دينا توفيق صباح الورد عليكم كلكم .. واحد وواحدة من أصحابى .. ولأنى «فيسبوكية» قديمة جدا عوضا عن حبى الذى صار مهنتى من زمان وهى الكتابة الساحرة الطيبة الماكرة معا بمنتهى الدهاء .. فقد أصابتنى حالة من الدهشة حين رأيت الإقبال على اللايكات يتناقص على صفحتى .. فبعد أن كنت فى غضون الثورة وما قبلها وما بعدها كلما كتبت سطرا أجد اللايكات تنهال من كل حدب وصوب. صارت اللايكات أقل مع أصدقاء معروفين صاروا مقربين وتعليقاتهم جميلة ودلالاتها حميمة وراقية .. ولا أخفى عليكم فقد أزعجنى الأمر فى البداية وظننت الفيس بوك لعب لعبته وفيه حاجة غلط ووضعت ستاتوس بهذا المعنى، وما فتأ الطيبون يواسوننى بأن ده حال الفيس بوك "غدار" وأنه على ألا أحزن، فبكرة لايكاتى تكتر وقالولى مايهمكيش واللى بينجح فى الصحافة مايهمهوش الفيس بوك .. وتطييبات أخرى وجدتها لذيذة ... وكنت أجد أصدقاء كثيرين كل يوم والتانى يقابلونى فى الشارع ويصافحوننى، كما كان يحدث فى ماضى الثورة العتيق وسط دهشتى من قلة اللايكات! ولكن وإذ فجأة (وبتتقال كدة بالمؤثرات الصوتية إذ فجأتن) كانت جرأة أحدهم التى تشبه الطفل الذى صرخ مصرحا فى موكب الملك.. إن الملك عريان!! فقال لى: بصراحة يا أستاذة اهتماماتك بقت غريبة أوى .. بقيتى بتصبحى على الناس صباح الورد وصباح الفل.. وعايزاهم ينبسطوا وكأنهم ناقصين! .. فتحت بقى "مزبهلة" طبعا! وواصل الصديق الكريم وصلة عباراته الصادمة بكل أريحية جعلتنى أضحك من قلبى.. وقال: وبتقعدى تكتبى حاجات غريبة أوى عن الأمل وسط القرف اللى إحنا فيه.. بصراحة أقول لكم الحق .. فطست من الضحك وقلت "والله لك حق" .. وظل يكتب آراءه اللوذعية .. كنت زمان كده ثورية وبتكتبى حاجات جامدة (ومعرفش كلمة جامدة دى لها بتعبر من وجهة نظره عن الحماس ولا الأفكار، بس أعتقد أن المجريات والأحداث السياسية فى ذلك التوقيت وحماسى كانت لها تأثير فى صدق ما كنت أكتبه بمنتهى التلقائية، بعكس ما شعرت به بصدق من إحباطات سياسية واجتماعية كبيرة فى وقت لاحق) .. المهم نرجع لمرجوعنا ولصديقنا الصريح.. الذى قال لى أيضا وهو ثائر: وبعدين إيه البهجة دى اللى إنت طالعة فيها دى، وإيه فى أمل وعمر اللى إنت شغالة عليه ده وناقص تجيبلنا عادل وسعاد عشان الخيبة تكتمل (!) وكمان تحطى كل شوية إشى كسارة البندق وإشى بحيرة البجع وأوبرا بيسرسعوا فيها وأغانى فيروز وماجدة الرومى وداليدا وتقوليلنا فن راقى قال .. فن إيه وبتاع إيه بس؟ ومطنشة يوتيوبات العكش الجامد وفستان هيفا اللى قالب الدنيا ومقاطع التوك شو ونجومه من أحمد موسى لعمرو أديب .. ده اسمه كلام برضه .. وإيه الناس العجيبة اللى بتكتبى كلامهم دول .. إيشى ابن الرومى وابن عربى والحلاج .. وبتقولى عنهم عارفين ومولانا والشيخ الأكبر .. إيه العك ده والتفاهات اللى بقيتى مهتمة بيها دى. يا أستاذة السياسة هى الأهم والإخوان والسلفيون والسيسى والجيش هى دى الحاجات الجامدة المشطشطة اللى الناس عايزين يقروها.. اصحى كدة للألوان الصفرا والأربع صوابع ومظاهرات الإخوان والقتل والتفجيرات وكدة. قلت فى سرى، والله فعلا بس لو تعرف أن الاكتئاب الضاحك والإحباط الباسم جعلانى أنتهج لنفسى منحنى آخر مختلفا يطبب الشروخ والتعاريج التى حفرتها داخلى الثورة المنهوبة أخاديد وأنفاقا .. أردت أن أذيل تلك الأنفاق الأفقية وأصنع لنفسى ولمن يؤمنون بى سلالم رأسية للسماء تقينا تفجيرات الأرض .. وبعدما انتهيت من قراءة الرسالة التى أخالها أهم رسالة وصلتنى على الإنبوكس منذ زمن طويل .. شرعت أكتب ..أننى والكلام لى أنا العبدة الفقيرة إلى الله .. أننى صرت أتحايل على بهجاتى الصغيرة لعلها تقينى شرور إحباطاتى الكبيرة .. وأجعل لنفسى نظامى الخاص القوى لأبتعد عن أجواء النظام العام الكبير الهش .. أبتعد لألملم مشاعرى وأعصابى ومعى من هم مثلى بدلا من أن أنساق وراء القطيع المدجن الذى لا يشبهنى .. وهشاشة العام أقابلها بقوتى الخاصة. فآت بمولاى الرومى ليفتح لى بابا من الأمل فى الحب .. وأستعين بمنطق طير فريد الدين العطار النيسابورى ليقوم لا منطقا مختلا يحتل إعلاما فجا .. وأتنزه فى جنة ورد السعدى الشيرازى بدلا من نزول مقاهى وسط البلد وبستانها الذى صرت أسمع عليه ما لا يسرنى .. وإننى صرت آت بدين الحلاج كما كتبه صلاح عبد الصبور فى مأساته ليهون علىّ مأساة الإسلام المروعة فى داعش والتى بدأت بالإخوان فى كل مكان .. وأننى لأستعين بمبادئ الحق والخير والجمال كأهم القيم الأخلاقية وأركان مباحث الفلسفة على مذاهبها المختلفة منذ القدم وعلم الأخلاق الذى يتسم بالموضوعية والنزاهة ولنعرف ذواتنا المطمورة وننسق أولوياتنا غير المدونة فى الكتب، وليزدهر صفاء النفس كما أرسى مبادئه فى السعادة الأخلاقية من الحاضين على الأخلاق من أنبياء ورسالات موسى والمسيح ومحمد، وصولا إلى بوذا وأرسطو وكانط وابن رشد .. وحتى إن تساءلت وتحيرت كثيرا هل الحاسة الأخلاقية مكتسبة أم فطرية ؟ فأنا من زمرة المتفائلين مثل سقراط وجان جاك روسو .. فأنا الباحثة عن سعادتى فى مكارم الأخلاق .. لذا ابتعدت مؤقتا عن سياسة الهشاشة وفضلت البشاشة. لكنى سأبقيها مقتضبة حتى إشعار آخر ولا عزاء لصديقى وللايكات وللفيس بوك كله).