أشخاص غير مسؤولة عن صندوق الزمالة.. نقابة المعلمين تحذر من التعرض للنصب والاحتيال    جدول امتحانات الترم الثاني 2025 الصف الثاني الثانوي بالإسكندرية (للشعبتين)    «بني سويف الأهلية»: إنهاء استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني وإعلان الجداول    "المعلمين" تحذر من محاولات نصب باسم صندوق الزمالة وتدعو للإبلاغ الفوري    عيار 21 الآن يسجل 4740 جنيهًا.. سعر الذهب اليوم الأحد 11 مايو 2025    ممثلو ملاك «الإيجار القديم» يطالبون بتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر    بعد كسر مفاجئ.. إصلاح خط مياه الكريمات المغذي لمدينتي الغردقة ورأس غارب    رئيس وزراء باكستان يثمن عرض ترامب القيام بدور أكبر من أجل إحلال السلام الدائم    طلبات بيتزا مجهولة لمنازل قضاة يترأسون دوائر تنظر دعاوى ضد سياسات ترامب    شاهد ثنائية مبابي لريال مدريد في شباك برشلونة بالكلاسيكو (فيديو)    موقف البنك الأهلي من انتقال أسامة فيصل للأهلي خلال كأس العالم للأندية    جامعة بنها تحصد 5 ميداليات فى بطولة رفع الأثقال بدورة الشهيد الرفاعى للجامعات    تأجيل محاكمة 46 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى العحوزة لجلسة 12 يوليو    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني.. تعرف على التفاصيل    إقبال كثيف على القوافل التعليمية المجانية لطلاب الشهادة الإعدادية ببورسعيد    لليوم الثاني.. جهود مكثفة في المنوفية والبحيرة لانتشال شاب غرق في مياه فرع رشيد    سهير رمزي تثير الجدل وتكشف سراً عن بوسي شلبي (فيديو)    "ليسيه الحرية" يشهد حفل افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العالمي    ما أهمية قانون تنظيم الفتوى بعد إقراره من البرلمان؟..موقف الحكومة    فتحي عبدالوهاب يكشف لأول مرة قصة طريقته الشهيرة في تصوير السيلفي (تفاصيل)    في يومهم العالمي.. وزير الصحة يؤكد دعم الدولة المصرية لمهنة التمريض    محافظ شمال سيناء يستقبل رئيس هيئة «الاعتماد والرقابة الصحية»    برونو فيرنانديز يحسم موقفه من عرض الهلال بعد النهائي الأوروبي    ضبط طالب تعدى على آخر بسلاح أبيض بسبب مشادة كلامية في الزاوية الحمراء    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    «النواب» يوافق على اتفاقية تعاون مع «الأوروبي لإعادة الإعمار» ب10 ملايين يورو    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    "بكور": زيارة وزير الخارجية الألماني الجديد لتل أبيب والضفة تؤكد أولوية الشرق الأوسط    غدًا.. نجوم العالم يفتتحون مهرجان كان السينمائى السابع والثمانين    الخلط والخطأ «2»    اللواء أ.ح شريف العرايشى قائد قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب ل «الأخبار»    ضمن الموجة 26 بقنا.. إزالة 8 حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية بمركز الوقف    الأحوال المدنية تستخرج 32 ألف بطاقة رقم قومي للمواطنين بمحل إقامتهم    كواليس أزمة عواد وصبحي في لقاء الزمالك وسيراميكا    الزمالك يتحرك للتعاقد مع حارس الأهلي    محافظ الأقصر يتفقد أعمال فتح أكبر شارع بمنطقة حوض 18 بحى جنوب    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    مسؤولون أمريكيون: هناك خلافات بين ترامب ونتنياهو بشأن التعامل مع قطاع غزة وإيران    هل شريكك برج الثور؟.. إليك أكثر ما يخيفه    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. عروض مسرحية مجانية وتكريم رموز القرى    «الأورومتوسطي»: إسرائيل تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    موقف رونالدو من المشاركة مع النصر أمام الأخدود في الدوري السعودي    وفاة سيدة أثناء ولادة قيصرية بعيادة خاصة فى سوهاج    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلى يواصل قصف الأحياء السكنية فى غزة    الخارجية الهندية: معاهدة تقاسم مياه نهر السند لا تزال معلقة    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    ضبط 575 سلعة منتهية الصلاحية خلال حملة تموينية ببورسعيد -صور    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    «جوتيريش» يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    رئيس وزراء كوريا الجنوبية السابق ينسحب من الترشح للرئاسة    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«تجديد الدور»: آليات تعزيز الوجود المصرى فى القارة الإفريقية
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 06 - 2014

إن تغير النخب السياسية الحاكمة داخل الدول ونشأة نظم سياسية جديدة يؤديان إلى تغير السياسة الخارجية القادمة منها والموجهة لها،
وهو ما ينطبق على بوادر التحول فى سياسة مصر الخارجية خلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، عبر إعطاء مكانة محورية للدائرة الإفريقية وإعادة الاعتبار إليها، بعد أن ظلت لأكثر من عقدين من دوائر التحرك الخارجى «المهملة». غير أن هذا التحول يستلزم «تجديد» وليس «إحياء» الدور المصري، فمثلما تغيرت مصر فقد تغيرت الدول الإفريقية أيضا، وهو ما يجعل آليات الدور المصرى تجاه القارة فى عام 2014 تختلف عن آليات ذات الدور التى كانت قائمة بعد ثورة 23 يوليو 1952، لاسيما بعد تصاعد الوزن النسبى للمنافسين الإقليميين سواء من داخل القارة أو من خارجها. كما أن ثمة إدراك مصرى بضرورة صياغة العلاقة مع دول القارة على أسس جديدة.
وفى هذا السياق، تستعرض صفحة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، على هامش المشاركة المصرية فى القمة الإفريقية، التى تعقد فى 26 و27 يونيو الجارى بمالاوى عاصمة غينيا الاستوائية، المداخل المصرية فى علاقاتها الخارجية، بدول القارة الإفريقية، إذ يركز الأستاذ هانئ رسلان على الأبعاد الرسمية ليس فقط عبر المشاركة فى المحافل الإفريقية وإنما الانخراط بشكل مكثف وفعال فى القضايا الإفريقية، وفقا لرؤية شاملة وسياسات متكاملة، تجمع بين الاشتباك السياسى والمدخل التنموى والبعد الاقتصادي. فى حين تركز الأستاذة أميرة عبدالحليم على التحركات غير الرسمية التى تهدف إلى تعميق الروابط الشعبية وإزالة المدركات السلبية والصورة النمطية بين مصر ونظيرتها الإفريقية، على نحو يؤدى إلى تغليب الدوافع التعاونية، وفقا لمفهوم «الشراكة المتكافئة»، على التوجهات الصراعية.
المحرر

المداخل الرسمية: تدشين سياسات متكاملة
هانئ رسلان
من المعروف أن العلاقات المصرية الإفريقية كانت قد شهدت قدرا واضحا من التراجع بعد مرحلة الازدهار والصعود الكبيرين التي شهدتها فى عقدي
الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث مرت بأطوار عديدة أفضت فى نهاية المطاف إلى مرحلة الجمود الذى وصل إلى حد الغياب منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، إلى أن جاءت ثورة يناير 2011، وما فجرته من قضايا مسكوت عنها، لكي تعقبها ثورة 30 يونيو وما سلطته من أضواء كاشفة على العلاقات المصرية الإفريقية، إثر قرار الاتحاد الافريقى بتجميد أنشطة مصر. ورغم تجاوز مصر بنجاح كبير لهذه العقبة، إلا أن هذا الإجراء رغم طبيعته السلبية، أدى إلى خلق موجة من الاهتمام الايجابي بعلاقات مصر الإفريقية، ونشأ عنه إدراك واسع بالحاجة إلى المراجعة والى إعادة صياغة العلاقات المصرية مع إفريقيا على أسس جديدة.
مرحلة جديدة

وهكذا يمكن القول إنه إذا كانت ثورة يوليو 1952 تعد بمثابة المرجعية التاريخية، أو خط البداية الفعلى لتطور العلاقات المصرية الإفريقية، فانه من الواضح أن ثورتى يناير ويونيو ستكونان عنوانا لنهاية حقبة كاملة فى هذه العلاقات، لكى تبدأ مرحلة جديدة بناء على آليات مختلفة، تأخذ بالاعتبار التحديات التى تمر بها مصر وهى فى مفتتح مرحلة جديدة من تطور دولتها الوطنية، آخذة فى الحسبان التطورات التى شهدتها القارة وما تفرضه هذه التطورات من فرص وتحديات. وإذا القينا نظرة شاملة على مراحل تطور علاقة مصر بإفريقيا، فسوف نلاحظ أن هناك عدة مبادئ رئيسية حكمت هذه العلاقات تاريخيا، أولها: التأكيد على أهمية الانتماء الإفريقى لمصر، وثانيها هو الانتصار لقضايا القارة والدفاع عنها، أما ثالث هذه المبادئ، فهو القيادة والتأثير. وبشكل عام يمكن القول إن هذه المبادئ الرئيسية ما زالت صالحة فى مجملها لتنشيطها والانطلاق منها نحو آفاق جديدة، وذلك مع الاعتراف والإقرار بأن إفريقيا قد تغيرت كما أن مصر نفسها تمر الآن بمرحلة تغير هائلة.

تحولات مزدوجة
وإذا كانت مصر تسعى بقوة إلى إعادة نظر شاملة لتجديد أدواتها واستعادة قدراتها وحيويتها، فإن هذا يتزامن أيضا مع دخول أفريقيا عهدا جديدا، أبرز ملامحه الدور الكبير للعمل الجماعى والشراكات الإقليمية، وذلك فى إطار الوصول إلى صيغة متقدمة من صيغ الاتحاد وتنسيق السياسات، وقد أثمرت هذه الجهود عن تحولات مهمة على الساحة الأفريقية، سواء على المستوى الاقتصادى أو السياسى أو الأمني، ولم تكن تلك وحدها هى السمة البارزة لهذه المرحلة، لكن صاحبها تكالب العديد من القوى الدولية غير التقليدية على إفريقيا طلباً للمكانة والنفوذ، مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل وإسرائيل وتركيا وإيران بجانب القوى التقليدية كالدول الأوروبية والولايات المتحدة. يضاف إلى ما سبق صعود دور بعض القوى المحلية على المستوى القارى وقيادتها للعمل الإفريقى المشترك، وسعيها للعب أدوار أكبر سواء كممثلة لأفريقيا على المستوى العالمى أو كقائدة على المستوى القارى مثال جنوب إفريقيا ونيجيريا فضلا عن تصاعد الطموحات الإثيوبية.

وتجدر الإشارة أيضا إلى ما شهدته الحدود الجنوبية لمصر من تحولات كبرى تمثل فى مجملها تهديدات متعددة لأمن مصر القومى ولحضورها السياسى فى مناطق نفوذها التقليدية والتاريخية، فالسودان أصبح دولتين بما يعنيه ذلك من اختلال كل التوازنات الاستراتيجية الواقعة جنوب الحدود المصرية وامتداد هذا التأثير وصولا إلى منطقتى القرن الإفريقى من ناحية ومنطقة البحيرات العظمى حيث المنابع الجنوبية للنيل من الناحية الأخرى. وشهدت منطقة القرن الإفريقى ومنطقة البحيرات العظمى تحولات استراتيجية هامة، وقيام مشاريع للتكامل فى منطقة شرق إفريقيا بمعزل عن مصر، وأخيرا تكوين قوات عسكرية مشتركة فى منطقة البحيرات وتصل عملياتها إلى دولة جنوب السودان، وبمشاركة قوى دولية تحت مسمى محاربة الإرهاب، كما أن تفاعلات الأزمة الصومالية أصبحت تتشكل فى ظل الوجود الإثيوبى المهيمن وغياب مصرى شبه كامل.

سياسات متكاملة

وهكذا، فإن التحدى الرئيسى الذى يواجه مصر ليس فى مجرد العودة الى الاتحاد الافريقى والمشاركة فى الأنشطة والمؤتمرات، ولكن فى تدشين رؤى وسياسات متكاملة من أجل حماية المصالح وتعزيز المكانة والنفوذ، وهو الأمر الذى يستلزم تحديد دوائر الحركة والقضايا ذات الأولوية داخل هذه الدوائر وأخيرا تقييم وتطوير الجهات المنوط بها صياغة وتنفيذ السياسة المصرية تجاه إفريقيا.

وفيما يخص دوائر الحركة فلدينا ثلاث دوائر مهمة على الساحة الإفريقية أولها، السودان بدولتيه، ومعهما منطقة حوض النيل والبحر الأحمر، والثانية، مجموعة الدول ذات التأثير على المستوى القارى كنيجيريا وجنوب إفريقيا وإثيوبيا، والثالثة، الكتلة الإسلامية فى غرب وشمال غرب إفريقيا. ومن ثم، يبقى الحديث عن مداخل تطوير العلاقات، فسياسيا: يتحتم تكثيف الجهود المصرية لإقامة تحالفات عميقة قائمة على الشراكة وتكثيف المصالح مع هذه الدوائر الثلاث. واقتصاديا: يعد المدخل التنموى وتعميق الشراكة الاقتصادية مدخلا مهما لتطوير العلاقات حيث شهدت إفريقيا زيادة فى الدخل الحقيقى بنسبة تتجاوز (30%)، كما يوجد فى إفريقيا سبع دول تعد بين الدول العشر الأسرع نموا من الناحية الاقتصادية فى العالم. وبناء عليه، توجد فرص اقتصادية حقيقية للاستثمار والتعاون، وتبنى استراتيجية التوجه جنوبا بما يساعد على تحقيق شراكة حقيقية.

واستراتيجيا، لاشك أن ثمة عمليات إعادة تشكيل جيوستراتيجية لبعض الأقاليم الكبرى فى إفريقيا مثل الساحل والصحراء والقرن الإفريقى والبحيرات العظمى، وهى مناطق ذات ارتباط وثيق وبشكل مباشر بقضايا الأمن القومى المصري. ومن ثم يجب الاشتباك الاستراتيجى والتداخل المباشر مع تلك القضايا من أجل امتلاك النفوذ والتأثير. وثقافيا: فإن مصر لديها رصيد مهم من أدوات القوة الناعمة فى إفريقيا وفائض قوة حضارى وإنسانى يحتاج إلى تفعيل جاد وبرؤى مختلفة، مع العمل على إزالة المدركات السلبية المتبادلة وفتح آفاق جديدة للتعاون وتنمية العلاقات فى كافة مجالاتها.

كما تجدر الإشارة إلى أن تركيز مصر على لعب دور بارز فى العمل الجماعى الافريقى ومؤسساته المختلفة، سيكون بمثابة القاطرة التى تستطيع أن تقود عملها فى الدوائر الثلاث التى أشرنا إليها، ولن يتأتى ذلك إلا بزيادة دور مصر وإسهامها فى حل الصراعات الإفريقية، والمزيد من تفعيل دورها القائم بالفعل فى قوات حفظ السلام بتفعيل دور مصر فى حل النزاعات وتوجيه الدبلوماسية المصرية لمزيد من العمل النشط والفعال وتكتيل الجهود دفاعا عن القضايا الإفريقية فى المحافل الدولية.

وتأسيسا على ما سبق فان إنشاء مفوضية للشئون الإفريقية، تكون تابعة لرئاسة الجمهورية، وتعمل على تنسيق وتناغم الجهود بين الوزارات والقطاعات المختلفة من ناحية وبين جهد الدولة والجهد الاهلى والمدنى والقطاع الخاص من ناحية أخرى، قد تكون خطوة فى الطريق الصحيح ، لاسيما وان الإعلان عن الوكالة المصرية للتنمية فى إفريقيا يمثل خطوة أولية يمكن تطويرها والاستفادة منها بشكل اكبر فى ظل وجود مثل هذه المفوضية.

قوة دافعة

وغنى عن القول بأن مراحل الصعود أو التراجع فى هذه العلاقات ارتبط بالأساس بحالة الدولة المصرية وقوتها وفاعليتها، حيث تعمقت العلاقات مع إفريقيا وقت أن كانت مصر تمتلك مشروعا ورؤية متكاملة لدورها ولأوضاع المنطقة، وتراجعت فى مراحل الضعف والانكفاء. وفى الوقت الحالي، تبدو علاقات مصر الإفريقية مهيأة للانطلاق، فهناك قوة دفع سياسية هائلة بعد ثورة 30 يونيو وانتخاب رئيس جديد يحظى بجماهيرية هائلة، بالإضافة الى العامل المتمثل فى زيادة الوعى الوطنى المصرى بالهوية الإفريقية كحقيقة تاريخية وجغرافية وكمصلحة وطنية عليا، الأمر الذى انعكس بوضوح فى صياغة دستور 2014.
التحركات غير الرسمية: تعميق روابط شعبية
أميرة محمد عبدالحليم
لقد حملت التطورات، التى شهدتها مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، محفزات عدة للدفع بإعادة صياغة العلاقات المصرية، الإفريقية على النحو الذى يحمى المصالح الوطنية المصرية فى امتداداتها الافريقية من ناحية، وتفعيل العلاقات المصرية الإفريقية بما يسمح ببناء شراكات ثنائية ومتعددة مع الأشقاء الأفارقة تقوم على مبادئ تحقيق المكاسب المشتركة وعدم الاضرار من ناحية أخرى. وعلى الرغم من أن تفعيل العلاقات المصرية، الافريقية يعتمد فى المقام الأول على «الإرادة السياسية» التى تدفع بمجموعة من الأدوات الرسمية لتنفيذ توجهاتها، فإن هذا لا ينفى تأثير التحركات غير الرسمية على تفعيل الحضور المصرى فى القارة الإفريقية، بل حماية المصالح الحيوية المصرية، بعيدا عن التجاذبات والخلافات السياسية التى قد تطرأ فى بعض الأحيان بين مصر وبعض دول القارة.
توظيف الثورة
فقد نجحت ثورة الخامس والعشرين من يناير فى اجتذاب اهتمام الشعوب الافريقية فكان صداها على المستوى الشعبى أقوى بكثير من المستوى الرسمى الذى ظل متردد ازاء ما تشهده مصر من تطورات، وعقب 3 يوليو 2013 عبرت القوى الرسمية الإفريقية بوضوح عن فشلها فى استيعاب التطورات التى تشهدها مصر بعد أن قرر الاتحاد الافريقى تجميد عضويتها. إلا أن آثار الثورة المصرية ظلت عالقة فى تحركات الجماهير الإفريقية، بعيدا عن النخب السياسية التى خشيت على مناصبها من تولى الشعوب زمام التغيير فى المجتمعات التى تعانى الاستبداد السياسى، ومن تقديم الثورة المصرية نموذجا ناجحا للوحدة الوطنية التى تتخطى الحواجز العرقية والطائفية.

وفى ظل البحث عن مداخل لتفعيل الحضور المصرى فى القارة بعد سنوات من التباعد، ظهر التفكير فى محاولة استثمار الاهتمام الشعبى بالثورة المصرية فى الوصول إلى عقول وقلوب الأفارقة عبر مجموعة من الأدوات والمداخل غير الرسمية، من أهمها:

توظيف دور القطاع الخاص المصرى ومشروعاته فى دول القارة، فلا يخفى على هذا القطاع ما تتميز به القارة الأفريقية من وفرة الموارد والثروات الطبيعية المختلفة، والأراضى الخصبة، هذا فضلا عن الأسواق الواسعة التى أصبحت مطمعا للقوى الخارجية، تتنافس حولها وتتعامل مع الثروات والطاقات الافريقية للسيطرة عليها دون الاكتراث بمتطلبات التنمية فى الدول الإفريقية، إلا أن الوجود المصرى عبر الشركات الاستثمارية عليه ان يراعى الأبعاد التنموية والانسانية المرتبطة بهذه الدول، فى ظل التحول من منهج تقديم المنح والمعونات إلى منهج اقامة الشراكات التنموية.

سوق واعدة

وهنا، تقدم دول شرق إفريقيا ومنها دول حوض النيل فرصا واعدة للاستثمارات الزراعية، فى ظل وفرة الاراضى الخصبة والموارد المائية، والتيسيرات القانونية لامتلاك الاراضى أو استئجارها، وفى مقدمة هذه الدول إثيوبيا وتنزانيا، وقد قام بعض رجال الأعمال المصريين باقامة عدد من المشروعات فى شرق إفريقيا منها اسثمارات زراعية وتجهيز وحفظ اللحوم ومنتجات الجلود والورق، كما يمكن أن تصبح هذه الدول سوقا واعدة للعمالة المصرية فى ظل تزايد المشروعات. كما تشجع المستثمرين المصريين على الاستثمار بساحل العاج وغانا وزامبيا، حيث ظهر اتجاه لدفع المستثمرين المصريين نحو غرب إفريقيا.

كما يعتبر مجال تطوير البنية التحتية فى الدول الإفريقية من المجالات المهمة التى تحتاج إليها هذه الدول من تمهيد الطرق واقامة شبكات الكهرباء والمياه والسكك الحديدية والاتصالات وغيرها، وقد نجحت الصين فى الدخول فى هذا المجال بقوة وتنفيذ مجموعة كبيرة من المشروعات، وخاصة فى ظل مرونة التعاون بين القطاع العام والخاص فى الدول الإفريقية، وكان لشركة المقاولون العرب دور متميز فى أكثر من 16 دولة إفريقية، حيث تولت تشييد عدد من المشروعات القومية هناك.

دبلوماسية طبية

وفى ظل ما تعانيه دول ومناطق كثيرة فى القارة من انتشار الأوبئة والأمراض مثل الملاريا ومرض نقص المناعة المكتسبة، الايدز الذى يفتك بآلاف الأفراد، وخاصة فى الأقاليم الافريقية جنوب الصحراء حيث تصاب سبعة آلاف امرأة كل يوم بهذا المرض، وتصل نسبة الوفيات من هذا المرض فى القارة إلى 75 % فى العالم، فإن اهتمام رجال الأعمال المصريين بإنشاء مستشفيات ومنتجعات صحية لمواجهة هذه الامراض قد يكون له الأثر الكبير فى تزايد التقارب بين المصريين وباقى شعوب القارة الافريقية، كما أن الاطباء المصريين المهرة قد يكون لهم دور مهم بعمل زيارات والتبرع باجراء عمليات مجانية أو بأسعار رمزية فى بعض الدول الإفريقية التى تنتشر فيها بعض الأمراض، وقد قام الدكتور مجدى يعقوب بعمل زيارات لموزمبيق وإثيوبيا واجراء عمليات جراحية بالمجان لبعض المواطنين الافارقة.

تطوير أداء منظمات المجتمع المدنى المصرية القائم على التواصل مع نظيرتها فى الدول الإفريقية لتقديم الخبرات والمساهمة فى معالجة بعض المشكلات الاجتماعية والانسانية التى قد تعانى منها قطاعات من المجتمع، كذلك يمكن أن تُفعل منظمات المجتمع المدنى دورها فى المناطق التى تشهد نزوحا للمواطنين ولاجئين نتيجة لانتشارالصراعات وانعدام الأمن، وقد تنسق هذه المنظمات جهودها مع المنظمات الاقليمية الفرعية، وكذلك المنظمات الدولية العاملة فى مجالات الاغاثة الانسانية. هذا إلى جانب ضرورة توظيف دور الجامعات والمعاهد المتخصصة فى الشئون الافريقية ومراكز البحث والتفكير التابعة لها، فضلا عن جمعيات الصداقة غير الرسمية، فى تنشيط التبادل العلمى الذى قد يقود إلى التبادل السياحى بين مصر ودول القارة الإفريقية عن طريق التوعية وإقامة شركات سياحية وعمل دعاية للمناطق السياحية الخلابة فى الدول الافريقية.

نخاع الشعوب

استغلال الأدوات الناعمة فى تغيير الصورة الذهنية النمطية للمواطن الافريقى لدى المصريين، والتى ترتبط بالتخلف والمرض والصراعات، لأن هناك جوانب ايجابية، تخطت هذه الصورة، وهذا يجعل من الضرورى السعى نحو اكتشاف التطورات الراهنة فى الواقع الافريقى، وما شهدته بعض الدول من تطورات فى مستويات التعليم والصحة والتحول الديمقراطى ومتابعة الحركة الثقافية فى الدول الإفريقية، والمساهمة فى طرح الانتاج والابداعات الأدبية الأفريقية التى تعكس البيئة الافريقية بتقاليدها وعاداتها، وترجمة نماذج من الأدب الافريقى للعربية، وقد يسهم الكتاب المصريون فى تدعيم هذا النشاط بمحاولة الكتابة عن الواقع الافريقى، كما يمكن انشاء قناة فضائية مصرية تخاطب الشعوب الافريقية. هذا إلى جانب امكانية إقامة أعمال سينمائية مشتركة، أو إشراك بعض الممثلين فى الدول الافريقية، وخاصة من الدول الناطقة بالعربية فى الأعمال الدرامية المصرية.

وفى ضوء ما أحدثته الثورة المصرية من تأثيرات على الشباب الافريقى الذى عمل على محاكاتها فى عدد من الدول بل نجح فى الاطاحة ببعض الرؤساء مثل عبدالله واد فى السنغال، يمكن الاهتمام بهذا الجيل من الشباب الذى يسعى لتولى زمام القيادة فى دوله فى المستقبل، فقد تطرح بعض الجامعات الخاصة منحا دراسية ومسابقات علمية للمتفوقين فى بعض الدول الإفريقية، وكذلك يمكن لبعض الأندية الرياضية ان تسعى لعقد مسابقات رياضية مشتركة مع بعض الاندية الافريقية، وأن تتم هذه المسابقات تحت شعارات جديدة تعبر عن روح الأخوة والتقارب بين مصر وعمقها الإفريقى وقد تقام حفلات فى نهاية كل مسابقة يشارك فيها ممثلون من الجانبين، وفى هذا الاطار، تظهر كرة القدم كإحدى الالعاب التى يمكن أن تفتح مجالات للتقارب بين الجانبين، فالاهتمام بعقد لقاءات مشتركة وزيارة اللاعبين المشهورين للدول الافريقية.

وأخيرا فإن استثمار ما أحدثته الثورة المصرية فى الشعوب الافريقية يظل يعتمد على وعى المصريين بأهمية ارتباطاتهم الإفريقية كجزء من هويتهم وكذلك لحماية مصالح بلدهم الوطنية والحفاظ على مكتساباتها الحيوية فى القارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.