محمد عيسى بعد جلسات من المفاوضات والمشاورات بين الجانبين السعودى والإيرانى بشأن ترتيب أمور الحجاج الإيرانيين لآداء الفريضة هذا العام، جاءت النتائج سلبية، ورفض وفد شئون الحج الإيرانى التوقيع على محضر اتفاق مع الجانب السعودى لإنهاء ترتيبات أداء مناسك حج الإيرانيين، وعلى الفور قامت طهران بإعلان مقاطعتها لشعيرة الحج لهذا العام، مبررة موقفها برفض السعودية تلبية شروطها بشأن مواطنيها الحجاج، وبهذا تم تسييس الشعيرة الدينية (الحج) وهو ما يتضح من نقاط الخلاف والشروط التى وضعتها طهران. جاء تبرير الرفض الإيرانى التوقيع على محضر ترتيبات أداء مناسك حج، وغير مقنع من وجهة النظر السعودية حيث قال الوفد إنه رفض التوقيع لرغبته فى عرض الأمر أولًا على مرجعيته فى طهران، وهو تبرير وإن كان يمكن قبوله، إلا أنه لا يمكن قبول طلبهم بمنح التأشيرات للحجاج من داخل إيران، وهم يعلمون أنه لا يمكن القيام بذلك بعد قطع العلاقات الدبلوماسية فى يناير الماضى إضافة إلى ذلك إصرار إيران السماح لحجاجها بإقامة شعائر وطقوس ترى السعودية أنها تشكل فى مجملها تجمعات قد تعوق حركة بقية الحجيج مثل دعاء كميل و“مراسم البراءة من المشركين”. سعى طهران تسييس الحج أمر واضح أمام قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ودفع المجلس إلى تحذير إيران من تسييس الحج بقصد الإساءة إلى السعودية، بعد أن رفضت طهران التوقيع على محضر الاتفاق لإنهاء ترتيبات حج هذا العام. وقال عبداللطيف الزيانى، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، فى بيان له، إن دول الخليج تستنكر موقف إيران الرامى إلى تسييس فريضة الحج، ووضع العراقيل أمام التوصل إلى اتفاق نهائى ينظم قيام الحجاج الإيرانيين بأداء فريضة الحج للموسم المقبل، وعلى المسئولين الإيرانيين، أن يدركوا أن الحج فريضة دينية مقدسة لدى جميع المسلمين، ولا ينبغى ربطها بالمواقف والخلافات السياسية بين الدول. كما أكدت وزارة الحج والعمرة السعودية، أنها ترحب بالحجاج والمعتمرين من جميع الجنسيات، إلا أن إيران هى من رفضت التوقيع على محضر الاتفاق لإنهاء ترتيبات حج هذا العام. وأوضح د. محمد صالح وزير الحج والعمرة السعودى أنه تم دعوة رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية سعيد أوحدى للقدوم إلى السعودية لبحث ومناقشة ترتيبات شئون ومتطلبات حجاجهم القادمين لأداء مناسك الحج لهذا العام، كما قامت الوزارة بمتابعة آلية قدوم الوفد الإيرانى مع الجهات المختصة إلى أن تم حصول الوفد الإيرانى على تأشيرة القدوم إلى المملكة عن طريق ممثلية السعودية فى دبى بالإمارات. كما التقت الوزارة بوفد شئون الحج فى إيران الذى قدم برئاسة رئيس منظمة الحج والزيارات الإيرانية سعيد أوحدى مرة أخرى، وتم خلال اللقاء بحث كل الأمور المتعلقة بالزيارة وشئون الحج الإيراني.
المرجعية الدينية بعد كل هذه المشاورات لإيجاد حلول وتفاهمات رفض الجانب الإيرانى التوقيع على محضر اتفاق ترتيبات الحج، معللاً ذلك برغبته فى عرضه على مرجعيته فى إيران، ومبدياً إصراراً على تلبية مطالبه المتمثلة فى ضرورة أن تمنح التأشيرات لحجاجهم من داخل إيران، وهم يعلمون جيدًا أن العلاقات الدبلوماسية بينهما مقطوعة منذ شهر يناير الماضى بعد قيام محتجين إيرانيين باقتحام وإضرام النار فى مقر السفارة السعودية فى طهران وقنصليتها تعبيرا منهم عن غضبهم من إعدام السعودية رجل الدين نمر النمر، لأنه فى مثل هذه الحالة يكون منح التأشيرات عن طريق طرف ثالث، وهو ما تم الاتفاق عليه أن يكون عبر إمارة دبى. كما تمسكت إيران بتضمين فقرات فى المحضر تسمح لهم بإقامة دعاء «كميل» ومراسم البراءة من المشركين ونشرة زائر، وهى مراسم شيعية يرى الجانب السعودى أنها تمثل تجمعات تعيق حركة بقية الحجيج من دول العالم الإسلامي، وهو أمر طبيعى أن ترفضه السعودية خوفًا من أن تؤدى تلك التجمعات إلى وقوع حوادث بين الحجيج.
قيود وعراقيل والواضح أن هناك أزمة ثقة ليس فقط بين الجانبين المعنيين بالحج فى البلدين، وإنما بين الدولتين ككل، فوزير الثقافة الإيرانى على جنتي، أعلن بشكل رسمى أن الظروف غير مهيأة” ليؤدى الإيرانيون الحج هذا العام متهماً السعودية بعرقلة جلسات تنظيم الحج بين البلدين. حيث إن المسئولين السعوديين لم يعدوا بمنح التأشيرة للحجاج الإيرانيين ورأوا أنه على الحجاج الإيرانيين التوجه إلى بلد ثالث للحصول على التأشيرة، كما أنهم فقدوا الوقت، وسعوا بكل جهد منذ نحو 4 أشهر لإيجاد حلول، لكن السعوديين – من وجهة نظره – وضعوا العراقيل أمام الحجاج الإيرانيين أمام تسوية قضايا الحج معهم ووضعوا قيودا وعراقيل أمامهم حتى إن تأشيرة دخول الوفد الإيرانى تأخرت شهرين، كما تعرض رئيس منظمة الحج الإيرانى لمشاكل عديدة عندما توجه إلى السعودية، منها الاحتقار - كما يرى- والتهديد وبصمات الأصابع وتفتيش حقائبه رغم حيازته على جواز سفر سياسي.
الحج غير واجب بينما اعتبر المرجع الدينى الشيعى حسين نورى همدانى أن أداء الحج غير واجب عند الشعور بالخطر، وهو فى مجمله تصريح، يحمل تلميحًا إلى حادث العام الماضى فى موسم الحج الذى أودى بحياة العديد من الحجاج بخلاف المصابين. وأضاف همدانى: هدفنا هو المحافظة على عزة وكرامة الإسلام، وفى ظروف استطاعة المسلم لأداء مناسك الحج، فإنه إذا شعر الشخص المستطيع بالخطر على عزته وأمنه فإن الحج يصبح غير واجب عليه، حيث إنه ينبغى حماية عزة الإسلام وأمن المسلمين، وإذا لم يتحقق ذلك، سوف لن نرسل الحجاج لآداء مناسك الحج.
طرف ثالث فى المقابل جاء رد مدير مركز الخليج العربى للدراسات الإيرانية د.محمد السلمي، فى تصريحات صحفية ردًا على التصريحات الإيرانية، إن طهران تحاول وضع العراقيل وتسعى للخروج من المأزق من خلال الرمى بالكرة فى الملعب السعودي. وأضاف السلمى أن موقف الرياض كان واضحاً منذ البداية، وأعلنت أن التأشيرات الخاصة بالحجاج الإيرانيين يمكن الحصول عليها عن طريق طرف ثالث بسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، وهذا الأمر متعارف عليه دولياً. واعتبر السلمى أن إيران تسعى إلى تشويه صورة السعودية أمام المجتمع الإيرانى، لذا ترغب فى استغلال ملف هذه الشعيرة الدينية لتحقيق ذلك.
البراءة من المشركين وتتمسك إيران فى طلباتها بشأن الحج بإقامة دعاء كميل و”مراسم البراءة من المشركين” وهى طقوس شيعية أثناء الحج سبق أن تسبب تنظيمها بصدامات دامية راح ضحيتها المئات. ومراسم “البراءة من المشركين” كانت قد بدأت فى عهد قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، روح الله الخوميني، وقد جرت طوال سنوات مسيرات ضخمة فى خلال موسم الحج رأى خبراء أنها كانت فى سياق السعى الإيرانى لإثبات قوة الثورة فى مناسبة يجتمع فيها مئات آلاف المسلمين من حول العالم. غير أن إحدى هذه التظاهرات، خلال موسم حج العام 1987، تحول إلى صدامات دامية، عندما حصلت اشتباكات بين البعثة الإيرانية وقوى الأمن السعودية أسفرت عن سقوط المئات من القتلى والجرحى، معظمهم من الإيرانيين، وهو ما دفع ذلك طهران إلى مقاطعة مواسم الحج فى الفترة ما بين 1998 و1990، قبل أن تعود وفودها إلى أداء هذه الشعيرة، ومنذ ذلك الحين نفّذت حملاتها عدة تحركات مماثلة، لكنها جرت داخل الخيام، ولم تتدخل قوات الأمن السعودية. كما سبق أن قامت الرياض عام 1989 باعتقال مجموعة تردد أنها على صلة بجهات إيرانية على خلفية تفجير فى مكة خلال موسم الحج، وأعدمت أفرادها. الجدير بالذكر أنه فى موسم الحج الماضى أقام الحجاج الشيعة مراسم البراءة من المشركين فى صحراء عرفات بمشاركة حشد كبير من الحجاج الإيرانيين. والتى يتم خلالها إطلاق صيحات وشعارات، وخطب دينية ومناداة حجاج بيت الله الحرام بالتفكر فى محن العالم الإسلامى وأن السياسات الأمريكية وجرائم الكيان الصهيونى هما القضية الأولى للمسلمين وينبغى التمعن فيها والتعرف على الواجب الإسلامى تجاهها. أما دعاء كميل، فيعود إلى صاحبه كميل بن زياد النجفى وهو من الشخصيات الإسلامية التى يقدرها ويقدسها أصحاب المذهب الشيعى فى العراقوإيران ومختلف الدول. ويحرص أهل الشيعة على الدعاء بهذا الدعاء الذى سمى دعاء كميل فى كل مناسبة دينية.