تحقيق عماد بركات المعتصم بالله حمدي أطلق عدد من الفضائيات المصرية الخاصة حملة لمقاطعة المسلسلات التركية، ردا على المواقف السياسية التركية المساندة للرئيس المعزول محمد مرسي، وهجوم رجب طيب أردوغان، علي عدد من الرموز المصرية مثل شيخ الأزهر، وقد تباينت ردود الفعل في الوسط الفني حول هذه المقاطعة، وهذا ما تستعرضه «الأهرام العربي» من خلال التحقيق التالي الذي يرصد آثار هذه المقاطعة على صناعة الدراما التليفزيونية المصرية ومدى تأثر الشاشات التليفزيونية بغياب المسلسلات التركية. في البداية تقول الناقدة ماجدة موريس، إن الدراما التركية كانت موجودة بشكل مكثف على الشاشات المصرية بأمر من أصحاب القنوات والموزعين، وليس لأنها الأفضل، كما أن المسألة يدخل فيها رأس المال والإعلانات التى كانت تتحكم فى حجز أماكن لها لاعتبارات تسويقية، الأمر الذى أدى إلى تقاعس عدد كبير من المنتجين عن إنتاج أعمال مصرية بالعدد الذى كان يتم قبل ظهور الدراما التركية فى مصر، وأشارت موريس إلى أن المشاهد المصرى كان قد وصل إلى مرحلة التشبع من هذه النوعية من الدراما قبل قرار منع عرضها، الذى اتخذته القنوات الفضائية المصرية خصوصا أنه مر عليه أغلب أنواع الدراما من الأمريكية والفرنسية واليابانية، وأن التركية أخذت وقتها مع الشعب المصرى مثل غيرها، وأكدت موريس أن المجتمع المصرى أحب الدراما التركية لتشابهها مع المسلسلات المصرية من حيث العادات والتقاليد التى تربط بين الشعبين، وبرغم ذلك مازالت الدراما المصرية عنده أهم وأبقى، ولذلك أرى أن غياب الدراما التركية خلال الفترة المقبلة فرصة حقيقية لعودة الدراما المصرية للمقدمة والصدارة، وحسب معلوماتى من جانب المنتجين هناك خطط لعمل مسلسلات جيدة خلال الفترة المقبلة فى ظل الديمقراطية الحالية وارتفاع سقف الحرية فى بعض الأعمال التى عرضت أخيرا مثل "ذات وبدون ذكر أسماء والقاصرات". ويؤيد المؤلف مصطفي محرم، قرار مقاطعة المسلسلات التركية، معتبرا أن هذا القرار سياسيا بالدرجة الأولي نتيجة موقف تركيا مما يحدث في مصر، وأنه يجب أن نتخذ نفس الموقف مع أي دولة تفكر أن تتخذ موقفاً معادياً للإرادة الشعبية، ومقاطعتها أمر طبيعي وكان لا بد منه كما أن الفضائيات المصرية الخاصة هي التي صنعت أسطورة الدراما التركية، خصوصاً أن الإنتاج الدرامي المصري يكثف عرضه في شهر رمضان فقط، والمطلوب الآن من صناع الدراما إيجاد مواسم درامية بديلة لا نعطي فرصة لأي نوع من أنواع الدراما أن تتدخل وتفرض نفسها مثلما حدث مع الدراما التركية. وتقول الناقدة خيرية البشلاوى: من يتصور أنه باختفاء الدراما التركية سوف يتحسن مستوى الدراما المصرية لديه فكر قاصر لأنه قد تتحسن فقط فرص عرضها على شاشات القنوات، لأن هذه الأمور لا ترتبط بمنع عرض الأعمال المنافسة، وإنما بمناخ داخلى يبدأ من الورق المكتوب واختيار الممثلين والمخرج بالإضافة إلى بعض العناصر الأخرى مثل الديكورات والإضاءة والموسيقى التصويرية، لكن ما يحدث أخيرا فى مصر يسير بشكل مختلف فقد يكون هناك ورق مكتوب ويرفضه الكثيرون لأسباب معينة ثم نفاجأ بتنفيذه ووجوده على الشاشات، مما يعنى أن هناك كثيراً من الأعمال تفتقد للموضوع الجيد والرؤية الإخراجية الصحيحة بالرغم من أن الواقع المصرى به الكثير من الموضوعات التى تصلح لعمل مسلسلات جيدة، وأضافت: اختفاء نوعية من الدراما لها جماهيرية عالية يلزمنا أن نطرح أولا قبل معرفة نتائج ذلك على الدراما المصرية البحث عن أسباب نجاحها للدرجة التى وصلت فيها إلى التأثير فى الناس، وقالت: أنا سعيدة برفع الدراما التركية من على الشاشات المصرية كرسالة اعتراض على إهانة رئيسهم لشيخ الأزهر وتدخله السافر فى شئوننا الداخلية دون وجه حق. بينما يؤكد الناقد طارق الشناوى، أن هذا القرار خاطئ ولو نظرنا إلى وجهة نظر الرئيس الأمريكى أوباما، سنجد أن له موقفاً سلبياً ضد مصر فهل سوف نقاطع الأفلام الأمريكية؟، فينبغى أن يظل الفن والدراما والإبداع بعيدا عن أى سياسة، لأنها متغيرة وغير دائمة لأن مصر لها تجربة سابقة فى عملية المقاطعة عام 1967، بعد النكسة فى وقت قوة جمال عبد الناصر وعدم وجود فضائيات، أصدر ثروت عكاشة قرارا بمقاطعة الأعمال الأمريكية، ولكن القرار لم يستمر سوى أسابيع قليلة، وعادت الأفلام تعرض مرة أخرى بالرغم من أن الدولة كانت تملك كل دور العرض على عكس ما يحدث الآن، كما أنه توجد عشرات القنوات الأخري تعرض الأعمال التركية والمشاهد سيتابع ما يريده من أعمال من خلالها، وأذكر أنه منذ بضعة أشهر قام اتحاد الكتاب العرب بقيادة محفوظ عبدالرحمن، بعمل حملة لمقاطعة الأعمال التركية وكانت دوافعهم شخصية، لأن العمل التركى يأخذ مساحات زمنية أطول من المسلسل المصرى وغيرها من الأسباب غير المنطقية، فالهدف من ذلك كان ناتجا عن استشعار شركات الإنتاج أن المسلسل التركى لقى صدى طيبا عند المشاهد المصرى، فأرادوا محاربته، لأنه أثر على أعمالهم، وأجد الطريقة الوحيدة الصحية لذلك الأمر هى تقديم فن جيد ينافس بشكل قوى ولا نمنع عنهم فنا بل نقدم ما يجذبهم ويبحثون عنه. أما الفنان عبدالعزيز مخيون، فيري أن الموقف التركي مبهم ولا يتماشي مع حقيقة ما يحدث في مصر، والفن والأدب دائما ما يقرب العلاقات بين الدول، ولكن حينما يعادينا أحد ويصدر لنا ثقافة لا تتماشي معنا، فعلينا أن يكون لنا موقف واضح ضده، خصوصاً أن مصر لا تحتاج إلى المسلسلات التركية على الإطلاق، خصوصاً أنها من ناحية المضمون الدرامي ضعيفة للغاية، ولا تعتمد سوى على العلاقات الرومانسية والغرامية وقصص الخيانة والعشق الممنوع. أما المؤلف مجدى صابر، فيرى أن الدراما التركية منذ ظهورها وحتى الآن أفادت الدراما المصرية فى كثير من الأمور، برغم من أن القنوات المصرية سارعت بشراء هذه المسلسلات بشكل رفع أسعارها ليصل سعر الحلقة الواحدة فى المسلسل الحصرى 100 ألف دولار وتناقص مساحات عرض المسلسلات المصرية فإن الفائدة منها كانت أكثر والذى تمثل ذلك فى لفت نظر المنتجين والقائمين على الدراما فى مصر إليها لمعرفة أسباب نجاحها من حيث الموضوعات المقدمة وطريقة الإخراج واختيار العناصر الشابة وتطبيقه على الأعمال الدرامية، وهذا ما ظهر واضحا فى المسلسلات التى عرضت فى رمضان الماضى، وأضاف: قرار منع الدراما التركية كان قراراً حكيما من القنوات التى فضلت مصلحة وطنهم على مصالحهم الشخصية، حيث ستتعرض بعضها إلى خسائر كبيرة نتيجة قيامها بوقف عرضها وإلغاء الإعلانات التى كانت تأتى عليها وهذا سيخدم الدراما المصرية من الناحية الفنية، أما من الناحية السياسية القرار ليس حكوميا وإنما شعبي ردا على تجاوزات المسعور أردوغان، مما أعطاه ثقلا كبير فى الإعلام التركى، وأتصور أن قرار المنع لن يستمر طويلا لأننى أتوقع أن يطيح الشعب التركى بالمجرم أردوغان قريبا. ويؤكد المنتج محمد فوزى، أن ما تصرف الفضائيات المصرية الخاصة بمقاطعة المسلسلات التركية يعد موقفا وطنيا ومشرفا للغاية، وهذا حتى تعلم تركيا أن ما يفعله رجب طيب أردوغان ضد رغبة الشعب المصرى وثورته الشعبية الجارفة فى 30 يونيو، ويجب عليه ألا يتدخل فى شئون مصر الداخلية، كما هذا القرار جاء فى صالح صناعة الدراما المصرية التى ستظل تعمل طوال العام لاسيما فى ظل المستوي المتميز للعديد من الأعمال التي عرضت في شهر رمضان الماضي. ويشير فوزى إلي أن الدراما التركية شهدت نجاحا جماهيريا وإعلانيا منذ ظهورها بمصر، وذلك لما تحتويه من عناصر جذب ممثلة فى الديكورات وأماكن التصوير واختيار الموضوعات والفنانين الذين يتمتعون بالجمال الشديد فى الوقت الذى كانت تتراجع فيه الدراما المصرية لأسباب كثيرة من أهمها المشكلات الإنتاجية وسيطرة النجم الواحد، وأضاف: وبرغم ارتفاع أسعار هذه المسلسلات والتى تصل أحيانا إلى خمسة وستة ملايين دولار للمسلسل الواحد، فإنها كانت تحقق أرباحا إعلانيا تفوق تكلفة شرائها وتحقق نسب مشاهدة عالية للقنوات التى تعرضها، ولذلك أصبحت هذه النوعية من المسلسلات تمثل 30% من الخطة الشرائية والتسويقية للقنوات العامة والمتخصصة فى الدراما. المؤلف محمد الصفتي، يؤكد أن صناع الدراما المصرية قادرون بشكل كبير علي ملء الفراغ الذي سيحدث بخريطة الفضائيات الخاصة البرامجية في حالة الاستغناء نهائيا عن الدراما التركية، وإن كانت الأزمة الحقيقية تتمثل في أن المنتج المصري ثمنه غال، وهذا الأمر لا بد من إعادة النظر فيه حتي تتمكن الفضائيات المصرية من عرض الأعمال الدرامية المصرية التي تحظي باهتمام واسع من كل الجماهير العربية وهي تتناسب مع ثقافتنا الشرقية عكس المسلسلات التركية.