يعمل خبيران اسرائيليان في علم الديجيتال بجامعة تل أبيب، هما البروفسور ناحوم درشوفيتش والبروفسور ليئور وولف، في هذه الفترة، في مشروع إلكتروني كبير لأرشفة ما يعرف ب"الجنيزة" وهي عبارة عن مجموعة وثائق مخطوطة بالعبرية والآرمية والعربية مسروقة من مصر يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، وتم العثور عليها في كنيس "ابن عيزرا" في القاهرة، وألقت الضوء على الأدب والتاريخ اليهودي. وقد كُتب قسم كبير من هذه المخطوطات بالعربية ولكن بأحرف عبرية، يصفها العلماء الاسرائيليون بأنها اللغة "اليهودية العربية". وبدأ البحث في هذه المخطوطات الدكتور شلومو زملان شختر، من جامعة كامبريدج البريطانية، بعد أن وصلت إليه بضع صفحات من هذه المخطوطات، تم شراؤها من تجار آثار مصريون، والصفحات التي حصل عليها شختر كانت جزءا من كتاب نادر فُقدت آثاره قبل أكثر من ألف عام. وهذا الكتاب هو النص العبري ل"أمثال ابن سيرا" الذي يعتبر أحد الكتب اليهودية المقدسة من خارج التوراة، وتم تأليفه في القرن الثاني قبل الميلاد. وسافر شختر إلى القاهرة في محاولة للعثور على أجزاء أخرى من الكتاب. وأوصلته أبحاثه وتحقيقه إلى كنيس "ابن عزرا" في القاهرة، حيث اكتشف "الجنيزة"، أو "المخطوطات القاهرية"، كما يسميها الباحثون الإسرائيليون، وهي عبارة عن كومة هائلة من المخطوطات الممزقة والبالية والمتناثرة، لأكثر من مؤلف، مختلطة ببعضها البعض، وكان قسم من هذه المخطوطات موجود في الكنيس منذ أكثر من ألف عام، فقد بُني الكنيس في القرن التاسع الميلادي، وتضمنت المخطوطات كتبا يهودية مقدسة ووثائق تتحدث عن الحياة اليومية للمجتمع اليهودي في القاهرة، وكانت هذه المخطوطات محفوظة في غرفة داخل الكنيس تم إغلاقها منذ مئات السنين. وتمكن شختر من إخراج 140 ألف صفحة من هذه المخطوطات من الغرفة، وبعد أن حصل شختر على التصاريح اللازمة من السلطات في مصر، جمع المخطوطات في صناديق ونقلها بسفينة إلى جامعة كامبريدج في بريطانيا، بينما توزعت بقية المخطوطات، ونسبتها 40% من مجمل المخطوطات، بين تجار الأثريات وجامعي القطع الأثرية ورحالة مشهورين تجولوا في أنحاء العالم. وقسم صغير من هذه المخطوطات موجود في مكتبات جامعات أخرى. ونشرت صحيفة "هآرتس" تقريرا حول الموضوع، وخصوصا حول عمل "درشوفيتش" و"وولف" الأول متخصص في علم المنطق والثاني خبير في "الرؤية المحوسبة" التي تستخدم في التعرف على وجوه الأشخاص. وهذان الخبيران يشكلان الضلع الرئيسي في تل أبيب في مشروع دولي حديث باسم "محفوظات" ويقع مركزه في حي "غفعات شؤول" في القدس. وهدف هذا المشروع هو إعادة ترتيب مخطوطات "الجنيزة" واستعراض صيغة كاملة وديجيتالية لها في موقع الكتروني على شبكة الإنترنت لتطلع عليها الأجيال القادمة. ووفقا ل"هآرتس"، فإن الأمر المستحدث في دراسة "الجنيزة" هو استخدام التقنيات العصرية الأكثر تطورا، أي استخدام الحاسوب والأنترنت ووضع برامج الكترونية لفهم هذه المخطوطات فبعد شهور من بدء هذا المشروع تم تطوير أدوات حديثة من شأنها أن تسرع البحث في المخطوطات القاهرية، بحيث يتمكن الباحثون من فهمها ودراستها خلال وقت قصير وبوتيرة أسرع بكثير من وتيرة دراستها خلال ال120 عاما الماضية منذ اكتشافها. وقد بادر إلى هذا المشروع ثري حريدي أي يهودي متزمت دينيا (يدعى دوف فريدبرغ من مدينة تورنتو الكندية، الذي قدم أطروحة دكتوراه حول ال"رامبام"، الذي يعتبر أشهر شخصية يهودية زار كنيس "ابن عزرا" في القاهرة. وهجس فريدبرغ بإنشاء موقع الكتروني يتم تركيز جميع المخطوطات القاهرية فيه، إضافة إلى الدراسات التي أجريت حول هذه المخطوطات. وفي بداية المشروع تم تجنيد خبراء في مجال المخطوطات المحفوظة تحت إدارة أكادميية لباحثني من الجامعة العبرية في القدس. لكن هؤلاء الخبراء لم ينجحوا في إيجاد التقنيات المناسبة للمشروع. لكن المشروع انطلق مجددا قبل خمسة أعوام، بعد تعيين البروفسور يعقوب شويكيه رئيسا للمشروع. عندها بدأت الثورة الحقيقه، وفقا لباحثين في المشروع. ولم يكن اختيار شويكيه صدفة، فهو يعمل منذ عشرات السنين في التاريخ اليهودي وعلوم الحاسوب. وهو خبير عالمي في مجال استخراج المعلومات من النصوص والتحليل المحوسب للنصوص والمعاجلة المحوسبة، وإلى جانب ذلك فهو خبير في الادبيات اليهودية المقدسة. ولفتت الصحيفة إلى أن المذكور سوري الاصل ووالد جده كان الحاخام الرئيس ليهود حلب، في القرن التاسع عشر، إلا أنه مولود في القاهرة ولديه خبرة واطلاع واسعان على اللغة "اليهودية العربية" التي كتبت بها العديد من المخطوطات. والمشكلة الاولى التي واجهها شويكيه تعلقت بتناثر أجزاء من المخطوطات في مواقع كثيرة في أنحاء العالم. وهناك 75 مكتبة عامة وخاصة في العالم لديها أجزاء من هذه المخطوطات. ولذلك فإن المرحلة الأولى من المشروع، التي استمرت عامين، تركزت في إعداد قائمة الأماكن التي يتواجد بها صفحات للمخطوطات في العالم. وقال شويكيه إنه "لأول مرة بعد 120 عاما تناثرت خلالها الجنيزة في العالم وبالتعاون مع مكتبات في إعداد قائمة موحدة وكاملة تضمنت مقاطع المخطوطتا وهذه القائمة عبارة عن كتالوج محوسب وشامل يتضمن أرقام الرفوف، أو الأرقام التسلسلية، لحوالي 350 ألف نص موجودة في مكتبات عديدة وهي عبارة عن مخطوطات وكتيبات وصفحات ممزقة ومقاطع من كتب. وتشمل هذه المخطوطات كتب توراة وتلمود وتفسيرات للتوراة ونصوصا فلسفية وعلمية ورسائل شخصية ورسائل تجار وحسابات وقروضا وتبرعات ووصفات أدوية وشهادات زواج وطلاق وما إلى ذلك. وتشمل المرحلة الثانية من المشروع، التي من المقرر إنهاؤها في نهاية العام الحالي، إجراء تصوير رقمي وبنوعية عالية لكافة المخطوطات. ووصف شويكيه ذلك بأنه "ثورة هائلة" فحتى الآن كان الباحثون مطالبين بالبحث عن المخطوطات اليدوية في مكتبات في أنحاء العالم، أو مراجعة نسخ لها مصورة على أشرطة ميكروفيلم لتكون نوعيتها جيدة دائما. وأضافت هآرتس "سيتم التمكن قريبا من استعراض المخطوطات كلها أمام أي باحث وفي أي مكان في العالم وفي أي ساعة، على شاشة حاسوبه الشخصي". كذلك سيتمكن الباحثون من قراءة نصوص المخطوطات بصورة أوضح بكثير من المخطوطة الأصلية. كذلك سيتمكن الباحثون من تكبير صورة المخطوطة على شاشة الحاسوب إلى درجة تسمح لهم برؤية الأحرف وتشكيلها والأشارات الموجودة في النصوص والالوان، التي لا يتمكن القارئ من رؤيتها لدى النظر إلى المخطوطات الأصلية. ولفتت "هآرتس" إلى أن التقنيات التي طورها درشوفيتش ووولف سيتم استخدامها في مشروع آخر يعملان عليه، وهو حوسبة مخطوطات قمران، المعروفة أيضا باسم مخطوطات البحر الميت. ويذكر أن هذه المخطوطات عثر عليها في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي في "مغائر قمران في شمال البحر الميت" وكتب هذه المخطوطات أتباع طائفة يهودية قبل أكثر من ألفي عام. من جانبه قال شويكيه إن "هذه نفس الفكرة ونوع المواد ذاتها التي تميز المخطوطات القاهرية. قطع من المخطوطات التي تناثرت وتم إجراء بحوث عليها من جانب الباحثين". إضافة إلى هذين المشروعين، يعمل شويكيه حاليا على مشروع ثالث أكبر من المشروعين السابقين ويتعلق باستعراض كافة التغييرات التي أدخلت على صياغات التلمود، سواء كان على شكل مخطوطات أو كتب مطبوعة، في أنحاء العالم، في موقع الكتروني واحد.