حسناء الجريسي لم يكن القتل والعنف والتطرف والإرهاب بغريب علي ذلك الفصيل السياسي، الذي اتخذ من الدين ستارا لممارسة كل أنواع الإرهاب، ذلك الفصيل الذي تصور أن سيطرته علي الحكم، ستمكنه من تحقيق مآربه ومآرب من يرعاه، لكن ما حدث جراء فض اعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة وما يحدث في سيناء من تفجيرات واستهداف لجهازي الشرطة والقوات المسلحة، كشف النقاب عن تلك اللعبة القذرة التي تلعبها هذه الجماعة التي تتخذ من الدماء سبيلا لتحقيق أهدافها. وسط هذه التهديدات والتفجيرات والمشاهد الدموية يظل السؤال: ماذا جري للشخصية المصرية، حتى تنتهج العنف طريقا؟ أليس هؤلاء القتلة مصريين؟ يرى د.عبد المنعم تليمة، أنه لا رجعة لمن يستخدم العنف في العمل السياسي، فهو عمل مؤسسي قائم علي الحراك الديمقراطي، وعلي قاعدة الإيمان بالتعددية التي تجمع كل الأفراد، مؤكدا أن هذه الآفاق بعيدة كل البعد عن الإخوان منذ نشأتهم، فهم ضد المؤسسية والتعددية، إنهم يمثلون حركة نقيضة للعصر الحديث، وتحيي أداءات ما قبله، من القيام علي التسلط والاستبداد والتخريب، ونفي الغير، فتاريخهم قائم علي القتل. ويوضح د.تليمة أن هذه الجماعة متخلفة تتخذ من الدين ستارا للاستحواذ، وهذا يقوم في حدود جماعات ضيقة وفاشلة سياسياً، مشددا علي أنه لم تنجح جماعات تيار الإسلام السياسي في المشاركة في حياة سياسية تنهض علي الديمقراطية واستشراف المستقبل، فهي جماعات تنزوي إلي الوراء، وتستدعي كل ما في عصور ما قبل الحداثة من فكر عقيم وأداء سقيم. وعن مواقف الولاياتالمتحدة وتركيا الداعم للإخوان يقول د. تليمة: هناك تخوفات شديدة منهما، فالثورة المصرية أفشلت المشروع الأمريكي في المنطقة، ما جعلها تصاب بالجنون،أما بالنسبة لتركيا فهي تسعي للزعامة وتنظر إلى مصر الآن علي أنها في موقف مرتبك، فهي تريد الجمع بين أمرين الأول عضويتها في الاتحاد الأوروبي وبين عودتها إلي منطقة الشرق الأوسط، فهي ترغب في القيادة، وتري أن عضويتها في التنظيم الدولي تساعدها علي هذا الأمر. ومن ناحيته يقول المؤرخ د.عاصم الدسوقي: إن جماعة الإخوان لم تتواءم مع أي سلطة في مصر، منذ العصر الملكي وأيضا العصر الجمهوري أيام حكم الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات،لافتا النظر أن المسألة بدأت عندما أراد حسن البنا تطبيق مبادئه المتشددة المستمدة من المذهب المالكي ليفرضها علي جميع المصريين، حيث تقدم لانتخابات مجلس النواب عام 1942، قبل ثورة يوليو، لكن النحاس باشا هدده وطلب منه سحب اسمه، ووافق البنا وطلب منه أن يعده بتطبيق الشريعة الإسلامية، وفي مايو 1948، وضع البنا لائحة الجماعة ليكون من في الحكم في قبضة يده، فكان يقول في دروسه"لا تجعل أموالك لغير المسلم ولا تشتر من غير المسلم". ويبين د. الدسوقي أن الإخوان أشاعوا الكراهية لغير المسلمين قبل 1952، وعندما أصدر النقراشي قرارا بتعليق المركز العام للإخوان كانت النتيجة قتله، ثم جرى حادث اغتيال حسن البنا، وبدأ مسلسل الدماء ولم يتوقف إلا لفترة قليلة أثناء ثورة 1952. ويشير إلى استمرار استقواء الإخوان بالخارج واستقواء الخارج بهم، مستشهدا بما كتبه "أنتوني إيدن" رئيس الحكومة البريطانية في مذكراته: "إن الإنجليز يعتمدون علي الإخوان المسلمين لإثارة القلاقل والاضطرابات في أثناء التفاوض الذي جري بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والإنجليز بشأن الجلاء" وذكر مجموعة من الأسماء منهم "منير الدلة وصالح أبو رقيق" اللذين كانا يلتقيان مع مستر "إيدن" المسئول عن شئون الشرق الأوسط، وطبعا انتهي الأمر بالصدام الشهير بعد التصديق علي اتفاقية الجلاء عندما حاول الإخوان اغتيال جمال عبد الناصر في المنشية، وبناء علي ذلك تم اعتقال عدد كبير منهم، وبدأ التنظيم الدولي للإخوان في الخارج الذي تأسس لتدبير انقلاب ضد الرئيس عبد الناصر، وتم اكتشاف المؤامرة وأعدم من شارك فيها، وهنا انتهت صفحة الإخوان عام 1958، إلي أن تولي الرئيس السادات الحكم وسار علي الخط الأمريكي، وقام بالإفراج عنهم ومع ذلك تم اغتياله بحجة أنه عجز عن تطبيق المادة الثانية من الدستور والتي تنادي بأن الشريعة الإسلامية مبدأ التشريع، وعندما جاء الرئيس المخلوع أطلق عليهم الجماعة المحظورة. يري د.الدسوقي أن هذه الجماعة انتهي أمرها بعد أن فقدت المصداقية، وأساءت إلى الإسلام وأرادت شق صفوف المصريين باسم الدين. ومن جهته يقول د. عبد الواحد النبوي - رئيس الإدارة المركزية بدار الكتب والوثائق القومية - ما يحدث من عنف موجه من جماعة الإخوان المسلمين تجاه المجتمع لا ينهي الإسلام السياسي، فهذه الجماعة خرج منها العديد من الجماعات المتشددة، وهذه الجماعات تمارس العمل السياسي. ويراهن د.النبوي على أن هذه الأزمة لن تنتهي إلا بابتعاد مجموعة القطبيين عن الصدارة، وقد تعود بعض القيادات الهادئة للممارسة عملها السلمي في محاولات لكسب الشارع المصري، خصوصاً بعد دخول الجماعة السلفية في العمل السياسي بشكل هادئ. ويبين أن استبعادهم في الفترة المقبلة ليس من سياسة الدولة المصرية لكن المجتمع هو من يقوم بهذا الأمر، أما الدولة فستحتوي الأمر في إطار الآليات القانونية . ويعترف:» لست مع فكرة الإقصاء بل لابد من وجود قوانين منظمة للأحزاب، وعليها أن تتصرف في إطارها»ويتوقع ظهور تيار جديد من الشباب الثاني للجماعة يؤمن بفكرة الإبقاء علي المشروع الإخواني الأكثر عدالة. ويرى د. النبوي في استبعاد الإخوان عن الساحة رسالة خطيرة للغرب تجعلهم يتعاطفون أكثر معهم، فلهم حق الترشح في الحياة السياسية، أما من دمر وخرب وقتل فلابد من صياغة قوانين تخص هؤلاء، وهم من يتم حرمانهم من جميع الحقوق السياسية. بعد عرض آراء المثقفين كان لابد أن نتوجه بالسؤال إلى علماء النفس والاجتماع: ماذا جرى للشخصية المصرية؟ تقول د. هبة العيسوي - أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة - بعد شعور الإخوان بفقدان كرسي الحكم والمكسب السياسي اللذين كانوا يطمحون ويسعون إليهما منذ 60 عاما أصيبوا بمرض الهذيان، وهو مرض نفسي المصاب به يخلط الواقع بالخيال، ويكون حكمه علي الأشياء مشوشا، هذه اللوثة جعلت قراءتهم غير حكيمة، ومن هنا جاءت تصرفاتهم الانفعالية غير المحسوبة. وتشير د.العيسوي، أن قادة الجماعة بعد فض الاعتصامين أصيبوا بصدمة ثانية بعد خيبة أملهم في عودة الرئيس "لمعزول"ما أصابهم بمرض آخر وهو هيستريا العنف، وظهر ذلك جليا في الحرائق التي أشعلوها، وذلك لشعورهم بأنه لا فائدة "يا فيها يا أخفيها "أما شباب الإخوان وهم الصف الثالث في الجماعة فبدأوا ينسحبون حتي يكون لهم وجود في المرحلة المقبلة للإبقاء علي الجماعة حتي لا تختفي نهائياً. وتري أنهم سيظلون فترة طويلة يشعرون بأنهم ظلموا وأنهم كانوا كبش فداء، وهذا تفكيرهم فهم لا يبدعون إلا في حجرات مغلقة، وعندما اختلطوا بالعالم فشلوا، وتؤكد أنهم فقدوا مصداقيتهم من الشارع المصري خصوصاً البسطاء لذلك سينكمشون ثانية ويتعاملون على أنهم جماعة محظورة حتي لا يخسرون كل شيء. ويري د.سمير نعيم - أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة - أن ثورتي 25 يناير و30يونيو أظهرتا أروع الصفات الكامنة للمصري، منها الشجاعة والتضحية والإبداع، أما بالنسبة لجماعة الإخوان فقد تجسدت فيها أحط صفات البشرية، أهمها التسلط والتحجر والجمود برغم ادعائهم بأنهم الممثلون للإسلام، وتبلور ذلك في تاريخهم الدموي منذ نشأتهم عام 1928، في محاربتهم للجيش والشرطة والقضاء والثقافة والإعلام والمسيحيين والشيعة. ويضيف: رأيناهم يقيمون دولة كاملة لهم في منطقتي رابعة والنهضة، ويحرقون الكنائس ومديريات المحافظات ويطلقون النار بشكل عشوائي علي المواطنين، وكل هذا من خصائص الشخصية الفاشية النازية. ويصفهم د.نعيم: "هم لم يختلفوا عن نازية هتلر وفاشية موسوليني لكن تحت مسمي ديني، لذلك فليس بغريب عليهم الأعمال الانتحارية التي يقومون بها، بعدما تأكدوا أنه سيتم القضاء عليهم، خصوصاً بعد شعورهم بأنهم فقدوا تعاطف الشعب معهم، ولن تقوم لهم قائمة ثانية".