عندما وضعت الصهيونية مشروعها الخبيث المسمى «من النيل إلى الفرات» وجدت نفسها أمام مأزق حقيقي فهى تدعو إلى جمع شتات شعب لا ماضى له ولا تاريخ ولا جغرافيا، وبالتالى شعب بلا حضارة، فالاستقرار على أرض ما هو أهم وأول شروط إقامة أى حضارة إنسانية، فاليهود كانوا دائما أقليات داخل المجتمعات التى عاشوا فيها ولم تكن لهم دولة إلا فى عهد سيدنا سليمان، بالتالى كان على الصهيونية انتحال التاريخ، وهو ليس بالأمر الصعب على أناس انتحلوا الأرض فقاموا بعملية تزوير فائقة البجاحة وانتحلوا التاريخ كله، فهم بناة الأهرامات وبناة الحضارة المصرية وإخناتون المصري صاحب أول دعوة فى التاريخ للتوحيد هو موسي عليه السلام ويويا المصري هو يوسف الصديق، حاولوا الادعاء أن هناك نصوصا عبرية داخل أحد الأهرامات ومضوا يحاولون العثور على أية قطع أثرية تثبت ادعاءاتهم، وهكذا مضوا فى سرقة الشخوص والرموز الدينية ليصبغوا على الشعب اليهودى حضارة لم تكن أبدا لهم. برغم أنها تراث مصري 100 % وثائق «الجنيزا» هربها اليهود بمساعدة الاحتلال البريطانى عندما صدر الأمر الإلهى لموسي عليه السلام للخروج من مصر ذهبت نساء اليهود إلى المصريات يطلبن حليهن وأوانيهن على سبيل الاقتراض.. لكنهن فى الحقيقة سرقن النساء المصريات وهى حقيقة تفتخر بها كتبهم الدينية.. كان هذا أثناء الخروج الأول لليهود من مصر.. وقبل خروجهم الثانى الذي اختاروه طواعية سرق اليهود. أوراق «الجنيزا» التى تكشف مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى مصر إبان عهد الدولتين الفاطمية والأيوبية. وهو ما لم تبح به مصادر التاريخ الأخرى التى كانت تهتم بالجانب السياسي وبالخاصة أكثر من اهتمامها بالحرافيش وشئونهم الحياتية.. علما بأن اليهود يقومون منذ نحو خمسة عشر عاما بتنفيذ مشروع قومى لتوثيق الجنيزا، وفهرستها فى حين أن مصر لا تمتلك مجرد صور لهذه الوثائق. ووثائق الجنيزا تدحض افتراءات اليهود وتثبت أنهم عاشوا فى مصر فى ظل تسامح دينى وثقافى، خصوصا أن تلك الأوراق تتسم بالواقعية، لأن من كتبوها لم يكن فى حسبانهم أنها ستقرأ بعد سنين عديدة وأنها ستعتبر مصادر أصيلة لكتابة التاريخ، فقد كتبها الفقراء والأغنياء والمتعلمون والأميون على سجيتهم دون تكلف. واليهود لهم مجموعات مختلفة من الجنيزا فى مختلف بلدان العالم التى عاشوا بها فى الشرق الإسلامى أو الغرب المسيحي، إلا أن أهمها وأضخمها «جنيزا القاهرة» التى حفظتها تربة مصر الجافة من التلف على امتداد تسعة قرون. وقد كتبت وثائق الجنيزا باللغة العربية بخط عبري وهى مجموعة غير متجانسة من الأوراق فمنها إيصالات وعقود زواج وعقود تجارة وخطابات، لأن اليهود كانوا يعتبرون اللغة العبرية لغة الله ولا يجوز التفريط فى أى ورقة تحتوى على كلام الله لذا كانوا يلقون أى ورقة تخصهم فى غرفة مخصصة لذلك فى معبد «بن عزرا» بمصر القديمة بالقاهرة. ومن حين لآخر تفرغ الحجرة من محتوياتها لتنقل عادة إلى مقبرة لتدفن فيها الأوراق.ومن هنا جاءت تسمية الجنيزا فهى كلمة عبرية تعنى «المخبأ». د. أحمد الراوى الباحث فى الإسرائيليات واللغة العبرية يشير إلى أن يهود مصر قاموا بتخزين كم هائل من المخطوطات منذ العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر فى معبد الفسطاط (بن عزرا)، وتقع الحجرة التى تم التخزين بها فى نهاية بهو النساء ولا مدخل لها سوى شباك عال لا يمكن الوصول إليه إلا بسلم خشبى. وقد قام عدد من اليهود بالاستيلاء على الكثير من مخطوطات الجنيزا أهمها “أبراهام فيركوفيتش" اليهودى الروسى الذى حصل على آلاف المخطوطات ولكنه لم يكشف عن مصدرها وهى موجودة الآن فى سانت بطرسبرج “ ليننجراد “. وفى عام 1896، جاءت سيدتان من أسكتلندا اسمهما، أجنس لويس ومرجريت جيبسون إلى اليهودى “سلومون شختر" الباحث فى علوم اليهودية فى جامعة كمبردج لاستشارته بشأن بعض المخطوطات العبرية التى حصلتا عليها من تاجر آثار بالقاهرة. فاكتشف شختر أن الأوراق تحتوى على جزء كبير من النسخة العبرية الأصلية المفقودة لكتاب حكمة ابن سيرا، مما جعله يتحمس ويسافر إلى القاهرة فى بعثة لاكتشاف كنوز الجنيزا وقد دعمه ماليا تشالز تيلور. كما حصل على رسائل توصية من حاخام إنجلترا الأكبر إلى حاخام الطائفة اليهودية فى مصر لمعاونته فى مهمته. وفى القاهرة استطاع شختر بمساعدة المسئولين اليهود أن ينقل كل ما يرغب من أوراق موجودة فى حجرة الجنيزا إلى إنجلترا. وفى مكتبة جامعة كمبريدج توجد أكبر وأهم مجموعة من الجنيزا وهى تشكل ثلاثة أرباع مجموع محتويات الجنيزا أما الربع الباقى فموزع على مكتبات نيويورك، ميونخ، فيلادلفيا، واشنطن، لندن، القدس، باريس. فى 1911 – 1912 قام اليهودى جاك موصيرى وبعض الباحثين الأوروبيين والأمريكان بالحفر فى مقبرة البساتين فتم اكتشاف حوالى 4000 مخطوطة وتسمى مجموعة موصيرى وتوجد حاليا فى الجامعة العبرية بالقدس. وتعد وثائق الجنيزا تراثا مصريا خالصا، وتاريخ خروج الجنيزا من مصر يدل على أنها سرقت ونهبت وهربت على يد اليهود الذين كتبوا بأنفسهم عن طريقة خروجها غير الشرعية من مصر. وهكذا يكون من المنطقي أن تطالب مصر باستعادتها. وفى دراسته المستفيضة عن الجنيزا يؤكد الدكتور عطية القوصى أستاذ التاريخ الإسلامى أن عملية استنزاف الجنيزا بدأت فى العشر سنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر. ففى سنة 1890، نقلت كميات كبيرة من وثائقها إلى جامعة أكسفورد. وفى سنة 1896، استطاع آدلر أن يحصل على صفقة كبيرة من وثائق الجنيزا وأن ينقلها إلى معهد الدراسات اليهودية بنيويورك، وذلك بمساعدة رئيس كهنة اليهود بمصر آنذاك. وفى سنة 1897، استطاع الدكتور سولمون ششتر أن ينقل معظم محتويات حجرة الجنيزا إلى مكتبة كامبريدح بإنجلترا وذلك بمساعدة اللورد كرومر ويقدر ما نقله ششتر بما لا يقل عن 70 ألف وثيقة وهى موجودة الآن بمكتبة جامعة كامبريدج وبعث بعضها إلى مكتبة كلية دروبسي بفيلادلفيا. كما توجد نحو 50 وثيقة فى قاعة فرير بواشنطن أحضرت من مصر على يد الدكتور شارلز فرير وتسمت باسمه، وجاءت هذه المجموعة من جبانة البساتين..كما حصل الأستاذ جوثييل الباحث الكبير فى وثائق الجنيزا عام 1910، على عدد من الوثائق المهمة من جبانة البساتين وهنالك مجموعة صغيرة من وثائق الجنيزا يمتلكها متحف جامعة بنسلفانيا، كذلك هناك مجموعة فى المتحف البريطاني بلندن تعرف باسم مجموعة جاستر.. وقد وجدت فى الجنيزا موضوعات إسلامية خالصة وقامت جامعة كمبريدج بتخزينها فى صناديق منفصلة وعثر الدكتور ستيرن من أكسفورد على 20 صفحة ضمن أوراق الجنيزا كتب فيها شعر فى مدح الخلفاء الفاطميين. وفيما يختص بالجانب الاقتصادى وجد بين هذه الوثائق أكثر من ثلاثمائة وثيقة تتصل بتجارة الهند فى القرنين الخامس والسادس الهجريين قام بجمعهما ودراستهما الأستاذ جواينتين المتخصص فى دراسة هذه الوثائق ولقد ورد فيها أسعار البيوت وقيمة إيجاراتها وأسعار البضائع المختلفة، وجواينتين كان محاميا مصريا ترك المحاماة وتفرغ لجمع وثائق الجنيزا. وقد بينت تلك الوثائق جانبا من حياة اليهود فى العصور الوسطي وتحدثت بصدق عن المعاملة الجيدة التى كانت السلطات الإسلامية تعاملهم بها، بل إن بعض الوثائق برأت الخليفة الفاطمى الحاكم من تهمة اضطهاد اليهود والمسيحيين وأشادت بعدله حتى شبهه البعض بالسيد المسيح. بينما يكشف د. محمد خليفة حسن، مدير مركز الدراسات الشرقية سابقا: أن الجنيزا تكشف التأثير الإسلامي فى الديانة اليهودية فقد تأثر القرائون اليهود بمدرسة المعتزلة فى الفلسفة، واتبعوا خطاها فى التفسير العقلى للدين.كما تأثر الربانيون بالإسلام ويظهر هذا فى مؤلفات سعديا الفيومي والذي أسس فرع علم الكلام اليهودى على نمط علم الكلام عند المسلمين وقام بترجمة التوراة إلى العربية.