اقروا الفاتحة لابو العباس يا اسكندرية يا أجدع ناس. الفاتحة التانية لسيدى ياقوت ، واللي يعادينا يطق يموت. الفاتحة التالتة لابو الدردار ، اللي يعادينا يولع نار. هكذا بلور ووثق التراث الشعبي في الإسكندرية ،العلاقة الوطيدة بين مدينة الإسكندر المقدوني وبين أولياء الله الصالحين الذين أتاها معظمهم عابرا لأداء فريضة الحج ،فإذا به يقع في هواها فيتخذها سكنا ومسكنا ومدفنا. ويظل مسجد وضريح المرسي أبو العباس بإطلالته على البحر في منطقة بحري بحي الجمرك، أشهر أولياء المدينة وقبلة زائريها ..حتى صار ذلك الشيخ الأندلسي ينسب إلى الإسكندرية وتنسب هي إليه وصار القسم به " وحياة المرسي أبو العباس" على لسان الإسكندرانية قسما لا يمكن التشكيك فيه . لا يقف مسجد أبو العباس المرسي منفردا بمئذنته وقبابه أندلسية الطراز، فبجواره مسجد تلميذه وصاحبه وخليفته ياقوت العرش ، وفى مواجهته مسجد الإمام البوصيري صاحب البردة ، لتكتمل المنظومة الروحية التي حرص على إنشائها الملك فؤاد الأول حين أمر بتخطيط " ميدان المساجد" . إلى جانب رفات الأربعة عشر محمدا، وهم أولاد سيدنا على زين العابدين ابن الإمام الحسين، الذين نزحوا إلى الإسكندرية عقب استشهاد الحسين، الذين أمر محمد على بوضعهم في مكان واحد بين مسجدي أبو العباس والبوصيري، ومنهم ضريح سيدي محمد بركة، وضريح سيدي محمد غريب اليمني، وضريح سيدي محمد الشريف، وضريح سيدي محمد إجابة، وضريح سيدي محمد الحلواني، وضريح سيدي محمد الطرودي، و محمد عبد الله بن منصور - والشهير بمكين الأسمر، وهو أحد تلاميذ الشيخ أبو العباس المرسي.وقد حضر مع أبي الحسن الشاذلي معركة المنصورة ضد الصليبيين بجوار ضريح شيخه المرسي أبو العباس. أما مسجد المرسي أبو العباس فقد وضع تصميمه الحالي ،المعماري الإيطالي ماريو روسي،الذي كان يشغل منصب كبير المهندسين في وزارة الأوقاف المصرية ، ذلك المعماري منح الإسكندرية أهم مساجدها : المرسي أبو العباس ، القائد إبراهيم بمحطة الرمل ،أحمد يحي باشا في زيزينيا ، محمد كريم في قصر رأس التين ، كما ساهم في استكمال مسجد الرفاعي الذي مازال يقف ندا لمسجد السلطان حسن بعظمته المملوكية في منطقة القلعة .والطريف أن "روسي" اختار أن يشهر إسلامه عام 1946 من مسجد المرسي . بدأ روسي في بناء مسجد المرسي أبى العباس عام 1933 وتم الانتهاء من بنائه العام 1943م ، وأقيمت أول صلاة فيه عام 1945م. ومازال تصميمه لمسجد المرسي ملهما لكل تصاميم المساجد الحديثة التي تم الاستغناء فيها عن صحن المسجد مع الحفاظ على الإضاءة الطبيعية من خلال النوافذ السفلية والعلوية ونوافذ القباب الشامخة . ونعود إلى المرسي أبو العباس ثاني خلفاء الطريقة الشاذلية، الذي ساقه القدر إلى قدره حين ترك مرسية حيث ولد وعاش في كنف أبيه وتعلم أصول الفقه، وذلك حين عزم والده الحج فركب مع أسرته السفينة من شواطىء الجزائر. إلا أن السفينة غرقت في البحر ولم ينجو إلا أبو العباس وشقيقه محمد الذين وصلا إلى شواطىء تونس وعاشا بها وهناك عمل شقيقه محمد بالتجارة كوالدهما . أما أبو العباس فقد التقى أستاذه أبو الحسن الشاذلي، واختار التفقه في أمور الدين على يديه ثم رحل معه إلى مصر واستقرا معا في الإسكندرية التي كانت قبلة العديد من العلماء أمثال الطرطوشي، ابن الخطاب الرازي، والحافظ أبو طاهر السلَفي الذي كان صلاح الدين الأيوبي يحرص على قضاء شهر رمضان من كل عام بالإسكندرية، ليسمع منه الحديث النبوي. وقد استقر الشاذلي وأبو العباس بحي كوم الدكة، حيث اتخذ الشاذلي المسجد الغربي " جامع العطارين" ، مكانا لمجلسه ودروسه وكان يقبل على مجلسه أهل الإسكندرية بمختلف طوائفهم .إلا أن السماء قدرت له أن يموت ويدفن بعيدا عن مدينته حيث وافته المنية في وادى حميثر جنوب مرسي علم أثناء مروره بها متجها إلى ميناء عيذاب لينطلق منه إلى الأراضي الحجازية. إلا أنه مات ودفن وأصبح مقامه بها قبلة للزائرين . وفى الإسكندرية وبعد وفاته أكمل الشيخ أبو العباس المرسي المسيرة ، وتلقي عنه العلم الكثيرون منهم الإمام البوصيري و ابن عطاء الله السكندري و ياقوت العرش وابن اللبان و العز بن عبد السلام و ابن أبي شامة الفاتحة الثانية لسيدي ياقوت وتتكرر مجددا علاقة الحب والعلم وأخذ العهد والمصاهرة بين الأستاذ وتلميذه ، فكما كان العباس الأقرب لأستاذه الشاذلي ، اصطفى العباس ياقوت العرش تلميذا ومريدا وخليفة له في مجالس العلم ..بل وزوجه ابنته "بهيجة" التي أنجبها من زوجته ابنة أستاذه الشاذلي..وكان ياقوت العرش يقدر زوجته ،حتى قيل إنه كان إذا دخل عليه أحد من الأكابر وهو يكلمها لا يقطع حديثها حتى تكمله، ويقول: "بنت شيخي، اعذروني." كان ياقوت صبيا حبشيا خطفه أحد التجار وشحنه على مركب متجها إلى الإسكندرية ، وفى الطريق كادت المركب تغرق بسبب عاصفة شديدة ، فنذر صاحب المركب نذرا إن نجوا أن يهدى الشيخ المرسي عبدا .ولما نجت السفينة أراد الرجل أن يفي بالنذر فاختار ياقوت العرش إلا أنه تراجع لما وجد به حكة فاختار صبيا آخر . وهناك في الإسكندرية كان المرسي في انتظار خليفته، فقد تنبأ بقدومه لتلاميذه الذين شاهدوه يعد العصيدة فلما سألوه قال إنه يحتفل بمولد ولده ياقوت العرش. فلما جاءه التاجر بالعبد ، قال له المرسي "العبد الذي معك ليس العبد الذي عينته، فاحضر التاجر ياقوت العرش فورا، وقال له" والله يا سيدي استحيت أن أعطيك إياه وهو على هذه الحالة". وظل ياقوت العرش ينهل العلم عن أستاذه وخلفه في مجلس العلم ، ويحكى أنالسلطان حسن جاء لزيارته، فلما أبصره خطر بباله: عبد أسود أعطى هذا! فلما دنا منه ضربه الشيخ على رأسه سبع ضربات، وقال: يا حسن! (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) سورة الزخرف-59، فعاش السلطان بعدها سبعة أشهر فقط. وعندما توفي ياقوت العرش دفن بجوار "المرسي أبو العباس". وفى 25 من رمضان كل عام تقيم له الطريقة الشاذلية مولدا يجتذب مريديه من كل حدب.