حوار: هاني بدر الدين فى الحلقة الأخيرة من حوار «الأهرام العربى» مع اللواء شريف إسماعيل، وكيل جهاز المخابرات العامة السابق، ومستشار الأمن القومى السابق فى شمال سيناء، يكشف أسرار تهريب السلاح إلى مصر، وعلى وجه الخصوص إلى سيناء ومنها إلى غزة، كما يوضح أيضا تفاصيل بدء عملية تهريب السلاح من ليبيا بعد ترنح وسقوط نظام معمر القذافى. ما أسباب انتشار السلاح فى سيناء ومافيا تجارة السلاح؟ سيناء تبتعد عن المحافظات المصرية ولا تربطها وسائل اتصال أو شبكة طرق سهلة أو مريحة، هذا فضلا عن البعد الجغرافى، فهناك عامل التضاريس ومساحة سيناء والتى تمثل سدس مساحة مصر، فضلا عن كونها منطقة صحراوية مترامية الأطراف تتسم بالطبيعة الجبلية الوعرة والتى تحكم المكان، كذلك فهناك عامل اجتماعى يرتبط بثقافة البدو الاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم والتى لا يمكن فهمها أو التعامل معها بدون التواصل ودراسة علم الاجتماع البدوى.. كل هذه الظروف جعلت سيناء مكانا مناسبا وخصبا لاجتذاب العناصر المتطرفة دينيا، والعناصر الإجرامية والعناصر التكفيرية والتى قررت اعتزال المجتمع، وهو الأمر الذى دفع جماعة "الشوقيين"، ومن بعدهم جماعة "التكفير والهجرة"، وجماعة "التوحيد والجهاد"، لاختيار شمال سيناء كموقع لتمركزهم، لاسيما أن هذا المكان بالإضافة إلى مميزاته التضاريسية وبسبب بعده المكانى عن الحضر، كان قريبا من الحدود الإسرائيلية والحدود مع غزة، حيث ارتبطت العناصر التكفيرية بجماعات فلسطينية إسلامية مرتبطة بإيران كجماعة الجهاد الإسلامى الفلسطينى وجماعة جيش الإسلام وجلجلات وأنصار الإسلام، فضلا عن حماس.. والذين كانوا يتلقون دعمهم اللوجستى والمالى من إيران، وبالتالى نجحت الجماعات التكفيرية والفلسطينية فى ربط مصالح لهم ومنافع مع البدو، كانت بشكل رئيسى تدخل فى عمليات تهريب السلاح والتجارة فيه بعد أن تحولت سيناء إلى الممر الرئيسى لتهريب ودخول السلاح لغزة، بالإضافة إلى توظيف البدو جزءا من السلاح ليكون ضمانة لهم فى مواجهة الدولة والأمن، لاسيما وهناك عصابات بدوية كانت تعمل فى نشاط تهريب المخدرات وزراعتها، فضلا عن نجاح تلك العصابات فى توظيف سيناء كممر لتهريب الأجانب إلى إسرائيل والتجارة فى الأعضاء البشرية للأفارقة، فبسبب كل هذه العوامل تحولت سيناء إلى وكر للإرهابيين وسوق دولى لتجارة السلاح، ومقر للجماعات المتطرفة وموقع مناسب لإنشاء ورش لتجميع الأسلحة أو تصنيع الأسلحة المحلية والتدريب عليها سواء كان من العناصر الإرهابية، أم العناصر الفلسطينية. كيف كانت تتم عمليات تهريب السلاح ليصل إلى سيناء؟ كانت هناك كميات كبيرة من الأسلحة تدخل سيناء ترسلها إيران عبر السودان، فقد كان الطيران الإيرانى ينقل الأسلحة إلى مطار الخرطوم، حيث يتم تخزين السلاح وتهريبه لاحقا بالطريق البرى عبر الحدود إلى منطقة حلايب، ومنها عبر عصابات قبلية يتم نقل السلاح إلى الصعيد ومنه إلى السويس عبر جبل عتاقة، حيث يتم تخزينه بمنطقة رأس سدر والقنطرة غرب، وإلى أن يتم نقله لشمال سيناء.. أما بحريا فبعد عبور قناة السويس أو عن طريق استخدام وسائل إخفاء وسيارات تنقل السلح عبر نفق الشهيد أحمد حمدى، أو كوبرى السلام، حيث تتلقاه العناصر المتطرفة والإجرامية، إما للعمل على تهريبه إلى غزة أو بهدف بيعه للقبائل داخل سيناء، بعد أن انتشر سباق التسليح بين القبائل لحفظ ميزان القوة فيما بينها، مما خلق سوقا تجاريا لمافيا تجارة السلاح بمختلف أنواعه سواء كان سلاحا فرديا للأفراد أم مضادات وأسلحة ثقيلة تستخدمها القبائل ضد بعضها أو ضد الدولة.. كيف بدأت عملية تهريب السلاح من ليبيا إلى مصر؟ كان من اللافت للنظر أن الأزمة الليبية أسهمت بشكل كبير فى عمليات تجارة الأسلحة داخل سيناء، والتى لاقت رواجا كبيرا بعد تمكن عصابات من بدو مطروح من التمكن من تهريب صواريخ محمولة ورشاشات مضادة للطائرات والرشاشات المتعددة والتى عرفت بال 250 و500 ، وهى رشاشات لها قدرة نيران عالية تستخدم عسكريا. وكيف كانت تتم عمليات تهريب الأسلحة الإسرائيلية والأمريكية؟ كان هناك سوق آخر لمافيا تجارة الأسلحة عبر تجار إسرائيليين كانوا مسئولين عن تجارة وتهريب السلاح الإسرائيلى العوزى والإيجل.. بالإضافة إلى الأسلحة الأمريكية العسكرية من الرشاشات طرارز m15 وm16 والتى كانت متوافرة أيضاً بشكل كبير داخل غزة، وكان يتم تهريبها من غزة إلى سيناء، وتنافس تجارة السلاح المهرب من إيران والذى كان معظمه صناعة إيرانية، سواء كانت رشاشات أم بنادق آلية، أم سلاحا صينىا لاسيما المسدسات الآلية، حيث وصَلِّ سعر البندقية الآلية الإيرانية نحو سبعة آلاف جنيه مصرى، بينما وصل سعر المسدس الصينى إلى ألف جنيه، وسعر البندقية الأمريكية من 10 إلى 12 ألف جنيه، ومن هنا نشأ فى سيناء سوق عالمى لتهريب وتجارة السلاح وصَلِّ الأمر أن التجار التقليديين من مختلف المحافظات خصوصا محافظات الصعيد كانوا يحضرون إلى سيناء لشراء السلاح الثقيل والمتطور.. كل هذه الظروف أسهمت بشكل مباشر فى زيادة حالة الانفلات الأمنى والجريمة المنظمة والمرتبطة بعصابات دولية داخل سيناء. لماذا حدث هذا التطور؟ وما مسئولية الدولة عن ذلك؟ من المؤكد أن هناك أخطاء وممارسات للدولة كانت السبب التى أوصلت الحال بسيناء لهذه النتيجة، وإلى كل هذه التداعيات الإجرامية والتى حولت سيناء إلى وكر يأوى العناصر الإجرامية والمتطرفة، بل وعناصر أجنبية وعربية إرهابية اختارت من صحراء سيناء ملاذا ومأوى لها.. وفى الحقيقة كان هناك غياب دور للدولة بمفهومها الحديث عن قبائل سيناء، سواء الدور الدعوى الدينى من قبل مؤسسة الأزهر الشريف، والذى كان لغيابه داخل قرى الوسط والقرى الحدودية والأماكن النائية الأثر الكبير فى تنامى الفكر التكفيرى بين أبناء القبائل، وهو الأمر الذى مكن العناصر الإجرامية والإرهابية من إيجاد الحجج والبراهين على صحة وسلامة موقفهم، هذا بالإضافة إلى إهمال الدولة عامل التنمية البشرية، حتى فى أبسط الأمور، وهى تأهيل الشيوخ والعواقل والعمد، وهم القيادات الطبيعية للبدو ولهم موقع أدبى وقانونى بين أبناء القبائل، هذا بالإضافة إلى مسئولية الدولة عن رعاية شباب القبائل وتثقيفهم وربطهم بتاريخهم وحضارتهم وإشعارهم بمصريتهم، وتكليف المراكز والجامعات بعمل الأبحاث الميدانية للوقوف على اهتمامات البدو وأولويات مطالبهم واحتياجاتهم وأهم المشاكل التى تواجه الحياة البدوية وشباب البدو. وكيف يمكن علاج مشكلة تجاهل الدولة لسيناء؟ هناك أمور مهمة مثل قيام الدولة بتوفير الخدمات الطبية للمناطق المتطرفة والنائية وبالقرى والمدن وربط المدن والقرى بشبكة طرق مناسبة، فضلا عن توفير وسائل للمواصلات حكومية تربط المدن الرئيسة، بجانب توفير المدارس بمختلف أنواعها وتخصصاتها وبشكل مناسب يخدم المناطق، حتى لو كان فى شكل مجمعات تعليمية متكاملة بما فى ذلك تطبيق نظام الداخلى على من يرغب، وعمل حوافز تشجيعية لأبناء البدو الملتحقين فى الجامعات سواء الحكومية أو الخاصة تشمل المصروفات والمجموع ونسبة فى الالتحاق، بما فى ذلك الكليات العسكرية لمن تتوافر فيهم الشروط. وبالنسبة للتنمية الاقتصادية، فيجب على الحكومة الانتباه إلى شئ مهم وهو أن سيناء قد حباها الله بخيرات بيئية يمكن البناء فيها وتطورها كمركز للزيتون والذى يعتبر الأجود عالميا وفق التصنيف العالمي، هذا بجانب زراعة النخيل، وزراعة النباتات الطبية، وصناعة الأسماك فى ظل وجود بحيرة البردويل التى تعد مصدرا مهما وبه أنواع مختلفة للأسماك، حيث كانت إسرائيل تتولى تصدير أسماك البردويل يوميا إلى أسواق أوروبا، وهو الأمر الذى يجعلنا نهتم أيضاً بالثروات الطبيعية كالرمال البيضاء والرخام والفحم والمنجنيز، بجانب الشاطئ الأهم على مستوى العالم وهو شاطئ الرياق بمدينة بئر العبد، فضلا أهمية توظيف رحلة العائلة المقدسة بسيناء كل هذه يجب أن ننظر إليها وبشكل جاد، إذا أرادت الحكومة القضاء على التطرف والارهاب والجريمة المنظمة فى سيناء، فعليها البناء فى البشر قبل الحجر وتوظيف خيرات الطبيعة فى سيناء لصالح صناعات تكاملية وتوظيف العلم والخبرات لخدمة هذا المجال.