حلم الإنجاب حلم مشروع لكل زوج وزوجة، حتى وإن شاءت إرادة الله أن يتأخر تحقيقه لسبب أو لآخر، يظل الزوجان يسعيان لإدراك حلمهما غير ضانين فى سبيله بالغالى أو النفيس، وحين يأذن الله أن يتحقق الحلم وتحمل الزوجة جنينا أو أكثر بعد محاولات عدة مر خلالها الزوجان بضغوط وإخفاقات ربما يتمثل أصعبها فى قول الطبيب: «لم يأذن الله بعد» لينهى شهورا من الترقب والانتظار والمعاناة. حين يقول الطبيب: «ألف مبروك»، تكون هذه الفرحة الصغرى مجرد بداية لمرحلة تمتد شهورا من المعاناة الجسدية بالنسبة للزوجة التى تتعاطى عقاقير لتثبيت الحمل، وغيره من الإجراءات اللازمة لمثل هذه الحالات، إضافة إلى المعاناة المادية، حتى بالنسبة لأولئك المشمولين بمظلة التأمين الصحى، التى لا تغطى إجراءات الحقن المجهرى أو التلقيح الصناعي، حتى ولو لمرة واحدة، إذ تتخطى تكاليف الأدوية والعلاجات المصاحبة لحالات الحقن المجهرى ضعفى التكاليف الإجمالية للعملية على الأقل، وتقدر بآلاف الجنيهات.
بعد كل هذا الطريق الطويل يستيقظ الزوج ذات ليلة على استغاثة زوجته، ويهرعان للمستشفى ويكون التشخيص «حالة وضع مبكر» بأكثر من شهرين، وخطورة ذلك على حياة الأجنة، ولا بد من تأمين مكان فى حضانات مجهزة لمثل هذه الحالات قبل إتمام عملية الولادة، يمر الوقت سريعا، والزوج يلجأ لكل من يعرفه سعيا لتوفير مكان فى حضانات مجهزة، بعد أن أخبره الجميع أنه لا يوجد أماكن متوفرة، وتنجح المحاولات بتوفير مكان فى حضانة الدكتور «ع.ع» الشهيرة فى المعادي، ومكان آخر فى حضانة «ج» بمدينة نصر، وتدخل الزوجة غرفة العمليات، وما هى إلا دقائق ويطلب الأب سيارة إسعاف ليهرع بالطفل الأول إلى الحضانة الشهيرة فى المعادي، وما إن يصل حتى يطالبه الاستقبال بدفع مبلغ عشرة آلاف وخمسمائة جنيه على سبيل التأمين، ورغم ضخامة المبلغ يضطر الأب لدفعه حرصا على حياة طفله الذى لم تكتمل أولى ساعاته فى الدنيا، ثم يذهب برفقة سيارة إسعاف ثانية إلى مدينة نصر ليطالبه استقبال الحضانة بدفع مبلغ 3000 جنيه تأمينا، فيدفع ليعود مرة أخرى إلى المستشفى ليطمئن على الأم.
فى صباح اليوم التالى مباشرة يتلقى الأب اتصالا من حضانة “ع.ع” يبلغه موظف الحسابات بضرورة دفع مبلغ ثان، بعد أن اقترب مبلغ التأمين من النفاد فى أقل من 24 ساعة، ويتكرر الموقف ليفاجأ الأب بأن تكلفة إقامة طفله فى حضانة “ع.ع” تخطت 30 ألف جنيه فى نحو 4 أيام، ولا يتحرج القائمون على الحضانة من ابتزاز الوالدين والمقايضة على حلمهما بحياة، مجرد حياة طفل انتظراه سنوات وسنوات فى غياب تام لرقابة الدولة على هذه الحضانات رغم قيامها بإصدار فواتير معتمدة تفاجئ حين تطالعها أن تكلفة الليلة لإقامة الطفل فى الحضانة تبلغ 600 جنيه، ويتضاعف المبلغ أكثر من 10 أضعاف نظير الإشراف الطبى والأدوية ومستلزمات الإقامة لتتراوح تكلفة الإقامة الإجمالية ما بين 13 ألف جنيه و6 آلاف جنيه فى الليلة الواحدة. وتصل تكلفة الإقامة فى الحضانة الثانية إلى ألف وخمسمائة جنيه فى المتوسط فى الليلة الواحدة. ويسعى الأب سعيا حثيثا لنقل طفليه إلى حضانات حكومية بعد أن استنزفت موارده المالية فى بضعة أيام. وخلال سعيه بين الحضانات بحثا عن مكان يستقبل طفليه، يلح عليه سؤال قاس، ماذا يفعل من لا تساعده إمكانياته على مثل هذه النفقات الهائلة؟ ومن يتصدى للمتاجرين بأحلام الآلاف من المصريين؟ مجرد حلم بحياة طفل!