فى ظل العدوان الصهيونى المستمر على إيران واغتيال علماء الذرة الإيرانيين القائمين على البرنامج النووى رغبة فى محو هذه العقول حتى تسيطر تل أبيب على هذه المنطقة عسكريا ونوويا.. نستعرض نموذجا من نماذج التاريخ الأسود لإسرائيل فى اغتيال العقول العربية والمسلمة.. فبعد أقل من شهر على ثورة يوليو 1952 تم اغتيال الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية، وهناك كتاب للكاتب عبدالله بلال هو «اغتيال العقل العربى» وهو من سلسلة للكاتب تتضمن أبرز العلماء الذين تم اغتيالهم لتنطفئ شمعة نبوغهم.. يتحدث المؤلف فى هذا الكتاب عن سيرة الدكتورة سميرة موسى الذاتية وقام بتقديم الكتاب الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التربية والتعليم الأسبق. يبدأ الكاتب بالحديث عنها قائلا: ولدت سميرة فى مارس سنة 1917 فى قرية سنبو الكبرى مركز زفتى غربية.. وهى الابنة الرابعة بين إخوتها التسعة.. ولقد ولدت فى خضم تفاعلات وأحداث الحركة الوطنية التى عبرت عن أصالة الشخصية المصرية.. فبعد مولدها بسنتين فى سنة 1919 تقوم الثورة فتتفتح (سميرة) هى وأبناء جيلها على المد الوطنى المطالب بالحرية والاستقلال.. فها هو طلعت حرب يؤسس بنكا يحمل اسم مصر.. وهذا الفنان محمود مختار يصنع تمثالا يحمل اسم (نهضة مصر) ثم تقوم الجامعة الأهلية، ثم تظهر هدى شعراوى ويؤسس الاتحاد النسائى المصرى معها (أم المصريين صفية زغلول) ثم مجموعة من الرائدات المصريات اللاتى ناضلن من أجل حق المرأة فى التعليم، ولاشك أن فى ظل هذا المناخ لم يكن صعبا على سميرة بدء مشوارها التعليمى كغيرها من بنات القرية. وعن تعليمها يقول الكاتب: وفى مدرسة سنبو الأولية لفتت النظر بحبها الشديد للقراءة وبقدرتها الفائقة على الحفظ، وبأسئلتها التى لا تنتهى عن تلك الاختراعات التى تقرأ عنها مثل الطائرات والسيارات والقطارات حتى (الراديو) كان يثير فضولها. أما الإجابة فكانت دائما: (إنه العلم يا سميرة) ذلك الساحر الذى يحقق المعجزات للبشرية. وبالطبع لم يكن أمام الأب (الحاج موسى على) إلا أن يأخذ بنصيحة الأهل الذين لفت نظرتهم تفوق (سميرة) بترك الريف والذهاب إلى القاهرة حتى تأخذ ابنته فرصتها فى التألق والنبوغ. ويمضى الكاتب: لقد ترك الأب الريف واستقر فى القاهرة ليهيئ لابنته فرصا أفضل للتعليم، فاشترى فندقا صغيرا يستثمر فيه أمواله ويعول من دخله أفراد أسرته، وتلتحق سميرة بمدرسة قصر الشوق الابتدائية لتكون من أوائل الشهادة الابتدائية.. ثم يدق الحظ على بابها لتنتقل إلى مدرسة بنات الأشراف الثانوية الخاصة التى أسستها وأدارتها المربية الرائدة (نبوية موسى) وهناك تجد نفسها، وتظهر تفوقا، نتيجة لتشجيع هذه (الناظرة) التى تحملت الكثير من أجل نصرة حقوق المرأة، حتى أصبحت القدوة والمثال لتلميذتها، فإذا بسميرة ذات السبعة عشر عاما تصدر كتابا من تأليفها، يضم تلخيصا ميسرا للكتاب المدرسى المقرر فى مادة (الجبر) من وزارة المعارف على طلبة السنة الأولى الثانوية، وقد شجعها والدها وطبع الكتاب على نفقته الخاصة، حيث قامت هى بتوزيعه بالمجان على زميلاتها. ونتوقف عند كلمة الأهداء التى كتبتها ووجهتها لأستاذها فتقول: إلى أستاذى الفاضل محمد أفندى حلمى: «جاز لى أن أتقدم بكتابى (الجبر الحديث) إليكم بعد انتهائى من تأليفه، وهو الثمرة التى نتجت من غرس أياديكم البيضاء، فهاك الكتاب راجية أن يحوز عطفك السامى ورضاك. المهداة سمير موسى».. ولا يعنى أثناء قراءة هذا الكتاب إلا التوقف عند هذا الموقف الذى يزيدنا إيمانا بالنبوغ المبكر لهذه الفتاة.. ففى أحد الأيام تلقت (نبوية موسى) ناظرة المدرسة من تلميذتها (سميرة) طلب نقل من مدرستها إلى مدرسة حكومية، فاستدعتها على الفور لتستفسر عن السبب، فكان رد الطالبة أنها فى حاجة إلى معمل طبيعة لا يتوفر فى المدرسة، وعندئذ لم يسع الناظرة إلا أن تنهى تلميذتها عن النقل بعد أن وعدتها بتلبية طلبها، وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى حصلت سميرة على (حلمها). وننتقل مع الكاتب إلى حياتها داخل الجامعة: لقد أسهمت بجهودها فى نشاط العديد من الجمعيات، فأسست (جمعية الطلبة لنشر الثقافة) التى كان من أهدافها محو أمية الفلاحين فى الريف وفى الأحياء الشعبية بالمدن ثم انضمت إلى (جماعة النهضة الاجتماعية) التى كان هدفها جمع التبرعات من الأغنياء وتقديم المعونات للفقراء. وقد اختارت سميرة التخصص فى علم دقيق وهو علم الذرة ليكون لمصر القوة والقدرة على العمل من أجل السلام والخير، وقد صممت أن تكافح لتكون (الذرة من أجل السلام) لتجنب البشرية ويلات الدمار الذى عرفته من خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، كما حددت شعارها الإنسانى لبنى وطنها وبنى البشر أجمعين (أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين). وتتخرج سميرة فى كلية العلوم عام 1942 ولتكون الأولى على دفعتها ويتم تعيينها أول معيدة بها بفضل تشجيع أستاذها د. مصطفى مشرفة. لقد ساهمت سميرة بعلمها وتجاربها المعملية فى معهد الراديوم وكلية الطب، بالإضافة إلى جهودها فى تأسيس مؤسسة الطاقة الذرية إلى جانب عضويتها فى العديد من اللجان المتخصصة ومنها: لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية.. التى شكلتها وزارة الصحة. لقد نجحت فى التوصل إلى تصنيع الذرة من معادن رخيصة متوفرة لدى دول العالم ومنها البلدان النامية، وهذا يعنى كسر احتكار تصنيع القنبلة الذرية على الدول الكبرى التى تمتلك وحدها مادة (اليورانيوم) وبالتالى يفرضون تسلطهم على العالم، وقد شهد بنبوغها أستاذها الإنجليزى فأرسل إلى الجامعة خطابا يؤكد فيه أن تجارب (سميرة موسي) قد تغير وجه الإنسانية لو أنها وجدت المعونة الكافية. ويستطرد الكاتب: لقد حاولت كل من بريطانياوأمريكا احتواءها بتوجيه الزيارات لها وتقديم المغريات المادية حتى لا تعود إلى الوطن، كما أنها اعتذرت عن قبول الجنسية الأمريكية. ونتوقف عند نقطة مهمة، وهى أن سميرة قد تنبهت منذ وقت مبكر إلى أخطار البعد النووى فى الصراع العربى الإسرائيلى، وتابعت مساهمة علماء الذرة اليهود الأمريكان فى دعم إسرائيل، ورأت كيف تزرع علماءها فى المعاهد والمعامل كى يحصلوا على كل أسباب التقدم ويصبحوا قوة ذرية فى المنطقة. وفى غمضة عين اختفت (سميرة) عالمة الذرة المصرية، ففى أحد الأيام من شهر أغسطس فى عام 1952 خرجت فى نزهة لتلقى مصرعها فى حادث سيارة قبل العودة إلى الوطن من أمريكا وهى فى الخامسة والثلاثين من عمرها، وقيدت الحادثة ضد مجهول ولكن هناك دائما قتلة!.