كان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رقما صعبا فى سباق الرئاسة، بدا لكثير منا على أنه الأمل لقطاع كبير من الشعب حائر بين (الإخوان المسلمين) و(الفلول)، وكان خطاب الرجل يعتمد على أنه مرشح المصريين الراغبين فى الانعتاق من أسر النظام السابق بكل ما يمثله من فساد، وأسر الحرية والعدالة بكل ما تمثله من مخاوف و هواجس الاستحواذ والانغلاق. بدا الرجل بما يمثله من تاريخ نضالى على المستويين المصرى و العربى ، و مرجعية إسلامية و وسطية متفتحة ، و مرجعية ثورية أخذت شرعيتها منذ أول يوم فى الثورة و حتى نهايتها ، بدا كأنه مظلة وقف تحتها العديد من قطاعات الشعب و طوائفه .. و كأنه يريد أن يغزل بيديه نسيجا مصريا تتكون خيوطه من كل أبناء هذا الشعب الواحد متقافزا فوق الاختلافات و تصادم الاتجاهات مما دعانى و غيرى من أبناء الشعب إلى الالتفاف حوله ، و كنا نراه الفارس الوحيد القادر على تحقيق هذا الحلم فتحمسنا له ، و كتبنا فيه شعرا: اركب حصانك و انطلق و اعل بمصر و استبق يا فارسا عشق البلاد و أهلها يا موطنا للمجد يزهو و يأتلق وفجأة أسدل الستار علي الجواد المنطلق وهو يكبو ليخرج الفارس النبيل من حلبة المنافسة في السباق الرئاسي .. فماذا حدث ؟! اجتمعت العديد من العوامل لتحول دون تقدم د. عبد المنعم أبو الفتوح ما بين عوامل شخصية ، وأخرى حزبية وثالثة تعود لحملته ورابعة تعود للتمويل ، وخامسة تعود للإعلام . أما الأسباب الشخصية فياتي في أولها انتماؤه السابق لجماعة الإخوان المسلمين الذي جعل قطاع عريض من الشعب يقول لنا في حملته :- أنه لا يمكن أبداً أن ينسلخ من انتمائه هذا ، ونخاف من عودته إلي الإخوان بعد الفوز . وكذلك تاريخه السابق في الجماعة الإسلامية في السبعينات وكان هذا الانتماء يثير مخاوف أكثر لدي قطاع كبير وخاصة من المتعلمين وأنصاف المثقفين ناهيك عن بعض الأخوة الأقباط الذي يثير لديهم هذا الانتماء الإسلامي العديد من المخاوف والهواجس المبررة وغير المبررة. وتأتي المناظرة التي رأيناها في الحملة نكبة – رغم تفوق أبي الفتوح فيها من وجهة نظري – ولكنها كانت خطأ فادحاً واستدراجاً دفع كلا الرجلين ثمنا باهظا له ، لأنها كانت قصفاً متبادلاً وخرج المنتصر فيها مهزوما ، خاصة أن عمرو موسي ركز علي أن جهاد أبو الفتوح كان لأجل جماعة ولم يكن لأجل وطن ، وعلي استخدام الجماعة الإسلامية التي كان أبو الفتوح قيادياً فيها للعنف أحياناً ، وعلي اصطياد الرجل في موقفه من حد الردة وفي الكلام عن صحة المرشحين ... إلخ وهي أمور روجها أعداء الرجل بقوة ولاقت قبولاً لدي قطاع عريض من الشعب الذي يعاني كثير منه من أمية القراءة والكتابة ، ويعاني كثير من متعلميه من أمية سياسية لا تسمح بالنقاش والإقناع ، وتلجأ إلي التعميم في الأحكام ليدفع الرجل ثمن انتمائه السياسي . أما الأحزاب السياسة والاتجاهات المتنافسه معه فقد لاحظنا في الحملة أن الإخوان المسلمين عندما يجدون أن أبو الفتوح له شعبية في منطقة ما كانوا يطلقون شائعة هي " لو فاز أبو الفتوح أو مرسي فالرئيس منا نحن لأن كليهما إخوان مسلمين " كانت هذه الشائعة تعزز من مخاوف المتأرجحين من الناخبين وتبعد الكارهين للإخوان عن عبد المنعم أبو الفتوح . أما الطامة الكبرى فكانت في تأييد حزب النور السلفي له لأنه كان تأييدا شكليا ، ولا أثر له في أرض الواقع .. وأحسب أن هذا التأييد يرتقي إلي حد المؤامرة والخيانة للرجل ، لأنه فور الإعلان عن هذا التأييد الإعلامي فقط انفض عن الرجل الكثير من الليبراليين والعلمانيين والأقباط لأنهم خافوا من التفاف السلفيين حوله وهذه خسارة كبرى .. أما الخسارة الفادحة أن حزب النور هذا لم يؤيد الرجل علي الأرض ولم يحشد أنصاره كما فعل في الانتخابات البرلمانية ، بل إننا وجدنا الكثير من أتباع هذا الحزب يدعمون وبقوة د. محمد مرسي مرشح الحرية والعدالة ، وكأنها مؤامرة .. أما دعم باقي الأحزاب الصغري مثل الوسط أو غيره فهو كان دعما ورقياً هزيلاً بحجم هذه الأحزاب . في ذات الوقت كان الفلول يعملون بقوة ، يدافعون عن وجودهم ومصالحهم من خلال الدفاع عن آخر معاقلهم ، ويستغلون خبرتهم الانتخابية السابقة والمال الحرام ينفقون منه بسخاء لإعادة تدشين الفساد الذي به يدينون وإليه ينتمون ، وكانوا يدفعون الأموال لشراء الأصوات علناً خاصة في القرى الفقيرة. أما الحملة الخاصة بالدكتور أبو الفتوح ، فقد كانت حملة فاشلة بكل المقاييس ، لم تضف للرجل جديدا ، بل إنني لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت أن العنصر الفعال في حملته هو د/ أبو الفتوح نفسه أما باقي الحملة فلم تكن علي قدر المسئولية حيث تركوا التراب ينهال فوق الذهب حتي أن الناس عجزت عن رؤية بريقه. ودعوني أسرد تلك الحقائق من خلال حملة الدقهلية عن سبيل المثال : - معظم العاملين في الحملة من الشباب دون الثلاثين عاماً ، ومن سكان المدن ، ومن المثقفين الذين لا صلة لهم بالقري أو الأرياف ، ولا يجيدون التعامل مع الطبقات الشعبية والدنيا في المجتمع والتي تمثل الكتلة التصويتية الكبرى. - معظمهم من طلاب الجامعات الذين يمتلكون الحماس ولكن لا يمتلكون الخبرة والرؤية لترجمة هذا الحماس إلى أرقام من الناخبين تصب في صالح المرشح، كما أنهم كانوا ممزقين بين العمل بالحملة الانتخابية وبين المذاكرة للامتحانات التي تدق الأبواب بعنف . - كان هذا الشباب المتحمس يرى الدعاية الانتخابية تتمثل في عمل سلسلة بشرية ، أو عمل مسيرة أو مؤتمر ، وكنت تعجب بهم وهم يرتدون البدل الكاملة ويضعون عليها شارة فيها صورة المرشح ويلتفون حوله في المؤتمرات ويلتقطون الصور معه ، ويعودون وهم يتحدثون عن ذلك وكأنهم حققوا نصراً مؤزراً وهذا في نظرهم قمة التأييد والدعاية للرجل . - كان هذا الشباب لا يعرف أن الواقع الانتخابي المصري يقوم علي زيارات الأسر في القري والنجوع ، وعمل التربيطات الانتخابية مع الأسماء المؤثرة في هذه الأماكن وكان عيبهم الأكبر أنهم لن يحاولوا أن يعرفوا ذلك من كبار السن في الحملة .. كانوا يحتكرون اتخاذ القرارات ، ويحتكرون الاتصال بالدكتور عبد المنعم ، ويمارسون الإقصاء علي غيرهم . ومن نتاج هذا الخلل الواضح :- 1- اقتصار الدعاية المكثفة علي المنصورة والمدن الكبرى ، وخلو عدد من الدوائر في المراكز النائية من وسائل الدعاية للمرشح . 2- أن عدداً من قري وعزب الدقهلية لم تسمع عن أبي الفتوح إلا من خلال التليفزيون . 3- انعدام التواصل الفعال بين مراكز الدعاية وبين مقر الحملة الرئيسي بالمنصورة. 4- عدم عقد لقاءات مصغرة مع الجماهير وخاصة مع المناطق ذات الكثافة التصويتية العالية. مأساة التوكيلات: في الوقت الذي قامت فيه حملات المرشحين الآخرين بإسناد عمل التوكيلات العامة والخاصة لمكاتب محاماة كبرى وفرت جهد ووقت الحملة للتركيز في الدعاية الانتخابية في الأيام الأخيرة ، كانت حملة د. أبو الفتوح في الدقهلية تتعثر في عمل التوكيلات ، وكنت ترى العديد من أعضاء الحملة في المراكز جالسين أمام الشهر العقاري ويكتبون الكشوف بشكل خاطئ ثم يعيدونها ، ثم يضيع بعضها بشكل فوضوي وعشوائي .. علاوة علي أن بعض هذه التوكيلات قد ضاعت أو سقطت سهواً أو لم توزع علي أصحابها بشكل جيد ، مما نتج عنه علي سبيل المثال للحصر ( في مركز طلخا – الدقهلية ): 1- تكرار بعض التوكيلات لبعض الأشخاص مما يشكل عبئا ماديا علي حملة فقيرة في الأساس . 2- سقوط بعض من اللجان الفرعية من الكشوف فكانت فارغة تماما من وكيل عام أو خاص للدكتور أبو الفتوح ( مدرسة الزراعة – مدرسة التجارة المتقدمة في مدينة طلخا ) قري ( كفر الأصالي – أورمان طلخا – كفر بساط التابعة لمركز طلخا ) . 3- ناهيك عن أن كل العاملين بالحملات الأخري كانت لديهم أسطوانات بأسماء الناخبين في المراكز تساعد على استخراج الاسم واللجنة الفرعية ، وحتى عصر يوم الانتخاب الأول كانت حملة أبو الفتوح في الدقهلية لا تمتلك ذلك بل تعتمد علي الانترنت البطئ للغاية والمنعدم أحيانا مما شكل عجزا أخر . كماكان التمويل شحيحاً جعلنا ندفع تكلفةالملصقات من جيوبنا الخاصة .. كل هذه الأسباب علاوة على الإعلام المسموم من فضائيات وأقلام مأجورة كانت كفيلة ليس فقط بجعل الجواد يكبو بل قتل الفارس النبيل.