«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات الإرهاب.. أسرار وخفايا من ملفات القضايا
المستشار ماهر الجندي يكتب عن:
نشر في صوت الأمة يوم 31 - 10 - 2009

· أخطر الفتن التي عصفت بتاريخ المسلمين كانت مستترة خلف شعار الدين
· الجماعات الإسلامية استقت معلوماتها من مذهب الخراج المعادي للإسلام
تفتح «صوت الأمة».. ابتداء من هذا العدد الملف السري لأخطر جرائم الارهاب التي شهدتها الساحة المصرية منذ أوائل السبعينيات.. من خلال عدة مقالات تنشرها الجريدة علي حلقات بقلم المستشار ماهر الجندي تحت عنوان «حكايات الإرهاب من واقع ملفات القضايا» والمستشار الجندي رئيس محكمة الاستئناف الأسبق.. كان واحداً من أبرز رجال النيابة العامة الذين تولوا التحقيق والادعاء العام أمام محكمة أمن الدولة العليا في أخطر قضايا الإرهاب التي تابعها الرأي العام من خلال مرافعاته التاريخية فيها. وسوف يروي المستشار الجندي.. ومن واقع الوثائق الرسمية باعتباره شاهدا علي العصر أسباب ظهور الجماعات وانتشارها ومراحل تطورها وأهدافها ووسائلها في تحقيق مآربها.. تم فشلها في بلوغ غايتها.. وهل انها زالت من الوجود.. أم أنها دخلت جحورها في انتظار الفرصة المناسبة لكي تطل برأسها من جديد.
بداية نقول إن التطرف مرادفه الانحراف.. وكلاهما يعني الميل عن الوسط والبعد عن الاعتدال، والانحراف والتطرف إما أن يكون في العقيدة أو أن يكون في السلوك، وأشد أنواع الانحراف هو انحراف العقيدة.. وهي الشرك بالله.. والعياذ بالله.
وانحراف السلوك يترجم العنف الذي اتخذته الجماعات المتطرفة المستترة بالدين أسلوبا فريدا يلجأ اليه قادتها لتحقيق أهدافها كلما وجدوا إلي ذلك سبيلا، دون مبالاة بالنتائج والعواقب الوخيمة - ومن هنا كان الارهاب هو اللغة التي تتحدث بها تلك الجماعات.. ولذلك كانت السرية هي طابع أنشطتها وحركتها.
ولعل كان من أخطر الفتن التي عصفت بمصير المسلمين عبر القرون، الفتن التي تسترت وراء شعارات دينية ابتدعها أعداء الاسلام وروج لها التابعون المنخدعون، ليظهروا للناس حرصهم علي الدين بينما هم في واقع الامر يبطنون أغراضا سياسية يسعون إلي تحقيقها حتي لو أدي ذلك إلي سفك الدماء، فهم يلبسون دعواهم السياسية ثوب الدين بالباطل، ويتساندون في فتنهم عامدين أو جاهلين إما لتفسيرات مغلوطة لآيات القرآن الكريم أو الأحاديث مدسوسة منسوبة لسنة الرسول صلوات الله عليه وسلامه، ليخدعوا الناس ليظاهروهم، ليفرضوا أنفسهم أوصياء علي الدين، وهو منهم براء، ويعطون لانفسهم الحق في إرهاب الآخرين والبطش بهم، إذا ما رفضوا وصايتهم، وهم لا يكترثون في ذلك باشاعة الفوضي والفرقة والخراب وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ولا تنتهي دعواهم، إذا ماقدر لها أن تصل إلي غرضها، إلا بوصولهم إلي السلطة والظفر بصولجانها، والإطاحة برجالها والانتقام من مخالفيهم بتعليقهم علي أعواد المشانق وتشريد أسرهم وذويهم، ويفرضون علي الأمة ما طاب لهم من أحكام وأوضاع لا يبالون فيها بمخالفة دين الله وعصيان أمره.
ومن نافلة القول، إن فلاسفة الارهاب الذين يتخذون من الإسلام قناعا يبيت من خلفه الاثم والعدوان، يرمون المجتمعات الإسلامية والحكم فيها بالكفر، علي زعم بأن تلك الانظمة الكافرة لا تطبق شرع الله في الأرض، ومن ثم فان جهاد الحكام والاطاحة بهم بالقوة إنما هو - في مفهومهم - فرض عين علي كل مسلم يستهدف إقامة ما يسمي بدولة الخلافة الإسلامية التي تطبق أحكام شرع الله.
ويذكرنا التاريخ أن الخوارج الذين ظهروا في الصدر الأول للإسلام كانوا أول من بث بذور الفتنة بين المسلمين بالترويج لأفكار زائفة ألصقوها بالدين بالباطل وفرضوها علي الناس بالقوة وسفك الدماء.
فقد خرج هؤلاء في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكفروه، كما كفروا عثماناً ومعاوية وطلحة والزبير ومن معهم، واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم، وجعلوا بلاد المسلمين بلاد حرب وبلادهم هي بلاد الإسلام، وزعموا انهم أهل القرآن ولا يقبلون من السنة المحمدية إلا ما وافق مذهبهم، ومن خالفهم وخرج عن ديارهم فهو كافر، وزعموا أن عليا والصحابة رضي الله عنهم قد أشركوا بالله ولم يعملوا بما في القرآن، بل هم علي زعمهم الذين عملوا به، واستدلوا علي مذهبهم بالمتشابه من القرآن، وأنزلوا الآيات التي نزلت في المشركين المكذبين، في أهل الإسلام ويذكر التاريخ أيضا أن الفتنة التي روج لها الخوارج قد ارتدت اليهم فقد استعر الخلاف في الرأي بينهم وتشيعوا إلي اثنتي عشرة فرقة بسبب التناحر علي السلطة القادرة علي فرض عقدتهم بالقوة، وكان من أشد هذه الفرق الجامحة عن الدين فرقة الازارقة المنتسبون إلي نافع بن الازرق، وهم الذين أحلوا دماء كل مخالفيهم في الرأي وقتلوا الناس والأطفال وأغرقوا الديار بالدماء وأشاعوا فيها الفوضي والدمار.
لقد أردت بهذا الاستهلال أن ألفت الانظار إلي أن مذهب الخوارج الذي كان يشكل عدوانا علي الإسلام والمسلمين، كان هو المصدر الرئيسي الذي استقت منه الجماعات الإرهابية التي اتخذت من الدين ستارا خادعا لها، مفاهيمها المنحرفة وأفكارها المتطرفة، وراحت تروج لها سرا وتلف الشباب من حولها غشا وتدليسا، ليكونوا عدتها في تحقيق مآربها حين تقوي شوكتها ويشتد عودها.
وتشير وقائع التاريخ الحديث إلي أن العنف باسم الدين قد ظهر في مصر مع مطلع الأربعينيات بعد سنوات قلائل من نشأة الاخوان المسلمين عام 1928 علي يد الشيخ حسن البنا، وبرغم أن هذه الجماعة بدأت أولي مراحل نشأتها من منطلق ديني له أسانيده المنطقية التي تركز علي القيم الإسلامية ونشر الوعي الديني السليم بين جموع المسلمين خاصة الشباب، فإن الأهداف السياسية لقادة الجماعة سرعان ما ظهرت علي السطح عندما استشعر هؤلاء القادة اتساع القواعد الشعبية التي انخرطت في صفوف الجماعة تحت تأثير الاقتناع بسلامة أغراضها الدينية، وبدأ ذلك التحول يتجسد أكثر ما يتجسد في اتجاه القيادات العليا في الجماعة عام 1938 إلي تشكيل تلك الأجهزة السرية التي عمدت إلي تشكيل عناصرها من أشخاص منتقين - تولي عبدالرحمن السندي رئاستهم - وقد اثبتوا قدرتهم علي تنفيذ المهام والتكليفات من خلال الاختبارات والتدريبات التي كانت تجري لهم، وأصبحوا بذلك أهلا للالتزام بمبدأ السمع والطاعة بعد قسم يؤدون علي المصحف الشريف والسيف.
ومن اللافت للنظر، - وكما يقول اللواء حسن أبو باشا في مذكراته «ص 65»- إن الغايات السياسية كانت دائما الخلفية الحقيقية التي تحكم القيادات العليا لجماعة الاخوان المسلمين، ولم تكن تفصح عنها للقواعد الشبابية الي انخرطت في تنظيماتها، وإنما كان جوهر الاستقطاب لجموع الشباب ينصب علي الغايات الدينية والتركيز علي جوانب السلبيات التي يعاني منها المجتمع، وخاصة القطاع الشبابي، واسناد أسباب المعاناة إلي غياب الالتزام بالحكم بشريعة الله، والتسلسل بعد ذلك إلي أهمية الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الدين.
وقد تصادف، أنه في نفس هذا التوقيت تقريبا - بداية الاربعينيات - الذي بدأت فيه جماعة الاخوان المسلمين تشكيل جهازها السري، ظهور اتجاه حزبي مصر للفتاة والوفد إلي تشكيل ميليشيات شبه عسكرية، فكان هناك تشكيل القمصان الزرق للوفد، وتشكيل القمصان الخضر لمصر الفتاة، إلا أنه كان واضحا أن هذين التشكيلين كان ينقصهما التنظيم الدقيق، وكان الاطار العام الذي يحكم حركتهما شبيها بتنظيمات فرق الكشافة، بينما اتجه الجهاز السري لجماعة الاخوان المسلمين إلي وجهة مختلفة تماما ، حيث تم تشكيله بطريقة ممعنة في التكتم والسرية وبأسلوب تنظيمي صارم ودقيق، وكان له منهجه العقائدي الذي ربط بين الناحيتين العقائدية والتنظمية في إطار محكم لم يترك للعضو أي خيار لمناقشة ما يتلقاه من توجيهات وتكليفات، التزاما بذلك المبدأ الصارم الذي أسبغ عليه مفهوما دينيا وهو مبدأ السمع والطاعة للأمير والولاء التام للجماعة.
وحول منهاج نشاط جماعة الاخوان المسلمين - يذكر المفكر طارق البشري في كتابه الحركة السياسية في مصر «ص52»- أن المؤتمر الثالث للاخوان المسلمين الذي انعقد في أوائل 1935 حدد هذا المنهج في مبدأين بالغي الأهمية، أولهما «علي كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج كله -منهاج الإخوان المسلمين - من الاسلام، وأن كل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة»، وثانيهما «كل هيئة تحقق بعملها ناحية من نواحي منهاج الاخوان المسلمين يؤيدها الأخ المسلم من هذه الناحية، وأنه يجب علي الاخوان المسلمين إذا أيدوا هيئة ما من الهيئات أن يستوثقوا أنها لا تتنكر لغايتهم في وقت من الأوقات، وكان من الواجبات التي يلتزم بها عضو الجماعة «الأخ العامل» بتنفيذها أن يتخلي عن صلته بأي هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة الدعوة.
ووجه خطورة المبدأ الأول أن الجماعة تصادر به الدين لمصلحتها، وبهذا لا تصبح مجرد جمعية تطبق الدين كما يحاول غيرها أن يفعل، وإنما تؤكد أن منهجها وحده هو الإسلام الصحيح، فلا يعتبر غيره كذلك، وبهذا يكون تنظيم الجماعة هو تجسيد للإسلام ومؤسسة مهيمنة عليه فيكون من لم يوالها خارجا علي الإسلام ذاته، ووجه أهمية المبدأ الثاني أن لعضو الجماعة ولاء وحيدا لها دون غيرها من الهيئات وأن تأييده الهيئات الأخري يكون في الناحية التي تراها الجماعة فقط، والاستتيثاق من عدم تنكر الغير لهم يعني فيما يعني الحرص علي الاستقلال والذاتية، ولا يحترم الاخوان إلا أهداف جماعتهم كتنظيم، والمبدأ الأول يسعي للسيطرة علي الاسلام لا للانصاف به فقط.
والمبدأ الثاني من ملامح التنظيمات السياسية ويعني أن ثمة تنظيم سياسي يسعي لاحتواء الإسلام كدين.
ويعلق اللواء حسن أبو باشا - في مذكراته «ص 67»- علي ذلك، بأن التكليفات والالتزامات التي صدرت عن ذلك المؤتمر تبرر التزام عضو الجماعة بصفة عامة وعضو الجهاز السري بصفة خاصة بمبدأ السمع والطاعة، ومبدأ الولاء للجماعة أولا وأخيرا، وتشير إلي مبدأ تكفير كل من هو خارج عن هذه الجماعة، وبالتالي فان جماعة الاخوان التي تمثل دائرة جماعة المسلمين هي التي تنفرد بالدعوة إلي الاسلام الصحيح، بل انها الجماعة التي تمثل الاسلام وتحتويه، وانطلاقا من هذا المفهوم نشأت فكرة التكفير التي حملت لواءها أولا جماعة الاخوان، ثم امتدت ثانيا إلي بقية الجماعات المتطرفة التي تشكلت في السبعينيات، ولعل هذا المفهوم نفسه هو الذي يسيطر علي منطق جماعة الاخوان المسلمين حتي الآن، حيث تسعي إلي الإيحاء وكأنها هي وحدها المسئولة أولا وأخيرا عن نشر الدعوة الإسلامية والمناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
ويضيف المفكر طارق البشري في كتابه المشار اليه «ص 72» أن جماعة الاخوان المسلمين قد انتشرت كتنظيم سياسي انتشارا واسعا، وضم التنظيم عددا واسعا من الأعضاء وأعد فرقا للجوالة وجمع السلاح ونظم جهازا خاصا مسلحا ودرب أعضاءه علي الانصياع الكامل، وكان كل ذلك معلقا ومربوطا في يد فرد لا يعرف له موقف محدد صريح في أي مسألة ولا يمكن التنبؤ بما سيتخذه من مواقف مستقبلا، وأصبحت الجماعة بهذا كالقنبلة التي لا يعرف متي ستنفجر ولا من سيكون ضحيتها، والحاصل أن مواقف زعيم الجماعة والجماعة من ورائه كانت دائما في صالح السراي وحكومات الأقلية.
ويضيف اللواء حسن أبوباشا - في مذكراته «ص29»- أنه في خضم هذا الصراع السياسي بدأت جماعة الاخوان المسلمين تسخر جهازها السري لتأكيد ثقلها السياسي علي المسرح، وبدأت علميات العنف تتوالي في صورة اغتيالات وتفجيرات شملت شخصيات سياسية وقضائية بل امتدت هذه العمليات إلي تصفية بعض عناصر الجهاز السري الذين خرجوا علي مبدأ السمع والطاعة، وشملت تلك العمليات اغتيال الدكتور أحمد ماهر رئيس وزراء مصر عام 1944 ومحمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء ووزير الداخلية عام 1948 والمستشار أحمد الخازندار عام 1948 وكان ينظر إحدي قضايا الجهاز السري للجماعة، ومحاولة نسف محكمة مصر، واغتيال اللواء سليم زكي حكمدار العاصمة واغتيال السيد فايز عضو الجهاز السري للجماعة المنشق بنسف منزله، إلي غير ذلك من عمليات أخري كالشروع في قتل حامد جودة رئيس مجلس النواب وإبراهيم عبدالهادي رئيس الوزراء ووزير الداخلية.
ويذكر التاريخ، أنه في مرحلة مابعد ثورة 23 يوليو 1952 كانت نظرة قيادة الثورة إلي جماعة الاخوان المسلمين نظرة مختلفة تماما عن تقديرها لدور الاحزاب الاخري التي وجهت اليها اتهامات الافساد السياسي، وأصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بحلها ومحاكمة عدد من قياداتها، بينما استثني هذا القرار جماعة الاخوان المسلمين من الحل وكان مبعث هذا الاستثناء اعتبارات سياسية من وجهة نظر عدد من قادة الثورة، خاصة أن منهم من كان له انتماء فكري وتنظيمي بالجماعة، إلا أن بوادر الصدام بين الثورة وبين الجماعة قد بدأت تظهر حين تكشف لكل طرف الأهداف الحقيقية للطرف الآخر، وكان من نتائج ذلك الصدام صدور قرار بحل الجماعة في أوائل عام 1954 واعتقال اعداد من قياداتها وأعضائها، ونظرا لأن هذا الصدام كان صداما سياسيا لم يلجأ فيه أي من الطرفين إلي العنف فقد انتهي أمره إلي تصالح مؤقت بينهما، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بالغاء قرار حل الجماعة والافراج عن المعتقلين بعد شهر واحد من صدوره، فعادت الجماعة إلي ممارسة نشاطها السياسي. ويقول اللواء أبو باشا في مذكراته «ص 76» إن الأمور تطورت سريعا ليتكشف أن ذلك التصالح لم يكن إلا تأجيلا لانفجار آخر بين الطرفين، فقد بادرت الجماعة بالتخطيط لاغتيال جمال عبدالناصر، وتمت محاولة الاغتيال بميدان المنشية بالاسكندرية في شهر اكتوبرعام 1954 خلال مؤتمر شعبي كبير، حيث اطلق الرصاص علي جمال عبدالناصر ليصاب بعض المحيطين به ولكن الرئيس عبد الناصر نجا من محاولة الاغتيال، ليقع بعد ذلك صدام عنيف بين الثورة وبين الجماعة ويصدر قرار مجلس قيادة الثورة بحلها للمرة الثانية ويقبض علي عدد كبير من قياداتها وأعضاء تنظيمها العلني والسري ويحكم علي عدد من القيادات بالإعدام وعلي آخرين بالاشغال الشاقة والسجن لمدد متفاوتة بجانب اعتقال أعداد من الأعضاء يربو علي ثلاثة آلاف عضو. وللحديث بقية في العدد القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.