أحمد إبراهيم عامر تمر ليبيا بحالة تشرذم وتناحر سياسى، أدى إلى حالة من الضغط الاقتصادى والمالى وزاد الوضع سوءا انهيار أسعار النفط عالميا، لدولة تعتمد بنسبة ٪98 من دخلها على مبيعات البترول، ليبدأ النحر فى الاحتياطى الضخم من العملات الأجنبية لدى الدولة خلال السنوات الخمس السابقة، ووصلت الحال بالاختلاف السياسى وفى مشهد ربما يكون الأول عالميا، أن نجد فى ليبيا مصرفين مركزيين، منقسمين أحدهما يسيطر على المقر الرئيسى بالعاصمة طرابلس ولديه صلاحيات التوقيع على حسابات البنوك الدولية الخاصة بحصيلة بيع النفط وهو غير تابع للبرلمان الشرعى شرق البلاد، والثانى بمدينة البيضاء أقره مجلس النواب، لتتصدر الأزمة الاقتصادية الليبية جميع التقارير الاقتصادية لمراكز الدراسات الدولية والعربية التى تؤكد أن الاستمرار بهذا المعدل سيؤدى لانهيار ليبيا اقتصاديا، فالتقينا بمحافظ المصرف المركزى الليبى على الحبرى، لنفهم ونناقش معه الوضع الحالى والمقبل للاقتصاد الليبى وهذا نص الحوار:
ما سبب أزمة السيولة من العملة المحلية؟ فى نهاية عام 2011 وبعد إعلان التحرير اتفقت الدولة مع إحدى مطابع العملة الألمانية على طباعة كميات من عملة جديدة، من خلال إجراءات قانونية، فبدأت شركة «ديرانو» تطبع وتخزن كميات ضخمة، وكان الاحتياج للعملة خلال تلك الفترة أقل من الكمية التى تطبع، فأصبح هناك تراكم للمخزون، فطلبنا من الشركة الألمانية تعليق العقد، وعندما انتهى المخزون، طلبت الشركة زيادة ٪50، وهذه زيادة كبيرة، بجانب أن المصرف المركزى فى الغرب فقد أربعة أعضاء من أصل سبعة أعضاء فلم يسمح له القانون باتخاذ قرار لطباعة كميات جديدة، فأنا الآن محافظ المصرف المركزى الليبى ومعى ثلاثة أعضاء عن الحكومة الشرعية فى مدينة البيضاء، والثلاثة الآخرون بالمنطقة الغربية لم يستطيعوا أخذ قرار، وكان يجب أن يتواصل معنا السيد الصديق الكبير، المحافظ السابق والموالى للحكومة غير الشرعية فى طرابلس، ولكنه لا يتواصل وبدأ يرسل لنا بالمنطقة الشرقية 32 مليون دينار للرواتب من أصل 350 مليون دينار رواتب شهرية، وهذا ما تسبب فى ظهور الأزمة الخانقة للسيولة المحلية، بدأنا نتصل بإحدى الشركات البريطانية ولكنها رفضت، وذهبت إلى شركة ألمانية ووافقت بشرط موافقة المبعوث الدولى، فما علاقة الأممالمتحدة، وتم رفض شرط الشركة الألمانية، فكان البديل أننا اتفقنا مع شركة روسية لطباعة عدة مليارات تكفى لحل المشكلة من جذورها. الفكرة ليست فقط فى طباعة نقد بل إدارة الأموال، فلا بد من رؤية لرفع نسبة الفائدة والتغطية النقدية بالعملة الصعبة بين المناطق، فالمنطقة الشرقية لا تحصل إلا على ٪13 من التغطية من السيولة الأجنبية.. والطريقة التى تستخدم فى ليبيا تعتبر متخلفة وانتهت من كل الدنيا، وكل البنوك المركزية لا تستخدمها.
وفيما يخص السيولة من العملات الأجنبية فى المنطقة الشرقية؟ الوضع فى ليبيا كلها ضعيف وليس المنطقة الشرقية فقط وهذا يخص الأزمة الاقتصادية الدولية، فالآن سعر النفط بين 35 و40 دولارا وندعو الله ألا ينهار للعشرين دولارا، خصوصا أن إيران لم تبدأ فى ضخ 4 ملايين برميل، فالسعودية هى المنتج المرجح لأنها تنتج 10 ملايين برميل فى اليوم، ولو لم يتم الاتفاق بمنظمة الأوبك على تخفيض الإنتاج فسوف ينهار سعر النفط. بجانب شرط أن يستمر الإنتاج الليبى كما هو أو يزيد، فالإنتاج الآن 400 ألف برميل، وإذا استقر الوضع السياسى ووصلنا لحكومة توافقية نستطيع أن نصل بالإنتاج إلى مليون برميل على الأقل، فعندئذ سيكون الوضع المالى للدولة فى حالة استقرار، ويمكن تحقيق توازن فى الميزانية. فالآن عندنا ما يسمى العجز التوءمى (ميزان المدفوعات الميزانية العامة) فالعجز فى 2015 وصل إلى 26 مليار دينار ومرجح نفس العجز فى 2016.
كم وصل الدين العام وهل هو داخلى فقط؟ الدين العام وصل إلى 60 مليارا وهو دين داخلى فقط، وسيضغط على سعر الصرف وسيؤدى لزيادة مرعبة للتضخم، فى السوق الموازى السعر الرسمى للدينار مقابل الدولار 1.4 دينار وفى السوق السوداء وصل 3.5 دينار، معنى هذا أن هناك ٪250 زيادة فى الأسعار.
هناك أزمتان يعانى منهما المواطن الليبى وهما أزمة التحويلات للأفراد والاعتمادات البنكية بالنسبة للتجار؟ لا بد من استقرار الوضع السياسى، والاتفاق على حكومة واحدة يؤدى لزيادة إنتاج النفط والرجوع للمعدلات الطبيعية، فليبيا إنتاجها الطبيعى مليون ونصف المليون برميل يوميا، وزيادة الإنتاج ستوفر السيولة من النقد الأجنبى، وتحل الأزمة.
تحدثت عن حتمية وجود حكومة توافق فى هذه الحالة من سيكون محافظ البنك المركزى فى ظل وجود محافظين، سيادتك فى الشرق والصديق الكبير فى الغرب؟ هذه ليست المشكلة، نحن لا نتمسك بالكراسى، فمصلحة الوطن أهم من المناصب، فالدفاع على المنصب يعنى الدفاع عن المصلحة الخاصة، فأى شخص يتم اختياره من الدولة يدير، ويمكن أن يتم اختيار شخص جديد غيرنا، فالوطن يحتاج لرؤية اقتصادية ونقدية شاملة. ليبيا منذ 60 عاما تعتمد على البترول، رغم أن لديها إمكانات أخرى كبيرة، فلو تحدثت معك عن الفرص الاستثمارية السياحية والصناعية والتجارية، ستجد أن ليبيا يمكن بإدارة رشيدة أن تصل بالاعتماد على النفط لأقل من ٪40 بدلا من ٪98 من دخلنا. بجانب احتياجاتنا من العمالة الأجنبية لإعادة الإعمار، وهذه نقطة نعول كثيرا على العمالة المصرية، فإعادة الإعمار تحتاج نحو 6 ملايين عامل على الأقل بين شركات مقاولات وهندسية وصيد بحرى وسياحة وإنشاء مصانع، فمصر لديها من العمالة ما يمدنا بهذا العدد الضخم الذى نحتاج إليه وتحتاج إليه مصر كفرص عمل لأبنائها. حتى الجنوب الليبى يصلح لإنتاج طاقة شمسية بكميات كبيرة، فالجنوب الليبى يعتبر كنز ليبيا المقبل لإنتاج الطاقة الشمسية. أيضا دعنى أحدثك عن ميناء طبرق، هذه الميناء الطبيعية التى تصلح أن تكون أهم ميناء ترانزيت على البحر المتوسط.
مندهش.. رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تمر بها ليبيا وأغلب التقارير الاقتصادية الدولية المتشائمة أجدك متفائلا وبشدة للمستقبل الاقتصادى الليبى؟ بالطبع المستقبل الاقتصادى الليبى إيجابى جدا، فالوضع الحالى هو سوء إدارة فقط، نحن نعانى من المركزية، فاحتياطى الليبى الخارجى 80 مليار دولار، بجانب استثمارات خارجية تقدر ب 65 مليار دولار لشعب عدده 6 ملايين نسمة فقط، فقارن بيننا وبين مصر فالاحتياطى المصرى 16 مليارا لشعب عدد سكانه 90 مليون نسمة، فببساطة أؤكد لك أن الوضع الاقتصادى ممتاز ولكن يحتاج لحسن إدارة فقط.
أعلنتم عن فتح مجموعة من الحسابات البنكية فى عدد من الدول لاستقبال دخل بيع النفط، هل سيكون هذا الدخل تحت تصرف المصرف المركزى الشرعى المعتمد من البرلمان، وهل سيصرف على المنطقة الشرقية فقط؟ فى العهد الملكى كان مقر المصرف المركزى الليبى بمدينة بنغازى، وبعد ثورة 69 تم نقل المقر لمدينة طرابلس، وقد اتخذ قرار حكيم وشجاع من رئيس الوزراء السابق السيد على زيدان فى عام 2013 برجوع مقر المصرف المركزى لوضعة الطبيعى بمدينة بنغازى، ومع الاختلاف السياسى وعدم تمكننا من مباشرة عملنا بمقر المصرف بالعاصمة كان لابد من فتح حسابات جديدة يسيطر عليها المصرف المركزى، فتم فتح حسابات فى مجموعة من الدول وكلها دول عربية شقيقة (مصر الأردنالإمارات) ووفق المعايير الدولية. وهذا لا يعنى أن حصيلة بيع النفط سيستفيد منها سكان المنطقة الشرقية فقط بل كل المناطق والمدن الليبية، ولو استمر الوضع المؤسف الحالى، فسيتغير الوضع من سيطرة المصرف المركزى فى طرابلس على حسابات بيع النفط وإرساله حصة لباقى المناطق إلى سيطرة البنك المركزى الحالى، وأيضا سنرسل حصصا لكل المناطق، النفط ملك كل الليبيين، ففى ليبيا لدينا غيبوبة نفطية كبيرة ويسمى علميا باقتصاد صدمات، فمع ارتفاع النفط الكل يفرح وحين ينخفض الكل يبكى، هذا اقتصاد الابتسامة والدموع.. فمن حيث فلسفة إيرادات النفط فهو لكل ليبيا وليس لمنطقة فقط.
متى سيظهر أول تدفقات نقدية تدخل هذه الحسابات؟ من المرجح أول مايو المقبل تبدأ أول دخول للتدفقات النقدية من العقود الجديدة والعقود التى يتم تجديدها.
ماذا عن سياسة مصرف ليبيا المركزى فيما يخص مؤسسة ليبيا للاستثمار الخارجى؟ الاستثمارات الخارجية الليبية قيمتها 65 مليار دولار ومن المفترض إعادة النظر فى الرؤية الاقتصادية، فالنظام السابق كان يستخدم نظرية «الديكتاتور» وهى نظرية تعتمد على عدم التكامل وتفتيت المؤسسات وإدارة كل مؤسسة بشكل منفصل عن باقى المؤسسات، فالآن لابد من إنهاء هذه الرؤية، فهى مدمرة للاقتصاد الليبى برغم أننى عضو بمجلس الأمناء لمؤسسة الاستثمار بصفتى محافظ المصرف المركزى، والآن بعد الثورة لابد من إعادة النظر فى هذه المؤسسة من الناحية القانونية والاقتصادية، وأن توزع على كل الأقاليم الليبية الثلاثة حتى يستفيد من عملها كل المدن والمناطق الليبية وتكون سياستها الاقتصادية تابعة لسياسة مصرف ليبيا المركزى، وبالتالى لابد من إنشاء صندوق الاستقرار، يتعاون مع وزارة المالية ليتدخل لضبط السوق، بجانب صندوق لإدارة فاقد الدخل للأجيال القادمة، وهذا النظام معمول به فى الكويت وفى كثير من دول العالم، والصندوق الثالث صندوق البنية التحتية لتطوير المدن.
النظام السابق بالفعل بدأ فى 2006 من العمل على رؤية طموح لتطوير البنية التحتية فى كامل ليبيا، هل سيتم التكملة على ما سبق؟ النظام السابق يذكرنى برجل بدأ الصلاة والزكاة بعد الثمانين، لو قارنا ليبيا عام 1969بدول مثل السعودية والإمارات وقطر، ثم أعدنا مقارنتها بالدول نفسها 2011 ستجد أن ليبيا لم تتقدم خطوة، بل بالعكس تأخرت وهذه الدول حصل لديها حراك اقتصادى واختلاف جوهرى فى بنيتها التحتية، نتيجة إيرادات النفط، فالفرق للأسف كبير، فليبيا عبارة عن دولة مهترئة لا يوجد بها أى نظام اقتصادى واضح المعالم ولا يوجد بها أى تطور بالنظام الصحى والتعليمى والبنية التحتية ولا أى نوع من النظام، فالاعتماد على الحكومة فى كل شىء، فكل المناطق الليبية التى تحتوى على ثروات هائلة تحتاج لما يسمى بقطاع الأعمال، والاستثمار المشترك، فليبيا بها فرص كثيرة ولا يمكن أن تستفيد بها إلا بالتعاون مع الشركات الدولية الكبرى وإنشاء كيانات مشتركة، عندنا فرص كبيرة فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فأنا لدىّ رؤية شاملة اقتصادية، وهذا لا يعنى تمسكى بالمنصب، حتى لو خرجت من المنصب، سأعمل فى منظمات المجتمع المدنى للمساهمة فى تطوير بلادى، لا بد لليبيا أن تتغير، الآن سعر الصرف ثابت وهذا من أسوأ السياسات النقدية التى يمكن أن تتحكم سلبا فى الاقتصاد، فبهبوط سعر النفط، لن يكون لديك بديل غير تسييل الاحتياطات، وهذه الكارثة الاقتصادية، فالدولة لابد أن تتكون من مجموعة سياسات اقتصادية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.