خرجت علينا حماس في ديسمبر 1987، حين أعلنت عن نفسها في ذلك الوقت كفصيل إسلامي تابع لتنظيم الإخوان المسلمين.. وكان من اللافت لنظر الخبراء في هذا الملف أن بداياتها ونشأتها كانت تحت رعاية المخابرات الإسرائيلية، حيث شارك في دعم موقفهم منذ اللحظة الأولي وفي تثبيت أقدامهم داخل قطاع غزة جهاز «الشين بيت»، ولعب الدور الرئيسي في الإشراف علي ذلك الكولونيل الإسرائيلي الملقب ب «أبو صبري»، وهنا يستوقفنا الأمر لماذا نشأت هذه الحركة بهذه القوة؟ ولماذا تحت الرعاية الغربية؟ وما أهداف إنشاء هذا الكيان الجديد؟ الإجابة واضحة ولا تحتاج إلي تفكير، فالحركة تابعة لتنظيم الإخوان وهو مؤشر أن الفكرة والمنشأ كانا للمخابرات البريطانية والترتيب والإشراف ل CIAومنسق الأداء والتخطيط علي الأرض كان لإسرائيل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : لماذا كل هذا الجهد؟ \ والجواب يتلخص في نقاط عديدة، أولاها أنه في هذا التوقيت الذي أعلنت الحركة عن نفسها، كانت أغلب أوراق اللعبة السياسية الفلسطينية في يد مصر، في الوقت الذي كانت هناك دول عربية تبحث عن دور لها في القضية الفلسطينية، كما أن إسرائيل كانت تبحث عن كيان جديد يمكن أن ينافس دور منظمة التحرير الفلسطينية، يتم من خلاله هدم دور المنظمة، ويفرق الإجماع الفلسطيني ويضغط علي الرئيس الراحل ياسر عرفات «أبو عمار»، ويزايد علي دوره بل ويشكك فيه. كذلك فإن تنظيم الإخوان كان يبحث علي دور يعزز موقفه دوليا ومع الأجهزة الاستخبارية، لاسيما الأجهزة البريطانية والأمريكية، بالإضافة إلي تحسين وضعه عربيا من خلال تسويق دور الحركة عربيا علي حساب مصر، وشرعية عرفات، كما أنه منذ ولادة حماس والإعلان عن نفسها، لعبت دائماً دور المعارض، ولم تدخل منظمة التحرير الفلسطينية أو تعترف بقراراتها، وكانت دائماً عقبة أمام أي إجماع فلسطيني. ليس هذا فحسب.. بل إن الحركة ومنذ اللحظة الأولي، عملت عن عمد علي إفشال كل المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية منذ بدايات مفاوضات مدريد وأوسلو، وحتي بعد الإعلان عن السلطة الفلسطينية في غزة وأريحا، وما بعدها من تفصيلات وحتي تمكنت حماس من السيطرة علي غزة 2007. واللافت للنظر أن حماس لعبت دورا فاعلا في دعم موقف إسرائيل في إفشال أية مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، خصوصاً قبل أي زيارات لليمين الإسرائيلي لواشنطن، من خلال تعمدها الإعلان عن مواقف عدائية، أو تنفيذ هجوم شكلي غير مؤثر علي المستوطنات، يعزز من موقف تل أبيب أمام المجتمع الدولي في أية قرارات تصعيدية أو تعسفية تتخذها ضد الموقف الفلسطيني، وقد أسهمت الحركة بشكل غير مباشر في إعطاء حكومة إسرائيل الفرصة لعرقلة أية مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ومن جانب آخر، فإن كلاً من إسرائيل وأمريكا، لعبتا الدور الرئيسي وأسهمتا في نجاح حماس في انتخابات المجلس التشريعي 2006، بسبب تمسكهما بتوقيت عقد الانتخابات، في الوقت الذي فرضت فيه إسرائيل قيودا علي سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها ومنعتهم من التصويت أو حق المشاركة في الانتخابات، مما أضعف فرص فوز مرشحي منظمة التحرير من مختلف انتماءاتهم وحصول الحركة علي أغلبية برلمانية بواقع 76 مقعدا. على صعيد مواز، وبفضل السياسة المتعنتة التي مارستها إسرائيل ودعمتها أمريكا علي طول الخط وعلي الإطلاق، تجاه المفاوضات، وبسبب تطبيق واشنطن سياسة الكيل بمكيالين في معالجة المشاكل العالقة بين الجانبين، أسهمت كل هذه الأمور بشكل أساسي في دعم موقف حماس شعبيا، وأسهمت بشكل غير مباشر في إضعاف موقف أبو عمار، ومن بعده الرئيس محمود عباس «أبو مازن»، وأصابت الشعب الفلسطيني باليأس في الوقت الذي كانت حماس تعارض فيه المفاوضات، وتزايد علي مواقف المنظمة وأية اتفاقات مع إسرائيل. وإذا نظرنا إلى انسحاب إسرائيل من غزة بدون تنسيق مسبق مع السلطة الفلسطينية، فنجد أنه كان بهدف إشعال الصراع الفلسطيني وبداية لحرب أهلية، وهو ما خططت له إسرائيل تمهيدا لضرب الموقف الفلسطيني وشق صفه.. وبنجاح وصول حماس للسلطة وسيطرتها علي غزة أصبحت مسئولة عن أمن الدولة العبرية، بعد أن تمكنت من فرض سيطرتها علي الواقع الأمني والعسكري وتحجيم حركة الجهاد الإسلامي، والحد من نشاط فصائل المقاومة كحركة فتح ولجان المقاومة الشعبية وكتائب «أبو الريش». إقليميا نجد أن حماس منذ نشأتها باعت نفسها لكل من سورياوإيران وأخيراً قطر بهدف تحقيق أهداف وسياسات الآخرين وعلي حساب القضية الفلسطينية، فسوريا كانت تضغط من أجل توحيد المسارين السوري الفلسطينيي تحت قيادتها، أو توظف حماس من أجل تعطيل المسار الفلسطيني لصالح البدء في المسار السوري أولا «وهو ما كانت تراهن عليه إسرائيل»، أما طهران فقد كانت تسعي للحصول على أوراق سياسية تهدد أمن إسرائيل أو مشروع السلام في منطقة الشرق الأوسط، مقابل تخفيف الضغط علي الملف النووي الإيراني.. أما بالنسبة لقطر، فكانت دولة تبحث عن دور وزعامة عربية لم تكن ستحصل عليها بدون رعاية أمريكا ودعم إسرائيل، وهو أمر لن يتحقق لها بدون أن تنفذ أهداف تل أبيب وسياسة واشنطن. ومنذ اللحظة الأولي التي وصل فيها الإخوان لحكم مصر، بدأت عملية تنفيذ خطة الحلول غير التقليدية للسلام، وكانت البدايات خروج حماس من سوريا وإقصاء إيران وزيادة مساحة الدور التركي، بالتزامن مع الضغط الدولي والأمريكي علي السلطة الفلسطينية، والاعتراف الدولي بحكومة حماس غير الشرعية باعتبارها جزءاً مستقلاً، وطرفاً في الحل السلمي مع إسرائيل. ولهذا لعبت جماعة الإخوان المسلمين، بالتنسيق مع إسرائيل وأمريكا، دورا رئيسيا في شق الصف الفلسطيني، حيث قامت حكومة مرسي بضمان اتفاق هدنة طويلة الأمد وغير محدد المدة بين إسرائيل وحماس، تضمن مصر فيها وقف الأعمال العدائية من الجانبين ووقف أعمال العنف، وأعلنت مصر لتعزيز موقفها مع الجانبين الإسرائيلي وحماس، عن فتح المعابر مع غزة، وبعض القرارات الاقتصادية والتي ربطت مصر بالقطاع، وهو ما نتج عنه تداعيات خطيرة مثل إلغاء العمل باتفاقية باريس 2005 والتي وقعت بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي وأمريكا ولم تكن مصر طرفاً فيها، وذلك دون الرجوع لرأي أبو مازن الرئيس الشرعي الفلسطيني، وبإلغاء الاتفاقية أصبحت مصر مسئولة بشكل مباشر عن أمن غزة وتوفير المواد التموينية والحياتية، وهو ما رفع عبء المسئولية عن إسرائيل باعتبار أن غزة مازالت تحت الاحتلال. وكانت الخطوة الأخطر هي إعلان مصر عن افتتاح منطقتين حرتين تجارية وصناعية مع غزة، وهو في حقيقة الأمر كان بداية تنفيذ الإخوان لمخطط يسمح بنزوح الفلسطينيين من غزة إلي سيناء ويتواكب مع منح مصر الجنسية ل 50 ألف فلسطيني، مما يسهم بشكل غير مباشر في التأثير علي الهوية الفلسطينية وخدمة دولة إسرائيل. حيث كانت حماس ستلعب دوراً رئيسياً في المؤامرة الإخوانية التي كانت تهدف إلي تحويل شمال سيناء إلي إمارة إسلامية وبؤرة إرهابية تضم كل عناصر الإجرام والتطرف، لتكون منطقة خارجة عن السيطرة المصرية تمهيدا لتنفيذ مخطط تبادل الأراضي، وذلك من خلال تسليح البدو، وتدريب عناصر القاعدة، وإنشاء معسكراته، ومصانع وورش لتصنيع الأسلحة، واستغلال الأراضي المصرية كملعب خلفي وقاعدة لانطلاق العناصر المتطرفة لضرب الاستقرار، ونواة لمخطط لإعادة تقسيم المنطقة، بما يخدم أهداف الغرب وإسرائيل، بالإضافة للدور الذي لعبته حماس في تخريب الوضع الأمني بالبلاد لصالح جماعة الإخوان المسلمين والذين وفروا للحركة الغطاء والشرعية. ولكن ماذا كانت حال حركة حماس بعد ثورة 30 يونيو؟ منذ اللحظة الأولي لإعلان سقوط نظام الإخوان في مصر أصيبت الحركة بصدمة شديدة وكانت ردود أفعالها متشنجة أظهرت حجم الصدمة التي تلقتها بسبب سقوط نظام مرسي، وقد وضح هنا حجم تأثير مكتب الإرشاد علي قرارت قيادة غزة والتي اندفعت في اتخاذ قرارات عدائية ضد حكومة الثورة وضد منطق مصالح قطاع غزة مع مصر، حيث دفعت قيادات حماس إلي انتهاج مواقف عدائية من الثورة تهدف لتوتير الوضع الداخلي في مصر، وقامت بدفع عناصر القسام عبر الأنفاق للمشاركة في اعتصامي رابعة والنهضة بهدف دعم موقف الجماعة وتأمين قيادات الإرشاد وإحداث فوضي أمنية بالبلاد. وتحقيقا لهذا الهدف، قامت بتهريب الأسلحة والذخائر إلي سيناء، والتنسيق مع الجماعات الإجرامية والجماعات التكفيرية لإشاعة الفوضي، وتهديد السياحة في سيناء، من خلال تنفيذ عمليات إرهابية، استهدفت عناصر الجيش والشرطة والمؤسسات الحكومية بسيناء، هذا بجانب قيام الحركة بتوفير الملاذ الأمن لبعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين، والذين تمكنوا من الهرب عبر الأنفاق إلي غزة ويقيمون حاليا بفندق «البيتش» بشارع المنتدي بمنطقة الفنادق. كل هذا بجانب قيام الحركة بتنظيم مظاهرات وعروض عسكرية يقودها عناصر القسام علي الحدود مع مدينة رفح المصرية تأييدا لموقف جماعة الإخوان، والرئيس المخلوع وبهدف تأكيد ولائهم الكامل لتنظيم الإخوان، وهو الأمر الذي دفع الحكومة المصرية لاتخاذ تدابير سريعة تجاه محاصرة الأنفاق وتدمير ما يقرب من 1100 نفق كانت تستخدمها حكومة حماس لتهريب البضائع وفي دخول وخروج العناصر المطلوبة من الأمن المصري والتي كانت تشارك في تنفيذ عمليات تخريبية بسيناء، مما أصاب حكومة حماس بارتباك شديد هدد استمرار بقائها في حكم القطاع، الأمر الذي دفع إسرائيل للإسراع بفتح المعابر لإدخال مئات الأطنان من المواد التموينية والاحتياجات الزراعية، فضلا عن آلاف الليترات من الوقود والسولار للقطاع، بهدف دعم موقف الحركة والحفاظ علي وضعيتها وشعبيتها ولضمان استمرار دورها القوي في غزة، لاسيما بعد أن ظهرت حركة «تمرد» الفلسطينية داخل غزة. وفي الوقت نفسه خرج علينا أفيجدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل بطرح جديد لخطة انتقالية للسلام تبدأ باتفاق مرحلي مبني في مرحلتين؛ الأولي والثانية منه علي دعم الرخاء الاقتصادي الفلسطيني وبما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار في المناطق الفلسطينية، يعقبه بعد ذلك الانتقال إلي المرحلة الأخيرة وهي المرحلة السياسية في المفاوضات، وهو أمر يوضح قدر الحرص الإسرائيلي في الحفاظ علي وضعية حماس وعلي ضمانة استمرار دورها كفصيل ينازع السلطة في أية مفاوضات مقبلة، وذلك من خلال توفير كل الاحتياجات الاقتصادية لأهالي القطاع وفي إطار تنفيذ الخطة الإسرائيلية المزعومة. إلا أننا في واقع الأمر، وبعد أن استعرضنا موقف حماس والشبهات التي تدور حولها، وحتي نكون منصفين، فعلى الرغم من أنها كانت دائماً تمثل شوكة في خصر القضية الفلسطينية، وأن العديد من قيادات الحركة استغلوا القضية الفلسطينية لصالح قضايا إقليمية ولخدمة أدوار لدول لها مصالح تتعارض مع مصلحة القضية الفلسطينية أو لتحقيق مصالح شخصية، فإننا نستطيع أن نجزم أن هناك قيادات في حماس آمنت بقضيتها، وقدمت حياتها ثمنا لما آمنت به، وأن هناك شبابا يؤمن بدور الحركة ويناضل من أجل قضيته، وعلي قناعة وإيمان بشرف قياداته، ولا يعلم بدهاليز العمل السياسي وخفايا الاتفاقات والمصالح التي تحكم سياسة الحركة ودورها الحقيقي من القضية الفلسطينية.