تحدث الناقد والأكاديمي السعودي عبد الله الغذامي إلى صحيفة "السعوديون"الشبكية يوم الثلاثاء عن الليبرالية مجدداً نعتها لها "بالموشومة"، ومبرراً ذلك بالتصادم بين مفهوماتها الأساسية وممارساتها العملية، وهو ما يسميه بالتعارض النسقي. يقول المفكر والناقد السعودي إن الليبرالية نكثت وعودها في أكثر من سياق وبيئة على مستوى الكون، ومن ثم خسرت تألقها وجاذبيتها، فلا يمكن "للخطابة" وحدها أن تمثل برامج وأجندات عملية ذات صدقية وقابلة للتحقيق. المشكلة، كما يرى الغذامي، هي فقدان الوهج الذي كانت تتمتع به خطابات الليبرالية، وانكفاء جماهير متزايدة في طول العالم وعرضه على ذاتها، أو البحث في الجذور، والتماهي مع الأساطير والطقوس المحلية بحثاً عن الهوية، بعد فشل الوعود الكبرى للحداثة والليبرالية. في العالم العربي يبدو "التوجس" من الليبرالية، كما يقول الغذامي، مفهوماً ومبرراً بالنظر إلى تماهيها مع "الإمبريالية" وتسخير رموز "الحرية" و "الحداثة" و "الديموقراطية" لخدمة أجندات التوسع الإمبراطوري ونهب الثروات والهيمنة الثقافية. ليس هذا هو ما يجعل الليبرالية موشومة فقط، بل هناك مشكلة أخرى تتعلق بما يعرف "بالليبرالية السعودية"، التي يرى الغذامي أنها "غير موجودة"، من حيث افتقارها إلى أي معنى حقيقي، واقتصارها على الضجيج والصراخ والهيلمان، بعيداً عن أي مضمون أو إنجاز على أرض الواقع. يشير الغذامي في هذا السياق إلى بعد آخر يجعل الليبرالية السعودية (إن صح التعبير) غير موجودة، أو موجودة فقط بحسبانها ادعاءً أو شعاراً، وهو "الإقصاء" أو التطرف الذي يجعل المنتسبين إلى تيارها رافضين لغيرهم من أطياف المجتمع، وساعين إلى تهميش المختلفين معهم أو التشويش على حقهم في الكلام والتعبير. هنا يكمن مأزق "الليبرالية السعودية"، التي تلوك شعاراتها ألسن وأقلام ترى في المصطلح لافتة جميلة وبراقة ومغرية بالانضواء تحتها، من دون إدراك ناضج لماهيتها ودلالتها. والحال أن هذه "الليبرالية" ليست "موشومة" فقط، بل مشؤومة أيضاً؛ ذلك لأنها في المشهد الثقافي والصحافي في السعودية قسمت المجتمع، وعمقت الاستقطاب، ومارست التحريض، وفي أحيان كثيرة أسرفت في تشويه الخصوم. ولم تكن الحملة التي تعرض لها الغذامي خارجة عن هذا السياق، فقد تعرض بسبب نقده الليبرالية إلى سيل من الاتهامات ووُصف طرحه "بالجبن" و "السذاجة"، و"التناقض"، و "البساطة المفرطة" و"الافتقار التام إلى الموضوعية"..كما وصف شخصياً بأنه "موشوم" و"صحوي" ويهاجم الليبرالية مدفوعاً ب "ثأر" شخصي لا باعتبارات ثقافية ومعرفية، وغير ذلك من التوصيفات الدعائية غير المنسجمة مع شخصية علمية كبيرة كالغذامي، ومع حقه وحق غيره من المثقفين في الاختلاف والنقد بعيداً عن التجني والتشويه والتحامل. عندما تنجلي هذه "الفورة" يوماً، وهي ستنجلي حتماً، فإن التاريخ سيتذكر أن هذه الصيغة المتطرفة من "الليبرالية" بنسختها السعودية، لم تكن في حقيقة الأمر سوى ممارسات فاشية قائمة على "إرهاب" الآخرين وقصفهم بوابل من "النبز بالألقاب"، في الوقت الذي تحتكر لنفسها حق التعبير، وتكرس نفسها الوحيدة المؤهلة للنقاش في قضايا الشأن العام من تحرر وحداثة وديموقراطية وإصلاح وغيرها. إنها في التحليل الأخير مشروع "زبد"..و"الزبد" لا يمكن أن ينتصر على ما "ينفع الناس". *أستاذ الاتصال السياسي بجامعة الرياض المشرف العام على موقع السعوديون .