الرئيس السيسي يصدر قرارا جمهوريا جديدا    بعد انخفاضه.. سعر الذهب اليوم الخميس 12-6-2025 وعيار 21 الآن بالصاغة    عودة أول فوج من حجاج البر عبر ميناء نويبع بإجمالي 295 حاجا و8 باصات    السيسي يصدر قرارا جمهوريا جديدا.. تعرف عليه    أخبار مصر: زلزال قوي قرب مصر، هذا ما فعله ساويرس مع نجل شهيد شاحنة البترول، مدرب الأهلي يدعم غزة، أمريكا تستعد لضرب إيران    وسط تهديد أمريكي للدول، الأمم المتحدة تصوت اليوم على قرار وقف فوري لإطلاق النار في غزة    سيراميكا كليوباترا والبنك الأهلي يتنافسان على لقب كأس عاصمة مصر    رايندرز يعلق على انضمامه لمانشستر سيتي برسالة حماسية    حالة المرور اليوم، سيولة بمعظم المحاور وكثافات متفرقة بمداخل القاهرة الكبرى    كييف تعلن مقتل 3 أشخاص وإصابة 64 آخرين في هجمات روسية جديدة على جميع أنحاء أوكرانيا    سعر الدولار أمام الجنيه الخميس 12-6-2025 في البنوك    أوراكل تتوقع نموا أقوى لإيراداتها في العام المالي المقبل    لخفض التوترات.. كوريا الجنوبية توقف بث الدعاية ضد جارتها الشمالية    رابط نتيجة سنوات النقل في الجيزة رسميًا الآن.. المرحلتين الابتدائية والإعدادية    صدفة خير من ألف ميعاد، أبطال مسرحية "مكسرة الدنيا" يلتقون محمد صلاح في المطار (صور)    ب"حظاظة غزة" الشهيرة، ريبيرو مدرب الأهلي يدعم القضية الفلسطينية (صور)    كمال الدين رضا يكتب: بطولة المليار دولار    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 12 يونيو 2025    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 12 يوينو 2025    بعد تبرعه بنصف مليون جنيه، نجيب ساويرس يواسي نجل شهيد الشهامة خالد عبد العال (فيديو)    مصرع فني تكييف أثناء عمله في قنا    موعد صرف مرتبات شهر يونيو 2025 وقيمة الزيادة في المرتبات الجديدة لأقل درجة وظيفية    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..مدحت نافع: 3 أسباب تؤكد إيجابية قرار تخصيص أرض البحر الأحمر لخفض الدين العام .. الشيخ أحمد الصباغ تعليقًا على متصلة: «أنا عاوز أصوت على الهواء»    الكنيست الإسرائيلي يصوت على حل نفسه.. ونتنياهو يضغط على الحريديم    تقرير يكشف حقيقة مفاوضات النصر السعودي مع إيمري    أثار البلبلة بمنشور غامض، أول قرار من الزمالك ضد أحمد حمدي    السيطرة على حريق شب داخل عقار سكني بمصر القديمة    شرطة لوس أنجلوس تعتقل نحو 400 شخص منذ السبت على خلفية احتجاجات الهجرة    النجمة المكسيكية لين ماي دمرت حياتها بسبب أختيار خاطئ    ننشر أسماء أوائل الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالفيوم    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2024/2025    مسلم يعلن تعرض زوجته لوعكة صحية ونقلها إلى المستشفى    "عندها 15 سنة".. قرار جديد من النيابة بشأن عروس متلازمة داون بالشرقية    الآن حان دوركم لتدافعوا عن أمريكا حتى أقاصي الأرض، ترامب يقرع طبول الحرب بفيديو للجيش الأمريكي    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الابتدائية للعام الدراسي 2024/2025    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    العرب في عصر المعرفة.. مصر (3)    فيرمينو يتلقى عرضا من الدوري القطري    «الفشة» ليس لها أي أضرار أو تأثيرات سلبية على صحة الدماغ أو القلب    نقيب المحامين يدعو مجلس النقابة العامة و النقباء الفرعيين لاجتماع السبت    خلافات أسرية.. وفاة شخص وإصابة شقيقه في مشاجرة مع صهره بالفيوم    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لجمصة: رفع مستوى الخدمات استعدادًا للصيف    خاص| الدبيكي: لجنة قطاع العلوم الصحية تبدأ أولى خطواتها لإصلاح تطوير التعليم الصحي في مصر    international fashion awards" يُكرم منة فضالي بلقب "ملهمة الموضة fashion muse"    ملف يلا كورة.. طبيب الأهلي يُطمئن ريبييرو.. عودة ميسي إلى ميامي.. وظهور غير معتاد لأحمد شوبير    «الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    آكسيوس: نتنياهو يطلب وساطة أمريكا للتوصل إلى اتفاق مع سوريا    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    تراجع مبيعات تيسلا للشهر الخامس على التوالي    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    بعد تعافيه من عملية القلب، صبري عبد المنعم يوجه رسالة لجمهوره    الطب البيطري: نجاح عملية ولادة قيصرية لقطة بالغربية -صور    استشاري يحذر من قلة النوم وتأثيره على الصحة العامة    المخرج محمد حمدي ل«البوابة نيوز»: نجوم السوشيال ليسوا بدلاء للممثلين.. والموهبة هي الفيصل    هل لديك نظر حاد؟.. اعثر على حبات جوز الهند الثلاثة في 12 ثانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناصر
نشر في الأهرام العربي يوم 06 - 08 - 2012

استدعيت حواراً شيقا دار بيني وبين ابنتي منذ فترة حول رمزية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. كان ذلك بمناسبة سفرها للدراسة في جامعة أمريكية. حملت سمر معها علم تونس، ومصحفا بالعربي والإنجليزي، وبوسترا كبيرا لعبد الناصر ، قالت إنها ستعلقه على حائط غرفتها في المبيت الجامعي "لأتذكر على الدوام انتمائي للوطن والعروبة "..شعرت بالقلق عليها، وسيطرت علي كل القصص الأمريكية عن العنصرية ضد العرب، خصوصا التي يحركها اللوبي الصهيوني، الذي كان عدوه اللدود على امتداد العقود الحديثة ومنذ ثورة يوليو هو"ناصر"!
لقد تعلمت "سمر" طوال سنوات تعليمها الماضية، واحتكاكها بالعديد من أساتذة الجامعة الأمريكية، خصوصا الأمريكيين، مكانة عبد الناصر، وتجربة ثورة 23 يوليو، والأهمية التي يولونها لهذه الحقبة في التجربة المصرية بالنسبة للفكر السياسي الأكاديمي الغربي .وهي لا تعني بالضرورة التعاطف، أو الحب، ولكنها بالأحرى احتراما، أحياناً مصدره الرغبة في معرفة العدو، ولتعلم من دروس الماضي، وقد سعدت بتلك العاطفة "العقلانية" لدى ابنتي وكيف أنها زادت تمسكا بعبد الناصر ودروس تلك الحقبة بعد أن اكتشفت أنه علامة مضيئة في تاريخ العرب تحسب لها بعض دوائر القرارالغربية ألف حساب.
نفس هذه القيمة الكبيرة لناصر لمستها بوضوح كلما سافرت في جولات عمل خارجية وبرغم مضي ستين عاماً، على ثورة يوليو، و42 عاماً على رحيل عبد الناصر، فإن الثورة وناصر مازالا حاضرين بقوة. وكم شعرت بالفخر وأنا في أوغندا في أحد أسفاري، عندما وجدت الدليل السياحي يأخذني إلى مكان بالقرب من منبع بحيرة فكتوريا، فاكتشف تمثالا حجريا صغيرا لجمال عبد الناصر، ويشرح ذلك الشاب الأوغندي التقديرالكبيرالذي يحمله لهذا الزعيم ، وفي حماسة شديدة دافع عن مكاسب مصر وإفريقيا من ثورة يوليو، وهي نفس المكاسب التي يستند عليها البعض كثيرا في مصر والدول العربية للهجوم على الثورة ورجالها!
كنت مرة في ماليزيا، وبمجرد أن نطقت كلمات بالعربية، انفرجت أسارير مرافقي، وأخذ يصرخ "ناصر، ناصر"،ولم يكن الإسلام هو الذي وحد بيننا في تلك اللحظة لكن "ناصر" وحد بيننا وارتبطت كلماتي ولغتي العربية، في ذهن المرافق الماليزي بعبد الناصر الذي أصبح في لحظة أداة التواصل بيني وبينه –فناصر هو أبرز بطل يعرفه من ثقافتي العربية- وفي نفس الزيارة إلى ماليزيا، قابلت أساتذة جامعيين أخذوا يتحدثون بفخر عن ثورة يوليو، وعن وطنية "الزعيم" عبد الناصر.
وعندما كنت في زيارة إلي بكين، حرصت على القيام بجولة في الحي الذي يسكنه المسلمون الصينيون، وقادتني قدماي في قلب الحي القديم إلي مسجد عتيق هناك، وتجمهر حولي أناس كثيرون بمجرد أن قلت: "إني عربية " وبادر إمام المسجد إلى جلب كتب قديمة، منها مصاحف للقرآن الكريم، وبعض كتب التفسير، ودواوين شعر، وروايات، كلها كتب على صفحتها الأولى هدية من مصر، وإمضاء الرئيس جمال عبد الناصر.
وعندما أعود بذاكرتي إلى الطفولة في مدينة صفاقس التونسية أستحضر لقطات حفرت في مخيلتي. أتذكر والدي وهو يستمع إلى صوت العرب، ويجهش بالبكاء بصوت مخنوق.. وقلما أتذكر له موقفا مشابها بنفس ذلك الحزن الطاغي، وسألته في براءة: "جدي مات؟" فردّ في كلمة لا أنساها: "أبونا مات!".. وفي نفس ذلك اليوم، توافدت علي منزلنا أفواج من الأصدقاء والأقارب، وأخذوا يتقبلون التعازي، ويواسون بعضهم بعضا، والدموع تملأ أعينهم، وأقيمت سرادقات عزاء في كل مكان من مدن وقرى تونس، وعلى بعد آلاف الكيلومترات من مكان وفاة الزعيم، وبشكل غير مسبوق.
وبرغم أني لست من جيل الثورة، بل على العكس أحسب نفسي من جيل تجرع تداعيات ممتدة للنكسة ، فإننى أتذكر قصة رواها والدي وأكدها عدد من أصدقائه، عندما زار عبد الناصر لأول مرة تونس وتوقف في ميناء بنزرت، وفي إشارة مليئة بالمعاني الكبيرة وكان ذلك بمناسبة احتفال تونس بجلاء قوات الاستعمار الفرنسي عن أراضيها، واحتشد عشرات الآلاف من المواطنين في انتظاره، جاءوا من كل الولايات واستقلوا القطارات وسيارات نقل مكشوفة، وساروا مئات الكيلومترات حتى وصلوا إلى ميناء بنزرت، وكان المطر ينهمر بقوة وكأنه ستارة بيضاء، ولكن لم يمنعهم ذلك من الحضور لتحية الزعيم، الذي ساعد حركة التحرر في تونس، بل وفي كل بلدان الشمال الإفريقي، وظلت تلك الذكريات عن الزيارة التاريخية يتناقلها ذلك الجيل بفخر شديد.
لقد دعمت ثورة يوليو وقائدها جميع الثوار في حركات التحرر ضد الاستعمار، في تلك الحقبة، وشهدت عمارة في وسط البلد بالقاهرة تجمعا لكل الثوار والزعماء من المغرب العربي، واتحاد الطلبة العرب، وهي الآن مقراً للمركز الثقافي الجزائري، حيث اشترت الجزائر المبنى في الوقت الحالي . ومازال الكثير من الصور التذكارية لتلك الاجتماعات تحتفظ بها السفارة الجزائرية في مصر.
وفي زيارة لي إلى ألمانيا مطلع التسعينيات التقيت عالما ألمانيا، كان كثير التردد على مصر في الستينيات، وشارك في التحضير للمشروع النووي المصري- الذي دفن بعد ذلك بموت عبد الناصر- وقص الرجل كيف أن المخابرات الأمريكية كانت تحاول الإيقاع بعبد الناصر، ودراسة كل تصرفاته، وأهوائه بحثاً عن نقاط ضعفه، وكتبت في تقاريرها بعد يأس، إنها لم تجد في ذلك الزعيم الوطني، ما يمكن استخدامه، فعبد الناصر، لم تكن له مغامرات نسائية، كما أنه لا يحب المال، ومستعص على الرشوة والفساد، وسلوكه متقشف، ولا يميل إلى الرفاهية، ويقضي إجازاته مع عائلته، ولا يسافر في عطلات خارجية.. لذلك كله فقد يئسوا منه وقرروا أن يكتبوا أنه وطني، نظيف اليد والسيرة، وليست لديه نقاط ضعف لاستخدامها أو لابتزازها والملاحظة الوحيدة في ملفه "أنه يعشق شرب القهوة وتدخين السجائر بشراهة ". وبكلمات قليلة لخّص ذلك العالم الألماني حكمة سنوات العمر قائلا: عندما يكون لك أب شرعي، فأنت لا تحتاج للبحث عن أب غير شرعي، ولابد أن تكون فخوراً به، لأنه بذلك فقط تستطيع أن تتفوق عليه!
تلك هي رمزية عبد الناصر التي جعلت ابنتي سمر، تقرر أن تختاره ليكون أمامها هدياً لمشوارها العلمي في أمريكا، وهي نفس الرمزية التي كتبت له الخلود لدى شعوب في أقصى الشرق والغرب، دون أن تكون لهم مصلحة آنية معه، غير اقتناعهم بصدقه الوطني، ونظافة ذمته.
ولا عجب بعد ذلك أن الزعماء الحقيقيين لا يموتون أبداً، مهما كانت أخطاء تجاربهم!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.