- السينمائيون المصريون مطالبون بالتعامل معنا باعتبارنا «فلسطينيى الهوية» - أنا سينمائى يشغلنى الإنسان أينما وجد.. ولست بطلاً يحمل سلاحاً المخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى يرفض تماما اعتبار عرب 48، مطبعين مع الاحتلال بل يجب التعامل معهم بصفتهم العربية، وطبقا للهوية الثقافية التى تربطهم بوطنهم، واصفا إياهم بأنهم «فلسطينيى الهوية»، ولا يجب التعامل معهم بمنظور ضيق لمجرد حمل جواز سفر إسرائيلى أجبروا عليه. كما يرفض موقف كثير من السينمائيين المصريين، الذين يحجمون عن التعاون معهم بدعوى أنهم مطبعون، ولكن مشهراوى فى ذات الوقت يضع شرطين مهمين لقبول أفلامهم، أولهما يتمثل فى المضمون المعروض، والثانى فى جهة التمويل، وفى الحوار التالى يتحدث مشهراوى باستفاضة عن هذه القضية الجدلية.. • يثار دائما فى المحافل السينمائية خصوصا المصرية قضية «هوية الفيلم الفلسطينى» وما يتبعها من قبول أفلام عرب 48 أو رفضها.. فما رأيك فى تلك الأزمة؟ السينما الفلسطينية تشبه الحالة الفلسطينة بصفة عامة، فالفلسطينيون يعيشون بأماكن كثيرة وشتى سواء داخل فلسطين أو خارجها فى بقاع مختلفة من العالم، وانا اعتبر أن كلهم فلسطينيين، وما ينتجونه سينما فلسطينية إلا فى حالة واحدة فقط لا أعتبر فيها الفيلم «فلسطينيا»، وهو حصوله على التمويل من صندوق الدعم الإسرائيلى، لأن الفيلم وقتها يحمل أجندات خاصة بالاحتلال الإسرائيلى، الذى نشجبه ونرفض أى شىء يأتى من ناحيته، ونحن السينمائيين الفلسطينيين، أنفسنا نحارب الفيلم بهذه المواصفات بشدة حتى قبل خروجه للعالم، فمن المستحيل أن تكون لدينا مشكلة مع الاحتلال ونقبل تمويلاً منه. وعلى الجانب المقابل، هناك كثير من عرب 48 يصنعون أفلاما بدون دعم المؤسسة الإسرائيلية، وهى أفلام مهمة وتطرح مشكلات غاية فى الأهمية والحساسية عن هموم ومشكلات الشعب الفلسطينى تحت وطأة الاحتلال، وعرب 48 من لحمنا ودمنا وتربطنا بهم هوية ثقافية، وليست تلك الهوية البيروقراطية المتمثلة فى جوازات السفر الإسرائيلية، والتى اضطروا للحصول عليها بسبب محل إقامتهم فى تلك المناطق الخاضعة لسلطة الاحتلال. وأضاف: «نحن كفلسطينيين نرفض الأفلام التى صنعها صندوق الدعم الإسرائيلى حتى وإن بدت أنها تنتقد الاحتلال نفسه، لأن هذا النقد يريده الاحتلال ليظهر أمام العالم أنه ديمقراطى، ولذلك أقول إن الفلسطينيين، أينما كانوا وبغض النظر عن ظروفهم، فإن الافلام التى يصنعونها هى فلسطينية إلا إذا تم صنعها بتمويل من صندوق الدعم الإسرائيلى حتى لو كان فى ظاهرها نقد الاحتلال أو تجميله». • فى هذا السياق ما الأفلام التى هاجمتمونها لأنها صنعت بدعم إسرائيلى؟ لا أستطيع ذكر ذلك لأن من هؤلاء الناس من حصلوا على دعم منذ نحو 15 عاما، والآن أصبحوا يصنعون أفلاما بمجهودهم وبدون هذا الدعم من صندوق إسرائيل، وفى مصر مع الأسف السينمائيون المصريون كثيرا ما يخلطون الأوراق مع بعضها. • معنى كلامك هذا أن السينمائيين المصريين مخطئون حينما يرفضون أفلام عرب 48 بصفتهم حاملين لجوازات السفر الإسرائيلية؟ هم مخطئون فى جزء من نظرتهم، فعلى السينمائيين المصريين أن ينتبهوا لشيئين مهمين جدا، لا يمكن فصلهما عن بعضهما فيما يتعلق بعرب 48، وهو الطرح أى المضمون فى الفيلم، والتمويل، فليس معنى أن فلسطينيا مقيما فى حيفا أو غيرها من الأماكن التى تقبع تحت سيطرة الاحتلال، ويحمل جواز السفر الإسرائيلى أن نشجبه ونرفض أفلامه والنظر لهذه الزاوية الضيقة فقط، مع أنه قد يكون قد صنع فيلمه بمجهوده الشخصى وبتمويله الخاص، أما لو حصل على دعم صندوق إسرائيل فيجب رفضه فورا لأن الاحتلال له أجنداته التى نرفضها كلها. • بعيدا عن هذه الإشكالية.. لماذا أغلب أفلامك تتعرض لمشكلات اللاجئين بالتحديد؟ السبب الحقيقى والرئيسى فى أن أغلب أفلامى الوثائقية التى تدور عن القضية الفلسطينية، ويتم عرضها من خلال المخيمات، هو أن هذه النوعية أو العرض تعتبر دلالة حقيقية على أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الحقيقيون. وأضاف: «أغلب أفلامى تتحدث عن المخيمات وحياة اللاجئين، كما أن كثير من أفلامى التى تناولت القضية الفلسطينية كانت بشكل وثائقى، ولى العديد من الأفلام الروائية التى عرضت بالعديد من المهرجانات مثل «فلسطين ستيريو» و«عيد ميلاد ليلى»، وهى أفلام فلسطينية تعاملت مع الحالة العامة بعيدا عن مخيمات اللاجئين، فضلاً عن أن لى فيلما أخيرا وثائقيا اسمه «رسائل من اليرموك» عن مخيمات اللاجئين فى هذه المنطقة، وهذا الموضوع لا يمت للقضية الفلسطينية بصلة ولكنه عن اللاجئين السوريين فى مخيم اليرموك، فالسينمائى يجب ألا ينحاز لقضاياه فقط، ولكن عليه أن يخضع لإنسانيته فى كثير من الأحوال، فأنا لست بطلاً يحمل سلاحا فمثلاً الفيلم الذى عرض لى فى مهرجان سينما الأطفال عن عمالة الأطفال، هو يتناول حياة الأطفال العاملين فى العراق». • كنت من أوائل المخرجين الذين صوروا من داخل فلسطين نفسها لعرض القضية الفلسطينية.. فما الصعوبات التى واجهتك من أجل إخراج هذه الأفلام؟ الحالة الفلسطينية بصفة عامة مرت بمراحل كثيرة، فمثلاً كانت هناك مرحلة توجد بها خطورة على حياة الفرد، فالكاميرا كانت عنصر خطير للغاية على حاملها ،وقد تعرض كثيرون من حاملى الكاميرا للقتل لأنها كانت شبه شاهد على الممارسات الوحشية للاحتلال، وفى مرحلة أخرى فشل الاسرائيليون فى السيطرة على الإعلام، وكنا نستطيع عمل أفلام وثائقية ونسربها لخارج فلسطين، وبالطبع كان هذا خطيرا للغاية ليست على حياة صانع الفيلم فقط، ولكن على كل عائلته أيضا، والإعلام كان عنصرا مهما للغاية فى توصيل صوتنا. هذا فضلاً عن معاناتنا فى التصوير ببعض الأماكن، والتى تخضع لسيطرة الاحتلال، والذى يرفض رفضا قاطعا الدخول بالكاميرا فيها، ولكننا طورنا العديد من الأساليب كى نستطيع التصوير فى هذه الأماكن، التى تمثل هويتنا وتاريخنا مثل حيفا والقدس وغيرها، فنحن نعلم جغرافيا فلسطين أكثر من الاحتلال لأنها بلدنا ومهما حاولوا فلن يتغلبوا علينا. • كيف تحصل على تمويل أفلامك خصوصا أنك بعيد عن نمط السينما التجارية التى يحبها أى منتج؟ لا أقترب تجاه الأفلام التجارية التى تستهوى المنتجين، ورصيدنا السينمائى سياسى يتحدث عن حالات إنسانية محددة، وكى أكون صريحا معك، فأنا بالنسبة لى يعتبر كل فيلم حالة منفصلة خاصة بذاته فقط وكل فيلم صنعته تم إنتاجه بشكل مختلف تماما عن سابقه، فمثلاً فيلمى الروائى الأخير كان إنتاجا مشتركا بين تونس والإمارات والنرويج، ولكن دائما المنتج الرئيسى ما يكون فلسطينيا أو تونسيا، وقد عملت كثيرا مع التونسيين لإنتاج أفلام، ودائما ما أبحث عن مساهمات أو منتجين مشاركين، ولذلك أستطيع القول إن «كل فيلم بظروفه».