتفهم أنها (حلوة قوي أو الحر جامد) ببساطة جدا الكل قادر على التواصل، والتفاهم المتبادل في واقع معيش، وأيضا هم يقلبون الظاء ضادا في كلامهم مثل العامية المصرية (ظهر تقال ضهر)، والذال دال (ذهب تقال دهب) والثاء تاء (ثوم تقال توم) مثلنا تماما، ويمكنني أن أنادي أي امرأة وأقول لها يا خالة فتتفاعل معي على الفور، وهناك الكثير من الكلام المشترك بيننا. ويعرف رائد الدراسات اللغوية العربية الدكتور إبراهيم أنيس اللهجة بأنها "مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة". ونجد أن اللغة العربية على نمط عربية الخرطوم تختلف عن العربية نمط القاهرة، وعن العربية نمط الرياض، حيث يقول السوداني"ما عارف"، والمصري "ما اعرفش" بينما يقول السعودي "ما ادري"، وهذا ما يجعل الكثير من الدراسات تؤيد لغة الحياة العامة بالسماع، أو الإجماع أو القياس. وقال البروفيسور عون الشريف قاسم في مقدمة قاموس اللهجة العامية في السودان "إن في السودان هيكل لغوي عام يشترك فيه الجميع ثم بعد ذلك يحدث التمايز، والاختلاف باختلاف المؤثرات والبيئات"، ولعل عربية الخرطوم تمثل لغة الحياة العامة التي يتواصل بها جميع أهل السودان دون ترجمان، بالتالي فهي تمثل ذلك الهيكل اللغوي العام الذي يجمع أهل السودان". وتشير د.هداية تاج الأصفياء إلى أنه يقال في لغة الحياة اليومية (ايدو طويلة) للدلالة على صفة السرقة، والشخص الذي يوصف بهذا الوصف في العامية هو الحرامي، السارق، وعلى العكس من ذلك تجد في الحياة العامة يتم وصف شخص ما (ايدو لاحقة) دلالة على النفوذ، والسلطان، و(ايدو رخية) دلالة على الكرم، والعطاء الكثير، وأيضا (ايدو خضرة)، وعكسها (ايدو ناشفة) دلالة على وصف الشخص غير الكريم، إن لغة الحياة العامة في السودان أخذت بمبدأ التخفيف في العربية الفصحى للتيسير ، وبغرض أن تتخلص لغة التخاطب اليومي من الثقل، والتنافر، والشدة، والتكرار، فيحدث التجانس بين الأصوات، وتبين أن هناك تزايدا في تغيير الحروف بلغة الحياة اليومية (عربية الخرطوم) فمثلا الحرف ظ يتغير إلى ض ظهر/ضهر، وكذلك حرف ث يتغير إلى ت، تلاتاء، تلاتة، تور، توم، وذلك في (ثلاثاء،ثلاثة،ثور، ثوم)، وأيضا ذ يتم تغييره إلى ض ذنب،ضنب، وأشارت أيضا إلى تفاعل الأصوات المتصلة، وتأثيرها في بعضها البعض، أو تأثر الصوت بمخرج الصوت المجاور فيحدث الانسجام الصوتي ..على سبيل المثال: التماثل في نطق كلمة (شمش)، والأصل (شمس) حيث صارت السين شينا..وهذا ما نجده أيضا في صعيد مصر. تستخدم اللغة العربية كلغة أم لأكثر من نصف سكان السودان يتركزون بصفة خاصة في المنطقة المحيطة بملتقى النيلين، وتمتد بينهما جنوبا حتى الحدود الجنوبية لولاية سنار، وهي أهم مناطق القطر من حيث الكثافة السكانية، والتطور الاقتصادي، والثقافي، كما تستخدم لغة ثانية في مناطق التداخل اللغوي في بقية الأقاليم، وبهذا الوضع تلعب اللغة العربية دورا حيويا كوسيلة تواصل، وربط بين مجموعات من السكان تتحدث نحو مائة لغة، فهي اللغة الرسمية، ولغة التواصل على مستوى الدولة ككل،وهذا الوضع المتميز للغة العربية في السودان مرتبط أيضا بمقامها كلغة علم، ومعرفة، ولغة الدين الإسلامي.