الهجرة غير النظامية لا تتجاوز 15% من نسبة المهاجرين فى العالم مصر قدمت نموذجا فريدا فى استضافة اللاجئين ومعاملتهم معاملة المصريين
جاء ملف الهجرة على رأس الملفات التى تم مناقشتها فى القمة العربية الأوروبية بشرم الشيخ، ومع ازدياد الاهتمام بتداعيات هذا الملف أصبح موضوعًا رئيسيا على طاولة مباحثات الجانبين، ولرؤية الصورة أكثر وضوحا كان لنا هذا الحوار مع الدكتور أيمن زهرى الخبير فى دراسات السكان والهجرة، والأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والخبير السابق بالأممالمتحدة والمجلس القومى للسكان. هل تعتبر الهجرة بين أوروبا والدول العربية أحادية الاتجاه؟ لم تكن العلاقة بين الدول العربية والدول الأوروبية "موسما للهجرة إلى الشمال" طوال الوقت بل هى ليست كذلك حاليا أيضا، علاقة الهجرة كانت وما زالت علاقة متبادلة بين الطرفين، والهجرة فى حد ذاتها علاقة إيجابية، وأنا أؤكد ذلك طوال الوقت، فهى سبيل مباشر لتبادل الثقافات والأفكار وتمازج الأعراق والأديان والعادات والتقاليد، ناهيك عن التبادلات الاقتصادية والفنية، بل يمكننى القول إن الحركة البشرية فى مجملها قامت على الهجرة. فلو ظل كل إنسان فى وطنه لما حدث الازدهار والتطور الإنسانى على النحو الذى نعيشه اليوم. بيد أن للهجرة جوانب سلبية أيضا، إلا أننى أراها كبقع سوداء صغيرة فى ثوب أبيض. وأرى أن على المجتمع الدولى التكاتف والتعاون لتعظيم الاستفادة من إيجابيات الهجرة. بات التركيز منصبا هذه الأيام على ما يعرف ب"الهجرة غير الشرعية" التى أصبحت تشكل أزمة بالنسبة للجانب الأوروبى والعربى على نحو سواء.. كيف ترى الحجم الحقيقى لهذه الظاهرة؟ بداية أفضل استخدام مصطلح "الهجرة غير النظامية" بديلا أدق لمصطلح الهجرة غير الشرعية، وهى لم تكن ولن تكون النسبة الأكبر من المهاجرين على مستوى العالم إحصائيا، ووفق البيانات الرسمية. وهى تشكل محور اهتمام إعلامى وسياسى وعلى صعيد العلاقات الدولية أكثر من تأثيرها الفعلي، فالهجرة غير النظامية تتراوح نسبتها ما بين 10% إلى 15% من إجمالى أعداد المهاجرين التى بلغت وفق إحصاء رسمى دولى فى العام 2017م نحو 258 مليون شخص، يشكلون ما نسبته 3.4% من إجمالى أعداد سكان العالم. وفق التعريف المصطلح عليه للمهاجرين، الذى يرى أنهم أولئك الأشخاص المقيمين فى بلدان غير التى ولدوا على أراضيها. وبرغم أن نسبة المهاجرين قياسا إلى نسبة السكان فى العالم تعتبر ضئيلة، فإنه لو افترضنا اجتماع عدد هؤلاء المهاجرين فى دولة واحدة، لأصبحت خامس أكبر دولة من حيث عدد السكان على مستوى العالم بعد كل من الصين والهند والولاياتالمتحدة وإندونيسيا، فالمشكلة الحقيقية تكمن فى عدم توزيع المهاجرين بشكل متساو أو نسبى على جميع دول العالم، فالمهاجرون يتبعون "تيارات هجرة" تستهدف مناطق بعينها فى العالم، فهناك ضغوط هجرة على أوروبا، وعلى منطقة الخليج العربي، وعلى الولاياتالمتحدة وكندا من أمريكا الوسطى والجنوبية. كما أن هناك ضغوط هجرة على أوروبا الغربية من أوروبا الشرقية وعلى جنوب إفريقيا من الدول المحيطة بها. هل معظم المهاجرين قادمون من الجنوب باتجاه الشمال؟ تفيد إحصاءات الأممالمتحدة الرسمية أن ما نسبته 40% تقريبا من الهجرة العالمية هى هجرة بينية (جنوب - جنوب)، وهناك على سبيل المثال نحو 30 مليون مهاجر فى دول الخليج فقط. لكن التأثير الهائل للإعلام الغربى هو الذى يوهم الرأى العام الدولى أن أكثر من 90% من الهجرة العالمية تستهدف الغرب، وأنه يجب التحرك بسرعة وقوة وفى كل المسارات لحل هذه المشكلة والقضاء عليها، إضافة إلى الصورة النمطية السائدة أن الغرب متقدم فى جميع المجالات، وبالتالى هو الهدف الأول للمهاجرين، بينما هناك نحو 3 ملايين «غربى» مهاجرون مستقرون فى دول الخليج العربى على سبيل المثال، معظمهم من دول أوروبا الغربية المتقدمة، إضافة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا. والدول الغربية تسمى عالميا بدول الرفاه، حيث تستقطع حكومات هذه الدول ضرائب عالية من مواطنيها فى مقابل تحمل المسئولية الأكبر فى ملفى الصحة والتعليم، لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة ما تسبب بشكل تراكمى فى ازدياد معدلات الرفاهية لدى مواطنى هذه الدول، برغم أنها تفرض ضرائب عليهم باهظة كما قلنا تصل فى بعض الدول إلى نحو 40% من إجمالى الدخل. وبهذا المنطق فإن كل مهاجر يدخل أيا من هذه الدول يستقطع جزءا من رفاهية مواطنيها، وعلى سبيل المثال فى ألمانيا التى يبلغ عدد سكانها نحو 80 مليونا، فإن دخول 100 ألف مهاجر إليها يمثل عبئا هائلا تتحمله حكومتها مستقطعا من ضرائب مواطنيها، وهذا هو السبب الأساسى فى عدم قبول المهاجرين على المستوى الشعبى فى هذه الدول، والمركز المتقدم الذى تشغله قضية المهاجرين على أجندة صناع القرار والسياسيين فى هذه الدول. هل تمثل الحاجة الغربية الملحة للأيدى العاملة السبب الرئيسى وراء تقبل بعض دول الغرب لأعداد كبيرة نسبيا من المهاجرين؟ ليس هذا القول صحيحا على إطلاقه، فالمهاجرون – خصوصا غير النظاميين – فى الحقيقة لاجئون لا يحملون الحد الأدنى من احتياجات أسواق العمل الأوروبية أو الغربية بصفة عامة، فهذه الأسواق باتت تبحث عن أيد عاملة ذات مؤهلات ومهارات مرتفعة لا تتوافر لدى المهاجرين غير النظاميين إلا فيما ندر. إضافة إلى أن قضية العجز الديموجرافى فى دول الغرب، فى مقابل الفائض الديموجرافى لدى الدول النامية توحى للوهلة الأولى بأنه لا توجد مشكلة؛ إلا أن الحقيقة هى أن (فائض السكان) لدى الدول النامية غير مناسب إطلاقا لتغطية العجز فى الدول الغربية لأسباب عدة، أهمها غياب المواءمة بين كفاءات وقدرات الفائض السكانى فى الدول النامية وتلك التى تحتاجها الدول الغربية، وقد يقول قائل إن تأهيل وتدريب المهاجرين قد يحل هذه المشكلة؛ إلا أن التجربة العملية فشلت بسبب أن آلاف المهاجرين الذين تم تأهيلهم لم يستطيعوا التكيف مع الثقافة والعقلية والقيم الأوروبية التى ترسخت على مدار عقود، وهذا هو السبب الرئيسى وراء مشكلة عدم اندماج المهاجرين فى أوروبا، وهو أحد المغذيات الكبرى لمشكلة الخوف من الإسلام أو "الإسلاموفوبيا". ولكن الأمر ليس سوداويا إلى هذا الحد، فلا يمكن الاعتماد على تهيئة مهارية وتدريبية دون تهيئة عقلية وثقافية تعتمد القيم الإنسانية الراقية منطلقا أساسيا، بهذه الطريقة المتكاملة يمكن حل جزء كبير من معضلة الهجرة. ما الذى يمكن أن يسهم به الحوار العربى - الأوروبى حول مسألة الهجرة؟ كما تمثل الهجرة غير النظامية التى تنطلق من الدول العربية إلى أوروبا مشكلة تستأهل الحل، كذلك فإن هجرة العقول العربية المتميزة فى معظم المجالات إلى القارة الأوروبية وهى بالمناسبة فى معظمها هجرات نظامية تمثل مشكلة بالغة الأهمية بالنسبة للدول العربية، خصوصا من دول شمال إفريقيا، فعلى سبيل المثال تم رصد أن نسبة كبيرة من خريجى كليات الطب فى الجزائر يهاجرون إلى فرنسا ما تسبب فى ضرر بالغ للقطاع الطبى فى الجزائر، ونفس الموضوع فى المغرب خصوصا فى تخصصات تقنية المعلومات، من هنا تتبدى الأهمية المتعاظمة لوضع ملف الهجرة على طاولة البحث والنقاش بين القادة العرب والأوروبيين. والدول العربية تتحمل الكثير فى هذا السياق، فهناك إجماع عربى على مكافحة الهجرة غير النظامية، بهدف المحافظة على أرواح المهاجرين الذين يقضى الآلاف منهم غرقا فى مياه البحر المتوسط، وهى تتحمل الكثير فى هذا السياق، بل إن دولا مثل المغرب وصلت بها الحال إلى توطين بعض هؤلاء اللاجئين ومنحهم جنسيتها بشروط معينة، وتقدم الدولة المصرية نموذجا يحتذى به عالميا باعتراف الأممالمتحدة فى معاملة اللاجئين، إذ لا توجد معسكرات لجوء فى مصر، وتستضيف مصر عددا ضخما من اللاجئين الذين يعاملون معاملة المصريين فى التعليم والصحة دون تمييز، ويتعايشون مع المصريين دون تفريق، وهى حالة فريدة أكدها الرئيس السيسى فى خطاباته الأخيرة وأكد أن مصر ستستمر فى هذه السياسة. وهنا يجب على الدول الأوروبية أن تقدر التوجه العربى العام فى سياق التعامل مع ملف الهجرة، وأن تدعم السياسات العربية فى هذا الإطار، وأن تسعى بالتعاون مع الدول العربية لمحاولة "تصفير" المشكلات التى تعتبر الباعث الرئيسى للهجرة غير النظامية خصوصا فى منطقة جنوب الصحراء فى إفريقيا. فى هذا الإطار تبرز أهمية تولى مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، مع وضع ملف اللجوء والهجرة على رأس أولويات هذه الدورة.. كيف ترى الدور المصري؟ أراه دورا بالغ الأهمية بكل تأكيد، فمصر عامل مشترك بين الدول الإفريقية بتوليها رئاسة الاتحاد الإفريقى من جهة، وبين الدول العربية والأوروبية من جهة أخرى باستضافتها للقمة العربية - الأوروبية. وفى هذا الإطار شرفت بحضور المنتدى الإفريقى الرابع حول الهجرة، الذى عقد فى جيبوتى فى نوفمبر الماضي، وكان لمصر دور فاعل، ونجحت الدبلوماسية المصرية فى الفوز باستضافة فاعليات المنتدى الإفريقى الخامس حول الهجرة، والذى سيعقد هذا العام، فالإرادة المصرية كما حددها الرئيس أن يصبح عام 2019 م هو عام مصر فى إفريقيا، وإفريقيا فى مصر، وقد حققنا فى مصر إنجازات كبيرة فى هذا الملف، خصوصا وهى تشكل أحد أكبر مستضيفى اللاجئين فى القارة، كما ينظر إليها الكثيرون باعتبارها أحد معابر الهجرة إلى أوروبا، برغم نجاح جهود الحكومة المصرية بشكل كبير فى تقليص أعداد المهاجرين غير النظاميين.