حوار أحمد سعد الدين يعد المخرج رشيد مشهراوى حالة خاصة فى المشوار الفنى الفلسطينى، حيث كان أول مخرج يصور فيلم داخل الأراضى المحتلة، ويخرج من حالة المباشرة المطلقة التى كانت تقف فيها السينما الفلسطينية، وخلال الأسبوع الماضى شارك مشهراوى كعضو لجنة تحكيم فى الدورة الثانية والعشرين لمهرجان سينما وفنون الطفل الذى أقيم فى دار الأوبرا وانتهى حفل الختام يوم الجمعة الماضية، «الأهرام العربى» التقت المخرج رشيد مشهراوى للحديث عن كيفية اشتراكه فى لجنة تحكيم المهرجان وعن ملامح مشواره الفنى فى الحوار التالى . كيف جاءت مشاركتك فى مهرجان سينما وفنون الطفل؟ تلقيت اتصالا هاتفيا من سهير عبدالقادر نهاية شهر ديسمبر الماضي، وقالت لى إن الاستعداد للدورة الثانية والعشرين بدأ بالفعل ونريدك معنا كعضو فى لجنة التحكيم، وللحقيقة أنا أعتز بهذه السيدة كثيراً وشاركت معها فى أكثر من دورة فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، سواء فى لجنة التحكيم أم كمخرج مشارك بأفلامه، لذلك قبلت على الفور وبالفعل شاركت بلجنة التحكيم وأعتقد أنها تجربة جيدة من وجهة نظرى. كيف تقيم تجربة الاشتراك فى مهرجان سينما خاص بالأطفال؟ هذه التجربة مهمة للغاية خصوصا أن أطفال العالم العربى محرومون من أشياء كثيرة نتيجة للحالة الاقتصادية المتردية والحروب التى تقام على أراضى المنطقة العربية، لذلك علينا أن ندرس نفسية الطفل جيداً، ونحاول أن نعيد العلاقة بينه وبين السلام النفسى الذى يفتقده، بالإضافة إلى تقديم أعمال تتناسب مع ميلوله، وقد راعينا فى الأفلام التى عرضت علينا فى لجنة التحكيم أن يكون الفيلم يحمل رسالة تفيد الطفل، وهذا فى حد ذاته ممتاز ويجعل أى مخرج يفكر كثيراً فى إيجاد شخصية الطفل فى الأفلام الروائية الطويلة . ماذا عن أطفال فلسطين؟ أطفال العرب كلهم شىء واحد ولا أصنفهم حسب جنسياتهم، يجمعهم شىء واحد أيضا وهو أنهم فى سن الطفولة المصاحب للبراءة والحلم، كلهم يريدون الفرحة والبهجة والحياة التى يتمناها أى طفل، عندما قدمت فيلماً عن أطفال فلسطين وجدت أن هؤلاء الأطفال كل أملهم فى الدنيا، أن يعيشوا فى سلام وأن يذهبوا إلى المدرسة دون أن يستمعوا إلى صوت الطائرات والجنود الذين يستوقفوهم ليل نهار، وهو ما يؤثر بالسلب على نفسية هؤلاء الأطفال، وأعتقد أن هذه الحالة لا تنطبق فقط على أطفال فلسطين، وإنما على كل الأطفال الذين تعانى بلدانهم من الاحتلال والحرب الأهلية، وهو ما ينطبق على أطفال سوريا، ففى أحد المرات كنت مدعوا لمهرجان فى تركيا كضيف شرف وذهبت لزيارة مخيمات اللاجئين هناك،وطلبت منهم أن أذهب لمخيم اللاجئين السوريين ووجدت فيه أكثر من عشرة آلاف طفل، وقد أحزننى ذلك كثيراً وانهمرت دموعى رغماً عنى وتحدثت مع مدير المخيم، واقترحت عليه عرض أفلام للأطفال فى المخيم بشكل أسبوعى لإسعادهم والتخفيف عنهم، لكنه قال إنها فكرة جيدة لكن للأسف لا توجد لدينا أفلام ناطقة باللغة العربية فاتفقت معه أن أرسل لهم أفلاما للعرض وعندما عدت إلى فلسطين أرسلت لهم أكثر من 50 فيلما مدبلجا باللغة العربية ليتم عرضها بانتظام، ومن الأشياء التى تحزننى أن أرى بعض الأسر تحمل أطفالها أكثر مما يجب وتستخدمهم فى أعمال أكبر من المرحلة العمرية التى يعيشون فيها وهذا خطأ فادح. كيف ترى ما وصلت إليه السينما الفلسطينية حالياً؟ السينما الفلسطينية قامت على مشاريع فردية لأنه لا توجد منظومة خاصة بالسينما الفسلطينية، بل هى مجهودات يقوم بها عدد من محبى السينما المخلصين لها، الذين يسعون بكل الوسائل لإنتاج الأفلام الخاصة بهم والتى تعبر عن قضاياهم، وقد مرت السينما الفلسطينية بعدة مراحل، حيث كانت فى مرحلة السبعينيات تقوم على الأعمال المباشرة الأقرب إلى السينما التسجيلية نظراً لأن الإنتاج كان من خلال المنظمة، لكن كان يعاب عليها أنها تظهر المواطن الفلسطينى على أنه مقاوم فقط للاحتلال ولا تتطرق إلى المشاكل الحياتية بين باقى أفراد الشعب وكأنهم ملائكة لا يخطئون، لذلك كانت السينما الفلسطينية بعيدة عن الخريطة العالمية، لكن مع مطلع التسعينيات ظهر جيل جديد درس السينما فى الخارج وكان ينظر للصورة العامة خارج الصندوق، وهو ما أعطى فرصة كبيرة لصنع أفلام روائية أقرب إلى الواقع الحقيقى الموجود على الأرض، من هنا بدأت السينما الفلسطينية تخطوا خطواتها فى الطريق الصحيح على يد مخرجين أمثال إيليا سليمان وميشيل خليفى وأنا وآن مارى جاسر ونجوى نجار وغيرهم والذين قدموا أعمالاً جيدة وشاركوا بها فى المهرجانات الدولية، وهذا هو الإنجاز الحقيقي، لأننا يجب أن نفهم جيداً نفسية الإنسان الغربى ونتعامل معه باللغة التى يفهها وليس التى نريدها نحن فقط، ففى رأيى أن القوة الناعمة متمثلة فى السينما تستطيع أن تخدم القضية الفلسطينية أكثر من الخطب السياسية، لأن السياسى معروف دائماً أنه مقيد بخط معين، أما الفنان فلديه الحرية فى عرض قضيته بأشكال عديدة تصل إلى المواطن الغربى البسيط، لذلك علينا أن نستغل قوتنا الناعمة وأن نسخرها فى الدفاع عن قضيتنا كشعب يعيش تحت الاحتلال كى تظل القضية فى منطقة الضوء حتى يتكون معها تعاطف دولى من المواطنين البسطاء الذين يستطيعون الضغط على الحكومات وليس العكس. عرضت فيلمك "فلسطين ستريو" فى مهرجان القاهرة السينمائى الماضى وكان مفاجأة أنه ينتقد الواقع الفلسطينى من الداخل ؟ علينا أن نواجه أنفسنا بعدة حقائق موجودة على أرض الواقع، فالسينما تمثل انعكاسا للواقع بشكل كبير، وخلال السنوات الطويلة الماضية بعد اتفاقية أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية حدث خلاف بين بعض الفصائل، لكن ومع مرور الزمن تغير الوضع على الأرض وأصبح هناك بعض النماذج التى تعمل لنفسها وتحاول استغلال الظروف، فبنظرة بسيطة سنجد أن حديث بعض السياسيين لم تتغير وتيرته خلال العشر سنوات الماضية وبعضهم لايظهر إلا وقت الانتخابات أمام الكاميرات، ويقدم نفس الوعود دون أن يحقق منها شيئا، وهو ما ولد حالة من اليأس وعدم الثقة عند المواطن الفلسطينى الذى يعيش تحت الاحتلال ويطمع فى الوصول لحياة كريمة، لكن هل هذه النماذج تستطيع دفع القضية فى اتجاه إيجاد حلول مقبولة؟ أنا عبرت عما يحدث على أرض الواقع، وقد قصدت من خلال هذا الفيلم أن أقول إننا وصلنا فى الأراضى المحتلة إلى حالة غير إنسانية بالمرّة، ولا بد من التصدّى لها بكل الأشكال، وعلينا إعادة ترتيب البيت من الداخل مرة أخرى وعلى أسس سليمة وهذا هو دور السينما فى عرض المشكلة ولفت نظر المسئولين لها. هناك قضية شائكة تطل علينا بين الحين والآخر وهى قضية تمويل الأفلام من صندوق الدعم الإسرائيلى.. ما رأيك؟ هذه النقطة تعتبر شائكة بالفعل لأن هناك وجهتى نظر فى هذا الموضوع، فالمخرجون الذين يعيشون داخل الأراضى المحتلة لايجدون تمويلا لأفلامهم سوى من صندوق دعم السينما الإسرائيلى والذى هو فى الأصل أموال دافعى الضرائب الفلسطينيين، من هنا يرى البعض أن هذه أموالنا فلماذا لا نأخذها ونصنع أفلاماً نخدم بها القضية، على الجانب الآخر هناك من يرى أن الأفضل البحث عن مصدر خارجى لتمويل الأعمال السينمائية والابتعاد عن صندوق الدعم الإسرائيلى حتى لا نعطى شرعية للاحتلال الذى يريد أن يظهر بالمظهر الديمقراطى أمام العالم، وأنه يمول أفلاماً لا تتوافق مع معتقداته ، عن نفسى فأنا أحترم وجهتى النظر وأقدر الظروف فى الأراضى المحتلة، لكنى أميل للرأى الثانى الذى يفضل البحث عن تمويل من الخارج وعدم التعامل مع الإسرائيليين . أخيرا ما الجديد لديك على المستوى السينمائى ؟ أحضّر حاليًّا لفيلم روائى طويل بعنوان "كتابة على الثلج" بطولة الفنان جمال سليمان وممثلين آخرين من الأردن ومصر، وسوف أبدء تصوير الفيلم فى شهر سبتمبر القادم بين القاهرةوالأردن .