محمد أرسلان: الخلافات تهدد جيش العشائر وتأثيره لن يختلف عن الائتلاف السورى ميشيل: مناورة أردوغانية لكسب تأييد الأتراك للتعديلات الدستورية
فجأة وبدون مقدمات، أعلن رئيس الوزراء التركى على يلدريم إنهاء العمليات العسكرية التى بدأتها أنقرة بالشمال السورى أغسطس الماضى تحت شعار درع الفرات. قرار أنقرة فاجأ الكثير من المحللين والمتابعين، خصوصا أن الرئيس التركى وحكومته طالما تحدثوا عن نيتهم المشاركة فى عملية تحرير الرقة لمنع قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية من توسيع نفوذها بالمناطق العربية السنية بالشمال السورى. توقيت صدور القرار التركى الذى صدر الأربعاء قبل الماضى قبل ساعات قليلة من زيارة وزير الخارجية الأمريكى تيلرسون لأنقرة، فتح باب التكهنات حول صفقة بين واشنطنوأنقرة اعتبرها البعض ضغوطا أمريكية، فى حين يراها آخرون مناورة تركية . قرار تركيا بإنهاء العمليات العسكرية لدرع الفرات الذى صدر مساء الأربعاء 28 مارس، ربما يتعارض مع بيان الجيش التركى الذى صدر الجمعة 30 مارس حول بقاء القوات التركية بسوريا وتأكيدات وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو أن بلاده لن تسحب قواتها من شمال سوريا قبل أن تصبح القوات المحلية قادرة على التحكم فى الوضع على الأرض بنفسها! بقاء القوات التركية بسوريا ربما يعزز الأنباء المتداولة عن بدء أنقرة فى تشكيل فصيل جديد للمشاركة بالحرب السورية تحت اسم «جيش العشائر»، الذى سبق وكشف الناطق الرسمى باسم المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، مضر الأسعد، إنّ التشكيل الجديد هو امتداد لمشاركة العشائر فى عمليات درع الفرات. وأشار الأسعد فى تصريحات صحفية إلى وجود معسكرات تدريب لمقاتلين من العشائر فى تركيا حاليا، وأنه سيتم خلال الفترة المقبلة إقامة معسكرات تدريب فى الداخل السوري، نافيا أن تكون لهذه القوة أى علاقة بأمريكا، حيث إنّ الأخيرة، بحسب الأسعد، غير موافقة على تلك المعسكرات . ما بين المناورة والصفقة والضغوط "الأهرام العربى" تبحث فى حقيقة الإعلان التركى بإنهاء درع الفرات وماذا بعد؟ وهل قررت أنقرة الخروج بإرادتها من المعادلة السورية؟ وما حقيقة جيش العشائر وماذا يخفى السلطان العثمانى؟ وما علاقة الاستفتاء على تعديل الدستور التركى بإنهاء العملية العسكرية؟ أسئلة كثيرة نحاول الإجابة عليها فى السطور التالية .
تنسيق تركى - أمريكى بسام إسحاق، رئيس المجلس السريانى السورى، يرى أن إدارة ترامب نجحت فى إقناع أنقرة بأن تخفض من مظهر تدخلها الميدانى فى الحالة السورية، مشيرا إلى أن واشنطن قد تكون قدمت تطمينات لمخاوف تركية محددة تخص الوضع السورى، وقد تكون قد تعهدت لتركيا بالحفاظ على مصالحها مقابل تراجع مباشر ميدانى لها فى سوريا. وقال إسحاق ل"الأهرام العربي" إن الوضع الداخلى فى تركيا واقتراب موعد الاستفتاء على تعديل الدستور، قد يكون له تأثير فى هذا القرار، وهو ما دفع أردوغان لإنهاء درع الفرات فى ظل وجود معارضة سياسية وعسكرية لها داخل تركيا، مشيرا إلى أنه بعد الاستفتاء سيتحرر أردوغان من كثير من القيود الداخلية، ويصبح أكثر قدرة وحرية للتجاوب مع مطالب حلف النيتو فيما يخص القضية السورية. وحول ما يثار عن نية تركيا تجهيز جيش من العشائر السنية للمشاركة فى معركة الرقة، أكد القيادى السابق بالمجلس الوطنى السورى أن الكلام كثير وقديم عن بناء تركيا جيش عشائرى فى سوريا، لكنه لم يتبلور ويتحول إلى حقيقة حتى الآن، مشيرا إلى أن هناك كثيرا من شباب العشائر السورية فى الفصائل السورية المتحالفة مع تركيا. واعتبر المعارض السورى أن إعلان وزير خارجية أمريكا من قلب أنقرة عن مؤشر مهم لك ستظهر الأيام المقبلة أبعاده، وقد وضح أحد المسئولين الأمريكيين أنه إعلان عن تغيير فى أولويات السياسية الأمريكية فى سوريا والتى من أولوياتها القضاء على داعش والنصرة. واتفق معه فى الرأى المحلل السياسى السورى زياد المنجد، معتبرا أن القرار التركى جاء بالتنسيق مع القوات الأمريكية التى بدأت توجد بالشمال السورى بانتظار الخطط التى يمكن أن يضعها التحالف الدولى بقيادة أمريكا لتحرير الرقة من داعش. ورفض المنجد فى تصريحاته ل "الأهرام العربى" اعتبار إعلان تركيا نهاية درع الفرات يعنى فشل العملية أو خروج أنقرة من المعادلة السورية، موضحا أن أنقرة كان لها أهداف محددة من العملية وهى طرد داعش من المنطقة وإيقاف تقدم الأكراد واستيلائهم على أراض جديدة فى تلك المنطقة ونجحت بالفعل فى تحقيق عدد من تلك الأهداف .
ظاهرة إعلامية وحول جيش العشائر أكد محمد أرسلان القيادى بحزب الاتحاد الديمقراطى الكردستانى أن تركيا تعمل منذ فترة على تشكيل مثل هذه التجمعات تارة باسم عشائر الجزيرة أو عشائر الحسكة. واعتبر فى تصريحات خاصة ل"الأهرام العربي" أن مثل هذه التجمعات ليس لها أهمية أو وجود على ارض الواقع، مشيرا إلى أن اجتماع تأسيس جيش العشائر عقد قبل شهر تقريبا بتركيا وحصل خلاف كبير بين العشائر، متوقعا أن يكون الجيش حال تشكيله مجرد ظاهرة إعلامية لا تختلف عن الائتلاف الوطنى السورى دون وجود على الأرض .
رغبة دولية من جانبه يرى المحلل السياسى اللبنانى فادى عاكوم، أن الإعلان التركى عن وقف عملية عملية درع الفرات يكشف المواقف الأمريكية والروسية الرافضة، لأى تدخل تركى فى معركة الرقة التى شارفت على مراحلها الأخيرة، بعد أن كانت المشاركة مطلبا تركيا دائما خلال تواصل أردوغان مع زعيمى البلدين. وأشار إلى أن الأنظار باتت متجهة نحو مصير المنطقة التى تسيطر عليها تركيا، ومصير الفصائل الدائرة فى فلكها، خصوصا أن التوتر سيد الموقف بين هذه الفصائل والقوات الكردية المتمثلة بقوات حماية الشعب والمرأة، مع ورود معلومات عن عمليات فرز ديموغرافى من خلال تسكين عائلات عناصر الفصائل التابعة لتركيا فى قرى كردية، سبق لأهلها أن تركوها بعد المعارك التى شهدتها المنطقة فى الفترة الأخيرة. واعتبر أن التصريحات الأمريكية حول أن مصير بشار الأسد يحدده الشعب السورى، وبرغم نفيها وتعديل المغزى منها، إلا أنها تعكس توجهات الإرادة الدولية لإنهاء الصراع السورى من خلال مشاركة جميع الأطراف ومن بينها الأسد فى المرحلة الانتقالية.
الخوف من الفضيحة ويرى الأكاديمى الكردى د.فؤاد سعدون أن تركيا وجدت نفسها وحيدة فى المعركة بعد أن تخلى عنها حلفاؤها، أو الداعمون لمشروعها ومخططاتها فى الشمال السوري، وفقد أردوغان مقومات النجاح فى حال استمر زحفه باتجاه الرقة، بل راودته هواجس تعرض قواته لخسارة فادحة فيما لو توغل بعيدا عن حدوده، ليصبح فريسة سهلة أمام حرب عصابات قد تقودها قوات قسد ضده، هنا لم يجد مفرا من إنهاء مهمة درع الفرات. وأوضح ل"الأهرام العربى" أن أردوغان أخذته زهوة الانتصار السريع، وبدأ يتطلع للتقدم بقواته نحو الرقة آملا فى الوصول إلى الحدود العراقية، وبذلك يفصم الجغرافية السورية بين الشرق والغرب، ويفتح الطريق نحو الموصل، ويهدد المخططات الروسية فى سوريا، فضلا عما شكل من خطورة على النظام نفسه، مما دفع روسيا للتوسط بين قوات قسد والنظام لعقد صفقة يتم بموجبها تسليم قوات قسد لمناطق تسيطر عليها إلى النظام، ونتيجة هذه الصفقة استطاعت قوات النظام إقامة جسر برى يصل حلب بمنبج، حيث التحمت قوات النظام مع قوات قسد، وشكلا معا سداً منيعا أمام تقدم القوات التركية نحو العمق السورى باتجاه الرقة، وجاءت الضربة القاصمة من أمريكا التى أعلنت اعتمادها على قوات قسد لتحرير الرقة واستبعاد مشاركة تركيا. وشدد سعدون على أن إنهاء درع الفرات لا يعنى توقف التدخل التركى فى الشأن السوري، فتركيا لاعب أساسى فى الأزمة السورية، ومصالحها الحيوية تقتضى الاستمرار فى التدخل، خصوصا مسألة أمنها القومى وما يتعلق بالقضية الكردية، فضلا عن أنها تمسك بزمام المعارضة وتحتضنها، مما يوفر لها ورقة مهمة للتفاوض عليها مستقبلا، فضلا أن الخلاف الإيرانى - التركى التاريخى المستديم يمنع أردوغان من الانسحاب وتسليم سوريا لإيران بسهولة، بل على العكس سيحاول أردوغان ترسيخ قدمه فى سوريا.
مناورة أردوغانية المفكر الأردنى ميشيل الحاج يرى أن القرار التركى، قد يكون مناورة أردوغانية أو استنفاداً أردوغانياً لأحد أهداف درع الفرات، وهو بناء الشعبية لأردوغان فى وسط الشعب التركى بظهوره بمظهر المقاتل الشرس، استدراجا لتأييد الأتراك له فى الاستفتاء المقبل على تعديل الدستور. وقال ل "الأهرام العربى" إنه مع بقاء القوات التركية داخل الأراضى السورية، فلا نستبعد عودة للتدخل التركى اذا اقتضت الحاجة ذلك خصوصا بعد الاستفتاء التركى وتطورات سير المعركة فى الطبقة والرقة. واعتبر أن زيارة وزير الخارجية الأمريكى لتركيا محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العلاقة الأمريكية - التركية الآخذة فى التدهور، خصوصا بعد شروع أمريكا بمعركتى الطبقة والرقة مستعينة بالأكراد، مع استبعاد دور تركى كما يبدو خلافا لما كانت تطالب به تركيا، وهو ما يزيد فى دفع العلاقة التركية - الأمريكية نحو مزيد من التدهور، لتصبح معركة تناحرية، وربما قريبا معركة تلاحمية بالحديد والنار.
تحجيم متعمد المفكر الكردى بير رستم يرى أن تركيا "لم تخرج من المعادلة السورية"، بل أُخرِجَت منها بقرار أمريكى - روسى بعد أن خسرت الكثير من أوراق الضغط؛ على كل من الروس والأمريكان خلال المرحلة الماضية. وقال ل"الأهرام العربي" إنه برغم كل ذلك، فتركيا ما زالت بمقدورها أن تشكل عددا من العوائق أمام المشروع الأمريكى - الروسى فى تقاسم النفوذ بالمنطقة ويمكن استخدامها لمواجهة المد الإيرانى فى المنطقة، لذلك سيقدم لها بعض الامتيازات فى (الجيب الشمالي) بين مقاطعتى "عفرين" و"كوباني"، بحيث تعطى الأمان للأتراك بأن الكرد لن يقدروا أن يشكلوا إقليماً مستقلاً على حدودها، وذلك على غرار إقليم كردستان (العراق). واعتبر المفكر الكردى أن القرار الدولى تجاه سوريا يسير نحو الحل السياسى وتوزيع الجغرافيات والنفوذ على الدولتين الراعيتين _الروس والأمريكان_ مع الإبقاء على نفوذ ضعيف للنظام ومن خلال شراكته مع الأطراف الأخرى وتشكيل حكومة مركزية ضعيفة فى دمشق كواجهة سياسية، لكن دون صلاحيات كبيرة، حيث الإدارة الحقيقية سوف تكون فى الأقاليم والمقاطعات الاتحادية الفيدرالية، حيث سيتم إدارة كل منطقة من قبل أبنائها لكن تحت ما يمكن أن نقول بالانتداب الأجنبى؛ الروسى - الأمريكى، ولكى لا تكون هناك قوى راديكالية سنية تحكم مناطق شاسعة، فقد تم تحجيم دور تركيا فى كل من العراقوسوريا، لذلك فهى حرمت من معركتى الرقة السورية والموصل العراقية.. وربما يأتى قريباً ذاك اليوم الذى تجد تركيا نفسها تتعرض لما تمر بها كل من سورياوالعراق.