الدولار يتراجع.. أسعار العملات اليوم الثلاثاء بالبنك المركزي (تفاصيل)    محافظ كفرالشيخ: توريد 178 ألف طن من القمح وصرف مستحقات المزارعين بانتظام    ترامب: أبلغت الرئيس الروسي بضرورة وقف إراقة الدماء في أوكرانيا    الحوثيون يُعلنون حظرًا بحريًا على ميناء حيفا في إسرائيل.. ما السبب؟    «تليق يا مو».. كيف تفاعلت جماهير ليفربول مع قرار سلوت تجاه صلاح؟    التعليم تكشف عن سن التقديم لمرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي    مهرجان كان يعدل جدول أعماله بسبب دينزل واشنطن ويفاجئه بجائزة "السعفة الذهبية الفخرية" (فيديو)    فلسطين.. الطائرات الإسرائيلية تشن 10 غارات على شرق غزة وجباليا شمال القطاع    نتنياهو: الحرب يمكن أن تنتهي غدا إذا تم إطلاق سراح الرهائن المتبقين    الملاذ الآمن يتألق من جديد.. ارتفاع ب أسعار الذهب مع تراجع الدولار وتصنيف «موديز»    أحدها لم يحدث منذ 2004.. أرقام من خسارة ليفربول أمام برايتون    لحل أزمة استقالة كامل أبو علي.. جلسة طارئة مع محافظ بورسعيد    أحمد دياب: إيقاف النشاط أمر غير وارد    عاجل| عرض خليجي خرافي لضم إمام عاشور.. وهكذا رد الأهلي    صيام صلاح مرة أخرى.. ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز بعد خسارة ليفربول    الأهلي والزمالك.. من يتأهل لنهائي دوري السوبر لكرة السلة؟    تكريم طالبين بجامعة عين شمس لحصولهما على جائزة بمسابقة عمرانية    4 قرارات عاجلة من النيابة بشأن بلاغ سرقة فيلا نوال الدجوي    نفوق 10 آلاف دجاجة.. 7 سيارات إطفاء للسيطرة على حريق بمزرعة دواجن بالفيوم- صور    الأرصاد تُحذر: شبورة ورياح مثيرة للرمال والأتربة على هذه المناطق اليوم    حبس شاب متهم بالشروع في قتل آخر بالعياط    إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    مشروعات عملاقة تنفذ على أرض أشمون.. تعرف عليها    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    فضل حج بيت الله الحرام وما هو الحج المبرور؟.. الأزهر للفتوى يوضح    محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل ويشدد على سرعة الإنجاز (صور)    سيلان الأنف المزمن.. 5 أسباب علمية وراء المشكلة المزعجة وحلول فعالة للتخفيف    رئيس شعبة مواد البناء: لولا تدخل الحكومة لارتفع سعر طن الأسمنت إلى 5000 جنيه    إغلاق 7 منشآت طبية مخالفة و7 محال تجارية فى حملة بقنا    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    منافس الزمالك في ربع نهائي كأس الكؤوس الأفريقية لليد    هل يوجد في مصر فقاعة عقارية؟.. أحمد صبور يُجيب    شعبة المواد الغذائية تكشف 4 أسباب لعدم انخفاض أسعار اللحوم مقارنة بالسلع التموينية (خاص)    وفد قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    جامعة حلوان تنظم ندوة التداخل البيني لمواجهة تحديات الحياة الأسرية    بعد نجل محمد رمضان.. مشاجرات أبناء الذوات عرض مستمر في نيو جيزة| فيديو    وزير الاستثمار يتوجه للعاصمة الألمانية برلين لتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين    عليك إعادة تقييم أسلوبك.. برج الجدي اليوم 20 مايو    تامر أمين ينتقد وزير الثقافة لإغلاق 120 وحدة ثقافية: «ده إحنا في عرض مكتبة متر وكتاب»    "يا بختك يا أبو زهرة".. الصحفي محمد العزبي يكشف تفاصيل وقف معاشه بعد بلوغه ال90 عاما    حدث بالفن | حقيقة إصابة عبدالرحمن أبو زهرة ب "الزهايمر" وموعد حفل زفاف مسلم    موعد نقل القناع الذهبي لتوت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير    أستاذ علاقات دولية: الاتفاق بين الهند وباكستان محفوف بالمخاطر    ما مصير إعلان اتصالات بعد شكوى الزمالك؟.. رئيس المجلس الأعلى للإعلام يوضح    4 أبراج «زي الصخر».. أقوياء لا ينكسرون ويتصرفون بحكمة في المواقف العصيبة    استشهاد 10 فلسطينيين بينهم أم وأطفالها الستة في قصف للاحتلال على قطاع غزة    ترامب يوقع مشروع قانون يجعل نشر الصور الإباحية الانتقامية جريمة اتحادية    سلطات فرنسا تعلن مصرع مهاجر وإنقاذ أكثر من 60 آخرين فى بحر المانش    سرعة الانتهاء من الأعمال.. محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل    وزير العمل: قريباً توقيع اتفاقية توظيف للعمالة المصرية في صربيا    هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟.. أمينة الفتوى: هناك شروط    «للرجال 5 أطعمة تحميك من سرطان البروستاتا».. تعرف عليهم واحرص على تناولهم    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    مزارع الدواجن آمنة إعلامى الوزراء: لم نرصد أى متحورات أو فيروسات    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكشفها دراسة حديثة.. مفاتيح النجاح فى إفريقيا
نشر في الأهرام العربي يوم 18 - 08 - 2017

الكتابات الغربية دأبت على التشكيك فى حقيقة الانتماء الإفريقى لمصر بقصد ضرب العلاقات بينهما

الهوية الإفريقية جزء أصيل من المصرية والعلاقات الشعبية أكثر قوة واتصالا

تعتبر الدائرة الإفريقية من أهم دوائر حركة السياسة الخارجية المصرية على الإطلاق، حيث ترتقى بعض المصالح المصرية فيها إلى مراتب المصالح المصيرية والحيوية، التى تؤثر فى استقرار البلاد على جميع الأصعدة. كما ترتبط القارة أيضا بتهديدات ربما تتجاوز تداعياتها حد تهديد الاستقرار السياسى فى الدولة المصرية.

وعلى ذلك مارست الدولة المصرية أدوارا متعددة إزاء القارة، بداية من دور قلعة الثورة أو الدولة النموذج، الذى تمكنت مصر فى إطاره من تحقيق إنجازات غير مسبوقة، على صعيد ضمان أمنها المائى، ومواجهة الاستعمار والفصل العنصرى، مرورا بدور الداعم للتكامل الإقليمى فى عهد السادات، وصولا إلى الدور الانسحابى فى عهد مبارك، الذى لم يكن يتناسب مطلقا مع ثقل مصر، وحجم مصالحها فى القارة الإفريقية، الذى دفعت مصر بسببه ثمنا فادحا، بل ذروته مع تهديد الأمن المائى فى نهاية عهد مبارك.

فى هذا السياق، تتبدى بعض الدروس المستفادة لعل أهمها ضرورة تحقيق التوازن بين دوائر حركة السياسة الخارجية المصرية، بحيث لا تطغى دائرة على أخرى، على نحو ما أدى إليه الانشغال بالدائرة العربية، وتحديدا الشرق أوسطية من تراجع على مستوى الدائرتين الإفريقية والإسلامية.

علينا أن ندرك أيضا أن الظروف والقضايا، قد اختلفت عما كانت عليه الحال خلال عقدى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، واللذين مثلا العصر الذهبى للدور المصرى فى إفريقيا. لذا فإن الدولة المصرية مطالبة بالبحث عن أدوار إقليمية جديدة تتسق مع المتغيرات الراهنة. وفى تصورى أن أدوارا مثل صانع السلام الإقليمى، والشريك التنموى، ونموذج الوحدة الوطنية، وقائد التكامل الإقليمى هى من أهم الأدوار التى يمكن لمصر القيام بها فى القارة الإفريقية فى الوقت الراهن وربما فى المستقبل المنظور.

لكن طموحات الدولة المصرية فى تعزيز دورها الإقليمى فى إفريقيا لن يمر مرور الكرام على القوى الدولية والإقليمية، التى يسعى بعضها لعزل مصر عن التفاعلات الإفريقية، بالإصرار على أن مصر دولة شرق أوسطية، فيما يسعى البعض الآخر للضغط عليها بكل السبل، خصوصا عبر ورقة المياه. فالأمر إذن سيواجه بتحديات تسعى لإعاقة مصر عن ممارسة دورها الطبيعى فى القارة.
إذا كانت دوائر حركة السياسة الخارجية المصرية، تنبع من الثوابت الجغرافية والتاريخية والحقائق السياسية، فإن المتغيرات والتطورات المتلاحقة تفرض على مصر صياغة إستراتيجية متطورة للقيام بدور فاعل فى إفريقيا.

الحديث عن تفعيل الدور المصرى فى القارة يستدعى كلمات مأثورة للدكتور جمال حمدان، عندما شدد على ضرورة ألا تترك مصر فى إفريقيا فراغا سياسيا، أو فراغ قوة، كى لا يشغله الاستعمار الجديد أو القوى العظمى، ويحاصرها به من الخلف لمواجهة النفوذ الإسرائيلى فى إفريقيا ومحاصرة أخطبوطه، حتى لا يضمها إلى جانبه، أو يؤلب دولها ضد مصر والدول العربية.
وهنا نستعرض أبرز المقترحات العملية، لتعزيز الدور المصرى فى القارة الإفريقية فى مختلف المجالات، وتلك الدراسة استندنا فيها إلى آراء الأساتذة: د.إبراهيم نصر الدين حلمى شعراوى نيجرو مايث خالد حنفى على جوزيف رامز أمين جمال حمدان صبحى قنصوة د.عمر عبد الفتاح د.محمد إمام فانتا عبد العظيم رمضان محمود منير حامد.

1 - تعزيز قوة مصر الداخلية
يوجد ارتباط وثيق بين فاعلية الدور المصرى فى محيطه الإقليمى وقوة الجبهة الداخلية المصرية، ومدى نجاح مصر فى تقديم النموذج لدولة عصرية تحافظ على تفردها، وتقضى على عوامل القصور التى تهدد جبهتها الداخلية بالتفكك.

وقد كشفت الخبرة التاريخية صحة هذا الاستنتاج، حيث ارتبط الدور المصرى الإقليمى قوة وضعفا بأحوالها فى الداخل. ولنقارن مثلا دور مصر الإقليمى فى عهد محمد على، بدورها فى ظل الاحتلال البريطانى، ثم دورها بعد ثورة 1952، الذى وصل فيه الدور المصرى إلى أوج مجده، قبل أن يتجه نحو الانسحاب فى النصف الثانى من عهد مبارك تحديدا.
من هنا يمكن أن نفهم لماذا يحاول البعض تقويض استقرار مصر، وإضعافها اقتصاديا، واستدراجها إلى الانغماس فى مشكلات إقليمية، حتى تنكفئ على نفسها وتنشغل بمشاكلها دون القيام بدورها الإقليمى الطبيعى فى القارة الإفريقية.

2 - وضوح الهدف بالنسبة للدور المصرى
تفعيل الدور المصرى فى القارة يستلزم التحديد الدقيق لوضع الدائرة الإفريقية بين دوائر حركة السياسة المصرية، مع التمييز داخل الدائرة الإفريقية بين مستويات فرعية أهمها: السودان، وحوض النيل، والقرن الإفريقى، والاتحاد الإفريقى والتنظيمات الإقليمية الفرعية الأخرى.
كما تبدو أهمية وجود عنوان واضح للدور المصرى فى القارة، وهناك أربعة عناوين مقترحة فى الوقت الراهن هى: دور صانع السلام الإقليمى، فى مجال تحقيق السلم والأمن، «الشريك التنموى» على الصعيد الاقتصادى، والدولة النموذج فى تحقيق الوحدة الوطنية، وقائد التكامل الإقليمى فى إطار الاتحاد الإفريقى.
وعلى ذلك تبدو أهمية التحرك الاستباقى المصرى على دائرتى حوض النيل والقرن الإفريقى، للحفاظ على السلامة الإقليمية للسودان، والحيلولة دون حدوث مزيد من الانقسامات فيها، خصوصا فى ظل استعداد الصراع فى دارفور. بالإضافة إلى توثيق العلاقات مع إريتريا وجيبوتى، ودعم المصالحة الوطنية فى الصومال. ولعل دعم مصر لمقترح إقامة نظام للأمن الإقليمى فى البحر الأحمر على محور عربى - إفريقى، يمكن أن يعزز المصالح المصرية على هذا المحور، خصوصا أنه يستبعد إسرائيل، ولا يتضمن إثيوبيا، التى تحولت إلى دولة حبيسة بعد استقلال إريتريا.

3 - تعزيز العلاقات الشعبية المصرية - الإفريقية
تعتبر العلاقات الشعبية أكثر قوة واتصالا من العلاقات الفوقية بين الحكومات الحاكمة، التى تتقلب دوما تبعا للتطورات السياسية والأزمات التى تتعرض لها، مثلما حدث لدى توتر العلاقات المصرية مع إثيوبيا والسودان عقب محاولة اغتيال الرئيس مبارك. لذا فإن تعزيز العلاقات الشعبية بين المصريين والشعوب الإفريقية يمثل ضمانا قويا لخلق علاقات أكثر قوة واتصالا بينهم.
ويتحقق ذلك عبر أمور عديدة أهمها: تبادل زيارات الوفود الشبابية والنسائية، وإنشاء وحدات خاصة بإفريقيا فى الأحزاب المصرية ومنظمات المجتمع المدنى، وإحياء الترابط بين الطرق الصوفية فى مصر وإفريقيا، وتنظيم المعارض الفنية، وإقامة الأسابيع الثقافية المصرية والإفريقية، ومهرجانات الفنون الشعبية والموسيقى الإفريقية، التى يمكن أن تحقق تواصلا بين الشعوب يتجاوز حواجز اللغة وسوء الفهم والمدركات السلبية.
وهنا تجدر الإشارة إلى لجان الاتصال الطلابى، فى إطار معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، والجمعية الإفريقية أيضا، التى ترمى لتعزيز التواصل وتبادل المعارف الإنسانية مع الدارسين الأفارقة بالجامعات المصرية، وإقامة صلات ثقافية مع الاتحادات الطلابية الإفريقية بمصر.
وهنا يمكن تقديم بعض المقترحات لتطوير العلاقات الشعبية من أهمها: وجود خطة عمل متكاملة لتحرك الوفود الشعبية فى القارة، بما يراعى المصالح المصرية والتوازنات السياسية المطلوبة. والحرص على استمرارية العلاقات الشعبية على مدار العام بشكل متبادل. فلا تأخذ طابع العمل الموسمى أو المتقطع. ومراعاة وجود المختصين بالشأن الإفريقى، من الأكاديميين والخبراء ضمن عناصر الوفود الشعبية، وإقامة علاقات مع قطاعات شعبية مماثلة فى الدول الإفريقية، وعدم الاقتصار على إجراء لقاءآت مع المسئولين الرسميين فيها، والتى غالبا ما تتقيد بقواعد البروتوكول، على حساب التفاعلات الحقيقية بين الشعوب.

4 - إزالة المدركات السلبية المتبادلة
تأثرت صورة مصر بالكثير من المغالطات التى دأبت الكتابات الغربية على ترويجها بقصد الإساءة للعلاقات العربية - الإفريقية، ومنها الإصرار على تقسيم إفريقيا إلى قسمين منفصلين، هما إفريقيا العربية «شمال الصحراء»، وإفريقيا الزنجية «جنوب الصحراء» مع التقليل من أهمية الروابط التاريخية والجغرافية والإثنية واللغوية والدينية التى تربط بينهما. كما دأبت الكتابات الغربية على التشكيك فى حقيقة الانتماء الإفريقى لمصر والدول العربية بشمال إفريقيا، واتهام العرب دائما بالتحيز للأطراف العربية حال حدوث نزاع بين دولة عربية وأخرى إفريقية، مثل النزاعات الحدودية بين كل من: السنغال وموريتانيا، الصومال وإثيوبيا، جيبوتى وإريتريا، اليمن وإريتريا... إلخ، مع توصيف بعض الصراعات بالخطأ باعتبارها صراعات عربية إفريقية مثل الصراع الدائر فى دار فور منذ فبراير 2003.
لذا فإن تفعيل الدور المصرى فى إفريقيا يقتضى توضيح صورة مصر الحقيقية، وإبراز كيف أن الهوية الإفريقية جزء أصيل من الهوية المصرية، وأن اللغة العربية تركت آثارها فى اللغات الإفريقية مثل النوبية، والهوسا والسواحلية والصومالية، وأن مصر كانت وستظل جسرا للتواصل العربى - الإفريقى.
ومن المهم أيضا عدم الاعتماد على الكتابات الغربية وحدها فى استقاء البيانات والمعارف عن القارة، وضرورة إعادة كتابة تاريخ العلاقات فى القارة، بالتأكيد على الروابط العربية - الإفريقية المشتركة. والأكثر أهمية هو التركيز على نقل المصريين من حالة الانتماء للقارة الإفريقية إلى مستوى الولاء لها والدفاع عن قضاياها، وذلك بتوجيه رسائل إعلامية تعرف بإفريقيا وشعوبها عبر جميع أدوات الإعلام، وإطلاق أسماء الرموز والقيادات الإفريقية العظيمة على الشوارع الرئيسية والميادين والمكتبات العامة والمدارس بالمدن المصرية، وإقامة المتاحف والنصب التذكارية والجداريات بربوع مصر، لتخليد ذكرى القيادات والقضايا الإفريق ية، وتنظيم الاحتفالات بالمناسبات المشتركة بين مصر والدول الإفريقية مثل: يوم حقوق الإنسان 21 مارس، يوم إفريقيا 25 مايو، يوم الطفل الإفريقى 16 يونيو، يوم المرأة الإفريقية 31 يوليو.

5 - تطوير الرسائل الثقافية والإعلامية
فى غياب دور ثقافى وإعلامى رشيد وفاعل تصبح ممارسة السياسة الخارجية عملا عشوائيا، وربما يكون مصيرها التعثر أو الفشل.
ومن المهم تخليص الرسائل الثقافية والإعلامية المصرية فى إفريقيا من أى شوائب قد تحمل إيحاءات أو دلالات سلبية، ومراعاة الاتساق بين مضمونها وطبيعة الدول والشعوب المستهدفة. فبالنسبة للدول الإفريقية التى يدين معظم شعبها بالإسلام، يصبح من الأنسب أن تركز تلك الرسائل على تعزيز منظومة القيم الإسلامية، وإبراز التفاعل الحضارى والدينى العربى الإفريقى، ودور مصر الأزهر فى خدمة الإسلام بالقارة.
أما الدول التى تعانى مشكلات الاندماج الوطنى وتداعياتها، فيمكن التقارب معها عبر إبراز النموذج المصرى فى تحقيق الوحدة الوطنية، والحفاظ على علاقة التعايش الإسلامى المسيحى على مدار التاريخ، برغم ما يواجه ذلك أحيانا من أزمات داخلية ومخططات خارجية.
كما يمكن التواصل مع الدول الإفريقية غير الإسلامية بالتركيز على قيم الوحدة والتضامن العربى الإفريقى، وإبراز دور مصر فى تعزيز الوحدة الإفريقية، ومواجهة مخاطر العولمة على الهويات الحضارية العربية والإفريقية، والبحث عن الروابط بين الحضارة المصرية والحضارات الإفريقية، خصوصا أن ذلك يلقى قبولا لدى العديد من المفكرين الأفارقة.

6 - تفعيل عناصر القوة الناعمة للدولة المصرية
تملك مصر الكثير من عناصر القوة الناعمة، التى يمكن باستثمارها تعزيز التأثير والنفوذ المصرى فى القارة، ومن أهمها: الحضارة الفرعونية، والأزهر الشريف، والكنيسة القبطية، والجامعات المصرية، والمراكز الطبية ذات الكفاءة والسمعة العلمية.
هنا تبدو أهمية الاستفادة من العمق الحضارى المصرى، عن طريق إعداد برامج ودراسات حول الحضارة الفرعونية، وإسهام الأفارقة فيها، والاستفادة مما طرحه المفكرون الأفارقة فى هذا الصدد، وعلى رأسهم المفكر والمؤرخ السنغالى الأشهر شيخ أنتاديوب، الذى جعل الحضارة الفرعونية مرجعية تاريخية للأفارقة، شأنها كشأن الحضارة اليونانية، التى تعد مرجعية للتاريخ الأوروبى، بالإضافة للمفكر الكاميرونى ديكا أكوا Dika Akwa، الذى أكد ذات المعنى فى كتابة: «أبناء الفراعنة عبر إفريقيا» الصادر عام 1985.
ومن المفيد أيضا إقامة معارض متنقلة للآثار الفرعونية بالعواصم والمدن الإفريقية، ووضع مجسمات دائمة للتماثيل والرموز الفرعونية فى الميادين الكبرى، ومقر الاتحاد الإفريقى والمنظمات الإقليمية التى تتمتع مصر بعضويتها، ومنح الأفارقة عروضا تفضيلية تشجعهم على زيارة مصر للسياحة والتعرف عليها عن قرب.
وبالنسبة للأزهر، فهو أرفع كيان إسلامى فى العالم، لذا فهو يحظى بالتبجيل فى جميع ربوع المعمورة، خصوصا فى إفريقيا، نظرا لدوره التاريخى فى نشر الإسلام بها، ودعم الحركات الإصلاحية المناهضة للاستعمار مثل: حركة عثمان بن فودى والحاج عمر النكرورى بغرب إفريقيا، والحركة السنوسية فى ليبيا، وأيضا لما يطرحه الأزهر من نموذج إسلامى معتدل يتلاءم ومسلمى القارة، وما يملكه من مراكز ومعاهد فرعية فيها.
الأمر ذاته ينطبق على الكنيسة القبطية، التى يمكن باستثمار ثقلها الروحى تعظيم دور مصر فى إفريقيا، خصوصا أن عدد الكنائس التابعة لها فى القارة يصل إلى 40 كنيسة، وقد تحركت الكنيسة بالفعل فى هذا الاتجاه، خصوصا لدى احتدام الأزمة المائية بحوض النيل.

7 - تفعيل دور مصر فى التنظيمات الإقليمية
تعزيز دور مصر فى إفريقيا يقتضى انخراطها الفاعل فى أعمال الاتحاد الإفريقى والتنظيمات الإقليمية الإفريقية، ويتحقق ذلك عبر عدة مقترحات أهمها: رفع مستوى التمثيل المصرى فى المؤتمرات الدورية لتلك التنظيمات إلى المستوى الرئاسى كلما أمكن، وتخصيص جائزة باسم الشعب المصرى تمنح سنويا خلال مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقى، وذلك للشخصيات الإفريقية ذات الأدوار البارزة فى النهوض بدولها فى مجالات معينة، مثل إرساء السلام، أو تحقيق المصالحة الوطنية.
يضاف لما سبق طرح المبادرات العملية لدعم التعاون الإفريقى، وتعزيز المواقف الإفريقية فى المفاوضات بشأن القضايا الدولية، والحرص على وجود مسئولين مصريين بين قيادات تلك التنظيمات، وإقامة علاقات متميزة مع الدول الإفريقية المحورية فى إطارها.
كما تبدو أهمية المطالبة بعقد المؤتمرات الإفريقية فى مصر فى مختلف المجالات وليس فى مجال الشئون السياسية فحسب، وذلك وفق خطة متكاملة تؤدى لحضور كبار المسئولين الأفارقة إلى مصر للتعرف على إمكاناتها، فهناك أجيال من هؤلاء المسئولين لم يسبق لهم زيارة مصر ومعرفتها عن قرب، بل إن مصر لدى أغلبهم تقف عند مصر الناصرية، ولا تتجاوزها.

8 - المساهمة الفاعلة فى تسوية الصراعات
لا يمكن لمصر أن تنعزل عن المشاركة فى جهود دعم السلم والأمن، بما فى ذلك العمليات التى تجرى تحت مظلة الاتحاد الإفريقى، خصوصا ضمن القوة الإفريقية الجاهزة للانتشار السريع، المزمع تأسيسها، حيث تعتبر تلك المشاركة شرطا لازما للترشيح لعضوية مجلس الأمن الدولى، سواء بالنسبة للمقاعد غير الدائمة، أم المقاعد الدائمة، فى حال توسيع عضوية المجلس، خصوصا أن الاتحاد الإفريقى هو الجهة التى سترشح الدول الإفريقية.

9 - تدعيم العلاقات الاقتصادية
من غير المنطقى أن يستمر حجم التجارة والاستثمار المصرى فى إفريقيا على وضعه الراهن، ولا يعقل أن تستورد مصر اللحوم من البرازيل والهند فحسب، فى حين تزخر إثيوبيا والسودان وجنوب السودان والصومال بإنتاج وفير منها، ولا يستقيم أن تعتمد مصر على النيل كمصدر لحياتها، دون أن تتعاون بالشكل اللازم مع دول منابع النيل.
وبالتالى يجب على مصر تطوير وتدعيم علاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية، وذلك فى مجالات التجارة البينية والاستثمارات المشتركة، والمساعدات الاقتصادية، والمنح والقروض، خصوصا فى مجال الطاقة والنقل والاتصالات ومشروعات إعادة الإعمار، بهدف خلق مشاركة اقتصادية حقيقية، وليس مجرد علاقات تجارية قائمة على عقد صفقات غير مخططة مع تلك الدول.
ومن المقترحات المهمة فى هذا الشأن: تشجيع تجارة الترانزيت، بحيث تصبح مصر محطة أساسية للمنتجات القادمة من أوروبا وأمريكا وآسيا إلى إفريقيا جنوب الصحراء، وإنشاء البيت المصرى فى الدول الإفريقية، ليكون بمثابة معرض دائم للمنتجات المصرية ومكان لإقامة المسئولين المصريين، وتدشين خطوط طيران مباشرة بين المطارات المصرية ونظرائها فى إفريقيا، أسوة بمطار أديس أبابا، الذى يعتبر محطة وسيطة بين مطار القاهرة ومطارات غرب إفريقيا فى الوقت الراهن.
وفى هذا الإطار تبدو أهمية البدء بتطوير العلاقات الاقتصادية مع السودان كمدخل للقارة الإفريقية، خصوصا تجاه دول شرق إفريقيا، وذلك بتطوير خط السكة الحديدية بين الدولتين، والانتهاء من إنشاء الطريقين البريين بينهما، وهما طريق قسطل أشكيت، وتوشكى أرقين، اللذان وضع حجر الأساس لهما فى ديسمبر 2009.

10 - تطوير سياسة الدعم الفنى المصرى لإفريقيا
يتحقق ذلك من خلال وضع خطة متكاملة لتقديم الدعم الفنى لإفريقيا، تكون محددة الرسالة، والأهداف، والأنشطة والميزانية والتوقيت والتقييم، وكذا تفعيل دور الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع إفريقيا، عبر تحديد أولويات عمله، ومضاعفة ميزانيته.
وبالنسبة لأولويات عمل الصندوق، تبدو أهمية التركيز على القضايا وثيقة الصلة بالحياة اليومية للأفارقة، مثل التعليم، والأمن الغذائى، والرعاية الصحية، فيتم إيفاد خبراء مؤهلين قادرين على إيصال رسائل التضامن المصرية للشعوب الإفريقية، فى مجالات مثل: تطوير إنتاج المحاصيل الغذائية، وتقديم الرعاية الصحية فى الأماكن النائية، عبر مستشفى الغرفة الواحدة، الذى يرأسه من طبيب إلى ثلاثة، على أن يعمل هذا المستشفى فى المناطق التى تحتاج فعلا لتلك الرعاية الطبية، وبالتالى تحدث المعونة أثرها الإنسانى والسياسى.
ومن الضرورى أيضا أن يبتعد الصندوق عن مجالات عمل معينة، ومنها: تعليم اللغة والمهام والأدوار الحضارية والدينية والثقافية واللغوية، والتى تقوم بها مؤسسات أخرى فى مقدمتها الأزهر، وكذا يجب ألا ينخرط الصندوق فى تنفيذ مشروعات البنية الأساسية فموارد الصندوق المحدودة لا يمكن أن تتحمل ذلك.
وهنا تبدو أهمية أن يقدم الخبراء والمبعوثون الذين يتم إيفادهم إلى الدول الإفريقية تقارير دورية بأنشطتهم وباحتياجات الدول الإفريقية فى مجال تخصصاتهم، حتى يمكن الاستفادة منها فى فتح مجالات جديدة للعمل المصرى فى إفريقيا.

11 - تطوير سياسة المنح الدراسية والتدريبية
تطوير قواعد موضوعية جديدة لتقديم المنح الدراسية والتدريبية للأفارقة، ومن ذلك: مراعاة موضوعية جديدة لتقديم المنح الدراسية والتدريبية للأفارقة، ومن ذلك: مراعاة احتياجات الدول الإفريقية للكوادر المؤهلة والخبرات فى مجالات تنموية معينة، وفتح المجال أمام الأفارقة لدراسة العلوم التطبيقية، خصوصا الطب والهندسة والزراعة، وكذا العلوم الأمنية والعسكرية، مع تيسير شروط التحاقهم بمراحل الدراسات العليا بالجامعات المصرية.
وحتى تكتمل الفائدة، علينا دراسة إنشاء فروع للجامعات المصرية فى ربوع القارة الإفريقية، على غرار فرع جامعة الإسكندرية بمدينة تونج بجنوب السودان، وإنشاء جامعات مشتركة بين مصر والدول الإفريقية الأخرى، حيث يضمن ذلك تبادلا علميا حقيقيا، يشمل الخبراء والأساتذة والطلاب، والأكثر أهمية هو بحث قبول الطلاب المصريين بجامعة القاهرة فرع الخرطوم الذى تقتصر الدراسة فيه على الطلاب الوافدين من السودان وجنوب السودان وبعض الدول الإفريقية الأخرى، وهو ما يناقض فلسلفة استقدامهم للدراسة بمصر، ويجعل الدارسين بالفرع فى عزلة داخل المجتمع المصرى.

12 - إنشاء هيئة عليا لتنسيق الجهود
لم يعد من الممكن أن تتحمل وزارة الخارجية المصرية وحدها عبء النهوض بتفعيل الدور المصرى فى إفريقيا، فالعديد من محاور تفعيل هذا الدور تقع فى صميم اختصاص وزارات وهيئات أخرى: مثل وزارات الإعلام والثقافة والتعاون الدولى والأزهر الشريف والكنيسة القبطية وجمعيات رجال الأعمال.
لذا فإن تفعيل الدور المصرى فى إفريقيا، يستلزم إنشاء هيئة لتنسيق جهود المؤسسات المصرية فى إفريقيا، وهناك ثلاثة مقترحات فى هذا الصدد هى: تخصيص وزارة دولة للشئون الإفريقية، أو إنشاء مجلس تحت مسمى «المجلس الأعلى للشئون الإفريقية» أو تكوين مفوضية تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة تضم ممثلين عن مختلف الوزارات والهيئات والمجالس والاتحادات المصرية الحكومية والأهلية المعنية بإفريقيا، بحيث تتولى صياغة إستراتيجية متكاملة للتحرك المصرى فى القارة ومتابعة ومراقبة تنفى هذه الإستراتيجية عبر خطط تفصيلية.
يأتى مقترح إنشاء تلك الهيئة على غرار ما قامت به الولايات المتحدة فى بداية 2003 عندما أقر الكونجرس إنشاء ما سمى ب«اللجنة الاستشارية للسياسات نحو إفريقيا»، التى تضم أهم الخبراء الأمريكيين فى الشئون الإفريقية، والتى تعقد اجتماعاتها تحت رعاية مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية فى واشنطن، حيث تقدم اللجنة استشارات وتقارير دورية بشأن سياسات الولايات المتحدة إزاء إفريقيا.
ويرتبط بذلك العمل على تنشئة جيل مصرى من الباحثين والمتخصصين والدبلوماسيين المؤمنين بالانتماء المصرى إلى إفريقيا، مع السعى لإيجاد واقع عملى يعطى تميزا ماديا وأدبيا لمن يدرس ويعمل بالشئون الإفريقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.