سقوط مرسى أوقف إرسال المقاتلين المصريين إلى سوريا وحرم التنظيم من الإمداد البشرى
قبل أيام قليلة من ثورة 30 يونيو نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية وثيقة سياسية، قالت إنها جمعتها من خبراء ومؤرخين فى الشرق الأوسط، وتطرح هذه الوثيقة مفهوم “ تصحيح الحدود “ كمخرج لأزمات الشرق الأوسط، وقالت الوثيقة التى تبنت بعض مفاهيم مستشار وزارة الدفاع الأمريكية الأسبق برنارد لويس، بأن الحدود الحالية هى السبب فى نزاعات الشرق الأوسط، لأن هذه الحدود وضعت السنى مع الشيعى، والعربى مع الكردى والتركمانى، والمسيحى مع المسلم، وهذا هو السبب فى النزاعات فى سورياوالعراقولبنان واليمن حسب زعم الوثيقة .
شهدت هذه الفترة قبل ثورة 30 يونيو2013 الترويج على نطاق واسع لأفكار داعش التى ستقيم دولة على المناطق السنية فى العراقوسوريا، والادعاء أيضاً بأن تشكيل دول للعلويين والدروز والأكراد والتركمان هو الحل لأزمات المنطقة، وشعرت الدول الغربية ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل أن تقسيم المنطقة بات على الأبواب، وكانت كل الآراء الغربية تنطلق من أن ترسيم الحدود فى المنطقة لا بد أن يقوم على “حدود الكراهية “ حيث بدأ عام 2013 بنزاعات وخلافات داخلية ضخمة فى الدول العربية، كان طرفها الرئيسى جماعات الإسلام السياسى مثل الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة والقاعدة والجماعات الإسلامية المتطرفة التى تسعى “لكسر الحدود “ وإنهاء حدود “الدولة الوطنية”، وصولاً إلى دولة تمتد من إندونيسيا شرقا حتى المغرب العربى حسب ادعائهم، وأن السبيل إلى تحقيق ذلك هو تدمير الدول العربية بالشكل الحالى، مع السعى بشكل حثيث إلى كسر إرادة الجيوش العربية، وتدمير مؤسساتها الوطنية تماشياً مع أول قرار كان قد اتخذه ديك تشينى نائب الرئيس جورج دبليو بوش عام 2003 بحل الجيش والمخابرات العراقية، وهو نفس المنهج التى سعت إلية المجموعات المسلحة فى سورياوالعراق وليبيا واليمن لاحقاً بتدمير الجيوش والمؤسسات الوطنية حتى يسهل لها تدمير الدولة، وبعدها يمكن إقامة دولتها المزعومة.
حدود الدم
وسط هذه الفوضى والسيولة السياسية والأمنية فى المنطقة جاءت ثورة 30 يونيو 2013 لتقطع الطريق على كل هذه المشروعات التى جرى الإعداد لها منذ 40 عاما، حيث تم الإعداد لتقسيم ثلاث مناطق رئيسية فى العالم، وهى الاتحاد السوفيتى، ومنطقة البلقان، والشرق الأوسط حتى يتحول إلى “الشرق الأوسط الكبير “ حسبما أعلنت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فى صيف 2006، وأن هذا لن يتحقق إلا من خلال «الفوضى الخلاقة».
ثورة 30 يونيو تمنع سفر المتطرفين
فى أول تصريح لوزير الخارجية المصرى السابق نبيل فهمى بعد ثورة 30 يونيو قال “نحن فى وقت مبكر للغاية لتحدد كل خطوط السياسة الخارجية المصرية، لكن المؤكد أن مصر سوف توقف ما يسمى “الجهاد “ وسفر الإرهابيين إلى الخارج والتنقل بين الدول العربية وعبر الحدود “ هذا الموقف المصرى أوقف الإمداد البشرى للتنظيمات الإرهابية فى المنطقة والذى بدأ بعد مؤتمر «الصالة المغطاة» برعاية الرئيس المعزول محمد مرسى، وهنا تعطلت خطط تقسيم الدول العربية انطلاقاً من الفوضى التى اجتاحت المنطقة بعد أحداث عام 2011 فى المنطقة العربية، وكان الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية “CIA” مايكل هايدن قال، إن الأوقات الحالية تشهد تغييرات حدودية فى منطقة الشرق الأوسط، وإن سورياوالعراق لم تعودا موجودتين على الخريطة، ولن تعود كلتاهما أبدا، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة. وأشار “هايدن” إلى أن التدخل الغربى خصوصا الأمريكى فى المنطقة سعى عن طريق التحالفات العسكرية، والادعاء بنشر حقوق الإنسان لتحقيق مخطط تفتيت دول الشرق الأوسط، الذى بدأ منذ عام 1982.
خطط التقسيم
شكل وصول جماعة الإخوان الإرهابية الفرصة الذهبية لتنفيذ مخططات التقسيم التى بدأت بخطة يبنون، وتعد خطة يينون 1982 وهو أكاديمى عمل فى وزارتى الخارجية والدفاع الإسرائيلية أول خطة مفصلة لتقسيم منطقة الشرق الأوسط، حيث نشر يينون خطته فى مجلة (كيفونيم)، وكان عنوان الخطة المنشورة بالعبرية “إستراتيجية لإسرائيل فى الثمانينيات “، حيث كان لبنان فعلياً مقسما ل5 دويلات آنذاك، ما بين شمال فى أيدى المسيحيين التابعين لسليمان فرنجية بتأييد من سوريا، وشرق يحتله الجيش السوري، ووسط يسيطر عليه الجيش اللبناني، ومحاذاة نهر الليطانى الذى تهيمن عليه منظمة التحرير الفلسطينية، وجنوب موالٍ لإسرائيل بقيادة ميليشيات سعد حداد، وفكرة انقسام لبنان تلك كانت تروق جدا للإسرائيليين بشرط إعادة توزيع الأقسام لتحقق لهم أكبر قدر من الأمن، بعد التخلص من الجيش السورى ومنظمة التحرير.
خرائط برنارد لويس – 1992
بعد مرور 10 سنوات على خطة يينون سقط الاتحاد السوفيتى وتفكك ل155 دولة، امتد التقسيم لتشيكوسلوفاكيا فى شرق أوروبا، وبدأ تفتيت يوغوسلافيا السابقة إلى 4 دويلات، وخروج الاتحاد السوفيتى من أفغانستان قبل أن يسقط نهائيا، وتصدعت القومية العربية تصدعا مدمرا بعد غزو الكويت وحصار العراق فى هذه الأجواء، خرجت خرائط برنارد لويس، والحقيقة أن له خريطة سابقة أصدرها فى سنة 1974، ولكنها كانت تستهدف نهش أطراف الاتحاد السوفيتى، أما الخرائط الجديدة فقد اختصت الشرق الأوسط، ويقوم مشروع برنارد لويس أيضا على تقسيم المنطقة طبقا لخطوط عرقية طائفية لغوية وبمقارنة خريطة لويس مع خطة يينون، نجد أنهما اتفقا على محو الدولة اللبنانية من الوجود وتقسيم العراق ل 3 دويلات: سنية وشيعية وكردية، وركز لويس أكثر على منطقة شرق الخليج العربى وإيرانوأفغانستان وباكستان وكيفية تقسيمها، وقد ذكر يينون ذلك ولكنه لم يتطرق للتفاصيل.
وخطة برنارد لويس لا تكتفى بخرائط صماء تستغل الصراعات الطائفية والعرقية، ولكنها اشتملت أيضًا على إشعال 9 حروب فى المنطقة وهى “ الحروب الصغيرة “ التى تتوقع كل مراكز الأبحاث الأمريكية أن تبدأ بعد خروج داعش من الموصل والرقة، وبعد التقسيم تنشب حرب أخرى كبرى عربية - إيرانية بمجرد هيمنة إيران على دولة العراق الشيعية.
ومن المثير للاهتمام أن لويس تكلم عن تنظيمات إسلامية مسلحة مصنوعة فى بريطانيا، مدعياً أن الاوضاع فى الشرق الأوسط هى من ستغذى تلك الميليشيات، مما يصب فى مصلحة خطط التقسيم، إذ إن الانتصارات العسكرية لهؤلاء ستسهم بصورة كبيرة فى إضعاف السلطة المركزية، ومن ثم تؤدى إلى سقوط الدول القائمة فقط على الدولة المركزية حيث تغيب المجتمعات المدنية الصلبة.
خطة بايدن
وفى إطار التمهيد للفوضى الخلاقة وقفز جماعات ادعاء الإسلام على الحكم أقر مجلس الشيوخ الأمريكى عام 2007 خطة غير ملزمة لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، قدمها السيناتور جو بايدن، الذى كان وقتها يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ, ثم أصبح فيما بعد نائبا للرئيس باراك أوباما والمسئول المباشر عن الملف العراقى، وهو ما يؤكد دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية لتقسيم العراق، وفى مايو 2013 صدر تقرير رسمى من الحكومة الأمريكية، أشار إلى أن المشاكل التى تعصف بالعراق لا يمكن حلها وتجاوزها، من دون “عزل طائفي” يكون فيه لكل من السنة والشيعة والأكراد وضع سياسى وجغرافى ومعنوى فى ثلاثة أقاليم مستقلة، تجعل هذه الطوائف أكثر انسجاما مع عراق فيدرالي، يوسع دائرة الخيارات لكل طائفة، كما دعا جو بايدن.