تراجع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في أسواق الشرقية الخميس 13-11-2025    ترامب: أعلن إنهاء الإغلاق الحكومي رسميًا    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    مصمم أزياء حفل افتتاح المتحف المصري الكبير: صُنعت في مصر من الألف للياء    مؤتمر حاشد لدعم مرشحي القائمة الوطنية في انتخابات النواب بالقنطرة غرب الإسماعيلية (صور)    روبيو يعلن تحقيق تقدم بشأن مشروع قرار مجلس الأمن حول غزة    نرمين الفقي: أحرص على دعم المهرجانات المصرية.. وأتمنى المشاركة في الأعمال الاستعراضية والغنائية    الحمصاني: المواطن المصري محور التنمية.. واستثمارات كبيرة في الرعاية الصحية    استخراج الشهادات بالمحافظات.. تسهيلات «التجنيد والتعبئة» تربط أصحاب الهمم بالوطن    عباس شراقي: تجارب توربينات سد النهضة غير مكتملة    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    فائدة تصل ل 21.25%.. تفاصيل أعلى شهادات البنك الأهلي المصري    أمطار تضرب بقوة هذه الأماكن.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    نجم الزمالك السابق: «لو مكان مرتجي هقول ل زيزو عيب».. وأيمن عبدالعزيز يرد: «ميقدرش يعمل كده»    قانون يكرّس الدولة البوليسية .."الإجراءات الجنائية": تقنين القمع باسم العدالة وبدائل شكلية للحبس الاحتياطي    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    من «رأس الحكمة» إلى «علم الروم».. مصر قبلة الاستثمار    حبس المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات زوجية    «لو أنت ذكي ولمّاح».. اعثر على الشبح في 6 ثوانِ    مؤتمر المناخ COP30.. العالم يجتمع في قلب «الأمازون» لإنقاذ كوكب الأرض    إعلام: زيلينسكي وأجهزة مكافحة الفساد الأوكرانية على شفا الحرب    التفاف على توصيات الأمم المتحدة .. السيسي يصدّق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    أبوريدة: متفائل بمنتخب مصر فى أمم أفريقيا والوقت لا يسمح بوديات بعد نيجيريا    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا 22 عملية أمنية ضد "داعش" طوال الشهر الماضي    قفزة في سعر الذهب اليوم.. وعيار 21 الآن في السودان ببداية تعاملات الخميس 13 نوفمبر 2025    وزير الإسكان: بدء التسجيل عبر منصة "مصر العقارية" لطرح 25 ألف وحدة سكنية    الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة اقتحامات وعمليات نسف في الضفة الغربية وقطاع غزة    سحب منخفضة ومتوسطة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    بدء نوة المكنسة بالإسكندرية.. أمطار متوسطة ورعدية تضرب عدة مناطق    قرارات جديدة بشأن مصرع وإصابة 7 في حادث منشأة القناطر    مرور الإسكندرية يواصل حملاته لضبط المخالفات بجميع أنحاء المحافظة    واشنطن تدعو لتحرك دولي عاجل لوقف إمدادات السلاح لقوات الدعم السريع    فرصة مميزة للمعلمين 2025.. التقديم الآن علي اعتماد المراكز التدريبية لدى الأكاديمية المهنية    المستشار بنداري: أشكر وسائل الإعلام على صدق تغطية انتخابات نواب 2025    بتروجت: اتفاق ثلاثي مع الزمالك وحمدان لانتقاله في يناير ولكن.. وحقيقة عرض الأهلي    الإنتاج الحربي يلتقي أسوان في الجولة ال 12 بدوري المحترفين    محمد صبحي يطالب أدمن صفحته بإحياء ذكرى زواجه ال52    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    انطلاق معسكر فيفا لحكام الدوري الممتاز بمشروع الهدف 15 نوفمبر    يقضي على ذاكرتك.. أهم أضرار استخدام الشاشات لفترات طويلة    عقار تجريبي جديد من نوفارتيس يُظهر فعالية واعدة ضد الملاريا    إذا قالت صدقت.. كيف تتمسك مصر بملفات أمنها القومي وحماية استقرار المنطقة؟.. من سرت والجفرة خط أحمر إلى إفشال محاولات تفكيك السودان وتهجير أهالي غزة .. دور القاهرة حاسم في ضبط التوازنات الإقليمية    النيابة العامة تخصص جزء من رسوم خدماتها الرقمية لصالح مستشفى سرطان الأطفال    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    تأكيد لليوم السابع.. اتحاد الكرة يعلن حرية انتقال اللاعبين الهواة بدون قيود    «يتميز بالانضباط التكتيكي».. نجم الأهلي السابق يتغنى ب طاهر محمد طاهر    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    حيثيات حبس البلوجر «سوزي الأردنية»: «الحرية لا تعني الانفلات»    ممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي: مصر لا تحتاج لتحريك سعر الوقود لمدة عام    إسرائيل تُفرج عن 4 أسرى فلسطينيين من غزة بعد عامين    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    مقرمش جدا من بره.. أفضل طريقة لقلي السمك بدون نقطة زيت    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقد الكبير عبد الله الغذامى: الثورات العربية نصوص كبرى تكتبها الشعوب بدمائها!
نشر في الأهرام العربي يوم 27 - 02 - 2012

عندما وقف ذات يوم أمام الملك عبد الله وقت أن كان وليا للعهد، مطالبا بتغيير المناهج التعليمية التى لا تؤدى إلا إلى التطرف والإقصاء، كان نموذجا للمثقف الصادق الذى لا يخشى لومة لائم، ويشعر بمسئوليته تجاه مجتمعه ، وكان من نتيجة هذا الموقف المشهود، أن سلقه البعض بألسنة حداد متهمين إياه بالعلمانية مرة وبالانحراف عن جادة الحق مرات.
عبد الله الغذامى المثقف والناقد والأكاديمى يؤمن بأن الأول ترك للآخر أشياء، لذلك وضع على نافذة مكتبه بجامعة الملك سعود عبارة مكتوبا عليها بشكل لافت للنظر «إذا سمعت الرجل يقول: ما ترك الأول للآخر شيئا، فاعلم أنه لن يفلح». عن قراءته للربيع العربى وتوابعه، ورؤيته للحداثة والرجعية فى الفكر العربى، وجوانب إنسانية من شخصيته، وقضايا أخرى، كان هذا الحوار مع د. عبد الله الغذامى الذى يعرض فيه فكره ولا يفرضه، حسب تعبيره الأسير.
هل يمكن أن تبشر الأعمال الأدبية بثورات وأحداث مهمة ؟
لكى أكون صادقا معك، لا شىء فى الوقائع العملية يؤكد ذلك كبرهان، ولو كان الأمر كذلك لقلنا إن روايات نجيب محفوظ مثلا على مدى ستين سنة كان من المفروض أنها صنعت ستين ثورة، لكننا لو نظرنا إلى الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية مثلا، ولو نظرنا إلى الربيع العربى، سنجد أن هذه نصوص كبرى ، لا يسبقها ولا يتقدم عليها نص صغير أبدا، هذه نصوص كتبتها شعوب بدمائها، وليست بخيال أدبى، ويمكننا أن نقول إن الخيال الأدبى له واقعه وله إنجازاته وله قيمته، لكن أن نقول إن أعمالا معينة صنعت الثورات، فهذا لا يمكن أبدا أن نجد عليه دليلا واحدا لا فى الواقع الحالى ولا فى التاريخ القديم.
يقول أوسكار وايلد: الأدب لا يحاكى الحياة، بل هى التى تحاكى الأدب؟
عبارة بها رنين جميل ولكنها تقوم على ادعاء، ظل المبدعون على مدى التاريخ يدعونه لأنفسهم ، لأن المبدعين فى السابق كانوا الوحيدين الذين يملكون الكلمة، لأنهم الذين يكتبون، وغيرهم بمثابة الأمى والمستقبل، فكانوا بسبب تملكهم للكلمة يمارسون سلطات عليا عبر هذا النوع من الادعاءات ، وهذا ادعاء لا يزيد على كونه جملة بلاغية ادعائية، مثل أن نقول إن الشاعر سمى شاعرا، لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، وكأن غيره جماد،لا يبكون ولا يتأثرون ولا يسحقون، الفارق أن الشاعر استطاع أن يعبر عن مآسيه، والآخرون إما لم يعبروا عنها بالكلمة، وإنما عبروا عنها بالدمعة ، أو عبروا عنها بأمراضهم ، ارتفاع ضغط الدم والسكر، هذه كلها من صيغ التعبيرات عن المآسى أيضا .
هل الحس السياسى من الأمور اللازمة للأديب؟
ليس شرطا، وليس أيضا أمرا محظورا عليه، الحس السياسى مثل استنشاق الهواء، لست فى خيار أن تستنشق الهواء أو لا تستنشقه، الحس السياسى موجود حتى ولو بمجرد الاستماع لنشرة الأخبار.
قلت فى أحد حواراتك «إن أردت البحث فى مصطلحات الاعتدال والتطرف، فابحث عنها فى طوايا الخطاب الدينى»، كيف تجد الخطاب الدينى الآن؟
الخطاب الدينى فيه الاعتدال وفيه التطرف وفيه الغلو والوسطية،فيه الانفتاح ، فيه الانغلاق، والخطاب الدينى فى تاريخ حضارتنا يمتد إلى أكثر من أربعة عشر قرنا، وهو ثرى ثراء تاريخيا وثراء عمق، وكذلك الامتداد الجغرافى وامتداد البشر، فقاعدة الخطاب الدينى عريضة جدا، لذلك التشدد داخل هذا الخطاب أضراره فادحة جدا لأن الأتباع كثيرون، وبالعكس التوسط والاعتدال فوائدها عظيمة جدا،لأن الأتباع كثيرون ، بعكس لو ذهبنا إلى الماركسية ، وقلنا إن هناك ماركسية متشددة وماركسية معتدلة، فسيكون تأثيرها على الشارع العريض ضعيفا ومحدودا جدا، لذلك الخطاب الدينى باعتداله أو بتطرفه يؤثر تأثيرا كبيرا جدا، لهذا لو أردنا البحث عن الاعتدال والتطرف، فيجب أن نبحث فى الخطاب الدينى لكى نعرف توجه المجتمع إلى أين.
إذن برأيك الخطاب الدينى الآن يغلب عليه الآن الاعتدال أم التشدد؟
انتخابات مصر وانتخابات تونس ، تعطيانى مؤشرا على الاعتدال والوسطية،فى تونس تحالفوا مع اليساريين ومع العلمانيين، وفى مصر حزب الحرية والعدالة أقرب للتحالف مع الأطراف الأخرى، وليس رافضا للأطراف الأخرى، حتى السلفيين فى مصر غيروا كثيرا من مفاهيمهم، فسابقا كانوا يرفضون الانتخابات ويقولون إن الديمقراطية مخالفة للدين، والآن قبلوها، إذن هناك خطوات باتجاه الاعتدال، وبالنسبة لى هذا مؤشر إيجابى ومهم يجب أن نندفع ونساعد فيه، لأن الاعتدال هو الذى سينتهى بنا إلى نوع من التوازن الاجتماعي.
قديما كان أى فقيه يجمع بين الفقه والأدب فيقال : فقيه أديب،لماذا حدث هذا الفصام والعداء بين الأدب والدين؟
لما صار هناك انتشار واسع للثقافة الفقهية التى كانت محدودة فى السابق، اتسع عدد من تعلموا وتفقهوا، ومنحوا أنفسهم حق أن يفتوا أيضا، وبالتالى قد يأتيك أحدهم ويصدر حكما على نجيب محفوظ، والأزهر لا يصدر حكما، فنكون أمام حكم ليس فقهيا، وإنما حكم لشخص ظن نفسه فقيها فتصرف، وهذه هى الإشكالات التى صارت، فمع توسع قاعدة التعليم والتعلم، اتسعت قاعدة من يقرأون كتب الدين، ويظنون أنهم بلغوا منزلة الفقيه المفتى ويتصرفون على هذا الأساس، هذه هى الإشكالية وليست انفصاما بين الدين والأدب، عند أهل الاختصاص وأهل المعرفة لا يوجد هذا الانفصام، وجد هذا الانفصام عند القاعدة العريضة التى أسندت لنفسها مهمة هذا الأمر، وألزمت نفسها أنها معنية به ويخصها، وهذا السؤال أنا لا أخطّئ ولا أصوّب، أنا أقرأ الظاهرة فقط وأصفها .
كال د. سعيد بن ناصر الغامدى فى كتابه (الانحراف العقدى فى أدب الحداثة) الاتهامات وشن هجوما وتطاولا على الأديب الكبير نجيب محفوظ.. كيف استقبلت هذا الكتاب الصادر أخيرا فى الرياض؟
الكتاب كله توسيع لشريطه ( الحداثة) الذى توسع فيه وجعله كتابا، والشريط يقوم على سوء فهم وسوء ظن وسوء تقدير للحالة، وينطوى على عدم معرفة، ولا يتأسس على معرفة،والكتاب فى مجمله خطاب فى التجهيل وليس خطابا فى المعرفة.
يرى البعض أن علاقة المثقفين بالسلطة أصبح يحكمها الترغيب والترهيب، فهل خان المثقفون أدوارهم ؟
كانت مرحلة ذهبت وانتهت، الآن الذى يدير الثقافة ويدير الضمير هو الشارع العام، حدث انتقال من النخبة إلى الجماهير، ونحن فى زمن سقوط النخبة وبروز الشعبي، ولى كتاب بهذا المعنى صدر منذ 6 سنوات، ولا أدعى أننى تنبأت بما سيحدث، ولست ممن يلعب هذا الملعوب، لأنه ملعوب غبي، والذى يمارسه - برأيى - يكون متبجحا، فقط أقول إننى قرأت ظواهر كانت واضحة منذ أكثر من ست سنوات، والأحداث يؤكد بعضها بعضا، والحدث عادة إذا صار، يجر أحداثا أخرى، وفى كثير من الأمر تكون الأحداث التالية أكبر بكثير من السابقة .
تقول فى كتابك (اليد واللسان .. القراءة والأمية ورأسمالية الثقافة): أهم تواريخ الثقافة هى قصص المواجهة بين القامع والمقموع.. كيف ترى المواجهة الآن ؟
المقموع ينتصر الآن، وسينتصر، فمثلا ميدان التحرير الآن أصبح رمزا لانتصار المقموع، وميدان التحرير قبل 25 يناير بالنسبة لنا نحن كان يعنى المجمع والباصات والزحام، والتقاء الشوارع والطرقات هذا هو ميدان التحرير فى ذهنى قبل 25 يناير، الآن عندما تطلق كلمة ميدان التحرير ، يتداعى إلى الذهن معنى الرمز للثورة والأمة والتاريخ، ميدان التحرير أصبح مفصلا تاريخيا، والمسميات صارت تحمل معانى كبرى، وهذا هو الذى غير معادلة القامع والمقموع، وأصبح المقموع الآن هو الذى يدير القضايا كلها ، وهو الذى يصنع المعانى.
تقول إن قضيتك الأولى الآن هى اللغة والهوية.. هل تشعر بالخطر على اللغة العربية الآن ؟
عندى تجربة 3 أشهر أراقب اللغة التى يستخدمها الناس فى تويتر، وألاحظ أنها فى أكثر من 90 % هى لغة فصيحة، يشوبها بعض الأخطاء النحوية والإملائية، وهذه أمرها بسيط ، ولكن على مستوى صناعة المفردة وصناعة الجملة سنجدها لغة عربية فصيحة، وهى اللغة العربية اليومية المحكية، لغة التداول اليومى ، ولكنها بشروط الفصحى وبقيم الفصحى وبأساليب الفصحى، ولا أرى خطرا على لغة الضاد ، بل بالعكس أرى أنها تزدهر وتنمو وتتسع دوائرها .
الحداثة حداثات.. فما النموذج الإبداعى للحداثة العربية ؟
الحداثة العربية أنتجت على المستوى الإبداعى منجزات ضخمة، ولكن سلبياتها أنها لم تنجز شيئا على المستوى السياسى ولا الاقتصادى، والحداثة فى هذه المجالات فقيرة جدا ، أو غير موجودة أصلا، وإنجازاتها فى الإبداع الشعرى على وجه التحديد، وفى الخطاب النقدى والنظريات النقدية، أما ما عدا ذلك فلا نجد شيئا ذا قيمة .
يرى البعض أن الثقافة العربية تعرضت للتغريب ولا تزال ؟
أعتقد أن هذا كلام سخيف جدا، فى العلم والمعرفة لا يوجد تغريب ولا تشريق، الفكر الإنسانى هو فكر إنسانى سواء جاء من الغرب أو الشرق، المعرفة لا شأن لها بالحدود الجغرافية،ولا بالحدود التاريخية، امرؤ القيس يعبر إلينا عبر الزمان والمكان، وكذلك شكسبير، وعندما أقرأ روايات غربية لماركيز وغيره من الهند أو اليابان والصين أو أمريكا الجنوبية، أو بريطانيا القديمة، أو عندما أقرأ هوجو أو جوته ، أشعر أننى أتعامل مع نفسي، وكأنه واحد منا لاسيما فى كتاب جوته( الديوان الشرقى للمؤلف الغربي)تحدث عن الخيمة والجمل والصحراء والبدوى والشيرازى تحدث عن القرآن والرسول وعن الإسلام، تحدث عن كل هذه الأمور كأنه منا ، لأنه ترحل بعقله وروحه عبر الزمان والمكان إلى الشرق. إذن القول بالتغريب حماقة ثقافية وكلام بعيد عن الحكمة، وبعيد عن التدقيق المعرفى، وأنت إذا كنت ضعيفا سيأكلك حتى الذباب، وأبو ريشة له بيت جميل يقول فيه: لا يلام الذئب فى عدوانه... إن يك الراعى عدو الغنم.
لك موقف مشهود مع الملك عبد الله يوم أن كان وليا للعهد، طالبت فيه بتغيير مناهج التعليم التى لا تؤدى إلا إلى التخلف.. هل ما زلت ترى ضرورة لتغيير المناهج؟
أنا مع ضرورة تغيير كل شيء، السياسة والاقتصاد والتعليم، أنا نفسى أغير نفسى ، وتحولت من النقد الأدبى إلى النقد الثقافي، إذا لم نتغير مع شروط الزمن، فسيمضى ويتركنا خلفه. لذلك لابد أن نعى المتغيرات ونسير بنفس درجة سرعتها .
كيف ترى قيمة الثقافة العربية الآن عالميا؟
فى (وول ستريت) كانوا يرفعون شعار (الشعب يريد تغيير النظام) وباللغة العربية نطقوها، فالعالم يتطلع إلى الربيع العربى، ويجعله مثالا فى التغيير وفى الإرادة، هذه أول مرة فى العصر الحديث يكون للعرب دور قيادي، ففى السابق كنا نأتى فى كل أمر فى الصفوف اللاحقة، (سواء فى كرة القدم، الفن التشكيلي، الموسيقى، الصناعة، التكنولوجيا). الربيع العربى جعل لنا رمزية ثقافية على المستوى العالمي، وهذا ليس إنجازا على مستوى القاهرة وتونس وحمص فقط ، ولكن على مستوى الضمير الإنساني، مثلما نتكلم عن مانديلا وغاندى ومارتن لوثر كنج، يضاف لهم (الربيع العربى) لذلك هذه إنجازت، وفى اليمن حصلت فتاة يمنية على نوبل بسبب الربيع العربى. وكلمة الربيع العربى فى كل مكان فى العواصم العربية وفى الدوائر الثقافية العالمية تتردد بمعنى عال وكبير جدا، حتى إنها ترعب الأعداء، فإسرائيل مرعوبة من الربيع العربي، والصين مرعوبة من أن يحدث عندها شىء مماثل، روسيا تقف مع الأسد ووقفت مع القذافى، لأنها تخشى أن يأتيها الربيع العربي. الربيع العربى مخيف، لأنه فاعل وإيجابى ومؤثر ويحرك الصخور ويزحزح الجبال، فهذه رمزية ثقافية ليس عادية الآن.
لماذا اتجهت لكتابة مقالة أسبوعية فى صحيفة سبق الإلكترونية ؟
أعتبر هذا جزءا من الالتزام الأخلاقى والثقافى، فمنذ أن طرحت كتابى (الثقافة التليفزيونية.. سقوط النخبة وبروز الشعبى) قبل 6 سنوات وأنا أسأل نفسى: إذا كنت صادقا فى اعتقادى أن الثقافة الآن هى ثقافة الشعب، وليست ثقافة النخبة، إذن ما بالى مستمرا فى الكتابة فى الصحف الورقية النخبوية؟ وجاءت لحظة قررت الدخول فى تويتر ، واتصلت فى الوقت ذاته بصحيفة سبق ، وقلت لهم إننى سأكتب عندكم مقالا أسبوعيا، وكانوا يفكرون فى استكتابى قبلها ،ولكنهم كانوا يعتبرون كتابتى عندهم من المستحيلات، ولكننى فاجأتهم، وتجربتى عندهم ناجحة جدا، ومقالى الأول قرأه أكثر من 60 ألف قارئ، وهذا رقم كبير جدا مقارنة بالصحف الورقية.
ماذا تعنى لك هذه الأسماء : المتنبى، طه حسين،عبد الرحمن منيف،أدونيس؟
المتنبى: مبدع عظيم وشحاذ عظيم. طه حسين: الأعمى البصير . عبد الرحمن منيف: روائى متوسط، ولكننى أتعاطف معه كثيرا على المستوى الوطنى والسياسى، ويغضبون منى فى تعاطفى معه. أدونيس: يمثل الحداثة الرجعية.
ألا يشعر ناقد حداثى كبير مثل الغذامى بالغربة وسط المجتمع السعودى المحافظ ؟ لا، أى إنسان يريد أن يجعل من نفسه جسرا للآخرين، ويجعل لنفسه قيمة ثقافية ومعرفية يجب أن يعيش مع أهله ومع زمانه، وطه حسين كان فى حقيقته الداخلية مختلفا مع مجتمعه، ولكنه اندمج مع المجتمع ، وعاش فيه وعمل بوظائف رسمية، وألف وأبدع ، وأعتقد أن الاندماج مع المجتمع شرط من شروط المثقف الصادق . برأيك ما أبرز آفات الفكر العربى؟ أعطيك فقط مثالا واحدا، عندما يقول عبد الله القصيمى (العرب ظاهرة صوتية) ويجاريه الآلاف والملايين من الشباب العربى، ويرددون هذه المقولة، دون أن يدركوا أنها مقولة غبية، لأن مشكلة العرب كانت فى أنهم ظاهرة خرساء. فمشكلة الفكر العربى فى إعطاء مقولات رنانة بلاغية، ولكنها غبية، ودلالتها غبية، ويتابعها الملايين، هنا المعضلة الحقيقية .
أى الغذامين أخلد: المثقف أم الأكاديمى؟
بصرف النظر عن الخلود من عدمه، فالجانب الأكاديمى هو الأضعف عادة فى أى قيمة معرفية، لأنه نخبوي، بين جدران مغلقة ، ضيق الحدود، بينما المثقف يدخل إلى الجماهير من أوسع الابواب ، فمثلا أنا عرفت طه حسين ليس لأنى درست عنده، وليس لأنى كنت فى جامعة القاهرة، ولا لأنى عشت فى مصر، وعرفته على كل هذه المسافات البعيدة ليس بسبب أنه أكاديمى ، ولكن عرفت طه حسين المثقف. وهذا هو الفرق. ماذا عن عبد الله الغذامى الإنسان.. فلسفتك فى الحياة ؟ أهم شيء أن أكون صادقا مع من هو أنا، الذى عندى لا أخفيه، فأحيانا أقول إننى لا أملك الحكمة التى يملكها بعض الناس حينما يستعمل الدبلوماسية والدهاء، والتخطيط، فليس عندى دهاء ولا دبلوماسية ولا حكمة، عندى أن الذى فى داخلى أقوله، وأدفع ثمنه مقابل ذلك، وقاعدتى دائما (قل رأيك ولاتبال شريطة أن تقول : هو رأيى أعرضه ولا أفرضه).
ما الذى يغضبك؟
يغضبنى الادعاء، أن يزعم إنسان أنه ديمقراطى وتجده إقصائيا، أن يقول بالحرية، لكنه يريد حرية لنفسه، ولا يريد أن يمنح للآخرين حريتهم . وقد ألقيت محاضرة بعنوان (الليبرالية الموشومة) بمعنى الليبرالى الذى ليس ليبراليا، الذى يكذب ويسمى نفسه ليبراليا وهو فى حقيقته ليس ليبراليا، يريد حرية خاصة له ولكنه لا يمنحها لغيره،خاصة لمخالفيه والمختلفين معه ، ويريد أن يقمعهم، أى ليبرالية هذه، هذه كذب وتزييف ، لذلك فهى ليبرالية موشومة .
متى تبكى؟!
أبكى كثيرا ، عندما توفيت والدتي، وعندما توفى أصدقائى الأقربون، وعندما توفى محمود درويش . أحيانا تبكينى كلمة طيبة عميقة، وأحيانا أبكى من موقف شرس مؤذ وقذر جدا لأنه يشعرنى بموت الإنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.