عادل الحلوانى: تركيا أرادت منع وجود الأكراد على حدودها وقطع الطريق على داعش
سيناهوك ديبو: العملية التركية تزامنت مع ذكرى مرور 500 عام على مرج دابق بما يعنى استهداف القومية الكردية
دخلت الأزمة السورية منعطفا خطيرا فى تاريخها بعد إطلاق تركيا عملية عسكرية برية فى الشمال السورى أطلقت عليها "درع الفرات"، لمواجهة التمدد الكردى فى الشريط الحدودى بين سورياوتركيا. تركيا التى يبدو أن قياداتها السياسية والعسكرية، سعت للتأكيد من خلال "درع الفرات" أن جيشها الوطنى لم يتأثر بمحاولة الانقلاب الفاشل الذى شهدته البلاد فى 15 يوليو الماضى، فضلا عن الوقوف فى وجه الحلم الكردى بإقامة حكم ذاتى فى الشمال السوري. رد الفعل الدولى حول درع الفرات، أوحى للكثيرين من المتابعين بوجود تنسيق تركى - روسى - إيرانى قبل العملية، مع عدم ممانعة أمريكية عبر عنها نائب الرئيس أوباما خلال زيارته السريعة لأنقرة بعد إطلاق العملية. وعلى الرغم من تأييد واشنطن لعملية درع الفرات. فإن بوادر أزمة جديدة بدأت تلوح فى الأفق بين تركياوالولاياتالمتحدة على خلفية توغل الأولى فى الأراضى السورية، واشتباكها أخيرا مع قوات كردية تدعمها واشنطن. وسارعت الولاياتالمتحدة إلى إقناع حلفائها، تركيا و«وحدات حماية الشعب الكردية»، بتركيز نيرانهم على تنظيم داعش بدلا من محاربة بعضهم بعضا، وذلك عقب اشتباكات بين الطرفين. وقالت تركيا إن هجوما صاروخيا من منطقة تسيطر عليها «الميليشيات الكردية»، تسبب فى مقتل أحد الجنود الأتراك، وقالت أيضا إنها قتلت 25 مسلحا كرديا الأحد. من جانبه، دعا وزير الدفاع الأمريكى أشتون كارتر، فى مؤتمر صحفى بوزارة الدفاع (البنتاجون) «الجانبين إلى عدم الاقتتال، وأن يواصلا التركيز على قتال تنظيم داعش.». وبحسب خبراء، فإن التحرك التركى المنفرد سعى لتحقيق أكثر هدف من العملية لعل أهمها منع إقامة كيان كردى ممتد بطول الحدود، خصوصا بعد نجاح قوات سوريا الديمقراطية فى تحرير مدينة منبج واستعدادها لدخول جرابلس، وهو المخطط الذى أفشلته درع الفرات بعد سيطرة الميليشيات الموالية لها على جرابلس وطرد عناصر داعش منها. من جانبهم اعتبر الأكراد أن العملية العسكرية التركية، هى احتلال وغزو عثمانى لسوريا، مطالبين المجتمع الدولى بالقيام بدوره تجاه الممارسات التركية بالشمال السورى، خصوصا بعد سقوط العشرات من الأطفال والنساء والرجال ضحايا للقصف التركى فى ريف جرابلس الجنوبى. وحذرت قيادات كردية من أن تركيا ستدفع ثمن استمرار احتلالها لسوريا مهددين بتحويل سوريا إلى مقبرة للعثمانيين. واعتبر سيناهوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الكردستانى، أن ما قامت به تركيا من تدخل عسكرى مع بعض جماعات مسلحة مرتبطة بها وملزمة بتنفيذ أجنداتها لمدينة جرابلس، هو احتلال دامغ بمقاييس القانون الدولي. وأكد ديبو ل»الأهرام العربي» أن الإعلان التركى عن عملية درع الفرات، جاء فى ذكرى مرور 500 عام على معركة «مرج دابق» فى رسالة اعتبرها القيادى الكردى تأكيدا لأهداف تركيا التوسعية فى سوريا ونيتها فى استهداف القومية الكردية والقضاء عليها. وحذر القيادى الكردى من أن استمرار تركيا فى احتلال الشمال السورى، يمكن أن يقود أنقرة إلى زمن الرجل المريض أيام السلطنة العثمانية قبل مائة عام. وأشار إلى أن تركيا حفرت قبرها بيدها، والمقاومة المتوقعة من الكرد والعرب وعموم المكونات فى روج آفا- ستجعل من شمال سوريا مقبرة الأناضول الحديثة.
المعادلات فى المنطقة بدوره يرى فادى عاكوم الباحث والمحلل اللبنانى أن التورط التركى فى سوريا ليس بالأمر الجديد أو المفاجئ، فأردوغان دخل اللعبة السورية منذ بدء الأزمة عبر مجموعة من الفصائل المسلحة التى كانت ولا تزال تنفذ أوامر المخابرات التركية. واعتبر عاكوم فى تصريحات ل»الأهرام العربي» أن الأحداث الأخيرة فى جرابلس والتدخل التركى بها ليس إلا استعراض للقوى من قبل أردوغان بعد الأحداث التركية الداخلية، ورسالة منه إلى دول القرار بأنه موجود وقوى وقادر على اتخاذ القرارات وتنفيذها، مع الإشارة إلى أنه لولا الضوء الأخضر الإيراني-الروسى لما تجرأ وقام بهذه الخطوة. وأشار الباحث اللبنانى إلى أن التدخل التركى فى جرابلس مفتوح أمام احتمالات إنهاء الأزمة، ومن خلال وضع الخطوط الجديدة للتعامل بين دمشقوأنقرة، خصوصا أن المنطقة الحدودية مهمة للأتراك جدا لإبقاء التواصل مع المجموعات المتأسلمة ولقطع الطريق أمام المكون الكردى الذى يريد ربط مناطقه فى الشمال السورى لتكوين منطقته الخاصة والمستقلة بقرارها. وتوقع عاكوم ألا تدخل القوات الكردية فى صدام مباشر مع الفصائل التابعة لتركيا على الأقل فى الفترة الحالية، بسبب التطورات المحلية والإقليمية التى ستفرض بعض المعادلات الجديدة فى المنطقة ككل، مع الاحتفاظ بكل التحالفات مع الدول الغربيةوالولاياتالمتحدة، والتى وبرغم ما يشاع لم تغير موقفها من الأكراد، كونها تعلم تماما أن القوات الكردية هى الوحيدة التى من الممكن أن يعول عليها فى سوريا ككل كحليف إستراتيجى دائم. لكن مصطفى زهران، الخبير فى الشئون التركية يرفض اعتبار التدخل التركى بسوريا توريطا لنظام أنقرة، مشيرا فى تصريحات ل»الأهرام العربى» إلى أن الدولة التركية وجدت أخيرا أنها بحاجة لحسم الكثير من الملفات العالقة، لم تكن لديها الجرأة الكاملة لإنهائها. وأكد زهران ل»الأهرام العربي» أن تركيا ما قبل الانقلاب تختلف جملة وتفصيلا عن تركيا بعد الانقلاب، لافتا النظر إلى أن الدولة التركية عندما أعطت للدولة المدنية دورها فى إدارة الحالة العسكرية بالداخل، كان لها دور كبير فى حسم الملف السورى ووضع حدود للأطماع الكردية بما تمثله من تهديدات لتركيا. وأشار إلى أن تركيا وعت جيدا أنه من الأهمية بمكان أن تبادر بحماية أمنها القومى كما فعلت سوريا وإيران فى سوريا، لافتا النظر إلى أن الدولة التركية أرتأت أنها لابد أن تحك ظهرها بظفرها «بحسب تعبيره»، وأن تسعى بنفسها بقوة للوقوف أمام حزب العمال الكردستانى والأطماع الكردية . ويرى عادل الحلوانى، ممثل الائتلاف السورى المعارض بالقاهرة، أن تركيا أريد لها التوريط بالملف السورى، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أن دخول جرابلس هو حاجة تركية كما هو حاجة سورية. وأوضح ل»الأهرام العربي» أن حاجة تركيا من دخول جرابلس تتمثل فى منع وجود الأكراد على حدودها، وكذلك قطع الطريق على داعش، لافتا النظر إلى أن هناك أنباء عن نية أنقرة إقامة منطقة عازلة للسوريين على حدودها للتخفيف من أعداد اللاجئين بأراضيها بعد أن تجاوز عددهم مليونى فرد. إبراهيم الشهابى الباحث فى العلاقات الدولية، اعتبر فى تصريحات ل»الأهرام العربي» أن تركيا باتت على خط المواجهة إقليميا، فى ظل تحديات داخلية عميقة، مشيرا إلى أن التدخل التركى بسوريا أقرب إلى الهروب للأمام من قبل أردوغان، ولا شك أن التورط التركى فى ساحة الحرب فى سوريا سيؤدى إلى توترات داخلية فى المناطق الكردية . وأشار إلى أنه لا يمكن اعتبار أن تركيا قد تورطت فى سوريا بتدخلها العسكرى الأخير فى سوريا، فهى متورطة فى كل مناطق الصراع فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لافتا النظر إلى أن التدخل العسكرى التركى فى العراق، كان له دلالة على تأثر الداخل التركى بالمستنقعين السورى والعراقي، ويبدو واضحا أن واشنطن استخدمت الحالة الكردية وظيفيا فى الشد والتأثير على الداخل التركى والإيرانى مما دفعها للدخول عسكريا وسياسيا فى مواجهة مع الأكراد. وتوقع الباحث أن يستمر سيناريو الحرب بالوكالة بين عدد من الفصائل المعارضة وداعش على خطوط التماس الكردى فى سورياوالعراق مع تمكين فصائل المعارضة الموالية لتركيا من الوجود بكثافة فى جرابلس، منعا لأى وجود لقوات البشمرجة الكردية، وما يبدو واضحا أننا أمام خريطة تقسيم لسوريا يتم رسمها بالقوات العسكرية على الأرض. كما ستنسحب القوات التركية بعد أن تضمن تثبيت موقف الميليشيات السورية الموالية لها، متوقعا ألا تطول مدة الوجود التركية وأن ترتبط زمنيا مع وصول كل من روسيا وأمريكا إلى تفاوض حاسم بشأن مستقبل سوريا. يوسف خالدى الباحث فى المركز الكردى للدراسات الإستراتيجية ببرلين أكد ل»الأهرام العربي» أن تركيا ستسقط فى وحل المستنقع السورى ولن تخرج منه بسهولة. وأكد خالد أن مصير تركيا لن يختلف كثيرا عن مصير داعش بسوريا، وستنجح القوات الكردية والمتحالفون معها فى طردها شر طردة، خصوصا أن أهالى الشمال السورى لا يقبلون باحتلال عثمانى لأراضيهم، وبدأوا بالفعل تنظيم صفوفهم فى مجالس مدنية وعسكرية ويتدربون بشكل جيد، ويمتلكون خبرات عسكرية قتالية كبيرة وستنطلق المقاومة ضد الاحتلال التركى فى أقرب وقت.