سهير عبد الحميد هو الجندى المجهول فى حركة ضباط يوليو 1952، هو رب السيف والقلم كما يحلو للكثيرين تسميته، تشبيها له بمحمود سامى البارودى، فارس من العصور الوسطى كما وصفه محمد حسنين هيكل فى مجلة آخر ساعة فى 27 من أغسطس 1952، هو أعصاب تحترق من أجل مصر، كما قال عنه ذات مرة خالد محيى الدين، وهو الضلع الثالث فى مثلث ضحايا الثورة التى أكلت أبناءها: كان الأول محمد نجيب والثانى خالد محيى الدين والثالث يوسف صديق الذي سقط من حسابات التكريم ونيل قلادة النيل مرتين، الأولى، عندما منحها جمال عبد الناصر لأعضاء مجلسه والثانية عندما منحها الرئيس عدلى منصور لنجيب وخالد محيى الدين. سقط يوسف صديق من القيد فى سجلات التاريخ التى أنكرت اسمه ورسمه ودوره فى إنجاح حركة الضباط كما أسقطه زملاؤه فى التنظيم، فذكروا أن عبد الحكيم عامر هو الذى اقتحم مبنى قيادة الجيش، وهو ما أنكرته روايات العديد من الضباط الأحرار أنفسهم، اعتقلوه وحددوا إقامته واتهمه أحمد طعيمة، أحد الضباط الأحرار الذي تولى تنظيمات العمال فى هيئة التحرير بعد الثورة، بأنه من حرض عمال النقل على الخروج فى مظاهرات تؤيد عودة الجيش للثكنات برغم أن يوسف صديق وقتها كان قيد الإقامة الجبرية. انضم يوسف صديق إلى التنظيم منذ عام 1951 بعد أن أخبره جمال عبد الناصر أن القائد هو محمد نجيب .وبدأت اجتماعات الضباط الأحرار فى منزل يوسف صديق فى العريش وكانت زوجته السيدة علية توفيق تساعد الحركة فى توزيع المنشورات، وقد أكدت أن منزلهما كان مليئا بالسلاح قبل الثورة بليلتين، كان الدور المرسوم ليوسف صديق أن يدعم قوات الضباط الأحرا ر التى ستقوم باقتحام مقر قيادة الجيش وكان يوسف يعانى فى تلك الليلة نزيفا حادا فى الرئة اليسرى، ولما زاره جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر يوم 20 من يوليو قررا إعفاءه من دوره ليلة الثورة إلا أن يوسف صديق رفض، وقبيل ساعة الصفر حشد يوسف صديق قواته وأنبأهم بحقيقة ما هم مقدمون عليه، وبدأ التحرك إلا أنه فوجئ عند باب المعسكر بقائد الكتيبة فاضطر إلى القبض عليه وكذلك القبض على قائد ثاتى الفرقة، وهنا أدرك صديق أن عليه التحرك إلى مقر القيادة العامة واحتلالها وفى الطريق التقى ناصر وعامر اللذين أخبراه أن الملك كشف أمر الحركة وأن الفريق حسين فريد رئيس الأركان مجتمع بكبار القادة بالقيادة العامة، فاتجه يوسف على الفور إلى مقر القيادة واشتبكت قواته مع قوات حرس القيادة ..واستطاع أن يسيطر على مقر قيادة الجيش واعتقال كل القادة فنجحت الثورة. لكن رفض يوسف صديق لقانون تنظيم الأحزاب السياسية، الذي وضعه المستشار سليمان حافظ أدى إلى بدء الانقلاب عليه، خصوصا أنه وباستثناء محمد نجيب كان أقدم من يحمل رتبة البكباشي فى مجلس قيادة الثورة وأكبرهم سنا، وكان يصعب على الآخرين فى وجوده تنفيذ ما يريدون أو أن يتولى عبد الحكيم عامر قيادة الجيش، وهنا قرر يوسف صديق الاستقالة بعد أن أرجأ الرئيس نجيب الرد عليه فى الاقتراح الذي قدمه بدعوة البرلمان المنحل أو الدعوة إلى وزارة ائتلافية تمثل كل التيارات السياسية قائلا : «لا أقبل أن أهدمك على أيديهم لما بينى وبينك من حب صادق ولا أقبل أن أهدم مصر على يديك لما بينى وبينها من عهد قديم ». لكن عدم الحسم من جانب الرئيس نجيب فى وقت لا يحتمل إلا الحسم أضاع على مصر فرصة ذهبية من الحياة البرلمانية، وأضاع كلا الرجلين: محمد نجيب الذي قضى حياته فى المرج، ويوسف صديق الذي اعتقلوه ودبروا لزوجته تهمة التدبير لاغتيال عدد من الضباط وتوزيع منشورات للحزب الشيوعى المصري، برغم أن السيدة علية كانت عضوا فى حركة حدتو، وبعد الإفراج عنها تحددت إقامتها وزوجها، وبعد ذلك رفض طلب يوسف صديق عندما تقدم لانتخابات مجلس الأمة 1957 لأن اسمه مدرج ضمن المعزولين سياسيا، وعندما نشر ديوانه الشعرى تمت مصادرته واعتقال صاحب الدار إبراهيم عبد الحليم. عاش يوسف صديق الباقى من حياته متألما وهو يشاهد احتفالات الثورة دون أن يدعوه أحد للمشاركة فيها، وفى مرضه الأخير ظل محمد نجيب ملازما له حتى توفى يوسف صديق فى مارس 1975، وظل بعدها نجيب يردد طوال الوقت « آه يا يوسف لقد كنت سندى ده مش مجلس ثورة ده مجلس عورة». وظل يوسف صديق ساقط قيد من كشوفات الضباط الأحرار، وفى مجلس قيادة الثورة لم يتم وضع تمثال للرجل إلا بعد أن رفعت أسرته دعوى قضائية ضد وزيرى الداخلية والثقافة حتى تم نحت تمثال له ووضع اسمه فى قائمة الضباط الأحرار . عندما التقيت زوجته الراحلة علية توفيق قالت لى بالحرف الواحد: عبد الناصر أزاح عن صدره عبئا ثقيلا عندما تحدث عن يوسف صديق ودوره فى الثورة فى عيدها العاشر، فقد كان يريد أن يجد لنفسه مخرجا أمام التاريخ، والتاريخ ينتظر منا أن نضيف إلى سطوره اسم يوسف صديق الضابط الشجاع فى حرب فلسطين الهمام فى صفوف الضباط الأحرار بما يليق به.