بعد إعلان القيادات السورية انتهاء عملية «درع الفرات» دون الإشارة إلى انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري، انطلقت التساؤلات عن موقف هذا الجيش الذي اعتبرته القيادات السورية منذ البداية «عدوانًا على سوريا وخرقًا لسيادتها وحرمة أراضيها» لكن المتابعين للسياسة التركية في العراق يعرفون جيدًا أن أنقرة لن تترك سوريا بتلك السهولة، وستحاول إيجاد موطئ قدم لها في الدولة السورية بأي شكل كان وبأي ذريعة. مماطلات الانسحاب التركي أعلن الجيش التركي، الجمعة الماضي، أنه سيبقي وجوده العسكري في شمال سوريا، رغم انتهاء عملية «درع الفرات» التي بدأها نهاية أغسطس الماضي، وقالت القوات المسلحة التركية، إن انشطتنا مستمرة لحاجات حماية أمننا القومي بهدف منع قيام كيانات غير مرغوب فيها، والسماح لإخواننا السوريين بالعودة إلى مناطقهم وضمان استقرار وأمن المنطقة، وأضافت أن: عملية درع الفرات التي بدأت في 24 أغسطس بالتنسيق مع قوات التحالف انتهت بنجاح. وقال المتحدث باسم الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، إبراهيم كالين: يجب ألَّا يفهم أن تركيا ستظل تتجاهل الأخطار الأمنية أو أنها لن تتحرك في سوريا، وتدارك «كالين»: على العكس أن عملياتنا الأمنية في المنطقة ستتواصل على أعلى مستوى». من جانبها نقلت صحيفة حرييت التركية عن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن بلاده لن تسحب قواتها من شمال سوريا قبل أن تصبح القوات المحلية قادرة على التحكم في الوضع على الأرض بنفسها، مضيفًا: أن القوات المحلية التي ستنشر لتوفير الحماية هناك تحتاج إلى تدريب وتجهيز، كما أن الوضع هناك يتطلب إقامة مناطق سكنية. انسحاب سياسي بتواجد عسكري تأتي هذه التصريحات بعد ثلاثة أيام من إعلان مجلس الأمن القومي التركي انتهاء العملية العسكرية التي كان يقوم بها الجيش التركي في الشمال السوري تحت شعار «درع الفرات»، والتي تمكنت خلالها فصائل سورية مسلحة تدعمها أنقرة من السيطرة على عدة مدن في الشمال السوري، من بينها جرابلس والراعي ودابق والباب، وأشارت تركيا إلى رغبتها في المشاركة في عملية استعادة مدينة الرقة لكن دون مشاركة القوات الكردية التي تعتبرها إرهابية، لكن أمريكا رفضت الاستغناء عن الأكراد، ويبدو أن هناك مساومة ما تم الاتفاق عليها بين الطرفين الأمريكي والتركي، أعلنت بموجبها أنقرة انتهاء «درع الفرات»، وهو ما أكده زيارة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى أنقرة، وتزامنها مع صدور القرار التركي. ولاحقًا أكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن الأمور في مدينة الباب تقع تحت السيطرة الكاملة، مما يعني أن عملية درع الفرات انتهت، وأضاف حينها: في حال تطلب الأمر اتخاذ تدابير ما في سوريا لاحقًَا، فسيتم إطلاق عملية جديدة تحت اسم آخر. مناورة تركية ومساومة أمريكية يبدو أن عملية درع الفرات التي اعتبرتها السلطات السورية منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام الجيش التركي الأراضي السورية غير شرعية، وعدوانًا على سوريا وخرقًا لسيادتها وحرمة أراضيها، لم تكن سوى مناورة تركية لإيجاد موطئ قدم لها في الأراضي السورية، حيث أكد مراقبون أنه بعد أن حققت أنقرة إنجازات عسكرية من خلال دعمها فصائل مسلحة تنضوى تحت «الجيش الحر» وتمكنت من الاستيلاء على أماكن قريبة من الحدود التركية، لن يكون الانسحاب التركي من هذه الأراضي بهذه السهولة، فقد وجدت أنقرة في سيطرتها على «جرابلس والراعي ودابق والباب» ضالتها في قمع وتحجيم خطر الأكراد المزعوم على الأمن القومي التركي، وحتى في حال انسحاب الجيش التركي من هذه الأماكن سيجعل من فصائل «الجيش الحر» عينًا حارسة للحدود التركية مع سوريا. ويرى بعض المراقبين أن إعلان تركيا انتهاء عملياتها العسكرية في سوريا جاء بقرار أمريكي، حيث تمَّ الاتفاق على أن تسحب أنقرة قواتها من المناطق السورية، مقابل أن تقدم لها أمريكا ما تريده من أجل حماية أمنها، فاضطرت تركيا للموافقة على المساومة الأمريكية، خاصة أنها لا تريد أن تخسر واشنطن مثلما خسرت أوروبا، كما أن تحالف واشنطن مع الأكراد الذي بات لا مفر منه، وقد يعصف بالإنجازات التي حققتها أنقرة خلال ثمانية أشهر من عمر عمليتها العسكرية «درع الفرات»، أضف إلى ذلك أن أمريكا قد قطعت الطريق إلى منبج على قوات درع الفرات بعد انتهاء عملية الباب، فيما دعمت روسيا وصول القوات السورية إلى منبج من خلال تمهيد الطريق لها، الأمر الذي جعل أنقرة تدرك جيدًا أن أهدافها الأخرى لم تعد قابلة للتطبيق من الناحية العملية، كل هذه الأسباب دفعت أنقرة إلى الموافقه على الصفقة الأمريكية، لكن في الوقت ذاته سعت تركيا إلى إبقاء ورقة ضغط على واشنطن، وظهر ذلك في استقدام الجيش التركي في 23 مارس الماضي، لتعزيزات إلى الشمال السوري في منطقة «إعزاز» كورقة تهديد لأمريكا في حال عدم الوفاء بالتزاماتها أمام أنقرة. سوريا على غرار العراق رغم انتهاء عمليه درع الفرات «بنجاح» وفق الإعلان التركي الرسمي، إلَّا أن أنقرة لم ولن تسحب قواتها من سوريا في المستقبل القريب، هذا الموقف يجعل نظيره التركي في العراق يقفز إلى الأذهان، حيث تٌصر القوات التركية على التواجد في قاعدة بعشيقة الواقعه شرق الموصل رغمًا عن السلطات العراقية، رغم أن السلطات العراقية طالبت مرارًا القوات التركية بالانسحاب من بلادها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية حتى وصل الأمر إلى تقديم شكوى رسمية من بغداد إلى مجلس الأمن؛ بسبب الوجود التركي، لكن أنقرة لم تحتفظ فقط بوجود قوات في الأراضي العراقية، بل أعلنت مشاركتها في العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العراقي لمكافحة تنظيم داعش، وعلى رأسها العملية العسكرية الكبيرة التي تجري في الموصل، لتصبح سورياوالعراق يشتركان في وجود جنود أتراك على أراضيهم رغم وصف الوجود التركي بغير المشروع، الأمر الذي يؤكد أن أنقرة لا تهتم كثيرًا برفض وجودها لكنها تبحث فقط عن مصالحها السياسية وأهدافها في الدول العربية أيًّا كانت النتيجة.