ذكر المفكر د. فؤاد زكريا فى كتابه (الحركة الإسلامية المعاصرة) أن عملية الحكم عملية بشرية، أولاً وأخيراً وما دام الذين يمارسونها بشراً فسوف يقحمون مشاعرهم وميولهم فى أى نص يحكمون بمقتضاه حتى لو كان نصاً إلهيا ، و على من يشك فى ذلك أن يتأمل جميع تجارب تطبيق الشريعة، لا فى العالم الإسلامى المعاصر فحسب بل طوال التاريخ الإسلامى بعد عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكى نتأكد من أن البشر مهما فعلوا لن يستطيعوا أن يهربوامن طبيعتهم أو يتخلصوا من تخيراتهم، وهذا معناه الاختيار الحقيقى ليس بين حكم الله وحكم الانسان وإنما بين حكم بشرى يزعم أنه ناطق بلسان الوحى الإلهى، وحكم بشرى يعترف بأصله الإنسانى، وأن الخطورة أنه يضفى على هذه الأخطاء صبغة القاسة، ويخلط عمداًً بين الأصل الإلهى للأحكام وبين التفسيرات المفرضة لها. ما قاله د. فؤاد زكريا يوضح موقف وسلوك التيار الإسلامى الذى يربط الأشخاص بالدين فى حين أن من يدخل معترك السياسة يجب أن يكون عرضة للنقد فالانتقاد لشخصه وليس للدين، ومن المؤكد أن جميع التيارات الدينية التى كانت فى بداية القرن الماضى القرن العشرين كانت لها تطلعات سياسية هناك تنظيمات لهذا التيار الدينى السياسى ظهرت فى الثلاثينيات من هذا القرن كالإخوان والشبان المسلمين ومصر الفتاة ومنها ما يعود للسبعينيات أو قبلها كجماعة التحرير الإسلامى التى قامت فى عام 1974 بحادثة الكلية الفنية العسكرية وهدفت للإطاحة بالسادات وإنشاء دولة إسلامية ثم مجموعة جند الله ومنظمة الجهاد وجماعة التكفير والهجرة التى كونها شكرى مصطفى. وأهم هذه الجماعات هى جماعة «الإخوان المسلمون» التى أنشأها حسن البنا عام 1928 ولقد سبق قيامها ظهور شخصيات إسلامية كان لها تأثيرها على ساحة العالم العربى كجمال الدين الأفغانى الذى دعا لقيام الخلافة الإسلامية ولكن بمنظور متطور وكان يدعو لتحقيق ذلك عن طريق الثورة، والإمام محمد عبده الذى كان يرى أن الإسلام غير متعارض مع التقدم وان التغيير يأتى بتطوير المجتمع ثم تلميذه رشيد رضا وإن كان متشدداً، ويقول جمال البنا عن أخيه حسن البنا إنه أخذ عن الأفغانى السمة الجهادية إن لم تكن الثورية واستفاد من عقلانية محمد عبده وإن لم يصل إلى مداه. بدأ حسن البنا الدعوة فى الإسماعلية وأعلنت هدفها السياسى عام 1938، ولقد طرد بعض كبار أعضائها الذين دعوا إلى اعتزال السياسة، وكان هدفه تأسيس دولة دينية بديلة للنظم العلمانية فى رأيه والتى فرضها الغرب، ولقد لقت الدعوة استجابة وخاصة بين الحرفيين والفلاحين لعدة عوامل هى ازدياد النفوذ الأجنبى والرأسمالية الأجنبية المرتبطة بالاستعمار وجمود الفكر الدينى الرسمى وكان هناك تطلع للوصول إلى السلطة وكان البنا يرى أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن فرأى أن يرشح نفسه لمجلس النواب فى دائرة الإسماعيلية ولكن الحكومة رفضت ترشيجه لأن هذا سيثير لها المتاعب، ولكن فى النهاية استجابت ولكنه سقط فى الانتخابات التى أرجعوها لتدخل الحكومة وانهم لذلك لجأوا إلى العنف، وكانوا فريقين فريق يطلق عليه المحيط العام والآخر النظام الخاص، والمحيط العام محكوم بما يقرره مكتب الإرشاد وأفراده معروفين بأسمائهم واتجاهاتهم لأنهم كانوا يكتبون ويتجولون، أما النظام الخاص فلم يكن المنتسبون إليه معروفين إلا فى دائرة ضيقة، وكان لهؤلاء اجتماعاتهم الخاصة، وربما كانوا يعملون فى اتجاهات مختلفة يجهل بعضهم البعض، وكان منهم محمود عيسوى الذى قتل أحمد ماهر بتوجيه من النظام الخاص، ولقد استخدموا التنظيمات السرية العسكرية وموهوها بممارسة الرياضة البدنية وإعداد فريق الجوالة وكانوا يتدربون على أساليب القتال وفنون الحرب، ولقد نظم تلك العمليات الجهاز السرى للإخوان والذى قال البعض إنه كان مستقلاً ولا صلة للمرشد به، ولكن الشيخ الباقورى - وكان أحد الأعضاء البارزين فى الإخوان وأول وزير أوقاف بعد الثورة - أكد معرفة حسن البنا به، وكان الجهاز السرى يقوم بتدريب الشبان على استخدام السلاح، وكان يقوم بتدريبهم بعض ضباط القوات المسلحة المنتمين للجماعة، ويذكر الباقورى أن الجماعة لها أهداف رئيسية ثلاثة أولها: الطريق الدستورى على أن يجتمعوا فى دائرة انتخابية ثم يرشحوا واحداً منهم لتمكنه من الظفر بمقعد فى البرلمان، والثانى: إذا تمكنوا من ذلك تقدموا بمشروعات تهدف لبسط نفوذ الإسلام، والهدف الثالث: الاستيلاء على الحكم بالقوة والثورة، وقسموا أنفسهم لثلاث شعب الأولى خاصة بالجيش وعمادها الضباط والجنود ولهم رئيس مسئول، والشعبة الثانية الشرطة ولها أيضاً رئيس مسئول، والشعبة الثالثة الدعاة القادرين على الوعظ، والثلاث شعب مسئولة أمام المرشد العام، وقام الجهاز السرى بقتل القاضى الخازندار وكذلك استخدموا أسلوب العنف ضد معارضيهم من الوفديين والشيوعيين وقاموا بعمليات ضد اليهود وشركاتهم فى مصر كالتفجيرات التى حدثت فى محلات شكوريل وشركة الإعلانات الشرقية، واتهموا بمحاولة نسف حارة اليهود وسينما مترو، واتهمت الحكومة المرشد بأنه يريد إحياء منصب الخلافة، وفى وزارة حسين سرى أوائل الأربعنيات وضع تشريع يحرم على الجمعيات الخيرية العمل السياسى وكان المقصود الإخوان المسلمين. ولقد وقعت سيارة جيب تتبع الجهاز السرى فى أيدى البوليس وبها أسماء أعضاء الجماعة، وقد أصدر رئيس الوزراء أنذاك محمود فهمى النقراشى قرار بحل الجماعة، فقام أحد أفرادها باغتياله ونفى البنا أن يكون بتوجيه منه، ولقد اغتيل حسن البنا فى فبراير عام 1949، وطالبوا بالثآر من الملك فاروق، وسألوا الشيخ أمين الحسينى مفتى فلسطين ومحيى الدين الخطيب فى أمر الاغتيال والأخذ بالثأر فرفضا الاثنين الفكرة، وكذلك رفض الهضيبى - المرشد الذى خلف البنا - الجهاز السرى وحله، ولقد جرت محاولات لاغتيال رئيس مجلس النواب حامد جودت وإبراهيم عبد الهادى رئيس مجلس الوزراء وفشلت، وبعد استقالة حسين سرى رئيس الوزراء عام 49 خفف الضغط على الجماعة وسمح لهم أن يجتمعوا وأن يعلنوا عن دعوتهم فى حدود القانون، وكان عبد الناصر على صلة بالإخوان قبل الثورة عرفه بهم الضابط عبد المنعم عبدالرءوف، وعندما قامت ثورة 23 يوليو وألغى محمد نجيب الأحزاب السياسية فانهم استثنوا جماعة الإخوان المسلمين على أساس أنهم جماعة دينية وليست سياسية، وأعطى مجلس قيادة الثورة لهم ثلاثة مقاعد فى البرلمان، ولكن حين قرر العسكريون تطبيق الإصلاح الزراعى وإعطاء حقوق متساويه للمرأة عارض الإخوان المسلمون، كذلك قيل إنهم حاولوا فرض سيطرتهم على الثورة، وكونوا خلايا عام 1954 وحاولوا اغتيال جمال عبد الناصر فى المنشية فى مؤتمر شعبى بالاسكندرية فحكم على عدد منهم بالإعدام وأودع الباقون فى السجون، وفى عام 1964 أطلق سراح أعضاء كثيرين من الإخوان من أجل ضمهم للنظام السياسى ومواجهة الشيوعيين الذى كان ألقى القبض عليهم من قبل أيضاً، ولكن لم يلبث أن اتخذت الدولة موقفاً ضدهم لاتهامهم أكثر من مرة بمحاولة اغتيال عبد الناصر بتمويل من السعودية، ولقد أعدم سيد قطب (أحد مفكريهم). وفى كتاب (معالم على الطريق) قسم الأنظمة الاجتماعية إلى فئتين نظام الإسلام ونظام الجاهلية وأن حكومة عبد الناصر تنتسب إلى الجاهلية. وبعد هزيمة 67 حدثت صدمة للمصريين وجرى أرجاعها عند البعض لخروج المسلمين وابتعادهم عن الدين، وفى عام 68 أطلق عبد الناصر سراح مئات عديدة من الإخوان المسجونين، وبعد وفاة عبد الناصر عام 70 تولى أنور السادات منصب رئيس الجمهورية وجعل السادات شعاره العلم والإيمان وأطلق عليه الرئيس المؤمن وأطلق سراح المسجونين المنتمين للإسلام وزاد نفوذ التيار الإسلامى لمواجهة التيار الناصرى، وفى عام 74 قامت حركة ضد النظام قام بها عدد من طلاب الفنية العسكرية للاستيلاء على الحكم واقامة الدولة الإسلامية، وفى عام 75 مع التصريح بإقامة منابر سياسية رفض اقامة منبر للإخوان، ولكن 6 من أعضاء الإخوان دخلوا البرلمان، وفى ظل لائحة الحزب، وأصدروا جريدة الدعوة بقيادة صالح أبو رقيه وكانت الجريدة تطبع بمعرفة عمر التلمسانى الذى يقيم فى السعودية، وهناك 9 أعضاء مستقلين بقيادة سعيد رمضان يتبعون الإخوان ولكن ظهرت فى تلك الأثناء تيارات وجماعات التكفير وأشهرها جماعة شكرى مصطفى التى قتلت الشيخ الذهبى مما جعل السادات يتراجع عن موقفه، وان كان السادات قد أمر بوضع فقرات فى الدستور ملائمة للشريعة الإسلامية وزاد نفوذ الإسلاميين فى اتحادات الطلبة والجمعيات.