تستعد مصر لاستئناف مشاركتها فى انشطة الاتحاد الافريقي من خلال القمة العادية رقم 23 للاتحاد الافريقي المنعقدة فى مالابو فى الفترة من 25-27 يونيو الجارى. وسوف يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القمة، وهى مشاركة تاريخية، خاصة انها تأتى كأول مشاركة من رئيس مصرى بعد ثورة 30 يونيو، وهى الثورة التى قام بها الشعب وساندها الجيش ، كما انها تأتى بعد قرار مجلس السلم والامن الافريقي بالاجماع بإنهاء تعليق الانشطة المصرية وتوصية لجنة الحكماء التى دعت الى سرعة استئناف مصر لأنشطتها ودورها الافريقي. ولعل استئناف مصر لأنشطتها على المستوى الافريقي العام يمثل أمرا مبهجا لكل المصريين، لكن الاكثر بهجة أن تستأنف مصر دورها الافريقي لمصلحة شعوب ودول القارة بعد ان انقضت سنوات طويلة من الاهمال النسبى، حتى تغيرت اوضاع كثيرة فى القارة لغير صالح مصر، وغير صالح القارة بشكل عام. و تمثل الفترة من يوليو 1995 حتى يونيو 2014 تجربة مريرة ينبغى ان نتعلم منها بعض الدروس المفيدة فى العلاقات المصرية الافريقية، قد يكون من اهمها ما يلى : أولا : ان الدائرة الافريقية لابد ان تأخذ الاولوية الاولى ، او الثانية بعد العالم العربى ، حيث التداخل بين الدائرتين واضح لا لبس فيه ،حيث ان ثلثي مساحة العالم العربى تقع فى افريقيا ، فضلا عن نحو السكان العرب هم افارقة ). ولا ينبغى ان نتذرع بأى ذريعة لإهمال إفريقيا مرة اخرى، خاصة وان الدستور 2014 يؤكد فى المادة الاولى «ان مصر جزء من الامة العربية .... وتنتمي للقارة الافريقية». ثانيا : ان الدور الاقليمى المصرى فى افريقيا ، الذى عرف عنه منذ الخمسينيات من القرن العشرين على انه دور الدولة ومعقل الثورة والمحرر للقارة من الاستعمار والعنصرية والقائد الاقليمى، يمثل الرصيد الباقى لدى دول وشعوب القارة تجاه مصر، هذا الدور لابد ان يتطور ليتلاءم مع قضايا ومشكلات القارة المتجددة، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. فادور المصرى الجديد فى تصورى سوف يتركز على صنع السلام الاقليمي فى القارة، ومقاومة الارهاب و الدور التنموي والمدافع الاقليمي فى مواجهة العدوان الخارجى على القارة ، فضلا عن دور الدولة النموذج الذى يحتذى به الاشقاء الآخرون فى القارة. ثالثا : نتطلع من ثورة 30 يونيو، ومع الجمهورية الثالثة، ومع الرئيس عبد الفتاح السيسى ومع بداية المشاركة فى القمة الافريقية الحالية، ان يقوم السيد الرئيس بالمشاركة فى كل لقاءات القمة الافريقية، حيث توفر «دبلوماسية القمة» فرصا افضل لتطوير العلاقات وحل المشكلات العالقة، كما نتوقع قيام الرئيس بنفسة بجولات مكوكية فى انحاء القارة لعمل مبادرات وايجاد حلول لبعض المشكلات التى قد تطرأ بين مصر وبعض الدول الافريقية، بالاضافة الى قيام السيد رئيس الوزراء والوزراء المعنيين بدورهم فى المشاركة فى التعامل مع القضايا والمناسبات الافريقية الوطنية والاقليمية والدولية. رابعا : اننى متفائل من هذه البداية الطيبة لاستئناف الانشطة المصرية فى الاتحاد الافريقى على مستوى القمة، وأتصور ان لدى القيادة المصرية تصورا واضحا لدورها الاقليمي الجديد فى القارة الافريقية، خاصة وان الشعب يساندها، كما ان الجيش المصرى الذى وقف بجانب ثورته وحمى إرادة الشعب، وضمن تطبيق خارطة الطريق وأثبت انه حارس وراع للديمقراطية الوليدة فى مصر، يقدم نموذجا تحتذى به كل الدول التى قد تواجه احوالا مشابهة. كما ان القرارات التى يصدرها الاتحاد الافريقي بخصوص التغييرات غير الدستورية فى الدول الافريقية يتعين التأنى فيها على ضوء خبرة التجربة المصرية، فالشعب هو صاحب السلطة الحقيقية، وليس الحاكم حتى ولو كان منتخبا. خامسا : نتطلع مع هذه المرحلة الجديدة ان يتم وضع استراتيجية مصرية تجاه افريقيا ، يتم فيها معالجة الاخطاء السابقة التى وقعت فيها السياسة المصرية، واهم هذه الاخطاء او الخطايا، ترك السودان واهمال شعار «وحدة وادى النيل»، سواء بمفهوم الوحدة السياسية او التكامل، و هو ما ينبغى ان يتغير ، وكذلك البعد الثقافى الغائب فى العلاقات والنظرة الاستعلائية لدى البعض «عن جهل» للأشقاء الافارقة، سواء فى التفاوض او على مستوى ردود الافعال فى الازمات او حتى على مستوى مباريات كرة القدم . سادسا: انشاء عدد من الآليات المصرية لتفعيل العلاقات المصرية الافريقية ، منها آلية لتحقيق الامن الغذائى المصرى مع افريقيا، خاصة فى مجال الحبوب و اللحوم و الزيوت النباتية ، لا سيما وان مصر تستورد 70% من غذائها من الخارج، وآلية لتطوير التجارة مع القارة لترتفع من 3 % الى 10 % على الاقل خلال فترة وجيزة ، وآلية لتعزيز العلاقات الثقافية والعلمية وغيرها، وذلك فى اطار نوع من التنسيق والتكامل بين الاجهزة التنفيذية ، يرأسها نائب لرئيس الوزراء. أخيرا ، فسوف تكون بداية استئناف مصر لانشطتها فى الاتحاد الإفريقي بداية حقيقية لاستئناف مصر لدورها ورسالتها الافريقية، لاسيما فى ظل الجمهورية الثالثة وقيادتها المؤمنة باستئناف الدور الاقليمى المصرى، حيث نأمل فى اقامة شراكة استراتيجية تنموية بناءة بين مصر و قارتنا الافريقية ، وتنويع مصادرالاعتماد المتبادل بين مصر و دول حوض النيل فى اطار نوع من التكامل المؤسسى فى ادارة الموارد المائية و الطاقة، وعلاقات استثمارية وتجارية اكثر جدوى لمصر والدول الافريقية وعلاقات ثقافية وتعليمية وفنية متميزة تتيحها مصر لابناء القارة، ودور مصرى سياسي وامنى بارز فى حل الصراعات و المشكلات الافريقية . لمزيد من مقالات د. محمود أبو العنيين