الاقتصاد الليبى هو الأفضل من بين اقتصاديات دول الربيع العربى من ناحية العودة لمعدلات ما قبل الثورات، فليبيا لا تحتاج إلى تمويل خارجى بفضل ثروتها الضخمة من الموارد، ولا تعانى ليبيا من ديون خارجية أو داخلية ترهق ميزانياتها، بل تعانى من فوضى فى استغلال هذا الكم من الثروات. وعانى الاقتصاد الليبى من أزمة سيولة طيلة عام 2012 لدى المصارف التجارية الليبية، على الرغم من أنها عادت لإنتاج أكثر من %90 من النفط قبل الثورة، ليتجاوز الإنتاج 1.52 مليون برميل يوميا مقابل 166 ألف برميل يوميا فى مرحلة الصراع فى 2011، مما يعنى استقرار موردها الوحيد. ودفعت أزمة السيولة مؤسسات مالية دولية لأن توصى ليبيا بضرورة طباعة كميات من النقود للتغلب على أزمة نقص السيولة، وفى مطلع العام 2012 بدأ البنك المركزى الليبى فى سحب أوراق العملة القديمة فى محاولة لتوفير السيولة للقطاع البنكى، بسبب وجود أغلب الأموال خارج البنوك، وأشار محافظ البنك المركزى آنذاك إلى أن حجم هذه الأموال يفوق 15 مليار دينار «12 مليار دولار»، أى %96 من إجمالى السيولة المتوفرة. وتعانى البلاد من ارتفاع معدلات البطالة والفقر وغياب الخدمات الأساسية، ويواجه المسؤولون فى ليبيا تحديات للاستغلال الأمثل لأرصدة البلاد وعائداتها النفطية لإعادة الإعمار ودفع عجلة التنمية، إضافة إلى محاربة الفساد. فى حين توجد عثرة أخرى فى وجه الاقتصاد الليبى تتمثل فى عدم استعادة استقرار الوضع الأمنى، إذ تعانى ليبيا منذ نهاية ثورتها فى أكتوبر 2011 من عنف وتهريب أسلحة ورواج للمخدرات ونزوح لاجئين غير شرعيين، وعدم وجود جيش قوى يحمى الاستقرار الداخلى وحدود الدولة. وربما لن يأخذ الاقتصاد الليبى مجراه التنموى الكامل فى ظل حالة عدم اليقين السياسى التى تعيشها ليبيا، فرغم نجاح أول انتخابات للمؤتمر الوطنى العام، فمن المحتمل أن يظل الوضع صعبا فى ظل ارتباك المشهد السياسى والنزاعات القبلية لشؤون مختلفة، خاصة خلال الفترة التى تسبق إقرار الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية منتصف 2013. ويدرك المراقب للأوضاع الليبية أن الفساد يقف حجرة عثرة فى وجه تطوير الاقتصاد، حيث تبدو البلاد الغنية بالموارد الطبيعية غير قادرة حتى الآن على تجاوز ميراث الإهمال الذى أنتج حالة من الترهل وانهيار البنية التحتية. ورغم ذلك فإنه إذا أحسن استخدام الموارد الليبية وترجمتها إلى مشروعات بمساعدة دول المنطقة سيسير الاقتصاد الليبى إلى أفضل فى السنوات القادمة، وتوقع صندوق النقد الدولى ارتفاع إنتاج النفط فى ليبيا إلى مستوى ما قبل الثورة بحلول 2013، وذلك بعد أن انخفض بنسبة %60 خلال 2011. وسيستهدف هذا التطور تحفيز الشركات المحلية على إطلاق نشاطاتها مجددا، وعودة الشركات العالمية وإقبال شركات عالمية جديدة.