التواصل بين مصر ودول القارة الإفريقية لم ينقطع رغم الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية الكثيرة التي تواجهنا. صحيح أن هناك مؤشرات لا يمكن تجاهلها عن تراجع الدور المصري في إفريقيا وقلة فاعليته. لكن يوجد ادراك متنام لأهمية التحرك السريع لاستعادة دور مصر الإفريقي وتحجيم القوي التي تسللت إلي قلب القارة وتهدد مصالحنا الحيوية بها من خلال تدعيم علاقات التعاون والصداقة مع الدول والتكتلات الإفريقية وتمتين العلاقات الثنائية والمتعددة مع مناطق التواصل العربي الإفريقي ودول حوض النيل وغيرها من دول القارة التي تواجه جميعا تهديدات خطيرة وتعاني متغيرات متسارعة سياسية واقتصادية لعل أبرزها زيادة معدلات الفقر. وتهريب وانتشار الأسلحة. وعدم الاستقرار والعنف. وظاهرة التصحر. والاوبئة والمخاطر البيئية. وهو ما يفرض تبني استراتيجيات جديدة في التعامل مع التحديات والمشكلات المشتركة التي تواجهنا والتحرك الفاعل والمستمر لتحقيق مصالح دول القارة وحفظ أمنها. ويقول الدكتور السيد فليفل. أستاذ التاريخ الحديث. والعميد الأسبق لمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية بجامعة القاهرة. إن تفعيل الدور المصري في إفريقيا يحتاج لرؤية شاملة علمية تعتمد علي بناء القدرات الداخلية واستعادة مصر عافيتها والانطلاق لبناء علاقات قوية ممتدة مع كل دول القارة وخصوصا دول حوض النيل. مضيفا أن نظام مبارك همش دور مصر في إفريقيا وإهدار موقعها ومكانتها ودورها التنويري والسياسي والتاريخي الذي صنعته بحكمة وتضحيات ومشاركة لدول وشعوب القارة في نضالها لنيل حقوقها السياسية والاقتصادية. مصر والتحرر الإفريقي ويؤكد أن مصر منذ عام 1952 كانت قوة فاعلة وبذلت جهود جبارة لارساء مكانتها في افريقيا. لافتا الي أنها نجحت في اقامة علاقات واتصالات قوية بكل حركات التحرر الإفريقي في نهاية فترة الاستعمار التقليدي خاصة الاستيطاني في جنوب افريقيا. واقدمت علي تخصيص مكاتب لحركات التحرير في القاهرة لتتمكن بالاتصال بالعالم الخارجي و25 اذاعة باللغات الافريقية. وساعدت قادة التحرر الافريقي لعرض قضاياهم في المنظمة الدولية. وقال إن الدور المصري لم يتوقف بعد استقلال الدول الافريقية فقد ظلت مصر تساندها وتقف بجوارها في ازماتها وضد كل محاولات التدخل الخارجي ومحاولات فرض التجزئة وتقسيم القارة والذي واجهته من خلال منظمة الوحدة الافريقية وتقديم الدعم المادي والسياسي والعسكري. مشيرا الي أن الأفارقة اعترفوا بمكانة مصر ودورها وكنوا لها احتراما ووفاء كبيرا وظهر هذا بوضوح بعد عدوان 1967. حيث قطعت معظم الدول الإفريقية علاقاتها بإسرائيل. وكانوا دائما يصوتون لصالح القضايا العربية في الأممالمتحدة. وأضاف أن سياسة مصر ازاء إفريقيا اعتمدت منذ القدم علي عدد من المحاور أهمها تأمين منابع النيل وإقامة علاقات قوية مع دول القارة واكتساب مكانة تنويرية وثقافية وحضارية. مبينا أن السياسات التي اتبعها النظام السابق خلال العقود الثلاثة الاخيرة أدت الي أهمال افريقيا وتهديد الأمن والعمق الاستراتيجي لمصر. ولهذا يجب الاسراع بتغيير هذه الاوضاع بحيث تحتل إفريقيا الأولوية المناسبة في استراتيجية العمل الخارجي وتعزيز بعثاتنا الدبلوماسية ووضع خطط وبرامج تنمية وتعاون في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية وتحقق الشراكة علي كافة المستويات مع الأشقاء الافارقة. التهديد الحقيقي أكد محمود أبو العينين. أستاذ العلوم السياسية. وعميد معهد البحوث والدراسات الافريقية الاسبق بجامعة القاهرة. أن مصالح مصر الاستراتيجية بالقارة الافريقية مهددة بسبب اضمحلال وانزواء الدور المصري بها. موضحا أن نظام الرئيس حسني مبارك اهمل العمق الاستراتيجي الأفريقي لمصر وسمح للقوي الأخري المنافسة الدخول الي القارة السمراء وتهديد مصالحنا.وكشف انه كان من أوائل الاكاديميين الذين حذروا من تراجع الدور المصري في افريقيا. مشيرا الي انه اطلع المسئولين في عام 1996 بخطورة الاوضاع في أفريقيا. وبوجود مشكلات في حوض النيل تحديدا.پ ولم يتحرك أحد وتركزت مساعي عمرو موسي وزير الخارجية المصري آنذاك في الانضمام إلي ¢الكوميسا¢ لكن لم يحدث تحرك جدي لتغيير الاوضاع. ولذلك كتبت في 2002 بمناسبة مرور 50 سنة علي ثورة يوليو 1952 محذرا من استمرار تراجع الدور المصري وعدم التحرك لاحداث تطور ملموس. وعرضت القضية علي مسئولين من مستويات عسكرية وأمنية لكن أيضا استمر التراجع واهمال التعاون مع دول القارة. وقال إن إهمال الملف الأفريقي سبب لنا مشكلات عديدة كان من نتيجتها إقصاؤنا من أفريقيا ودخول قوي كثيرة القارة مثل إيران وتركيا والصين واسرائيل والولاياتالمتحدة التي انشئت ¢الأفريكوم¢ الخاصة بالقوات الموحدة التي تديرها وزارة الدفاع الأمريكية في إطار المنطقة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط. وتم استبعاد مصر منها ولا يوجد تنسيق عسكري لنا مع الولاياتالمتحدة في أفريقيا. وهو ما يعني خروج مصر من أفريقيا. حيث أعطت واشنطن أدوارا إقليمية لدول أخري مثل كينيا وأوغندا ونيجيريا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا والسنغال. وأشار الي أن نظام الرئيس السابق محمد مرسي اهدر هيبة الدولة المصرية أمام دول القارة وخصوصا دول حوض النيل عندما استخدام قضية ملف النيل في مؤتمر هزلي علي الهواء مباشرة استهدف ضرب المعارضة أمام الرأي العام وليس إيجاد حل لقضية كارثية مما اضر بشدة أمن مصر القومي. مبينا أن القيادة السياسية مطالبة باتخاذ خطوات جادة تعيد للعلاقات المصرية مع الدول الإفريقية حيويتها وقوتها وعمقها بتبني إستراتيجية فعالة ولها رؤية ثابتة مؤسسة وليست موسمية تتعامل مع افريقيا كعمق استراتيجي مصري في إطار الاتجاهات المصرية السياسية. تكامل دول الحوض وشدد اللواء الدكتور عادل سليمان. مدير منتدي الحوار الاستراتيجي لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية والعسكرية. علي أهميةپ تبني الدولة استراتيجية تقوم علي تنمية العلاقات الثنائية والمتعددة مع دول القارة الأفريقية. وقال إن التحديات تتطلب وعي وإرادة سياسية بأهمية أن تكون العلاقات المصرية الأفريقية متبادلة وليست من طرف واحد دون الآخر. كما ينبغي علينا وأيضا الدول الأفريقية طرح مبادرات ومقترحات جديدة لتطوير العلاقات المصرية الأفريقية. والعمل علي بناء تكامل إقليمي في حوض النيل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي. يبدأ بقطاع البنية الأساسية. من حيث الربط الكهربائي والمائي. ثم ربط طرق ووسائل النقل والبنية الأساسية. ثم بناء رؤية شاملة للزراعة والصناعة علي أساس الاعتماد المتبادل.ويوضح أن التحركات المصرية يجب أن تكتسب مصداقية حقيقية وتعتمد علي التنسيق المتبادل والشراكة والمصالح المشتركة خاصة في منطقة حوض النيل وتجمع دول الساحل والصحراء. مضيفا أنه يجب علي الحكومة المصرية تخصيص وزير دولة مصري للشئون الأفريقية لقيادة العمل التتنفيذي وإحكام عملية التنسيق علي مستوي المصالح والهيئات تجاه القارة الأفريقية. وتشكيل مجلس أعلي للشئون الأفريقية. وإنشاء مركز معلومات واستشارات أفريقية تصب فيه كافة المعلومات التي تمكن صانع القرار من اتخاذ السياسات الصائبة. پويري انه ينبغي تحسين مضمون الرسالة الثقافية والإعلامية والعمل علي تنقيتها من أية شوائب قد تحمل إيحاءات سلبية أو عنصرية مرفوضة. مطالبا بضرورة إعادة النظر في سياسات إرسال المبعوثين والمعلمين والدعاة المصريين إلي الدول الأفريقية. والتنسيق بين الدبلوماسية الرسمية والشعبية والعمل علي ربط الاهتمامات الحزبية بمشكلات القارة الأفريقية وتعزيز الزيارات المتبادلة والتبادل الثقافي والعلمي الطلابي حتي يمكن اعطاء أرضية شعبية للسياسة المصرية في القارة. وقال حلمي شعراوي. مدير مركز البحوث العربية والافريقية. ان كسر حالة الحصار والطوق الذي تسعي بعض القوي لفرضه علي التواجد المصري في افريقيا واستحكم بالغياب والاهمال وضعف الفاعلية المصرية في التعامل مع ملف افريقيا يتحقق بتبني مصر منهجية تعاونية مع دول القارة ووضع رؤية استراتيجية للسياسة الخارجية المصرية في بعدها الإفريقي بحيت تكون في صدارة أولوياتها. وتستهدف التعاون والتكامل والمصالح المشتركة وتوظيف الموارد الطبيعية والبشرية للنهوض بدول القارة في كافة المجالات. ويضيف أن تحقيق مصالح مصر الوطنية في القارة السمراء يتطلب أن تسعي مصر لبناء منظومة علاقات إيجابية يتكامل فيها مسار التعاون في قضايا التنمية وغيرها من الملفات المشتركة. مشددا علي ضرورة أن تحرص مصر علي تقديم سياساتها في إطار تعاوني يعتمد علي الحوار الجاد والبناء والشفافية والواقعية. ويتجنب الاستفزاز. والعدائية. وعدم الإنصاف. وإحداث التوافق والتوزان بين الأهداف والمصالح العليا لدول القارة باعلاء واحترام المنظومة القانونية والسياسية الدولية وصياغة سياسات تراعي التعامل مع دول القارة من منظور تكاملي واندماجي من خلال توظيف واستثمار الإمكانيات والقدرات الاقتصادية والشاملة والبرهنة علي ذلك بتبني السياسات والاستراتيجيات والسلوكيات والممارسات المشتركة والفعالة في تلك المجالات الحيوية. وطالب بضرورة اقناع دول القارة وخصوصا حوض نهر النيل بأهمية التكتلات والتحالفات الإقليمية والأطر متعددة الأطراف. وتطوير العلاقات مع إثيوبيا وبناء شراكة حقيقية بين الدولتين. تنهي رواسب وعداءات الماضي. وتتجاوز موضوع المياه إلي كافة مجالات التعاون السياسي والاقتصادي. فضلا عن عدم إغفال أطر التعاون الثلاثي الوثيق بين كل من مصر وأثيوبيا والسودان. ودعا الي تفعيل وتوثيق أدوات وأساليب الدبلوماسية الناعمة التي ترتكز علي ما تتمتع به مصر من مكانة تاريخية وثقافية تؤهلها لإقامة علاقات وطنية مع كافة الدول الافريقية. باعتبارها أفضل البدائل المتاحة لتوطيد العلاقات وتقويتها مع دولها باستخدام اساليب ثقافية وعلمية واجتماعية وإعلامية وحضارية مثل زيادة البعثات التعليمية. والمنح للطلاب الأفارقة. وتنظيم زيارات لوفود شعبية. وارسال البعثات الطبية. وتدريب الكوادر. وإقامة المعارض والفعاليات الثقافية. وتفعيل دور الأزهر الشريف والكنيسة المصرية. ووضع خطط الحملات الإعلامية لتنشيط العلاقات التجارية. بما يضمن احدث تغييرا يؤدي الي تصحيح الصورة السلبية لمصر.