أحمد إسماعيل يبدوا أن كل الظروف تتحدى المواطن المصرى - خصوصا محدودى الدخل وتحول دون حصوله على حقوقه الأساسية - فإلى جانب أنه يعانى الأمرين فى الحصول على وحدة سكنية تتناسب مع قدراته المالية .. وغالبا ما يفشل فى الحصول عليها.. أصبح يواجه المستحيل للحصول على المقبرة .. أى أنه أصبح بلا بيت فى الدنيا والآخرة. والغريب .. أنه عندما فكرت الحكومة - ممثلة فى وزارة الإسكان فى إيجاد حل لهذه المشكلة .. ومساعدة المواطنين فى أن يجدوا مكانا يدفنون فيه بعد مماتهم.. كان الحل أكبر من قدرات وإمكانيات القاعدة العريضة من المواطنين وهم محدودو الدخل.. حيث كانت أخر افتكاسات وزارة الإسكان - والتى أطلق عليها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء عندما كان وزيرا للإسكان "وزارة الغلابة " - طرح 8 آلاف مقبرة جاهزة فى مدينتى 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة بنظام حق الانتفاع، كمرحلة أولى، بمساحة 40 مترا مربعا للمقبرة، وبيع كراسة الشروط والمواصفات من خلال جهازى 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة نظير سداد 200 جنيه اعتبارا من 16 نوفمبر المقبل.. وتبلغ قيمة المقبرة 68 ألف جنيه، بخلاف 5 آلاف جنيه وديعة، ويتم سداد مبلغ 30 ألف جنيه، كدفعة حجز مع استمارة الحجز وبعدها يتم سداد 38 ألف جنيه باقى قيمة المقبرة عند التسلم و5 آلاف جنيه قيمة وديعة للصرف من عائدها على أعمال الصيانة والحراسة . إذن وصل سعر المقبرة إلى 73 ألف جنيه وهو ما يفوق إمكانيات أغلب المواطنين، وأكبر دليل على ذلك أنه عندما طرحت محافظة الجيزة على سبيل المثال 10 آلاف مدفن بمساحة 21 م بمبلغ 27 ألف جنيه تسدد على 3 أقساط متساوية كل قسط 9 آلاف جنيه لم يتقدم للحجز إلا نحو 5 آلاف مواطن .. الأمر الذى يؤكد أنه حتى هذا المدفن البسيط بعض الشىء أكبر من قدرات الكثير من المواطنين. ومن هنا قررت «الأهرام العربى» التوجه لعدد من المواطنين الباحثين عن مقابر وسؤالهم عن رأيهم فيما تم طرحه من جانب وزارة الإسكان - وبداية تحدث إلينا المهندس وليد جبر قائلا: منذ فترة طويلة وأنا أبحث عن مقبرة لأسرتى، واجهت صعوبات شديدة بسبب ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، لدرجة أننى فكرت فى اللجوء لمقابر الصدقة فى حالة وفاة أحد أفراد الأسرة، لكننى وجدت بعضا من أصحاب المقابر والمدافن والأحواش يعرضون نظام التقسيط على راغبى الشراء، وهو ما وجدته مناسبا لى برغم زيادة السعر الإجمالى لكنه أفضل من دفع المبلغ دفعة واحدة. أيضا تحدث محمد عارف - مندوب مبيعات - قائلا: كنت أنتوى شراء مدفن أخصصه لأسرتى الصغيرة، خصوصا أن مقابر العائلة فى محافظة نائية، مثلى فى ذلك مثل الكثيرين من الشباب الوافدين إلى القاهرة، ولكن بمجرد أن عرفت السعر، تراجعت عن الفكرة فورا وقلت فى عقلى " لما نبقى نشترى الشقة اللى هانعيش فيها الأول نبقس نشترى التربة اللى هانموت فيها". والتقينا عم محمد الكيلانى - حارس عقار - الذى بادرنا قائلا: إنه تقدم بطلب لمحافظة الجيزة لشراء أرض المدفن فى منتصف العام الماضى، وقد تقدم بطلبه هذا بكامل أسرته التى تضم 4 أفراد بخلاف زوجته .. خصوصا أن أسرتنا الكبيرة فى أسوان وكانت لدينا مقابر مشتركة بين أكثر من عائلة، ونظرا لوفاة الوالدين وطول المسافة ووجود أبنائى فى القاهرة، قررت أن أشترى مدفناً فى6 أكتوبر، وعندما ذهبت للسؤال قالوا لى إن دورى لم يحن بعد، بالرغم من أننى تقدمت بالطلب منذ عام تقريبا. واستطرد: والله ما أنا عارف لو مت دلوقت هندفن فين .. ولادى ميعرفوش حد فى أسوان لانقطاعى عنهم من يوم دفن والدى منذ 19 سنة، ولا أعلم موقفهم فى حالة اللجوء إليهم، خصوصا أننى لم أشترك معهم سواء بالمال أم المجهود فى تجديد المدافن منذ وفاة الوالد؟! أيضا تحدثنا مع أحد مكاتب مقاولات المدافن فى مدينة السادس من أكتوبر، فى محاولة لشراء مدفن، وتحدث الحاج فرحات محمود صاحب المكتب، وهو تربى ومقاول، الذى قال لنا: أسعار المدافن تختلف حسب مساحة المدفن ونوع التشطيب الداخلى، والموقع أيضا، مشيرا إلى أن المدفن الداخلى مساحة 40 مترا يباع مقابل 80 ألف جنيه، فى حين يصل سعر المدفن إلى 95 ألف جنيه لمساحة 60 مترا. وتابع: وتزيد الأسعار للضعفين إذا كانت المدافن تقع على الشارع الرئيسي، ويتجاوز سعر التشطيب مائة ألف جنيه، إذا كانت مساحة المدفن تتعدى 60 مترا، وقد تصل لأكثر من 200 ألف جنيه، إذا كانت الواجهات مصممة معماريا، والاستراحة مزودة بسقف، والأرضيات مغطاة بالسيراميك، وكذلك وفقا إلى عدد العيون التى يتم فيها الدفن''. مضيفا أن بعض المدافن تصل أسعارها إلى 500 ألف جنيه إذا كان المدفن بجوار مدافن الإعلاميين والفنانين، مشيرا إلى استخدام نظام إلكترونى للحراسة واستيراد أنواع معينة من الرخام والجرانيت والنباتات لاستخدامها فى هذه المقابر. وشرح أنه بالإمكان التوجه لمشاهدة أكثر من مدفن بمساحات مختلفة وتشطيبات متعددة، من أجل الاختيار، على أن يتم التسليم عقب البيع مباشرة، ويتم التعاقد مع ‘'تربي'' المنطقة و يحصل على أجر شهرى يبلغ فى المتوسط 300 جنيه مقابل الاهتمام بالمدفن وحراسته ورش الزرع. .. والحكومة ترد! ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، كما يقول المثل، لذا ألقينا ما فى جعبتنا أمام المهندس مجدى فرحات، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية للشئون العقارية والتجارية، فقال: يجب أن نعرف أولا أن السعر التجارى للمقبرة التى مساحتها 40م، يبلغ ثلاثة أضعاف ما طرحته الهيئة، فقد كانت الهيئة حريصة على مراعاة ذوى الدخل المحدود، حيث تبلغ قيمة المقبرة وفق كراسة الشروط 68 ألف جنيه بخلاف 5 آلاف جنيه، وديعة للصرف من عائدها على أعمال الصيانة والحراسة، كما يجب أن يكون المتقدم مواطنا مصرى الجنسية، وأيضا يجب ألا يكون شركة أو مؤسسة وألا يكون قد سبق تخصيص مقبرة له أو لأحد أفراد أسرته. مضيفا: إذا جاء عدد ممن تنطبق عليهم الشروط أكبر من عدد المقابر المتاحة سوف نلجأ للقرعة العلنية اليدوية، كذلك فقد راعينا الفقراء بتوفير عدد من مقابر الصدقة، وتم تقديم طلبات الحجز دون دفع أية رسوم منذ عام 2008، وبلغ عددها 28000 طلب، لكن من كان ينطبق عليه الشروط كان 2023 طلبا فقط.